قصيدة فرزدق في مدح الإمام زين العابدين عليه السّلام

البريد الإلكتروني طباعة

قصيدة فرزدق في مدح الإمام زين العابدين عليه السّلام

مدح الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام

الحلية (1) والأغاني (2) وغيرهما (3) : حجّ هشام بن عبد الملك فلم يقدر على الإستلام من الزحام ، فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين عليه السلام وعليه إزار ورداء ، من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم رائحة ، بين عينيه سجادة كأنّها ركبة عنز ، فجعل يطوف فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس حتّى يستلمه هيبة له ، فقال شامي : من هذا يا أمير المؤمنين ؟ فقال : لا أعرفه ، لئلّا يرغب فيه أهل الشام ، فقال الفرزدق وكان حاضراً : لكنّي أنا أعرفه ، فقال الشامي : من هو يا أبا فراس ؟ فأنشأ قصيدة ذكر بعضها في الأغاني ، والحلية ، والحماسة ، والقصيدة بتمامها هذه :

يا سائلي أين حلّ الجود والكرم ؟

 

عندي بيان إذا طلابه قدموا

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

 

والبيت يعرفه والحلّ والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلّهم

 

هذا التقي النقي الطاهر العلم

هذا الذي أحمد المختار والده

 

صلّى عليه إلهي ما جرى القلم

لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه

 

لخر يلثم منه ما وطى القدم

هذا علي رسول الله والده

 

أمست بنور هداه تهتدي الاُمم

هذا الذي عمّه الطيّار جعفر

 

والمقتول حمزة ليث حبه قسم

هذا ابن سيّدة النسوان فاطمة

 

وابن الوصيّ الذي في سيفه نقم

إذا رأته قريش قال قائلها

 

إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

يكاد يمسكه عرفان راحته

 

ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

وليس قولك : من هذا ؟ بضائره

 

العرب تعرف من أنكرت والعجم

ينمى إلى ذروة العزّ التي قصرت

 

عن نيلها عرب الإسلام والعجم

يغضي حياءاً ويغضى من مهابته

 

فما يكلّم إلّا حين يبتسم

ينجاب نور الدجى عن نور غرّته

 

كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم

بكفّه خيزران ريحه عبق

 

من كف أروع في عرنينه شمم

ما قال : « لا » قطّ إلّا في تشهّده

 

لولا التشهّد كانت لاؤه نعم

مشتقه من رسول الله نبعته

 

طابت عناصره والخيم والشيم

حمال أثقال أقوام إذا فدحوا

 

حلو الشمائل تحلو عنده نعم

إن قال قال بما يهوى جميعهم

 

وإن تكلّم يوماً زانه الكلم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله

 

بجدّه أنبياء الله قد ختموا

الله فضله قدماً وشرفه

 

جرى بذاك له في لوحه القلم

من جده دان فضل الأنبياء له

 

وفضل اُمّته دانت لها الاُمم

عمّ البريّة بالإحسان وانقشعت

 

عنها العماية والإملاق والظلم

كلتا يديه غياث عمّ نفعهما

 

يستوكفان ولا يعروهما عدم

سهل الخليقة لا تخشى بوادره

 

يزينه خصلتان : الحلم والكرم

لا يخلف الوعد ميموناً نقيبته

 

رحب الفناء أريب حين يعترم

من معشر حبّهم دين وبغضهم

 

كفر وقربهم منجى ومعتصم

يستدفع السوء والبلوى بحبّهم

 

ويستزاد به الإحسان والنعم

مقدم بعد ذكر الله ذكرهم

 

في كلّ فرض ومختوم به الكلم

إن عدّ أهل التقى كانوا أئمّتهم

 

أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

لا يستطيع جواد بعد غايتهم

 

ولا يدانيهم قوم وإن كرموا

هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت

 

والاسد أسد الشرى والبأس محتدم

يأبى لهم أن يحلّ الذمّ ساحتهم

 

خيم كريم وأيد بالندى هضم

لا يقبض العسر بسطاً من أكفّهم

 

سيّان ذلك إن أثروا وإن عدموا

أيّ القبائل ليست في رقابهم

 

لاوليّة هذا أوله نعم ؟

من يعرف الله يعرف أوليّة ذا

 

فالدين من بيت هذا ناله الامم

بيوتهم في قريش يستضاء بها

 

في النائبات وعند الحكم أن حكموا

فجدّه من قريش في ارومتها

 

محمّد وعلي بعده علم

بدر له شاهد والشعب من اُحد

 

والخندقان ويوم الفتح قد علموا

وخيبر وحنين يشهدان له

 

وفي قريضة يوم صليم قتم

مواطن قد علت في كلّ نائبة

 

على الصحابة لم أكتم كما كتموا

فغضب هشام ومنع جائزته وقال : ألا قلت فينا مثلها ؟ قال : هات جدّاً كجدّه وأباً كأبيه واُمّاً كاُمّه حتّى أقول فيكم مثلها ، فحبسوه بعسفان بين مكّة والمدينة ، فبلغ ذلك علي بن الحسين عليه السلام فبعث إليه باثني عشر ألف درهم وقال : اعذرنا يا أبا فراس ، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به ، فردّها وقال : يا ابن رسول الله ما قلت الذي قلت إلّا غضباً لله ولرسوله ، وما كنت لارزأ عليه شيئاً ، فردّها إليه وقال : بحقّي عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيّتك ، فقبلها ، فجعل الفرزدق يهجو هشاماً وهو في الحبس ، فكان ممّا هجاه به قوله :

     

أيحبسني بين المدينة والتي

 

إليها قلوب الناس يهوي منيبها

يقلب رأسا لم يكن رأس سيد

 

وعينا له حولاء باد عيوبها (4)

ومن الغرائب وبعض الغرائب مصائب انّ هذا الديوان « عنى بجمعه وطبعه والتعليق عليه عبد الله إسماعيل الصاوي ، صاحب دائرة المعارف للأعلام العربيّة » إذا قرأنا مقدّمته نجد الصاوي يشير في ص ٥ انّ هشاماً حبس الفرزدق بعسفان لما مدح علي ابن الحسين عليه السلام سنة حجّ هشام مستنداً في ذلك إلى ابن خلكان ، ثمّ يذكر أوّل البيتين اللذين قالهما الفرزدق في حبسه كما في الأصل نقلاً عن شرح رسالة ابن زيدون. هذا كلّه نجده في المقدّمة ، لكنّا نجده في نفس الديوان في ج ١ ص ٥١ يذكر البيتين بتفاوت ثمّ يشير في الهامش إلى اختلاف الرواية في سبب إنشائهما ، ويذكر رواية الاغاني المصرحة بأن الفرزدق قالهما حين حبسه هشام على مدحه علي بن الحسين عليه السلام بقصيدته التي فأخبر هشام بذلك فأطلقه ، وفي رواية أبي بكر العلاف أنّه أخرجه إلى البصرة (5).

الهوامش

1. حلية الأولياء ج ٣ ص ١٣٩.

2. الاغانى ج ١٤ ص ٧٥ وج ١٩ ص ٤٠ طبع الساسي بمصر.

3. وهم جمع كثير من المتقدّمين والمتأخّرين وحسبك منهم من أعلامنا المتقدّمين الشيخ المفيد في الإختصاص ص ١٩١ ، والاربلي في كشف الغمة ج ٢ ص ٢٦٧ والراوندي في الخرايج والجرايح ص ١٩٥ والسيّد المرتضى في أماليه ج ١ ص ٦٧ ٦٩ والشيخ حسين ابن عبد الوهّاب معاصر المرتضى والرضي ومشاركاً لهما في بعض مشايخهما في عيون المعجزات ص ٦٣ طبع النجف. أمّا المتأخرون فلا يسعني ذكرهم لكثرتهم.

أمّا سائر أعلام المسلمين الذين ذكروا ذلك فهم كثير وإليك طائفة منهم : أبو الفرج ابن الجوزى في صفة الصفوة ج ٢ ص ٥٤ ، والسبكي في طبقات الشافعيّة ج ١ ص ١٥٣ وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب ج ١ ص ١٤٢ ، واليافعي في مرآة الجنان ج ١ ص ٢٣٩ ، وابن عساكر في تاريخه في ترجمة الإمام زين العابدين عليه السلام ، وابن خلكان في وفيات الأعيان في ترجمة الفرزدق ، وابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول ص ٧٩ طبع ايران ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمّة ص ١٩٣ طبع النجف ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ ص ١٨٥ طبع ايران ، والدميري في حياة الحيوان مادّة « الأسد ».

والسيوطي في شرح شواهد المغني ص ٢٤٩ طبع مصر سنة ١٣٢٢ ، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب ص ٣٠٣ طبع النجف ، والخطيب التبريزي في شرح ديوان الحماسة ج ٢ ص ٢٨ ، والعيني في شرح الشواهد الكبرى بهامش خزانة الأدب للبغدادي ج ٢ ص ٥١٣ ، والقيرواني في زهر الآداب ج ١ ص ٦٥ ، وابن نباتة المصري في شرح رسالة ابن زيدون بهامش الغيث المسجم للصفدي ج ٢ ص ١٦٣ ، وابن كثير الشامي في البداية والنهاية ج ٩ ص ١٠٨ ، وقال : وقد روى من طرق ذكرها الصولي والجريري وغير واحد الخ ، وابن حجر في الصواعق المحرقة ص ١٩٨ طبع مصر سنة ١٣٧٥ ، والشبلنجي في نور الأبصار ص ١٢٩ والصاوي في ديوان الفرزدق ج ٢ ص ٨٤٨ وغيرهم وغيرهم.

4. ديوان الفرزدق ج ١ ص ٥١ وفيه « يرددنى » بدل « أيحبسنى » وتفاوت في البيت الثانى.

أوّلها « هذا الذي تعرف البطحاء وطأته » الخ.

أمّا إذا رجعنا إلى نفس الديوان في حرف الميم في ج ٢ ص ٨٤٨ نجده يذكر ستّة أبيات فقط من القصيدة ولا أدرى ما الذي حداه إلى هذه الخيانة الأدبيّة ؟ أليس هو الذي سبق منه أن نقل عن تاريخ ابن خلكان والأغاني وشرح رسالة ابن زيدون سبب انشائها ، ان لم يعتمد هذه الكتب فلم نقل عنها ؟ وان اعتمدها في نقل السبب فلم لم ينقل القصيدة بكاملها عنهم ؟ أليست هي جميعها من شعر الفرزدق ؟ ألم يعلم وهو « الذي عنى بجمعه الخ » انّ القصيدة مثبتة في ديوان الفرزدق قبل أن يخلق ؟ فهذا سبط ابن الجوزي ذكر في تذكرة الخواصّ رواية أبي نعيم في الخلية للقصيدة ، ثمّ عقب ذلك بقوله : قلت : لم يذكر أبو نعيم في الحلية إلّا بعض هذه الأبيات والباقي أخذته من ديوان الفرزدق اه ، ولعلّ الصاوي حاول تجاهل الواقع تقليداً لسلفه هشام حين تجاهل ذلك ؟ وظنّ وظنّه اثم أنّه بفعله وفعله جرم سيخفى الحقيقة ، ولن فاته أنّها تظهر ولو بعد حين.

وانّ من الخير أن نرشد القارئ الكريم إلى الطبعة الجديدة من ديوان الفرزدق « طبع دار صادر ودار بيروت » فقد أشار الأديب الفاضل الاُستاذ كرم البستاني في مقدّمة الديوان ص ٥ إلى هذه القصيدة العصماء ، كما أنّه ذكرها في ج ٢ ص ١٧٨ وهي أوّل قصيدة في حرف الميم.

5. الماقب ج ٣ ص ٣٠٦.

مقتبس من كتاب : [ بحار الأنوار ] / المجلّد : 46 / الصفحة : 124 ـ 128

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية