هل يوجد في الوقت الحاضر دين من الأديان مَن يقول بنفس التوحيد الذي تقول به الإماميّة ؟

البريد الإلكتروني طباعة

السؤال :

هل يصلح الاستدلال على صحّة الدين الإسلامي من خلال التوحيد الذي يقول به القرآن الكريم حسب تعاليم وتفسير أهل البيت عليهم السّلام ممّا عليه الإماميّة الإثنى عشريّة ؟ أيّ أنّه هل يوجد في الوقت الحاضر دين من الأديان في العالم مَن يقول بنفس التوحيد الذي تقول به الإماميّة الإثنى عشرية أم لا ؟ وهل يصحّ هذا الطريق من الاستدلال ؟

الجواب :

كلّ دين سماوي وإلهي كان يدعوا إلى التوحيد المستفاد من القرآن الكريم حسب تعاليم أهل البيت عليهم السّلام ، بل نقول :

إنّ التوحيد أمر فطري يشعر به كلّ إنسان بحسب فطرته وغريزته والقرآن الكريم يشير إلى هذه الفطرة السليمة ، قال اللّه تعالى : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) [ الروم : 30 ].

ففي الكافي بسنده عَنْ هِشامِ بنِ سالِم ، عَنْ أَبي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قال : قُلْتُ : « فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا » ؟ قالَ : التوحيد. [ الاصول من الكافي ، المجلّد : 2 / الصفحة : 10 / الناشر : المكتبة الإسلاميّة ]

وفي حديث آخر عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سِنانٍ عَنْ أَبي عَبْدِ اللهِ عليه السلام قال : سَأَلتُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) ، ما تِلْكَ الفِطْرَهُ ؟

قالَ : هِي الإِسلامُ ، فَطَرَهُمُ اللهُ حينَ أَخَذَ ميثاقَهُمْ عَلَى التَّوْحيدِ. [ الاصول من الكافي ، المجلّد : 2 / الصفحة : 10 / الناشر : المكتبة الإسلاميّة ]

وفي حديث آخر عن الصادق عليه السلام في قوله : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) قال على التوحيد ومحمّداً رسول اللّه صلّى الله عليه وآله وعليّ أمير المؤمنين عليه السّلام ». [ بصائر الدرجات الكبرى ، المجلّد : 1 / الصفحة : 98 / الناشر : منشورات الأعلمي ]

وفي الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلى الفِطْرَةِ حَتّى يَكُونَ أبَواهُ  يُهَوِّدانِهِ وَيُنَصِّرانِهِ ». [ المجعم الكبير ، المجلّد : 1 / الصفحة : 285 / الناشر : مكتبة ابن تيميّة ].

نعم لاريبّ في أنّ التوحيد المستفاد من القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت عليهم السلام هو التوحيد الكامل الذي له أغصان وشعب ، ويعبّر عنه بتوحيد اللّه تعالى من جميع الجهات :

كالتوحيد في الذات : ( قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ * اللَّـهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) [ الإخلاص : 1 ـ 4 ].

والتوحيد في الصفات : بمعنى أنّ صفات ذاته تعالى عين ذاته.

كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام : « أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ ، وَکَمالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ ، وَکَمالُ التَّصْديقِ بِهِ تَوْحِيدِهِ ، وَکَمالُ تَوْحيدُهُ الإخلاصُ لَهُ ، وَکَمالُ الإخلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفاتِ عَنْهُ لِشَهادَةِ کُلِّ صِفَةٍ أنَّها غَيْرُ المَوْصُوفِ ، وَشَهادَةِ کُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ.

فمََنْ وَصَفَ اللهَ سُبْحانَهُ ، فَقَدْ قَرَنَهُ ، وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنّاهُ ، وَمَنْ ثَنّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ ، وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ ... ». [ نهج البلاغة : الخطبة الاولى ، الصفحة : 7 / الناشر : منشورات بنياد نهج البلاغة ].

والتوحيد في العبادة : بمعنى أنّه لا تجوز عبادة أحد سواه قال اللّه تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَـٰهًا وَاحِدًا لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) [ التوبة : 31 ].

والتوحيد في الأفعال : وهو الاعتقاد بأنّه لا مؤثّر في الوجود إلّا اللّه ، وهذا لا يتنافى ترتب المسبّبات على الأسباب كالإحراق على النار أو الزرع على البذر ، كما لا يتنافى اختياريّة أفعال الإنسان ، وكذا لا يتنافى التوسّل بالأولياء والأنبياء والأئمّة عليهم السلام.

أمّا عدم منافاته لترتّب المسبّبات على الأسباب ، فلأنّ ذلك أيضاً بمشيئة الله ومسبّب الأسباب هو الله تعالى.

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « أَبَى اللهُ أَنْ يُجْرِيَ الأَشْياءَ إِلّا بِأسْباب فَجَعَلَ لِكُلِّّ شَيْءٍ سَبَبَاً وَجَعَلَ لِكُلِّ سَبَبٍ شَرْحاً ، وَجَعَلَ لِكُلِّ شَرْحٍ عِلْماً وَجَعَلَ لِكُلِّ عِلْمٍ باباً ناطِقاً ، عَرَفَهُ مَن عَرَفَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ ، ذاك رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وَنَحْنُ » [ الاصول من الكافي ، المجلد : 1 / الصفحة : 140 / الناشر : المكتبة الإسلامية ].

وأمّا عدم منافاته لاختيار الإنسان ، فهو على أساس الفكرة التي طرحها أئمّتنا عليه السلام من مسألة الأمر بين الأمرين حيث إنّ اللّه تعالى يفيض القدرة على الإنسان في كلّ آن ، لكنّه جعله مختاراً في تصرّفاته ، فلا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين.

وأمّا عدم منافاته للتوسّل بالمعصومين عليهم السلام ، فلأن تأثيرهم لا يكون إلّا بإذن اللّه سبحانه وتعالى وليس لهم باستقلالهم شيء ، قال اللّه تعالى : ( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ ) [ المائدة : 110 ].

ثمّ إنّ التوحيد في الأفعال له شعب :

1ـ التوحيد في الخلق : ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) [ الأعراف : 54 ].

2 ـ التوحيد في الربّوبّية : ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّـهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ) [ الأنعام : 164 ].

وقال تعالى على لسان يوسف عليه السلام : ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّـهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) [ يوسف : 39 ].

ويظهر من هذه الآية إنّ عبادة الأصنام كانت من قبيل الشرك في الربّوبّية ، كما أنّها كانت من قبيل الشرك في العبادة كما في قوله تعالى : ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَىٰ ) [ الزمر : 3 ].

3 ـ التوحيد في المالكيّة والحاكميّة التكوينيّة : قال اللّه تعالى : ( ذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ) [ الزمر : 6 ].

4 ـ التوحيد في التشريع : قال اللّه تعالى ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ ) [ يوسف : 40 ـ 67 ] ، [ الأنعام : 57 ].

5 ـ التوحيد في الإلوهيّة والطاعة : قال اللّه تعالى : ( اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ) [ الأعراف : 3 ].

وقوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) [ النساء : 59 ].

ولا يتنافى وجوب طاعة المعصومين مع توحيد اللّه في الطاعة ، لأنّ طاعتهم ليست اطاعة لهم بذاتهم واستقلالاً بل بإذن اللّه ، ولأنّه أوجب طاعتهم علينا فهي في الحقيقة طاعة للّه تعالى.

 
 

أضف تعليق

التوحيد

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية