فهل كان الرسول يعلم الغيب ؟

البريد الإلكتروني طباعة

فهل كان الرسول يعلم الغيب ؟
 

السؤال : علماءنا الأفاضل سؤالي هو الغيب فهل كان الرسول يعلم الغيب ؟ وإذا كان يعلم فما هي خواص ذلك الغيب ، وما فرقه عن غيب الله ؟ وما تفسير الآية الكريمة : { قُلْ ... لَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ } (الأعراف/188) ؟ ومإذا عن باقي الأئمة لهم ذلك أيضاً ، وما فرقه عن الرسول ؟

 


الجواب : من سماحة الشيخ باقر الإيرواني

 

 


قال تعالى : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ ... وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } (البقرة/255).
وقال : { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ } (الجن/26 ـ 27).
وقال : { وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } (النمل/75).
وقال : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (الواقعة/77 ـ 80).
وقال : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ } (النحل/89).
وقال : { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } (العنكبوت/49).
فهو تعالى يظهر علمه لمن شاء ولمن ارتضى من رسول وللمطهرين أهل آية التطهير ، ويمسس كتابه المحيط بغائبة السماء والأرض يمسسه المطهرين ، ويودعه في صدور الذين اوتوا العلم من هذه الأمة ، وهم المطهرون.
أمّا الفوارق بين علم الله تعالى وتعليمه للرسول ، فإنّ علمه تعالى أزلي ذاتي ، واستعلام واطلاع النبي صلى الله عليه وآله مخلوق للباري ، وأنّ علمه تعالى محيط ، وما يعلمه النبي صلى الله عليه وآله محاط من قبله تعالى ، فإنّ لله اسما مستأثراً لم يخرج منه إلى غيره ، كما وردت به الروايات ، وأنّ الله عالم بذاته المقدسة ولايكتنه مخلوق ذات الباري وغيرها من فوارق صفات الخالق عن صفات المخلوق .
أمّا الآية فمورد نزولها كما قيل إنّ أهل مكة قالوا : يا محمّد ! ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل ان يغلو ، فتشتريه فتربح فيه ، وبالأرض التي تريد أن تجدب ، فترتحل منها إلى أرض قد أخصبت ؟ ! فأنزل الله هذه الآية : { قُلْ لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف/188).
فواضح من سياق النزول أنّ أهل مكة كان سؤالهم اقتراحاً مادياً يرتبط بالمعيشة والرفاه حسب مشتهيات الغرائز للرغد والبطر ، وعلم الغيب لايستخدم لمثل هذا ، ولا يوظف في مثل هذه الاغراض ، وليس من هدف إرسال الرسول هو نعيم الماديات بل الغرض هو هداية البشر إلى السعادة الأخروية ، ونجاتهم من الشقاء الأبدي .
هذا غرض الرسالة في الدرجة الأولى ، فالباري تعالى لم يطلع نبيه على الغيب لكي يستجيب للمقترحات المادية والمشتهيات الغرائزية بل لينذر الناس من عذاب الآخرة إن عصوا ، ويبشرهم بالجنة إن اطاعوا ، فتبين أنّ الآية ليست في سياق نفي اطلاع الرسول على تعليم الله تعالى له من علم الغيب ، وإنّما هي في صدد نفي توظيف علم الغيب للمنافع والمضار المادية الدنيوية ، ألا ترى أنّ النذارة والبشارة بتفاصيل عالم البرزخ والآخرة ، وصفات البارئ ، والقرآن كلها من علم الغيب ، ولكن من علم الغيب الذي يهدف للهداية والسعادة الأخروية ، ويسوق نظام الحياة الدنيوية للخلاص الأخروي ، لا للخلود في الدنيا .
ونظير هذه الآيات بقية الآيات التي يتوهم أنّ ظاهرها نفي اطلاع الرسول على ما علمه البارئ من علم الغيب ، ولكن المراد منها هو ما ذكرناه في هذه الآية .

 

أضف تعليق

علم الغيب

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية