السؤال :
لماذا يقول الشيعة في قيامهم وقعودهم ، وفي عدّة حالات كلمة « يا عليّ » أو « يا محمّد » ، بدل « يا الله » ؟
الجواب :
المؤمن يطلب العون من محمّد أو علي والأئمّة الطاهرين عليهم السّلام ، ويتوسّل بهما إلى الله تعالى الذي أمرنا بابتغاء الوسيلة إليه : ( وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ ) (1).
وفي الحقيقة تكون كلمة « يا علي » أو « يا محمّد » مستبطناً لكلمة يا الله ، فإنّ عليّاً ومحمّداً وغيرهما لا حول ولا قوّة لهم إلّا بالله تعالى ، فيهم يطلبون من الله تعالى قضاء حوائجنا والله تعالى يفعل ما يشاء ، ويقضي حوائجنا كرامة لمحمّد وعلي والأئمّة الطاهرين عليهم السّلام.
وبما أنّ العبد الخاطئ والعاصي يرى نفسه غير لائق ؛ لأنّه يخاطب الله تعالى ويسأل منه مباشرة ويحتمل أنّ الله تعالى لا يجيب دعاءه لأجل عصيانه ، فمن الطبيعي أن يجعل بينه وبين الله تعالى وسيلة وواسطة وشفيعاً لا يردّ الله دعاءه ، لأنّه وليّ الله وحبيبه والله تعالى أمرنا بالتوسّل بأوليائه ليظهر للناس كرامتهم ومقامهم عند الله وقربهم منه ، بل من الممكن أن يعطي الله تعالى أولياءه القدرة على قضاء حوائجنا من شفاء المرضى ونحوه بإذن الله تعالى كما خاطب عيسى بن مريم فقال : ( وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي ) (2).
وكما قال الله تعالى : ( وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ) (3).
فجعل إغناء الرسول عِدلاً لإغناء الله تعالى مع أنّه لا حول ولا قوّة للرسول لا وللغيره إلّا بالله العليّ العظيم.
وعلى كلّ حال فالتوسّل والتبرّك بأولياء الله أصل من أصول الإسلام ، ويوجد في القرآن الكريم آيات تدلّ عليه : منها :
قوله تعالى : ( قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ ) (4).
وقد كان بإمكان إخوة يوسف أن يستغفروا الله مباشرة ولا يطلبوا من أبيهم الإستغفار ، لكنّهم جعلوا آبائهم ودعائه واستغفاره وسيلة بينهم وبين الله تعالى ، وقرّرهم أبوهم على ذلك ووعدهم الاستغفار لهم.
ومنها قوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (5).
يدلّ على أنّ مجرّد استغفارهم لا يفيد بل لا بدّ أن يأتوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ويطلبوا منه أن يستغفر لهم ليغفر الله لهم ، فهذه الآية تأمر المؤمنين بالتوسّل والمجيء إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله.
وقد ورد في صحاح العامّة أنّ عمر بن الخطّاب توسّل بالعبّاس عمّ النبيّ صلّى الله عليه وآله في الاستستقاء ، وقال :
اللهم إنّا كنّا نتوسّل بنبيّك ، فتمطرنا ، وها نحن اليوم نتوسّل بعمّ نبيك. (6)
كما ورد أنّ السماء لم تمطر على عهد عمر بن الخطّاب فوقع الناس في شدّة وضيق ، فجاؤوا إلى عائشة وشكوا إليها ، فأمرت أن يفتح كوّة على قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله بحيث يقع القبر تحت السماء ، فلمّا فعلوا ذلك مطرت السماء. (7)
وهل هذا إلّا تبرّك وتوسّل بقبر رسول الله صلّى الله عليه وآله بعد موته ؟.
الهوامش
1. المائدة : 35.
2. المائدة : 110.
3. التوبة : 74.
4. يوسف : 97 ـ 98.
5. النساء : 64.
6. صحيح البخاري / المجلّد : 4 / الصفحة : 209 / الناشر : دار الفكر :
حدثنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْاَنْصاريُّ حَدَّثَني أَبي عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمامَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ كانَ اِذا قَحِطُوا اسْتَسْقى بِالْعبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقالَ اللهُمَّ اِنّا كُنّا نَتَوَسَّلُ اِلَيْكَ بِنَبِيِّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَسْقينا وَاِنّا نَتَوَسَّلُ اِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنا فَاسقِنا قالَ فَيُسْقَوْنَ.
راجع :
صحيح ابن حبان / المجلّد : 7 / الصفحة : 110 ـ 111 / الناشر : مؤسسة الرسالة / الطبعة : 1.
المعجم الأوسط « للطبراني » / المجلّد : 3 / الصفحة : 49 / الناشر : دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع.
المبسوط « للسرخسي » / المجلّد : 2 / الصفحة : 77 / الناشر : دار المعرفة.
7. سنن الدارمي / المجلّد : 1 / الصفحة : 43 ـ 44 / الناشر : مطبعة الاعتدال :
حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا الى عائشة فقالت انظروا قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم فاجعلوا منه كوى الى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف قال ففعلوا فمطرنا مطراً حتى نبت العشب وسمنت الابل حتى تفنقت من الشحم فسمي عام الفتق.
راجع :
شفاء السقام « لعلي بن عبد الكافي السبكي » / الصفحة : 309 ـ 310 / الناشر : دائرة العثمانية / الطبعة : 4.
وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى (ص) « للسمهودي » / المجلّد : 2 / الصفحة : 123 / الناشر : دار الكتب العلمية / الطبعة : 1.
التعليقات
كان الناس تلجا للائمة ع للاستشفاء وقضاء الحوائج ولم يردعوهم ولم يمنعوهم او قالوا لهم اطلبوا من الله بل ساعدوهم وحلوا مشاكلهم ولم يقولوا لهم فقط اطلبوا من الله. والمثال المشهور هو الامام علي ع كان يقول سلوني يعني اقدموا الي واسالوني ولم يقل اسئلوا الله وكذا سيرة الصحابة كانت اللجوء الامام علي ع لحل مشاكلهم ولم يقل الامام علي ع اطلبوا من الله حتى ان عمر قال لولا علي ولم يقل لولا الله لهلك عمر. فكانوا يقولون يا علي ساعدنا بالفاظهم. لماذا اذا قال الشيعي يا علي يكون شركا دون الصحابة الذين قالوا ياعلي. ؟!
قال تعالى : (أليس الله بكاف عبده)[الزمر36]. قال الزبيدي « وقبيح بذوي الإيمان أن ينزلوا حاجتهم بغير الله تعالى مع علمهم بوحدانيته وانفراده بربوبيته وهم يسمعون قوله تعالى (أليس الله بكاف عبده). (إتحاف السادة المتقين 9/498 و5/119).
لا يكشف الضر إلا الله
قال تعالى : (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)[النمل62]. وهؤلاء يقولون لك: هناك مخلوقون: يجيبون المضطر إذا دعاهم ويكشفون السوء. ثم يزينون لك هذا الشرك بعبارة بإذن الله. مع أن الله يجعل ذلك خاصا به وحده فيقول:(وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ)[الانعام17]. وأما غيره فلا يكشفون ولا يستجيبون. قال تعالى : (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ)[الرعد14]. نعم، السارق يسرق بإذن الله الكوني لا الشرعي وكذلك المشرك فإنه يشرك بالله، وما أصاب الصحابة يوم التقى الجمعان فبإذن الله. ولكن أين الإذن الشرعي الدال على جواز الاستغاثة بغير الله؟
لا أقرب ولا أرحم ولا أعلم من الله
قال تعالى : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[البقرة186]. وفي هذه الآية لفتة كريمة إلى نفي أي وساطة بين العبد وربه، حتى إن الله لم يقل: فقل لهم إني قريب. وإنما قال: فإني قريب.
وقال تعالى : (قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ)[الزمر38]. فهؤلاء لا يتوكلون على الله لأنهم يدعونهم من دون الله.
1 ـ قال الله تعالى : ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) [ المائدة : 35 ].
2 ـ وقال الله تعالى : ( أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ... ) [ الاسراء : 57 ].
3 ـ وقال تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) [ النساء : 64 ].
بالله عليك بعد ان كان الله تعالى هو الكافي : ( أَلَيْسَ اللَّـهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) ، لماذا يجعل الله من شروط قبول توبتهم المجيء الى رسول الله ، وطلب الاستغفار منه لهم ؟ ولماذا لم يقل لهم : استغفروا في بيوتكم ، فان الله كاف عبده ، ولا يكشف الضرّ الا الله وهو أرحم الراحمين ؟
وهل يقول القرآن : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ ) لغواً وعبثاً ؟ فهذه الآية تدلّ على ان الله تعالى وهو أرحم الراحمين والكافي لعباده وكاشف الضرّ ، يريد ان يبيّن للناس مقام النبي ومنزلته ، فيأمرهم بالمجيء اليه وطلب الشفاعة منه.
4 ـ قال الله تعالى في قصّة إخوة يوسف : ( يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) [ يوسف : 97 ] ، وقد كان أبوهم يعقوب من الأنبياء ، ومعذلك لم ينكر عليهم ، ولم يقل لهم استغفروا الله بأنفسكم ولا تطلبوا منّي الاستغفار لكم ، فان الله تعالى هو الكافي وكاشف الضرّ وهو أرحم الراحمين ، وانّما قرّرهم على ذلك ووعدهم بالاستغفار لهم ، وقال سوف استغفر لكم ربّي.
ومن جميع هذه الآيات وغيرها يستفاد : ان الاستغاثة بأولياء الله والذين أكرمهم الله تعالى وجعلهم وسائط بينه وبين خلقه في الحقيقة ، نفس التوكّل على الله والاستعانة منه والاستغاثة به ، فان الله تعالى أحبّ ان يتوسّل المؤمنون اليه بهؤلاء ، لكي يعرف الناس مقامهم ومنزلتهم.
قال الله تعالى مخاطباً للرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم : ( يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ) [ الإسراء : 79 ] ، والمقام المحمود هو الشفاعة ، وقد قال الله تعالى : ( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ ) [ الأنبياء : 28 ].
قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ) [المائدة116]. لأنهم يدعون مريم مع الله فهو تأليه لها وإن لم يصرحوا بأنها إلهة مع الله.
وقال تعالى : (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ) [هود101].
الدعاء في لغة القرآن والحديث هو العبادة
قال تعالى : (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام56]. فدعاء غير الله مناف للإسلام لرب العالمين.
وقال تعالى : (يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ)[الحج12]. فوصف الله دعاء غير الله بأنه ضلال بعيد. وقال:
قال تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ)[يونس18]. وقال : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ. إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي)[غافر60].قال السدي: أي دعائي (تفسير الطبري 16/51 الجزء 24 ص51). قال الحافظ « وضع عبادتي موضع دعائي» (فتح الباري 11/95) وهذا دليل على أن الدعاء مستلزم للعبادة.
1 ـ قال الله تعالى : ( فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ) [ القمر : 10 ] ، وهل معناه وعبد ربّه انّي مغلوب فانتصر ؟
امّا انّ معنى نادى ربّه :
2 ـ ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) [ الاسراء : 71 ].
3 ـ ( وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَسْمَعُوا ) [ الأعراف : 198 ].
وما الفرق بين تدعوهم في هذه الآية وفي قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ ) [ الأعراف : 194 ].
4 ـ ( وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ ) [ الأعراف : 193 ].
5 ـ ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّـهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ) [ ابراهيم : 22 ].
6 ـ ( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) [ النحل : 125 ].
7 ـ ( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ) [ الاسراء : 56 ].
8 ـ ( وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ) [ الاسراء : 67 ].
9 ـ ( وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا ) [ الجاثية : 28 ].
10 ـ ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ) [ ابراهيم : 39 ـ 40 ].
11 ـ ( الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ) [ ابراهيم : 39 ].
وهل الدعاء هنا بمعنى العبادة ؟ وهل يسمع الله العبادة ؟
نعم قد يستعمل الدعاء الذي هو موضوع للأعمّ في الدعاء بنحو العبادة بأن يطلب من الله تعالى شيئاً من باب ان العبد يطلب من خالقه ومولاه الحقيقي ، وفي مثل ذلك لا مانع من التوسّل والاستشفاع بأولياء الله تعالى ، لأنّه في الحقيقة يدعو الله ويطلب من الله تعالى ، وانما يجعل النبي صلّى الله عليه وآله أو الولي شفيعاً ، وقد قال الله تعالى : ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) [ المائدة : 35 ].
نعم لو طلب قضاء الحاجة من مخلوق سواء كان هو النبي والولي أو شخص آخر بنحو الاستقلال ومن دون ان يطلب من الله تعالى بواسطته ؛ فهذا شرك ، حتّى لو كان يطلب الشفاء من الطبيب من دون ان يراه وسيلة بل يراه الشافي بالذات ، فانه شرك ؛ لان الشافي بالذات هو الله ، والطبيب وسيلة ، وهذا في جميع العلل والاسباب التكوينيّة ، فانّ الله تعالى هو علّة العلل والاسباب التكوينيّة ، فان الله تعالى هو علّة العلل ومسبّب الاسباب ، ولولا ارادته ومشيّته لا يحرق النار ، مع انّها علّة للاحراق ، ولذا صارت برداً وسلاماً على ابراهيم ، لانّ الله تعالى لم يرد ان تكون تلك النار محرقة ، ولعلّ في قوله تعالى كراراً ومراراً : ( الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ ) اشارة الى ذلك.
قال تعالى :(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) [الأحقاف5].
وقال تعالى : (يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد) {الحج13}.
دعاء الاستغاثة باطل
قال ابن قتيبة في قوله تعالى : (وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين) [البقرة23]. « أي ادعوهم ليعاونوكم على سورة مثله، ومعنى الدعاء ههنا الاستغاثة، ومنه دعاء الجاهلية وهو قولهم: يا آل فلان، إنما هو استغاثتهم» (غريب القرآن43).
قال عليه الصلاة والسلام إ نه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله. رواه الطبراني وصححه الألباني
النهي عن دعاء غير الله نهي قرآني لا عبرة بغيره
قال تعالى : (فلا تدعوا مع الله أحدا) [الجن18]. فهذا نهي يفيد العموم.
وقال تعالى : (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [غافر66]. هذه الآية تدل على أن الدعاء عبادة. وهي نص على أن دعاء غير الله مناف للإسلام لرب العالمين.
فان الدعاء هو الطلب ، فليس كلّ نداء أو كلّ طلب عبادة لغير الله تعالى ، وان كان يصدق عليه الدعاء.
نعم المراد من قوله : ( فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّـهِ أَحَدًا ) [ الجن : 18 ] ، أو قوله : ( إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ ) [ الأنعام : 56 ] ، يراد به عبادة غير الله ، لا الطلب من غير الله ؛ فليس كلّ دعاء وطلب عبادة ، وإلّا تكون قد أشركت إذا طلبت شيئاً من أحد ؛ فالآيات ناظرة إلى قسم خاصّ من الدعاء ، وهو طلب الحاجة من غير الله تعالى ، بنحو يراه الداعي انه مستقل في ذاته ، ويمكنه ان يفعل شيئاً بدون مشيئة الله وحوله وقوّته ؛ فان هذا هو الشرك ، امّا الطلب من شخص مع العلم بأنّه لا حول ولا قوّة له إلّا بالله ، وان الله هو الفاعل لما يشاء ، وهو مسبّب الأسباب ، فلا مانع منه ، لانّ الله أبى ان يجري الأشياء إلّا بأسبابها ، وقد تكون الأسباب تكوينيّة ، وقد تكون فعل انسان كالنبي أو الولي ، قال الله تعالى : ( وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ) [ التوبة : 74 ] ؛ فالله يغني ، والرسول يغني ، لكن الفرق انّ الله يغني بذاته وعلى نحو الاستقلال ، امّا النبي فهو يغني بإذن الله وحوله وقوّته وإرادته.
قال تعالى : (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ) [الزمر 3] لا شك أننا مأمورون بالإخلاص في عبادة الله.
وقال تعالى : (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[غافر14].
وفي آية أخرى : (هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)[غافر65]. وهذه الآيات تأمرنا بالإخلاص لله في الدعاء. وتبين التلازم بين الدعاء والعبادة. وتفيد وجوب الإخلاص في العبادة وفي الدعاء. فمن دعا غير الله فيما يختص به اللله من الدعاء فقد أشرك بالله وإن قال لا اله الا الله. قال تعالى: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ)[العنكبوت65]. وفي هذه الآية يصف الله من لم يخلصوا لله في دعائهم بأنهم يشركون.
ولو كنت مريضاً فاستعملت الدواء ، هل تصير مشركاً بذلك ، لأنّك دعوت غير الله ، واستعنت بغير الله ؟ أم انّك تشرب الدواء ، لانّ الله قد جعل فيه خاصية الشفاء ، فهو الشافي في الحقيقة والدواء وسيلة ولولا ارادة الله تعالى لم ينفع الدواء اصلاً.
ثمّ هل يناقض القرآن نفسه فيقول تارة : ( فَادْعُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) [ غافر : 14 ] ، ثمّ يقول على لسان أولاد يعقوب : ( يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) [ يوسف : 97 ] ، ويقررهم النبي يعقوب عليه السلام ويقول : ( سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ ) [ يوسف : 98 ].
وهل يدعوا القرآن الى الشرك ، حيث يقول : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) [ النساء : 64 ].
وهل كان عمر بن الخطاب مشركاً حين توسّل بالعبّاس عمّ النبي صلّى الله عليه وآله في الاستسقاء ، كما في صحيح البخاري ، وقد كان يقول : « نتوسّل بنبيّك فتمطرنا وها نحن نتوسّل بعمّ نبيّك فامطرنا » فأين قول الله تعالى : ( فَادْعُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) ؟
ثمّ انّه اذا كان التوسّل بغير الله شركا ، فلا فرق بين التوسّل بالحيّ أو الميّت كما هو واضح ، مضافاً الى انّنا نعتقد بانّ محمّداً وعليّاً والأئمّة المعصومين عليهم السلام أحياء عند ربّهم يرزقون.
فإذا كان الميّت الكافر يسمع ، فالمؤمن بطريق أولى فضلاً عن النبي صلّى الله عليه وآله والأئمّة الأطهار عليهم السلام الذين هم أفضل من الشهداء الذين ورد في حقّهم : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) [ آل عمران : 169 ].
فما هو المانع ان نقول يا علي أو يا محمّد اشفع لي عند ربّك لقضاء حاجتي ، فانّ النبي صلّى الله عليه وآله حيّ عند ربّه مرزوق.
شتان بين من يقول : ( يا الله )
و بين من يقول يا حسن يا حسين يا زينب يا فلان يا علان .....
و قد قال الله تعالى { إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين
وقد قال تعالى : ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) [ المائدة : 35 ].
وقال تعالى : ( أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ) [ الإسراء : 57 ].
وقد قال الله تعالى في حقّ النبي صلّى الله عليه وآله : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) [ النساء : 64 ].
وفي هذه الآية جعل شرط قبول توبتهم :
أولاً : المجيء إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وطلب الاستغفار منه.
ثانياً : استغفار الرسول لهم ، فهل يكون ذلك مصداقاً لقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) [ الأعراف : 194 ].
وهل يناقض القرآن الكريم نفسه ؟
وقد ورد في صحيح البخاري : انّ عمر بن الخطاب توسّل بعمّ النبي صلّى الله عليه وآله العبّاس بن عبدالمطلب في الاستسقاء ، وكان يقول : « اللهمّ انّا كنّا نتوسّل بنبيّك فتمطرنا وها نحن نتوسّل بعمّ نبيّك فامطرنا ».
فكيف يدعوا عمر العباس بن عبدالمطلب ويطلب منه الدعاء للمطر ، ومعذلك لا تشمله الآية : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ).
نعم ، لابدّ ان تجيب بأن عمر بن الخطاب دعا الله تعالى في الحقيقة ، وجعل العباس وسيلة أو طلب الدعاء من العباس ، وطلب الدعاء من شخص ليس دعاءً من غير الله تعالى ، لأن ذلك الشخص يدعو ويطلب من الله تعالى.
ونفس هذا الجواب يأتي بالنسبة لقولنا يا حسن ويا حسين ويا زينب ، غاية الأمر يكون طلباً للدعاء من الميّت ، لكن باعتقادنا انّ هؤلاء أحياء عند ربّهم يرزقون ، بل ورد في روايات أهل السنّة انّ الموتى يسمعون حتّى لو كانوا كفّاراً فكيف بالمسلم المؤمن.
فقد ورد انّ النبي صلّى الله عليه وآله أشرف على قليب بدر وفيه جثث أقطاب المشركين ، فقال : « قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّاً فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقّاً » ؛ فاعترض عليه بعض الصحابة وقالوا : أتتكلّم مع الموتى ؟ فقال صلّى الله عليه وآله : انّهم أسمع منكم وأبصر.
والسرّ في ذلك انّ الروح تبقى حيّة بعد الموت وانفصالها عن الجسد.
ابغاكم تجيبولي دليل صريح من القران يحلل الشرك
كيف يكون طلب العون من غير الله تعالى شركاً مع انّ القرآن الكريم يصرّح بأنّ سليمان النبي عليه السلام طلب من ملائه أن يأتوا بعرش بلقيس ، فقال عفريت من الجن أنا آتيك بعرشها في قبل ان تقوم من مقامك ، وقال آصف بن برخيا أنا آتيك به في طرفة عين ، وقد أتى به بطريق إعجازي ؛ فهل كان سليمان مشركاً ؟ ولماذا لم يطلب من الله تعالى وطلب من المخلوقين ؟
ثمّ ماذا تقول عن إخوة يوسف حيث قالوا لأبيهم يعقوب النبي عليه السلام : ( يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) [ يوسف : 97 ] ، فلم يقل لهم أبوهم يعقوب طلبكم هذا شرك فاطلبوا من الله تعالى أن يغفر لكم ، بل قرّرهم ووعدهم بأن يستغفر لهم ؛ فهل كان طلبهم العون من أبيهم وشركاً ؟ وهل قرّرهم النبي يعقوب عليه السلام على الشرك ؟!
وإذا كان طلب العون من غير الله تعالى ـ مع العلم بأنّ الله تعالى هو مسبّب الأسباب ـ شركاً فكيف تفسير قول الله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) [ النساء : 64 ] كيف صار المجيء إلى الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله شرطاً لقبول توبتهم ؟ وهل هذا إلّا طلب العون من الرسول لكي يتوسّط بينهم وبين الله تعالى ليغفر لهم ؟!!
وإذا كان طلب العون من المخلوق شركاً فذهاب المريض إلى الطبيب وطلب العلاج منه شرك ، لأنّه طلب العون من غير الله تعالى.
ثمّ ماذا تصنع بالحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه وغيره من المحدّثين انّ عمر بن الخطاب توسّل بالعبّاس عمّ النبي صلّى الله عليه وآله في الإستسقاء ، وقال : اللهم إنّا كنّا نتوسّل بنبيّك فتمطرنا وها نحن نتوسّل بعمّ نبيّك فامطرنا.
وهل كان عمر مشركاً حيث طلب من العبّاس ان يدعو الله لأجل الإستسقاء ؟!
إن قلت انّ هؤلاء توسّلوا بالأحياء وطلبوا العون من الأحياء ، قلنا هل الطلب من غير الله شرك أم لا ؟ فإذا كان شركاً فلا فرق بين الطلب من الحي أو الميّت ولا بين الطلب من الإنسان أو الجماد ، وإذا لم يكن شركاً فلا فرق أيضاً بين الطلب من الحيّ أو من الميّت ؛ غاية الأمر يكون الطلب من الميّت لغواً وعبثاً لا أنّه شرك ، لأنّه لو كان شركاً فلأجل كونه طلباً من غير الله وهذا يصدق في الطلب من الحيّ.
فالصحيح هو انّ الله تعالى مسبّب الأسباب وعلّة العلل ولا مؤثّر في الوجود إلّا الله تعالى غاية الأمر ، أبى الله تعالى إلّا أن يجري الأمور بأسبابها ، فحينما نطلب العون من السبب التكويني أو السبب العيني ففي الحقيقة نطلب من الله تعالى الذي هو مسبّب الأسباب ، فالله تعالى أراد أن يبيّن ويوضح للأمّة مقام رسول الله صلّى الله عليه وآله ومنزلته الشريفة ، فأمر الناس بالتوجّه إلى النبي صلّى الله عليه وآله وجعله واسطة بينه وبين خلقه ليقضي حوائجهم ويغفر لهم ذنوبهم ؛ فقال : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ ) ، فالمسلم كان بإمكانه أن يستغفر بنفسه ويطلب المغفرة من الله تعالى ، لكن الله أمره أن يأتي إلى النبي ويطلب منه الإستغفار له ، كما انّ المسلمين كانوا يتمكّنون من الدعاء والاستسقاء بأنفسهم ، لكنّ الله تعالى أمرهم بالتوسّل إلى النبي وجعله واسطة بينهم وبين الله تعالى لينزل عليهم المطر ؛ كما يظهر من قول عمر : اللهم إنّا كنّا نتوسّل بنبيّك فتمطرنا.
هذا مضافاً إلى قوله تعالى : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) [ آل عمران : 169 ].
بل حتّى الأموات قد يكونا أحياء في عالم البرزخ والقبر ؛ كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : « القبر إمّا روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران ».
وورد في الحديث : « الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ».
وتكلّم النبي صلّى الله عليه وآله مع موتى المشركين في قليب بدر معروف ومشهور ولما اعترض بعض الصحابة : كيف تكلّم الموتى ؟ قال : انّهم أسمع منكم.
اني اقول يا شيخ ادعي لي لعلك مستجاب الدعاء جائز
لكن اطلب من الأموات الواسطة بيني وبين الله لا يجوز
فالصحيح انّ الطلب من الحيّ أو من الميّت باعتباره قادراً على قضاء الحاجة مستقلّاً عن الله تعالى وبدون إذن الله وقدرته ، فهذا شرك وحرام ولا فرق بين الحيّ والميّت حتّى لو اعتقدت ان الطبيب يعالجك مستقلّاً وبدون إذن الله ، فهذا شرك لأنّك تعتقد انّ هناك مؤثّر في الوجود غير الله تعالى وهو الطبيب وهذا شرك. امّا لو راجعت الطبيب باعتبار انّ الله تعالى جعله سبباً لتشخيص مرضك وانّ الشافي في الحقيقة هو الله تعالى ، والطبيب انّما هو وسيلة وآلة ، فهذا ليس شركاً.
ثانياً : قد ثبت انّ بعض الأموات وهم الشهداء وأولياء الله أحياء عند ربّهم يرزقون ، فيمكن التوسّل بهم لكي يشفعوا لنا عند الله لقضاء الحوائج ، وهذا في الحقيقة طلب من الله تعالى فانّه يقضي حوائجنا ببركة وليّه ولأجل تكريمه وبيان مقامه ، فالقاضي للحاجة هو الله تعالى والولي أو النبي يدعوا لنا ويشفع عند الله تعالى ، قال الله تعالى : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) [ آل عمران : 169 ] ، بل يظهر من الروايات انّ كلّ ميّت حتّى الكفّار يسمع بعد الموت كما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله حينما تكلّم مع المقتولين من الكفّار في معركة بدر وقال لهم : « قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّاً فهل وجدتم ما وعد ربّكم حقّاً » ، ولما اعترض عليه بعض الصحابة كيف تخاطب الموتى ؟ قال : « انّهم اسمع منكم وأبصر ».
والقرآن الكريم يقول : ( فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) [ ق : 22 ].
ثمّ قد استدلّ هذا الشيعي بما رواه البخارى من توسّل عمر بن الخطاب بعمّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم العباس بن عبد المطلب في الاستقساء وطلب المطر.
قال الله تعالى ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ).
وقال تعالى ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) [ الزمر : 18 ].
ثانياً : هناك روايات كثيرة يتوسّل فيها الأئمّة عليهم السلام بما فيهم الإمام الصادق عليه السلام بالنبي صلّى الله عليه وآله وعلي والحسين عليهما السلام ، ويطلبون من الله قضاء حوائجهم بحقّ محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.
وقد ورد انّ الإمام علي الهادي عليه السلام مرض مرضاً شديداً ، فطلب من بعض أصحابه ان يذهب من سامراء الى كربلاء ويدعو لشفائه تحت القبّة الشريفة للإمام الحسين عليه السلام ، ولما اعترضوا عليه بأنّك امام معصوم وحجّة من الله تعالى فلا حاجة لك الى التوسّل بقبر الحسين عليه السلام ، فأجاب انّ لله تعالى أمكنة يحبّ ان يدعى فيها ويستجيب دعاء من دعا فيها.
وكذلك ورد انّ الإمام الباقر عليه السلام لما اشتدّ به المرض كان يقول : « يا فاطمة ».
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة