لماذا التأكيد على زواج المتعة ؟

البريد الإلكتروني طباعة

السؤال :

أنا شيعيّة ، أعيش في مدينة ميونخ. لقد قرأت اليوم الأسئلة والأجوبة على صفحتكم ، وكالعادة الشيعة لا يشغل بالهمّ سوى زواج المتعة ، هذا الطريق الذي فتح الباب أمام الكثير من الشباب هنا لممارسة الفساد باسم الشيعة وزواج المتعة. اتّقوا الله وانصحوا الشباب بالزواج الطبيعي لتقلّلوا الفساد. والله لو كان أمير المؤمنين عليه السلام هنا لمنع ذلك ، وقطع ألسنتكم ، يا من تشجّعوهم على ذلك. همّ الشيعي الشاب الوحيد هو هذه الأسئلة ، أمّا القرآن وغيره من الأمور فهذا مفهوم ، وتمّ هضمه دون الحاجة إلى سؤال أو استفسار ، فغالبية الأسئلة تدور حول هذا الموضوع.

هداكم الله وهدانا.

الجواب :

وبعد ، فإنّ الله سبحانه وتعالى قد هدى الأمم بالإسلام الذي بشّر به لعباده على لسان نبيّه محمّد صلّى الله عليه وآله ، وقد تمثل هذا الإسلام بالقرآن والسُنّة ، فهما المعين الذي من اتّبعه هدي إلى سواء السبيل ، ومن خالفه ارتطم بالهوى والفساد وجرّه إلى جهنّم وبئس المصير.

والتشريع الإسلامي الذي يجب على المسلم اتّباعه هو الذي يهدي إلى طريق الحقّ ، فلكلّ فرد يريد الربح من معاملاته طريقان : الحلال والحرام ؛ فإن اتّبع البيع والإجارة حصل على الربح الحلال ، وإن اتّبع الربا حصل على الربح الحرام.

وأمّا الطريق الجنسي واتّباع الشهوة الجنسيّة ، ففيها الحلال والحرام ؛ فإن اتّبع الزواج فهو الحلال والكرامة ، وإن اتّبع الزنا فهو الحرام والخيانة.

فالمهمّ أن نبحث إنّ التشريع الإسلامي كيف عالج اشباع الشهوة الجنسيّة ، فهل الزواج الذي أقرّه الإسلام هو الزواج الدائم أو هو مع الزواج المنقطع المسمّى بزواج المتعة ؟

فإن سمحت لنا ، فإنّنا نقول : إنّ التشريع الإسلامي أقرّ الزواج الدائم وأقرّ الزواج المنقطع الذي يكون إلى أجل ، كسنّة أو أكثر أو أقلّ.

والدليل على ذلك : هو قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (1).

وقد أجمع الصحابة على تشريع هذا الزواج المؤقّت زمن رسول الله صلّى الله عليه وآله ، ثمّ عمل به في زمن أبي بكر وشطر من خلافة عمر ، ثمّ نهى عنه عمر بقوله : متعتان كانا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم انهى عنهما واعاقب عليهما : متعةُ النساء ، ومتعةُ الحجّ (2).

ومراده متعة الحجّ ـ أي حجّ التمتّع الذي تأتي فيه العمرة قبل الحجّ ، ثمّ يتحلّل الإنسان فيحقّ له أن يواقع زوجته ، ثمّ يحرم بعد ذلك في اليوم الثامن إلى حجّ التمتّع ـ ومتعة النساء. وهذا الكلام من عمر خير دليل على تشريعها ، وعدم نسخها من قبل الرسول ، بل نهى عنها عمر.

وروى الترمذي في صحيحه ـ على ما حكاه الشهيد الثاني والعلّامة رحمهما الله ـ :

حدثنا عبدُ بنِ حُمَيدٍ أخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ بنُ سَعْدٍ أخبرنا أبي عنْ صَالحٍ بنِ كَيْسَانَ عن ابنِ شِهَابٍ أنّ سَالِمَ بنَ عبدِ اللهِ حَدَّثَهُ أنهُ سَمِعَ رَجُلاً منْ أهْلِ الشَّامِ وهُوَ يَسْأَلُ عَبْدَاللهِ بنَ عُمَرَ عنْ التَّمَتُّعِ بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ ، فقالَ عبدُاللهِ بنَ عُمَرَ : هيَ حَلَالٌ. فقالَ الشَّامِيّ إنَّ أبَاكَ قَدْ نَهَى عَنْهَا. فقالَ عبدُاللهِ بنُ عُمَرَ : أرَأيْتَ إنْ كَانَ أبِي نَهى عَنْهَا وصَنَعَها رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم : أمْرُ أبِي يُتَّبَعُ أمْ أمر رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ؟ فقالَ الرَّجُلُ : بَلْ أمْرُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم. فقالَ لَقَدْ صَنَعَهَا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ، هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. (3)

وطبعاً فإنّ هذا الزواج المؤقّت لا يختلف عن الزواج الدائم في أركانه إلّا الأجل ، فهو ـ أيّ الزواج المنقطع « المتعة » ـ يحتاج إلى عقد « إيجاب وقبول » ، رضا الأب إذا كانت البنت باكراً ، وفيه المهر ، وما في ذلك من حقوق الزوجة وحقوق الزوج ، وإذا انتهت المدّة ، فيجب على الزوجة أن تعتدّ من زوجها هذا بحيضتين ، وإذا جاء منه الولد فإنّه ولد شرعي ينسب إلى الزوج والزوجة ويرث منهما ويرثانه.

وهذا الزواج المؤقّت ينجي المغترب من الزنا ، وهو طريق شرعي.

نعم ، قد يوجد من يمارس عمليّة الزنا باسم المتعة كأن تكون المرأة لا تلتزم بالعدّة ، أو سقط الوليد وما إلى ذلك ، وهذا ليس عيباً على الشيعة أو على التشريع ، بل هو عيب المكلّف غير الملتزم.

ثمّ أنقل لك قصّة حدثت في مجمع الفقه الإسلامي بجدّة حيث بحثوا مسألة : إنّ الزوج إذا صمّم على أن يبقى مع زوجته الدائمة سنتين فقط ثمّ يطلّقها بعد ذلك ولكن لم يخبرها بذلك ، فهل هذا الزواج صحيحاً ؟ وقد ذهب جمع أو الجميع إلى صحّة هذا الزواج. ولكن قالوا لهم : إنّ هذا هو عقد المتعة مع الخيانة للزوجة الدائمة ، أمّا إذا قلنا للزوجة أنّها زوجة لمدّة سنتين فهو ليس فيه خيانة ، فأنتم أقررتم زواج المتعة « إلى أجل » مع الخيانة إلى الزوجة ، ونحن أحللناه مع عدم الخيانة.

وأخيراً نصيحتي لك : هو اتّباع الشرع ، فإن كان قوم لهم دليل على الزواج المنقطع فلا حاجة إلى التهجّم ، ولعلّهم على الحقّ.

الهوامش

1. النساء : 24.

2. كنز العمال « للمتقي الهندي » / المجلّد : 16 / الصفحة : 519 / الناشر : مؤسسة الرسالة.

راجع :

مسند أحمد بن حنبل / المجلّد : 2 / الصفحة : 365 / الناشر : مؤسسة الرسالة / الطبعة : 1.

سنن الكبرى « للبيهقي » / المجلّد : 7 / الصفحة : 206 / الناشر : دار الفكر.

أحكام القرآن « للجصاص » / المجلّد : 2 / الصفحة : 191 / الناشر : دار الكتب العلمية / الطبعة : 1.

3. سنن الترمذي / المجلّد : 2 / الصفحة : 159 / الناشر : دار الفكر / الطبعة : 2.

راجع :

بحار الأنوار « للشيخ للمجلسي » / المجلّد : 30 / الصفحة : 600 / الناشر : مؤسّسة الوفاء / الطبعة : 2.

الحدائق الناضرة « للبحراني » / المجلّد : 24 / الصفحة : 114 / الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي.

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية « للشهيد الثاني » / المجلّد : 3 / الصفحة : 237 / الناشر : مجمع الفكر الإسلامي.

نهج الحق وكشف الصدق « للعلامة الحلّي » / الصفحة : 283 / الناشر : مؤسسة الطباعة والنشر دار الهجرة.

 
 

أضف تعليق

نكاح المتعة

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية