حوادث وطوارئ مريرة في عصر الخلافة العلوية

البريد الإلكتروني طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج5 ، ص 25 ـ  30
________________________________________
(25)
الفصل الثاني
حوادث وطوارئ مريرة في عصر الخلافة العلوية

________________________________________
(26)
________________________________________
(27)
نهض الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالأمر، بعد قتل الخليفة عثمان، وقد عمّت الفتن والتمزّق والاضطراب الاُمّة الإسلامية، وحاق بهم البلاء، وصاروا شيعاً، المعنّيون منهم ذوو أهواء وميول.
فمن مسلم واع يرى بنور الإيمان خروج القياده الإسلامية عن الجادّة المستقيمة، وليس لها جمالها الموجود في العهد النبوي، ولا بعده إلى وفاة الشيخين، وهم الذين ثاروا على السلطة، وقتلوا الخليفة، ولمّ يدفنوه، حتى راحوا إلى رجل ليقوم بالأمر ويقيم الاود، ويصلح ما فسد، ولم يكن هذا الرجل إلاّ الإمام المعروف بالورع والّتقى، وقوّة القلب، ورباطة الجأش.
إلى متوغّل في لذائذ الدنيا وزخارفها، ادّخر من غنائمها وفراً، وجمع من بيضائها وصفرائها ثروة طائلة، واقتنى ضياعاً عامرة، ودوراً فخمة، وقصوراً شاهقة، يخضمون مال الله خضم الابل نبتة الربيع، كأنّ الدنيا خلقت لأجلهم، فهؤلاء ـ بعد قتل الخليفة ـ لايرضون خروج الأمر من أيديهم ووقوعه في يد رجل لاتأخذه في الله لومة لائم والاُمّة الإسلاميّة عنده سواسية.
________________________________________
(28)
إلى انتهازىّ لايهمّه شيء سوى طعمته في الملك والمال، كالبهيمة المربوطة همّها علفها، أو المرسلة شغلها تقمّمها.
فقام الإمام بالأمر، وهذا وصف مجتمعه، وهم إلى الشدة والقسوة أقرب إلى الصلاح والفلاح. وأوّل من جهر بالخلاف وألَّب المخالفين على علىّ، هو معاوية بن أبي سفيان فقد كان واقفاً على أنّ عليّاً لايساومه بأيّة قيمة ولايبقيه في مقامه الذي كان عليه من عصر الخليفة الثاني إلى يوم بويع علىّ بالخلافة، فقام بتأليب بعض الصحابة على الامام وإغرائهم على الخلاف، بحجّة أنّه أخذ البيعة لهم من أهل الشام، وهذا نص رسالته إلى الزبير بن العوام وقد وقف على أنّه بايع عليّاً بملأ من الناس، وفيها:«بسم الله الرحمن الرحيم، فانّي قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب، فدونك الكوفة والبصرة لايسبقك إليها ابن أبي طالب، فإنّه لاشيء بعد هذين المصرين، وقد بايعتُ لطلحة بن عبيدالله من بعدك فاظهر الطلب بدم عثمان، وادعوا الناس إلى ذلك، وليكن منكما الجدّ والتشمير، أظفركما الله، وخذل مناوئكما».
ولّما وصل هذا الكتاب إلى الزبير، أعلم به طلحة فلم يشكّا في انّ معاوية ناصح لهما واجمعا عند ذلك على خلاف عليّ ـ عليه السَّلام ـ (1) .
كانت الغاية الوحيدة من أخذ البيعة من رعاع الناس في الشام للزبير وطلحة وإعلامهما لذلك، هو تشجيعهما على مخالفة الإمام ـ عليه السَّلام ـ بحجّة أنّهما خليفتان مترتبان، وأنّه يجب على علىّ أن يترك الخلافة جانباً، وبذلك أراد أن يحدث صدعاً في صفّ الذين بايعوا الإمام، ويفتح باب الخلاف ونكث البيعة، أمام الآخرين .
________________________________________
ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 1/231 .
________________________________________
(29)
كانت تلك الرسالة تحمل شروراً إلى الاُمّة الإسلامية وقد اغتر الشيخان بكلام ابن أبي سفيان فتآمرا على الخلاف ونكث البيعة على وجه يأتي شرحه.
ولم يكن نكث البيعة منهما نهاية الخلاف، بل كانت فاتحة لشرّ ثان وهو تجرّؤ معاوية على عليّ وبغيه على الإمام المفترض طاعته، بالحرب الطاحنة، وكان الإمام على أعتاب النصر و الظفر حتى نجم شرّ ثالت وهو خروج طائفة من أصحاب الامام عليه بحجة واهية تحكي عن سذاجة القوم وقلّة وعيهم: وهي مسألة التحكيم، وبذلك خاض الإمام في خلافته القصيرة التي لاتتجاوز عن خمسة أعوام، حروباً دامية، يحارب الناكثين تارة، والقاسطين اُخرى، والمارقين ثالثة، وفي ذلك يقول الإمام: «فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت اُخرى، وقسط آخرون، كأنَّهم لم يسمعوا كلام الله سبحانه يقول: (تِلْكَ الدارُ الآخرِة نَجْعَلُها لِلّذِينَ لايُريدونَ عِلُوّاً فِي الأرْضِ ولافَساداً وَ العاقِبَةُ للمتّقين) بلى والله لقد سمعوها ووعوها ولكنّهم حَلِيَت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها(1) .
قام الإمام بفقأ عين الفتنة بعد انتهاء حرب صفّين ـ وياللأسف ـ ولم يمض زمن إلى أن اُغْتِيل بيد أشقى الأوّلين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود(2) ـ حسب تعبير النبي الأكرمـ، وبذلك طويت صحيفة عمره ولقى الله تعالى بنفس مطمئنة، وقلب سليم، وقد تنبّأ النبي الأكرم بحروبه الثلاثة، وأنّه سيقاتل طوائف ثلاثة وهم بين ناكث وقاسط ومارق من الدين.
روت اُمّ سلمة أنّ علياً ـ عليه السَّلام ـ دخل على النبي الأكرم في بيتها فقال النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ مشيراً إلى علي: هذا والله قاتل الناكثين
________________________________________
الرضي: نهج البلاغة، الخطبة3 .
2. الصدوق: عيون أخبار الرضا297 .
________________________________________
(30)
والقاسطين والمارقين من بعدي(1) .
وروى علي ـ عليه السَّلام ـ ، عن النبي الأكرم: أمرني رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين(2) .
هذا مجمل تلك الحوادث المريرة في خلافته، وكانت فتنة الخوارج نتيجة الحربين الطاحنتين: الجمل وصفّين، فلأجل اجلاء الحقيقة ورفع السترعن وجهها نعرضهما على القارىء، على وجه خاطف، والتفصيل على عاتق التاريخ.
________________________________________
ابن كثير الشامي: البداية والنهاية 7/305، وقد جمع أسانيد الحديث ومتونه .
2. الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 4/340 .
 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية