الوليد العظيم

البريد الإلكتروني طباعة

الوليد العظيم

وقبل الحديث عن ولادة الإمام الزكي أبي محمّد عليه السلام ، وما رافقها من شؤون ، نعرض إلى نسبه الوضّاح ، ذلك النسب الرفيع المتّصل برسول الله صلّى الله عليه وآله ، الذي هو مصدر الفيض والعطاء ، ومصدر الخير والرحمة إلى الناس ، فأيّ نسب أسمى وأجل من نسب الإمام الرضا عليه السلام ، فهو ثمرة من ثمرات رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وفرع مشرق من فروعه ... وهذه لمحة موجزة عن أصوله الكريمة.

الأب :

أمّا أبو الإمام الرضا فهو الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمّد الباقر بن الإمام زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب عليهم السلام.

وليس في دنيا الأنساب أرفع ولا أزكى من هذا النسب ، ومن المؤكّد أنّ هؤلاء الأئمّة الطاهرين هم خلفاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وأوصياؤه ، وسنذكر في البحوث الآتية لمحة عن حياة أبيه الإمام موسى عليه السلام.

الأُم :

أمّا أُمّ الإمام الرضا عليه السلام فقد تحلّت بجميع مزايا الشرف والفضيلة التي تسمو بها المرأة المسلمة من العفّة والطهارة ، وسموّ الذات وهي من السيّدات الماجدات في الإسلام ، وكانت أمَةً ، وهذا لا ينقص مكانتها ؛ لأنّ الإسلام جعل المقياس في تفاوت الناس بالتقوى والعمل الصالح ، ولا أثر لغير ذلك.

ونقل الرواة عدّة أقوال في كيفيّة زواج الإمام الكاظم عليه السلام بهذه السيّدة الماجدة ، وهذه بعضها :

١ ـ إنّها كانت من أشراف العجم ، وكانت مِلكاً للسيّدة حميدة أُمّ الإمام موسى عليه السلام ، وهي من أفضل النساء في عقلها ، ودينها وإعظامها لمولاتها السيّدة حميدة ، حتّى أنّها ما جلست بين يديها من ملكتها إجلالاً ، وإعظاماً لها ، وقد قالت حميدة لابنها الإمام موسى : يا بنيّ إن تكتم جارية ، ما رأيت جارية قطّ أفضل منها ، ولست أشكّ أنّ الله تعالى سيظهر نسلها ، وقد وهبتها لك فاستوص بها خيراً (1).

٢ ـ روى هشام بن أحمد قال أبو الحسن الأوّل ـ هو الإمام موسى ـ : هل علمت أحداً من أهل المغرب قدم ؟ قلت : لا. فقال عليه السلام : بلى قد قدم رجل ، فانطلق بنا إليه. فركب وركبنا معه ، حتّى انتهينا إلى الرجل ، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق. فقال له : اعرض علينا. فعرض علينا تسع جوار ، كلّ ذلك يقول أبو الحسن : لا حاجة لي فيها. ثمّ قال له : اعرض علينا. فقال : ما عندي شيء. فقال له : بلى اعرض علينا. قال : لا والله ما عندي إلّا جارية مريضة. فقال له : ما عليك أن تعرضها. فأبى. ثمّ انصرف عليه السلام ، ثمّ إنّه أرسلني من الغد إليه ، فقال لي : قل له : كم غايتك فيها ؟ فإذا قال : كذا وكذا ـ يعني من المال ـ فقل : قد أخذتها. فأتيته ، فقال له : ما أريد أن أنقصها من كذا ـ وعين مبلغاً خاصّاً ـ. فقلت : قد أخذتها ، وهو لك. فقال : هي لك ، ولكن مَن الرجل الذي كان معك بالأمس ؟ فقلت : رجل من بني هاشم. فقال : من أيّ بني هاشم ؟ فقلت : من نقبائهم. فقال : أريد أكثر من هذا. فقلت : ما عندي أكثر من هذا.

فقال: أخبرك عن هذه ، إنّي اشتريتها من أقصى المغرب ، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب ، فقالت : مَن هذه الوصيفة معك ؟ فقلت : اشتريتها لنفسي. فقالت : ما ينبغي أن تكون عند مثلك ، إنّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض ، فلا تلبث عنده إلّا قليلاً حتّى تلد منه غلاماً يدين له شرق الأرض وغربها. قال : فأتيته بها ، فلم تلبث عنده إلّا قليلاً حتّى ولدت له عليّاً (2).

٣ ـ روي : أنّ الإمام الكاظم عليه السلام قال لأصحابه : والله ما اشتريت هذه الجارية إلّا بأمرٍ من الله ووحيه. وسئُل عن ذلك ، فقال : بينما أنا نائم إذ أتاني جدّي وأبي ، ومعهما قطعة حرير ، فنشراها ، فإذا قميص فيه صورة هذه الجارية ، فقالا : يا موسى ليكوننّ لك من هذه الجارية خير أهل الأرض بعدك ، ثمّ أمرني أبي إذا ولد لي ولد أن أسمّيه عليّاً ، وقالا : إنّ الله عزّ وجلّ سيظهر به العدل والرحمة ، طوبى لمن صدقه ، وويل لمن عاداه وجحده (3).

هذه بعض الروايات التي قيلت في كيفيّة زواج الإمام موسى عليه السلام بهذه السيّدة الكريمة ، وقد حباها بخالص الحبّ ، وأصفاه ، وكانت تنعم بالإكبار والتقدير في بيته.

اسمها :

أمّا اسم هذه السيّدة الزكيّة فقد اختلفت فيه أقوال الرواة ، وهذه بعضها :

١ ـ تكتم : وذهب كثير من المؤرّخين إلى أنّ اسمها تكتم ، وفي ذلك يقول الشاعر في مدحه للإمام عليه السلام :

     

ألا إنّ خير الناس نفساً ووالداً

 

ورهطاً وأجداداً علي المعظّمُ

أتتنا به للعلم والحلم ثامناً

 

إماماً يؤدّي حجّة الله تكتمُ (4)

وهذا الاسم عربي تسمّى به السيّدات من نساء العرب ، وفيه يقول الشاعر :

     

طافَ الخَيالانِ فَهاجا سَقَما

 

خَيالُ تُكنى وَخَيالُ تَكتَما (5)

٢ ـ الخيزران (6).

٣ ـ أروى (7).

٤ ـ نجمة (8).

٥ ـ أُمّ البنين (9) ، والظاهر أنّه كنية لها.

هذه بعض الأقوال التي قيلت في اسمها ، وليس في تحقيق ما هو الصحيح منها بذي فائدة على القراء.

تقواها :

وكانت هذه السيّدة الزكيّة من العابدات ، فقد أقبلت على طاعة الله إقبالاً شديداً ، فقد تأثّرت بسلوك زوجها الإمام الكاظم عليه السلام إمام المتّقين والمنيبين إلى الله تعالى ، وكان من مظاهر عبادتها أنّها لمّا ولدت الإمام الرضا عليه السلام قالت : أعينوني بمرضعة ، فقيل لها : أنقص الدر ؟ قالت : ما أكذب ما نقص الدر ، ولكن عليّ ورد من صلاتي وتسبيحي (10).

أرأيتم هذه النفس الملائكيّة التي هامت بحبّ الله ، وانقطعت إليه فقد طلبت أن يعاونوها على إرضاع ولدها ؛ لأنّه يشغلها عن أورادها من الصلاة والتسبيح.

الوليد العظيم :

وأشرقت الأرض بمولد الإمام الرضا عليه السلام ، فقد ولد خير أهل الأرض ، وأكثرهم عائدة على الإسلام ، وسرت موجات من السرور والفرح عند آل النبي صلّى الله عليه وآله ، وقد استقبل الإمام الكاظم النبأ بهذا المولود المبارك بمزيد من الإبتهاج ، وسارع إلى السيّدة زوجته يهنّيها بوليدها قائلاً : « هنيئاً لك يا نجمة كرامة لك من ربّك ... ».

وأخذ وليده المبارك ، وقد لُفّ في خرقة بيضاء ، وأجرى عليه المراسم الشرعيّة ، فأذّن في أُذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ودعا بماء الفرات فحنّكه به ، ثمّ ردّه إلى أُمّه ، وقال لها : « خذيه فإنّه بقيّة الله في أرضه ... » (11).

لقد استقبل سليل النبوّة أوّل صورة في دنيا الوجود ، صورة أبيه إمام المتّقين ، وزعيم الموحّدين ، وأوّل صوت قرع سمعه هو :

« الله أكبر ».

« لا إله إلّا الله ».

وهذه الكلمات المشرقة هي سرّ الوجود ، وأُنشودة المتّقين.

وسمّى الإمام الكاظم عليه السلام وليده المبارك باسم جدّه الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام ، تبرّكاً وتيمّناً بهذا الاسم الذي يرمز لأعظم شخصيّة خُلقت في دنيا الإسلام ، والتي تحلّت بجميع فضائل الدنيا.

ألقابه :

وُلقّب الإمام الرضا عليه السلام بكوكبة من الألقاب الكريمة ، وكلّ لقبٍ منها يرمز إلى صفة من صفاته الكريمة ، وهذه بعضها :

١ ـ الرضا :

واختلف المؤرّخون والرواة في الشخص الذي أضفى على الإمام عليه السلام هذا اللقب الرفيع ، حتّى غلب عليه ، وصار اسماً يُعرف به ، وهذه بعض الأقوال :

أ ـ المأمون :

وذهب فريق من المؤرّخين إلى أنّ المأمون هو الذي منحه هذا اللقب (12) ؛ لأنّه رضي به ، وجعله ولي عهده (13) ، وقد فنّد الإمام الجواد عليه السلام ذلك أمام جماعة من أصحابه وقال :

« إنّ الله تبارك وتعالى سمّى ما ترضاه ، لأنّه كان رضىً لله عزّ وجل في سمائه ، ورضىً لرسوله ، والأئمّة من بعده صلوات الله عليهم ... ».

فقال له البزنطي : « ألم يكن كلّ واحد من آبائك الماضين عليهم السلام رضىً لله عزّ وجلّ ولرسوله ، والأئمّة بعده ؟ »

« بلى ... ».

« لم سُمّي أبوك من بينهم بالرضا ؟ ... ».

« لأنّه رضي به المخالفون من أعدائه ، كما رضي به الموافقون من أوليائه ، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه ؛ فلذلك سُمّي من بينهم بالرضا ... » (14).

ب ـ الإمام موسى :

وذهب بعض الرواة إلى أنّ الإمام موسى الكاظم عليه السلام هو الذي أضفى على ولده هذا اللقب ، فقد روى سليمان بن حفص قال : كان موسى بن جعفر سمّى ولده عليّاً الرضا ، وكان يقول : ادعو لي ولدي الرضا ، وقلت : لولدي الرضا ، وقال لي : ولدي الرضا ، وإذا خاطبه قال : يا أبا الحسن (15).

هذه بعض الأقوال في منحه بهذا اللقب الكريم ، وقد علّل أحمد البزنطي السبب الذي من أجله لُقّب بالرضا قال :

« إنّما سُمّي الرضا لأنّه كان رضىً لله تعالى في سمائه ، ورضىً لرسوله والأئمّة بعده في أرضه » (16).

٢ ـ الصابر (17) :

وإنّما لُقّب بذلك لأنّه صبر على المحن والخطوب التي تلقّاها من خصومه وأعدائه.

٣ ـ الزكي (18) :

لقد كان الإمام الرضا عليه السلام من أزكياء البشر ، ومن نبلائهم وأشرافهم.

٤ ـ الوفي (19) :

أمّا الوفاء فهو عنصر من عناصر الإمام ، وذاتي من ذاتيّاته ، فقد كان وفيّاً لأُمّته ووطنه.

٥ ـ سراج الله (20) :

لقد كان الإمام سراجاً لله يهدي الضالّ ، ويرشد الحائر.

٦ ـ قرّة عين المؤمنين (21) :

ومن ألقابه الكريمة أنّه كان قرّة عين المؤمنين : فقد كان زيناً وفخراً لهم ، وكهفاً وحصناً لهم.

٧ ـ مكيدة الملحدين (22) :

وإنّما لُقّب بذلك لأنّه أبطل شُبَه الملحدين ، وفنّد أوهامهم ؛ وذلك في مناظراته التي أُقيمت في البلد العبّاسي ، والتي أثبت فيها أصالة القيم والمبادئ الإسلاميّة.

٨ ـ الصدّيق (23) :

فقد كان عليه السلام كيوسف الصدّيق الذي ملك مصر ، فقد تزعّم جميع أنحاء العالم الإسلامي ، وكانت له الولاية المطلقة عليه.

٩ ـ الفاضل (24) :

وهو أفضل إنسان ، وأكملهم في عصره ، ولهذه الظاهرة لُقّب بالفاضل.

هذه بعض الألقاب الكريمة التي لُقّب بها ، وهي تنم عن سمو شخصيّته وعظيم شأنه.

كُنيته :

واعتاد أئمّة أهل البيت عليهم السلام بتكنية أبنائهم منذ صغرهم وهذا من محاسن التربية الإسلامية الهادفة إلى ازدهار الشخصيّة ، وإشعار الطفل بأنّ له مكانة عند أهله ، وقد كُنّي الإمام الرضا عليه السلام بما يلي :

١ ـ أبو الحسن :

كنّاه بذلك أبوه الإمام موسى الكاظم عليه السلام (25) فقد قال عليه السلام لعلي بن يقطين : يا علي هذا ابني ـ وأشار إلى الإمام الرضا ـ سيّد ولدي ، وقد نحلته كنيتي (26). لقد كان الإمام الكاظم يُكنّى بأبي الحسن ، ولمّا كانت هذه الكنية مشتركة بينهما قيل للإمام الكاظم أبي الحسن الماضي ، وللإمام الرضا أبي الحسن الثاني ؛ وذلك للتفرقة بين الكنيتين.

٢ ـ أبو بكر :

وهذه الكنية نادرة ، ولم يعرف بها إلّا نادراً ، فقد روى أبو الصلت الهروي قال : سألني المأمون يوماً عن مسألة ، فقلت : قال فيها أبو بكر كذا وكذا ، فقال المأمون : مَن هو أبو بكر ؟ أبو بكرنا ، أو أبو بكر العامّة ؟ قلت ، أبو بكرنا. قال عيسى : قلت لابن الصلت مَن هو أبو بكركم ؟ فقال : علي بن موسى ، كان يكنّى بها (27).

سنة ولادته :

واختلف المؤرّخون اختلافاً كثيراً في السنة التي وُلد فيها الإمام الرضا عليه السلام ، وكذلك اختلفوا في الشهر الذي وُلد فيه ، وهذه بعض ما أثر عنهم :

١ ـ أنّه وُلد سنة ١٤٧ هـ (28).

٢ ـ وُلد سنة ١٤٨ هـ (29) وهذا هو المشهور بين الرواة.

٣ ـ وُلد سنة ١٥٠ هـ (30).

٤ ـ وُلد سنة ١٥١ هـ (31).

٥ ـ وُلد سنة ١٥٣ هـ (32) وهي السنة التي توفّي فيها جدّه الصادق (33).

هذه بعض الأقوال في سنة ولادته ، وقد اختلف المؤرّخون أيضاً في الشهر الذي وُلد فيه ، وهذه بعض أقوالهم :

١ ـ أنّه وُلد يوم الخميس أو ليلة الخميس لأحد عشر ليلة خلت من ربيع الأول (34).

٢ ـ وُلد في ذي القعدة (35) في الحادي عشر منه يوم الخميس (36).

٣ ـ وُلد في شوّال في السابع منه وقيل ثامنه ، وقيل سادسه (37).

هذه بعض الأقوال التي أدلى بها المؤرّخون والرواة.

صفته :

وذهب كثير من المؤرّخين إلى أنّ الإمام عليه السلام كان أسمر شديد السمرة (38) ، وقيل إنّه كان أبيض معتدل القامة (39) ، وإنّه كان شديد الشبه بجدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله (40).

وكما شابه جدّه في ملامحه ، فقد شابهه في مكارم أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيين.

هيبته :

أمّا هيبة الإمام أبي محمّد ، فكانت تعنو لها الجباه ، فقد بدت عليه هيبة الأنبياء والأوصياء الذين كساهم الله بنوره ، وما رآه أحد إلّا هابه ، وكان من هيبته أنّه إذا جلس للناس أو ركب لم يقدر أحد أن يرفع صوته من عظيم هيبته (41).

ويقول الرواة : إنّه إذا جاء إلى المأمون بادره الحجّاب والخدم بين يديه ، ورفعوا له الستر ، ولمّا بلغهم أنّ المأمون يريد أن يبايع له بولاية العهد تواصوا على أنّه إذا جاء لا يصنعون له الحفاوة والتكريم الذي كانوا يصنعونه ، وجاء الإمام على عادته فأخذتهم هيبته وبادروا إلى تكريمه كما كانوا يصنعون ، وتلاوموا فيما بينهم وأقسموا أنّه إذا عاد لا يقابلوه بذلك التكريم ولمّا جاء عليه السلام في اليوم الثاني قاموا إليه وسلّموا عليه إلّا أنّهم لم يرفعوا له الستر ، فجاءت ريح فرفعته كعادته ، ولمّا أراد الخروج أيضاً رفعت الريح الستر ، فقال بعضهم لبعض : إنّ لهذا الرجل شأناً ولله به عناية ارجعوا إلى خدمتكم (42).

إنّ لائمّة أهل البيت عليهم السلام شأناً ومكانةً عند الله تعالى ، فهو يؤيّدهم ، ويسدّدهم بما يسدّد به أنبياءه ورسله.

نقش خاتمه :

أمّا النقش على الخاتم وما رسم عليه من كلمات فإنّه ـ على الأكثر ـ يمثّل اتّجاهات الشخص وميوله ، وقد وسم على خاتم الإمام الرضا عليه السلام ما يلي:

« ولي الله » (43).

وله خاتم آخر قد نقش عليه :

« العِزّة لله » (44).

وهذه النقوش تمثّل مدى انقطاعه إلى الله تعالى ، وتمسّكه به.

نشأته :

نشأ الإمام الرضا عليه السلام في بيت من أجلّ البيوت وأرفعها في الإسلام ، إنّه بيت الإمامة ، ومركز الوحي ذلك البيت الذي إذن الله أن يرفع ، ويُذكر فيه اسمه ، في هذا البيت العريق ترعرع الإمام الرضا ونشأ ، وقد سادت فيه أرقى وأسمى ألوان التربية الإسلاميّة الرفيعة ، فكان الصغير يحترم ويبجّل الكبير ، والكبير يعطف على الصغير ، كما سادت فيه الآداب الرفيعة ، والأخلاق الكريمة ولا تسمع فيه إلّا تلاوة كتاب الله ، والحث على العمل الصالح وما يقرّب الإنسان من ربّه.

وقد أكّد علماء التربية على أنّ البيت من أهمّ العوامل في تكوين الشخص ، وبناء سلوكه ، فإن كان البيت تسوده المحبّة والأُلفة ، والعادات الرفيعة والتقاليد الحسنة ، ويجتنب فيه هجر الكلام ومره ، فإنّ الطفل ينشأ نشأة سليمة وبعيدة عن التعقيد ، وازدواج الشخصيّة ، وإن كان البيت مصاباً بالإنحراف والشذوذ ، وتنتشر فيه البغضاء والكراهيّة ، فإنّ الطفل حتماً يمنى بالتعقيد ، والجنوح ، والإنحراف.

أمّا البيت الذي نشأ فيه الرضا عليه السلام فهو من أعزّ البيوت وأمنعها في دنيا الإسلام ، فقد كان مركزاً من مراكز الفضيلة ، ومنبعاً للأخلاق الكريمة ، وقد أنجب خيرة البشر وأئمّة الحق والعدل في الإسلام ، ويضاف إلى البيت في تكوين الشخص البيئة التي نشأ فيها الشخص ، وكانت البيئة التي عاش فيها الإمام الرضا عليه السلام تضمّ خيرة الرجال ، وخيرة العلماء الذين ينتهلون من خير علوم أبيه الإمام موسى بن جعفر عليه السلام.

إنّ جميع عوامل التربية الرفيعة ، ومكوّناتها الفكريّة توفّرت للإمام الرضا عليه السلام ، فنشأ في إطارها كما نشأ آباؤه العظام الذين هم من ذخائر الإسلام.

سلوكه :

أمّا سلوك الإمام الرضا عليه السلام فقد كان أنموذجاً رائعاً لسلوك آبائه الذين عرفوا بنكران الذات ، والتجرّد عن كلّ نزعة لا تمت إلى الحقّ والواقع بصلة. لقد تميّز سلوك الإمام الرضا عليه السلام بالصلابة للحقّ ، ومناهضة الباطل ، فقد كان يأمر المأمون العبّاسي بتقوى الله تعالى ، وينعي عليه تصرّفاته التي لا تتّفق مع واقع الدين ، وقد ورم أنف المأمون من ذلك وضاق منه ذرعاً فقدم على اقتراف أفظع جريمة وهي إغتيال الإمام عليه السلام كما سنوضّح ذلك في غضون هذا الكتاب.

وكان سلوكه مع أهل بيته وإخوانه مثالاً آخر للصرامة في الحقّ ، فمَن شذّ منهم في تصرّفاته عن أحكام الله تعالى جافاه وابتعد عنه ، وقد حلف أن لا يكلّم أخاه زيداً حتّى يلقى الله تعالى حينما اقترف ما خالف شريعة الله.

أمّا سلوكه مع أبنائه فقد تميّز بأروع ألوان التربية الإسلاميّة خصوصاً مع ولده الإمام الجواد عليه السلام ، فكان لا يذكره باسمه ، وإنّما كان يكنيه ، يقول : كتب إليّ جعفر ، كنت كتبت إلى أبي جعفر (45) كلّ ذلك لتنمية روح العِزّة والكرامة في نفسه.

الهوامش

1. عيون أخبار الرضا ١ / ١٤ ـ ١٥.

2. عيون أخبار الرضا ١ / ١٧ ـ ١٨ ، أصول الكافي ١ / ٤٨٧ ، كشف الغمّة ٣ / ١٠٢.

3. الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة ليوسف بن حاتم الشافعي من مصوّرات مكتبة الإمام أمير المؤمنين تسلسل ٢٨٧٩ ورقة ٢١٠.

4. عيون أخبار الرضا ١ / ١٥ وجاء فيه أنّه نسب قوم هذا الشعر إلى عمّ أبي إبراهيم بن العبّاس ، ولم أروه ، وما لم يقع به رواية ولا سماع فإنّي لا أحقّقه ولا أُبطله.

5. أعيان الشيعة ٤ / ق ٢ / ٨٠.

6. تذكرة الخواص [ ص ٣٦١ ] بحر الأنساب [ ص ٢٨ ] البحار ١٢ / ٢.

7. الصراط السوي للشيخاني القادري ورقة ١٦٩ مصوّر ، نور الأبصار ص ١٣٨.

8. كشف الغمّة ٣ / ١٠٢.

9. الإرشاد [ ص ٣٤٢ ].

10. عيون أخبار الرضا ١ / أعيان الشيعة ٤ / ق ٢ / ٨٠.

11. كشف الغمّة ٣ / ٨٨ ، عيون أخبار الرضا ١ / ١٨.

12. تاريخ أبي الفداء ٢ / ٢٤ ، تأريخ ابن الأثير ٥ / ١٨٣.

13. البحار ١٢ / ٤.

14. علل الشرايع ، إعلام الورى ، البحار ١٢ / ٢.

15. البحار ١٢ / ٣.

16. البحار ١٢ / ٣.

17. جوهرة الكلام في مدح السادة الأعلام [ ص ١٤٣ ].

18. الصراط السوي ، ورقة ١٩٩.

19. تذكرة الخواص [ ص ٣٦١ ] الدر النظيم ، ورقة ٢١٠.

20. الدر النظيم ، ورقة ٢١٠.

21. الدر النظيم ، ورقة ٢١٠.

22. بحار الأنوار ١٢ / ٤.

23. بحار الأنوار ١٢ / ٤.

24. بحار الأنوار ١٢ / ٤.

25. بحار الأنوار ١٢ / ٣.

26. بحار الأنوار.

27. مقاتل الطالبيين [ ص ٥٦١ ].

28. نور الأبصار [ ص ١٣٨ ].

29. غاية الاختصار [ ص ١٤٨ ] ، بحر الأنساب [ ص ٢٨ ] ، أصول الكافي ١ / ٤٨٦ ، الإرشاد [ ص ٣٤١ ] ، الدر المسلوك ورقة ١٣٩ مصور ، أخبار الدول [ ص ١١٤ ] ، جوهرة الكلام [ ص ١٤٣ ] ، مصباح الكفعمي ، روضة الواعظين ، مرآة الجنان ٢ / ١١.

30. المجدّدون في الإسلام [ ص ٨٧ ].

31. سرّ السلسة العلويّة [ ص ٣٨ ].

32. الدر النظيم ورقة ١٥٣ ، كشف الغمّة ، دائرة معارف القرن العشرين ٦ / ٦٦٥.

33. أعيان الشيعة ٤ / ق / ٧٧ ـ ٧٨ ، وفي الإرشاد أنّه وُلد بعد وفاة جدّه الإمام الصادق عليه السلام بخمس سنين ، وكذلك جاء في الدرّ النظيم ورقة ٢١٠.

34. كشف الغمّة ٣ / ٨٧.

35. أعيان الشيعة ٤ / ق ٢ / ٧٧.

36. الدر المسلوك ، ورقة ١٣٩.

37. مرآة الجنان ٢ / ١٢.

38. أخبار الدول [ ص ١١٤ ].

39. الصراط السوي في مناقب آل النبي للشيخاني القادري ، ورقة ١٩٩.

40. الدر النظيم ، ورقة ٢١٠.

41. حياة الإمام الجواد.

42. أخبار الدول [ ص ١١٤ ] ، جوهرة الكلام [ ص ١٤٥ ] ، الإتحاف بحبّ الأشراف [ ص ٥٨ ].

43. الدر المسلوك ورقة ١٣٩ ، البحار ١٢ / ٤.

44. الدر النظيم ، ورقة ٢١٠.

45. معجم رجال الحديث ١٤ / ٢٨٣.

مقتبس من كتاب : [ حياة الإمام الرضا عليه السلام ] / المجلّد : 1 / الصفحة : 19 ـ 29

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية