لماذا الخوف من البرزخ ؟

طباعة

السؤال :

ينتابني الشعور بالخوف الشديد أحياناً عندما أفكّر في موضوع البرزخ وكيف أنّ الناجين من عذابه أندر من الكبريت الأحمر ، الخوف على مَن يعنيني أمرهم أكثر من الخوف على نفسي ، ويزداد هذا الخوف كلّ ما اشتدّ مرض أحدهم ،كيف يهنئ لي عيش وأنا أتخيّل أحد أحبّتي في شدّة وعذاب لا يحتملان ولا يتصوّران. قرأت في هذا الموضوع اتّجاهين :

الإتّجاه الأوّل : هو أنّ أقلّ ذنب ومعصية يحاسب عليها الإنسان في القبر ، وهذا ما يؤرقني ، ولكن ألّا ينافي ذلك رحمة الله ، فلو جئت إلى شخص كريم لغفر لك ذلك ولم يحاسبك فكيف بأكرم الأكرمين ؟

والإتّجاه الثاني : أنّ الناس في البرزخ ثلاثة أقسام :

1 ـ معذّبين « من محض الكفر ».

2 ـ منعمين « الشهداء والصديقين ».

3 ـ في سبات عميق إلى يوم القيامة « باقي الناس ».

مع أنّني أعتقد أنّ هذا الاتّجاه أقرب إلى كرم الله ورحمته ، إلّا أنّني أخاف أن يكون الاتّجاه الأوّل هو الصحيح حيث « اعتقاد المعتقد لا يؤثّر في ما عليه المعتقد ».

أفيدوني في ذلك رحمكم الله , من منّا لم يخطئ ومن منّا كامل ، وقد تستطيع تقليل العذاب عن نفسك ، ولكن كيف تجنّب غيرك خصوصاً إذا كانوا كبار في السن ، ومن الذين يصعب التأثير عليه ؟

الجواب :

عذاب البرزخ وثوابه حقّ لا ريب فيه ، وقد ورد عن رسول الله صلّى الله عيه وآله وسلّم : « القبر إمّا روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النيران ». [ بحار الأنوار ، المجلّد : 6 / الصفحة : 275 / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : 2 ]

ولكن ليس من الضروري أن يعذّب كلّ أحد في القبر ، لأنّ عذاب القبر بالنسبة للمؤمن تمحيص له عن الذنوب والمعاصي ، وتطهير له ليرد على الله تعالى مستحقّاً لثوابه.

وفي الحديث الشريف : « إنّ الله تعالى إذا أحبّ أحداً وصدرت منه المعاصي فإمّا أن يبتليه بمرض في بدنه ليكون تطهيراً له من آثار المعصية ، أو يبتليه في ماله أو في ولده أو يشتدّ عليه النزع وسكرات الموت ، وإذا لم يتحقّق بعض هذه الأمور ، فيبتلي بعذاب البرزخ ليكون كفّارة لذنوبه ».

ولذا ورد عن الامام الصادق عليه السّلام : « والله ما أخاف عليكم إِلا البرزخ ، فامّا إِذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم ». [ بحار الأنوار ، المجلّد : 6 / الصفحة : 214 / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : 2 ]

وقد ورد أنّ بعض المعاصي والأخلاق الذميمة توجب عذاب القبر ـ ضغطة القبر ـ ، ومنها سوء خلق الرجل مع زوجته وأهله.

وعلى كلّ حال يمكن التخلّص من عذاب القبر بعدم إرتكاب الذنوب والمعاصي ، أو التوبة والإستغفار من الذنوب بالندم على ما صدر منه والعزم على عدم العود ، وإصلاح ما فسد ، والتخلّص عن حقوق الناس وإرضائهم ، والتوسّل بالنبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم والأئمّة المعصومين عليهم السّلام والذهاب لزيارتهم.

وقد نقل إنّ إمرأة مؤمنة كانت مداومة لزيارة عاشوراء ، فلمّا توفّيت ودفنت ، جاء الإمام الحسين عليه السّلام لزيارتها ، « أو قلّ لردّ الزيارة » إلى قبرها ، وببركة مجيء الإمام الحسين عليه السّلام ارتفع العذاب ـ عذاب القبر ـ عن جميع المدفونين في تلك المقبرة.

فراجع مفاتيح الجنان للشيخ القمّي أعلى الله مقامه بعد زيارة عاشوراء ودعاء علقمة لتجد تفاصيل القصّة هناك.

وعلى كلّ حال فرحمة الله واسعة ، والنبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم ، والأئمة عليه السّلام المعصومون ، وفاطمة الزهراء عليها السلام شفعاء مشفّعون ، فلا بدّ أن نرجوا رحمة الله الواسعة ، وشفاعة المعصومين عليهم السّلام ، وفي نفس الوقت نخاف من ذنوبنا وشرور أنفسنا ، فنتداركها بالتوبة والأنابة إلى الله تعالى ، ونجتهد في تحصيل رضى الله تعالى بإتيان الواجبات وترك المحرمات.

ففي الحديث الشريف عن النبيّ الأعظم صلّى الله عيه وآله وسلّم : « من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً ». [ بحار الأنوار ، المجلّد : 23 / الصفحة : 233 / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : 2 ]

ومن المعلوم أنّ الشهيد لا يعذّب في القبر ، فينبغي أن يكون حبّنا لله ولرسوله ولأهل البيت عليهم السّلام صادقاً بإطاعتهم ، والسير على نهجهم ، والرجوع إلى خطّهم ، كلّما انحرفنا عنه بإغراء الشيطان الرجيم وإغوائه ووسوسته.

وقد روي عن الصادق عليه السّلام أنّه قال :

     

تعصي الاله وأنت تظهر حبّه

 

هذا لعمرك في الفعال بديع

لو كان حبّك صادقا لأطعته

 

إنّ المحبَّ لمن يحبُّ مطيعُ

[ بحار الأنوار ، المجلّد : 47 / الصفحة : 24 / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : 2 ]