واصل بن عطاء

طباعة
بحوث في الملل والنحل لأية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ج 3 ، ص 222 ـ  234
________________________________________
(222)
1 ـ واصل بن عطاء (ت 80 ـ م 131 )
أبو حذيفة واصل بن عطاء مؤسس الاعتزال، المعروف بالغزّال. يقول ابن خلّكان: «كان واصل أحد الأعاجيب ذلك أنّه كان ألثغ، قبح اللثغة في الرّاء فكان يخلّص كلامه من الرّاء ولايُفطَن لذلك، لاقتداره على الكلام وسهولة ألفاظه، ففي ذلك يقول أبو الطروق يمدحه بإطالة الخطب واجتنابه الرّاء على كثرة تردّدها في الكلام حتّى كأنها ليست فيه
عليم بإبدال الحروف وقامع * لكلّ خطيب يغلب الحقّ باطله
وقال الآخر:
ويجعل البرّ فمحاً في تصرّفه * وخالف الرّاء حتّى احتال للشعر
ولم يطق مطراً والقول يعجله * فعاذ بالغيث اشفاقاً من المطر
قد ذكر عنده بشّر بن برد (المتّهم بالزندقة) فقال: «أما لهذا الأعمى المكنّى بأبي معاذ من يقتله؟ أما والله لولا أنّ الغيلة خلق من أخلاق الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه على مضجعه، ثمّ لا يكون إلاّ سذوسياً أو عقيليّاً»
فلاحظ أنّه قال: «هذا الأعمى» ولم يقل: بشّار ولا ابن برد، ولا الضرير. وقال: «من أخلاق الغالية» ولم يقل: المغيرية ولا المنصورية، وقال: «لبعثت» ولم يقل: لأرسلت، وقال: «على مضجعه» ولم يقل: على مرقده ولا على فراشه، وقال: «يبعج» ولمق يقل: يبقر (1)
يقول ابن العماد الحنبلي: «كان واصل ألثغ يبدل الرّاء غيناً في كلامه وكان يخلِّص كلامه بحيث لا تسمع منه الرّاء حتّى يظنّ خواصّ جلسائه أنّه غير ألثغ، حتّى يقال: إنّه دفعت إليه رقعة مضمونها: أمر أمير الاُمراء الكرام أنّ يحفر بئراً على قارعة الطريق، فيشرب منه الصادر والوارد. فقرأ على الفور: حكم حاكم الحكّام الفخام، أنّ ينبش جُبّاً على جادّة الممشي فيسقى منه الصادي والغادي. فغيّر كلّ لفظ برديفه وهذا من عجيب الإقتدار، وقد أشارت الشعراء إلى عدم تكلّمه بالرّاء. من ذلك قول بعضهم:
________________________________________
1. وفيات الأعيان: ج 6 ص 8 وأمالي المرتضى: ج 1 ص 139 ـ 140.
________________________________________
(223)
نعم تجنّب لا يوم العطاء كما * تجنّب ابن عطاء لفظة الرّاء(1)
وقد كانت بينه وبين بشّار بن برد قبل اظهاره ما يخالف عقيدة واصل أواصر الصداقة وقد ذكر بشّار خطبته الّتي ألقى فيها الرّاء وقال:
تكلّف القول والأقوام قد حلفوا * وحبــّروا خـطبـاً نـاهيـك من خطب
وقــال مرتجــلاً تغــلى بــداهتــه * كمرجـلّ القـين لمــا حفّ باللــّهـب
وجانب الرّاء ولم يشعر به أحد * قبل التصفّح والإغراق في الطلب
ولـمّا تبرّأ منه واصل لما ظهر منه ما لا يرضيه، هجاه بشّار وقال:
مالي اُشايع غزّالاً له عنق * كنِقْنِق الدَوّ إنّ ولّي و إنّ مَثلا
عنق الزرافة ما بالي و بالكم * تـُـكفّرون رجــالاً كفّروا رجـلا(2)
بثّ الدعاة في البلاد
كان واصل صموداً في عقيدته، ولـمّا تمكّن من إنفاذ الدعاة إلى الآفاق، فرّق
________________________________________
1. شذرات الذهب: ج 1 ص 182 و 183 حوادث عام 131 هـ. 2. المنية والأمل: ص 19 طبع دار صادر.
________________________________________
(224)
أصحابه في البلاد حتّى يكونوا دعاة إلى طريقه. فبعث عبدالله بن الحارث إلى المغرب، فأجابه خلق كثير، وبعث إلى خراسان حفص بن سالم، فدخل «ترمذ» ولزم المسجد حتّى اشتهر، ثمّ ناظر جهماً فقطعه، وبعث القاسم إلى اليمن، وبعث أيّوب إلى الجزيرة، وبعث الحسن بن ذكوان إلى الكوفة، وعثمان الطّويل إلى أرمينية(1) .
يقول صاحب كتاب «المعتزلة»:
«درج أصحاب الواصل و تلاميذه من بعده على هذه الخطة (المناظرة) في الردّ على المخالفين، فكان عمرو بن عبيد حيث التقى بأحدهم لا يتركه حتّى يناظره. ناظر جريربن حازم الأزدي السمني في البصرة وقطعه، واشترك مع واصل بن عطاء في مناظرة بشاربن برد، وصالح بن عبد القدوس، وكلاهما من الثنوية المعروفين فقطعاهما، وتناظر عمرو بن عبيد مع مجوسي على ظهر سفينة فقطعه المجوسيّ. [كذا] قال له عمرو: لما لا تسلم؟ فقال: لأنّ الله لم يرد إسلامي، فإذا أرادالله إسلامي أسلمت. قال عمرو: إنّ الله تعالى يريد إسلامك ولكنّ الشياطين لا يتركونك.
فأجاب المجوسي: فأنا أكون مع الشّريك الأغلب!
»(2)
يلاحظ عليه: أنّه كان اللازم على عمرو أنّ يقول: إنّ الله تعالى أراد إسلامك ولكن بحرّية واختيار، لا بإلجاء و اضطرار. فلو أسلمت كان إسلامك على طبق ما يريد، وإنّ كفرت لم يكن كفرك آية غلبتك عليه و قد أوضحنا كيفيّة تعلّق إرادته سبحانه بأفعال العباد.
من آرائه و مناظراته
إنّ واصل هو أوّل من أظهر المنزلة بين المنزلتين، لأنّ الناس كانوا في أسماء أهل الكبائر من أهل الصلاة على أقوال. كانت الخوارج تسمّيهم بالكفر والشرك. والمرجئة
________________________________________
1. المنية والأمل: ص 19 ـ 20. 2. كتاب المعتزلة: ص 39 ـ 40.
________________________________________
(225)
تسمّيهم بالإيمان. وكان الحسن و أصحابه يسمّونهم بالنفاق.
1 ـ رأيه في مرتكب الكبيرة
ذهب واصل بن عطاء إلى القول بأنّهم فسّاق غير مؤمنين، لا كفّار ولا منافقون. واستدلّ على ذلك بما نقله المرتضى عنه في أماليه من أنّنا نجد أهل الفرق على اختلافهم يسمّون صاحب الكبيرة فاسقاً، ويختلفون في ما عدا ذلك من أسمائه، لأنّ الخوارج تسمّيه مشركاً فاسقاً، والشيعة الزيدية تسميه كافر نعمة فاسقاً، والحسن يسمّيه منافقاً فاسقاً، والمرجئة تسميه مؤمناً فاسقاً. فاجتمعوا على تسميته بالفسق. واختلفوا فيما عدا ذلك من أسمائه فالواجب أنّ يسمّى بالاسم الّذي اتّفق عليه وهو الفسق. ولا يسمّى بما عدا ذلك من الأسماء الّتي اختلف فيها. فيكون صاحب الكبيرة فاسقاً، ولا يقال فيه إنّه مؤمن ولا منافق ولا مشرك، ولا كافر نعمة، فهذا أشبه بأهل الدّين(1).
يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره لا يثبت أزيد من أنّ المسلمين اتّفقوا على كون مرتكب الكبيرة فاسقاً ولم يتّفقوا على غيره من سائر الأسماء. لكن عدم اتّفاقهم على شيء منها لا يدلّ على أنّه ليس منها أبداً، كما هو ظاهر قوله «ولا يقال فيه إنّه مؤمن...» فإنّ عدم وجود الإجماع على واحدة من تلك الأسماء لا يلازم عدم وجود دليل آخر على وجود واحد منها فيه. فكان اللاّزم على واصل أنّ يقيم الدّليل على أنّه لا يسمّى بواحد منها.
و إلى ما ذكرنا ينظر قول السيّد المرتضى في أماليه حيث قال: «إنّ الإجماع وإنّ لم يوجد في تسمية صاحب الكبيرة بالنّفاق، ولا في غيره من الأسماء، كما وجد في تسميته بالفسق، ولكنّه غير ممتنع أنّ يسمّى بذلك لدليل غير الإجماع، ووجود الإجماع في الشيء، وإنّ كان دليلاً على صحّته لكن ليس فقده دليلاً على فساده»(2).
وقد اعترض ابن المرتضى صاحب «المنية و الأمل» على كلام السيّد المرتضى
________________________________________
1. أمالي المرتضى: ج 1 ص 161. 2. أمالي المرتضى: ج 1 ص 167 ولكلامه ذيل فراجع.
________________________________________
(226)
بكلام واه، يشبه كلام الهازل حيث قال: «يصحّ الاستدلال بالإجماع المركّب و صورته هنا أنّه أجمعوا على تسميته فاسقاً واختلفوا فيما عداه، وهو حكم شرعي فلا يثبت إلاّ بدليل ولا دليل على ما عدا المجمع عليه هيهنا»(1).
يلاحظ عليه: أنّه اشتبه عليه معنى الإجماع المركّب، لأنّ معناه أنّه إذا كانت المسألة بين الأمة ذات قولين ، مثلاً قالت طائفة من الفقهاء: الحبوة للولد الأكبر، وقالت الاُخرى: الحبوة لجميع الورثة، فيقال: لا يجوز إحداث قول ثالث، أخذاً بالإجماع المركّب، لأنّ الاُمّة اتّفقت على نفي الثّالث. وأين هو في المقام؟ إذ لم تتّفق الاُمّة على نفي هذه الأسماء، بل اختلفوا على أقوال، فالرجل غير عارف بمصطلح الاُصوليين فاستعمله في غير محلّه.
2 ـ مناظرته مع عمرو في مرتكب الكبيرة
إنّ عمرو بن عبيد كان من أصحاب الحسن و تلاميذه. فجمع بينه و بين واصل ليناظره فيما أظهر من القول بالمنزلة بين المنزلتين، فلمّا وقفوا على الاجتماع ذكر أنّ واصلاً أقبل ومعه جماعة من أصحابه إلى حلقة الحسن، وفيها عمروبن عبيد جالس. فلمّا نظر إلى واصل وكان في عنقه طول واعوجاج، قال: أرى عنقاً لا يفلح صاحبها، فسمع ذلك واصل فلمّا سلّم عليه قال له: يابن أخي إنّ من عاب الصنعة عاب الصانع، فقال له عمرو بن عبيد: يا أبا حذيفة قد وعظت فأحسنت ولن أعود إلى مثل الّذي كان منّي.
وجلس واصل في الحلقة وسأل أنّ يكلّم عمراً، فقال واصل لعمرو: لم قلت: إنّ من أتى كبيرة من أهل الصّلاة استحقّ اسم النفاق؟ فقال عمرو: لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَ اُولئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ) (النور/4) ثمّ قال في موضع آخر: (إِنَّ المُنَافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ)(التوبة/67) فكان كلّ فاسق منافقاً. إذ كانت ألف ولام
________________________________________
1. المنية والأمل: ص 24.
________________________________________
(227)
المعرفة موجودتين في الفاسق.
فقال له واصل: أليس قد وجدت الله تعالى يقول: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ فَاُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ) (المائدة/45) وأجمع أهل العلم على أنّ صاحب الكبيرة يستحقّ اسم الظالم، كما يستحق اسم الفاسق، فألاّ كفّرت صاحب الكبيرة من أهل الصلاة بقول الله تعالى: (وَالكَافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ) (البقرة/254) فعرّف بألف و لام التعريف(1).
يلاحظ عليه: أنّ «واصلاً» دفع دليل خصمه بالنقض ولأجل ذلك يقول السيّد المرتضى في حقّه: «أمّا ما ألزمه واصل بن عطاء لعمرو بن عبيد فسديد لازم» ولكن كان في وسعه الإجابة عنه بشكل جلّي، وهو أنّ ما استدلّ به «عمرو » من الآيات غير كاف في إثبات ما يرتئيه. لأنّ آية النور وإنّ حكمت بفسق مرتكب الكبيرة، ولكن آية التوبة لم تحكم بأنّ كلّ فاسق منافق، وإنّما حكم بأنّ كلّ منافق فاسق، وبعبارة واضحة حصرت الآية، المنافقين بالفاسقين ولا العكس. ومن المحتمل أنّ يكون المنافق أخصّ من الفاسق. والفاسق أعمّ منه فيكون استدلاله عقيماً. قال سبحانه: ( إنّ المنافقين هم الفاسقون ) ولم يقل: إنّ الفاسقين هم المنافقون.
وبذلك تقف على مغزى ما نقض به واصل دليل عمرو، فإنّه صحيح إذا كان الهدف إفحام الخصم بالجواب النقضي.
وأمّا إذا كانت الإجابة على الوجه الحلّي فهي ساقطة جدّاً، لأنّه سبحانه حصر الكافرين في الظالمين لا العكس. فقال: (والكافرون هم الظالمون) فمن الممكن أنّ يكون كلّ كافر ظالماً ولا العكس. وصاحب الكبيرة وإنّ استحقّ اسم الظالم، كما استحقّ اسم الفاسق، ولكنّه لا يستحقّ اسم الكافر بحجّة أنّه سبحانه قال: (والكافِرونَ هُمُ الظّالمون ) ، و لم يقل: (والظالمون هم الكافرون).
________________________________________
1. أمالي المرتضى: ج 1 ص 166 ولكلامه ذيل لا حاجة لنقله، وربّما أوجد تشويشاً في الاستدلال وقد نقله ابن المرتضى في المنية والأمل بصورة واضحة ص 23.
________________________________________
(228)
3 ـ من لطائف تفسيره للقرآن
حكي أنّ واصلاً كان يقول: «أراد الله من العباد أنّ يعرفوه ثمّ يعملوا ثمّ يعلّموا. قال الله تعالى (يا مُوسى إنّي أَنَا اللّهُ) فعرّفه نفسه، ثمّ قال: ( اخلَعْ نَعْلَيْكَ) (طه/12) فبعد أنّ عرّفه نفسه أمره بالعمل قال: والدّليل على ذلك قوله تعالى: (وَالعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْر )* إلاّ الَّذِينَ آمَنُوا ـ يعني صدقوا ـ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ تَواصَوْا بِالحقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ )) علموا و عملوا و علّموا(1).
يلاحظ عليه: أنّ الآية الاُولى دلّت على تقدّم العلم على العمل، وأمّا تقدّم العمل على تعليم الغير فهي ساكتة عنها. نعم الآية الثالثة ربّما تكون ظاهرة فيما يدّعيه بحجّة النظم والترتيب في الذكر، وإنّ كانت واو العاطفة لا تدلّ على الترتيب.
4 ـ من نوادر حكاياته
روى المبرّد قال : حُدّثتُ أنّ واصل بن عطاء أقبل في رفقة فأحسّوا بالخوارج، وكانوا قد أشرفوا على العطب. فقال واصل لأهل الرفقة : إنّ هذا ليس من شأنكم فاعتزلوا ودعوني و إيّاهم، فقالوا : شأنك. فقال الخوارج له : ما أنت و أصحابك؟ قال : مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله، ويقيموا حدوده فقالوا : قد أجرناكم، قال : فعلّمونا أحكامه، فجعلوا يعلّمونه أحكامهم، وجعل يقول : قد قبلت أنا ومن معي، قالوا: فامضوا مصاحبين فإنّكم إخواننا، قال لهم : ليس ذلك لكم. قال الله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) (التوبة/6) فأبلغونا مأمننا فساروا بأجمعهم حتّى بلغوا الأمن(2).
5 ـ تهجّده ولقبه بالغزّال
ينقل ابن المرتضى عن اُخت «عمرو بن عبيد» ـ وكانت زوجة واصل ـ أنّها قالت
________________________________________
1. أمالي المرتضى ج 1 ص 168. 2. المصدر نفسه .
________________________________________
(229)
: «كان واصل إذا جنّه اللّيل صفّى قدميه يصلّي ولوح ودواة موضوعان، فإذا مرّت به آية فيه حجّة على مخالف، جلس فكتبها ثمّ عاد في صلاته.
ونقل أيضاً: أنّ واصلاً كان يلزم أبا عبدالله الغزّال ـ وكان صديقاً له ـ ليعرف المتعفّفات من النّساء فيجعل صدقته لهنّ وكان يعجبه ذلك، وقال الجاحظ: لم يشكّ أصحابنا أنّ واصلاً لم يقبض ديناراً ولا درهماً، وفي ذلك قال بعضهم في مرثيته:

ولا مسّ ديناراً ولا مسّ درهماً * ولا عرف الثّوب الّذي هو قاطعه(1)
وأمّا مولده فقد اتّفقوا على أنّ ولادته كانت سنة 80 للهجرة في مدينة الرسولصلَّى الله عليه و آله و سلَّم وتوفّي عام 131 هـ(2).
مؤلّفاته
ذكر ابن النديم في الفهرست ـ و تبعه ابن خلّكان ـ أنّ لواصل التّصانيف التالية:
1 ـ كتاب أصناف المرجئة.
2 ـ كتاب التّوبة.
3 ـ كتاب المنزلة بين المنزلتين.
4 ـ كتاب خطبته الّتي أخرج منها الرّاء. وقد نشرت هذه الخطبة عام 1951 في المجموعة الثانية من نوادر المخطوطات بتحقيق عبدالسلام هارون.
5 ـ كتاب معاني القرآن.
6 ـ كتاب الخطب في التّوحيد والعدل.
ومن المحتمل أنّه قام بجمع خطب الإمام عليّ ـ عليه السلام ـ في التّوحيد والعدل
________________________________________
1. المنية والأمل: ص 18. 2. وفيات الأعيان: ج 6 ص 11، والمنية والأمل: ص 18.
________________________________________
(230)
فأفرده تأليفاً.
7 ـ كتاب ما جرى بينه و بين عمرو بن عبيد.
8 ـ كتاب السّبيل إلى معرفة الحقّ.
9 ـ كتاب في الدعوة.
10 ـ كتاب طبقات أهل العلم والجهل(1). وغيرذلك.
القواعد الأربع لواصل بن عطاء
إنّ الاعتزال مذهب عقلي اُلقيت نواته في أوائل القرن الثاني بيد واصل بن عطاء، ثمّ نمت عبر العصور، فكلّما تقدّم الاعتزال إلى الإمام، و ربّى في أحضانه ذوي الحصافة، والأدمغة الكبيرة، أخذ يتكامل في ضوء البحث والنّقاش، وكان الاعتزال في زمن المؤسّس يدور على أربع قواعد فقط، وهي بالنسبة إلى ما تركنه المعتزلة من التراث الكلامي إلى فترة الانقراض شيء قليل، وأين هو من الاعتزال الّذي تريه لنا كتب القاضي عبد الجبّار في كتاب المغني أو غيره من البسط في تلك القواعد، وتأسيس اُصول و قواعد اُخر، لم تخطر ببال المؤسّس.
قال الشهرستاني: «الواصليّة هم أصحاب واصل بن عطاء واعتزالهم يدور على أربع قواعد:
القاعدة الاُولى: القول بنفي صفات الباري من العلم والقدرة والإرادة والحياة، وكانت هذه المقالة في بدئها غير نضيجة، وكان واصل بن عطاء يشرع فيها على قول ظاهر، وهو الاتّفاق على استحالة وجود إلهين قديمين أزليّين
(2)
قال: ومن أثبت معنى، وصفة قديمة فقد أثبت إلهين.
________________________________________
1. فهرست ابن النديم: الفن الأول من المقالة الخامسة، ص 203. 2. وهذا يعرب بوضوح عن أنّ الداعي لتأسيس هذه القاعدة ليس انكار صفاته سبحانه كالملاحدة المنكرين لكونه عالماً قادراً، بل الداعي هو تنزيه الرب عن وجود قديم مثله، وما نسب إليه الأشعري في كتاب الإبانة ص 107 من الداعي ليس في محله.
________________________________________
(231)
القاعدة الثانية: القول بالقدر، وحاصلها أنّ العبد هو الفاعل للخير والشرّ والإيمان والكفر والطاعة والمعصية، والربّ أقدره على ذلك.
القاعدة الثالثة: المنزلة بين المنزلتين، وأنّ مرتكب الكبيرة ليس كافراً ولا مؤمناً، بل فاسق مخلّد في النّار إنّ لم يتب.
القاعدة الرابعة: قوله في الفريقين من أصحاب الجمل وصفّين، أنّ أحدهما مخطئ لا بعينه، وكذلك قوله في عثمان وخاذليه، أنّ أحد الفريقين فاسق لا محالة، كما أنّ أحد المتلاعنين فاسق لا محالة، لكن لا بعينه
».
ثمّ رتّب الشّهرستاني على تلك القاعدة وقال: «وقد عرفت قوله في الفاسق وأقلّ درجات الفريقين أنّه لا تقبل شهادتهما كما لا تقبل شهادة المتلاعنين، فلم يجوِّز شهادة عليّ و طلحة والزبير على باقة بقل، وجوّز أنّ يكون عثمان وعليّ على الخطأ»(1).
أقول: إنّ القاعدة الاُولى إشارة إلى الأصل الأوّل من الاُصول الخمسة، أعني التّوحيد، وهذا الأصل عندهم رمز إلى تنزيهه سبحانه عن التشبيه والتجسيم، كما أنّ القاعدة الثانية من فروع الأصل الثاني، أعني القول بالعدل، فتوصيفه سبحانه به يقتضي القول بالقدر، أي إنّ الانسان يفعل بقدرته واستطاعته المكتسبة، ولا معنى لأن يكون خالق الفعل هو الله سبحانه، ويكون العبد هو المسؤول. نعم دائرة الأصل الثاني (العدل) أوسع من هذه القاعدة.
والقاعدة الثالثة نفس أحد الاُصول الخمسة، وبقي منها أصلان ـ الوعد والوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ ولم يأت ذكر منهما في كلام «واصل».
وأمّا القاعدة الرابعة فقد خالف فيها واصل وتلميذه عمرو بن عبيد جمهور المعتزلة.
قال ابن حزم: «اختلف الناس في تلك الحرب على ثلاث فرق:
________________________________________
1. الملل والنحل: ج 1 ص 49.
________________________________________
(232)
1 ـ فقال جميع الشيعة وبعض المرجئة و جمهور المعتزلة وبعض أهل السنّة: إنّ عليّاً كان هو المصيب فى حربه، وكلّ من خالفه على خطأ. وقال واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد و أبوالهذيل و طوائف من المعتزلة:
إنّ عليّاً مصيب في قتاله مع معاوية و أهل النهروان، ووقفوا في قتاله مع أهل الجمل، وقالوا: إحدى الطّائفتين مخطئة ولا نعرف أيّهما هي، وقالت الخوارج: عليّ المصيب في قتال أهل الجمل و أهل صفّين وهو مخطىء في قتاله أهل النهر
(1).
ولا يخفى وجود الاختلاف بين النّقلين، فعلى ما نقله الشهرستاني كانت الواصليّة متوقّفة في محاربي الإمام في وقعتي «الجمل وصفّين» وعلى ما نقله ابن حزم يختصّ التوقّف بمحاربيه في وقعة «الجمل» ويوافق ابن حزم عبد القاهر البغدادي، وقال: «ثمّ إنّ واصلاً فارق السّلف ببدعة ثالثة، وذلك أنّه وجد أهل عصره مختلفين في عليّ وأصحابه، وفي طلحة والزبير وعائشة، وسائر أصحاب الجمل ـ إلى ما ذكره»(2).
ويوافقهما نقل المفيد حيث قال ما هذا خلاصته:
« اتّفقت الإماميّة و الزيديّة والخوارج، على أنّ الناكثين والقاسطين من أهل البصرة والشام كفّار ضلاّل، ملعونون بحربهم أمير المؤمنين. وزعمت المعتزلة كلّهم أنّهم فسّاق ليسوا بكفّار، وقطعت المعتزلة من بينهم على أنّهم لفسقهم في النار خالدون، وزعم واصل الغزّال و عمرو بن عبيد بن باب من بين كافّة المعتزلة أنّ طلحة و الزبير و عائشة ومن كان فى حربهم، من عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين و محمّد ومن كان في حزبهم كعمّار بن ياسر وغيره من المهاجرين، و وجوه الأنصار وبقايا أهل بيعة الرضوان، كانوا في اختلافهم كالمتلاعنين وأنّ إحدى الطّائفتين فسّاق ضلاّل مستحقّون للخلود في النّار إلاّ أنّه لم يقم دليل عليها»(3).
________________________________________
1. الفصل في الملل والأهواء والنحل: ج 4 ص 153. 2. الفرق بين الفرق: ص 119. 3. أوائل المقالات: ص 10 ـ 11.
________________________________________
(233)
نقد النظرية
إنّ واصل بن عطاء ومن لفّ لفّه في هذا الباب، يلوكون في أشداقهم ما يضادّ نصّ رسول اللّهصلَّى الله عليه و آله و سلَّم فقد أخبر عليّاً بأنّه يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وقد عهد به الرّسول و أمره بقتالهم.
روى أبو سعيد الخدري قال: «أمرنا رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم بقتال الناكثين و القاسطين والمارقين.
قلنا: يا رسول الله أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من؟ قال: مع عليّ بن أبى طالب ـ عليه السلام ـ
».
روى أبو اليقظان عمّار بن ياسر قال: «أمرني رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين».
وقد رواه الحفاظ من أهل الحديث و أرباب المعاجم والتأريخ، ومن أراد الوقوف على تفصيله فعليه الرجوع إلى «الغدير: ج 3 ص 192 ـ 195».
ويكفي في ذلك ما نقله ابن عساكر في تأريخه عن أبي صادق أنّه قال: قدم أبو أيّوب الأنصاري العراق، فأهدت له الأزد «جزراً» فبعثوا بها معي فدخلت فسلّمت إليه و قلت له: قد أكرمك الله بصحبة نبيّه و نزوله عليك، فمالي أراك تستقبل الناس تقاتلهم؟ تستقبل هؤلاء مرّة وهؤلاء مرّة؟ فقال: إنّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم عهد إلينا أنّ نقاتل مع عليّ الناكثين، فقد قاتلناهم، وعهد إلينا أنّ نقاتل معه القاسطين فهذا وجهنا إليهم ـيعني معاوية و أصحابه ـ ، وعهد إلينا أنّ نقاتل مع عليّ المارقين فلم أرهم بعد(1).
وقد تجاهل واصل وأتباعه و عرفوا الحقّ وأنكروه، فإنّ حكم الخارج على الإمام المفترض طاعته ليس أمراً مخفياً على رئيس المعتزلة، ولا أرى باغياً أخسر من الزبير، ولاأشقى من طلحة، غير ابن آكلة الأكباد حزب الشيطان.
________________________________________
1. الغدير: ج 3 ص 192.
________________________________________
(234)
(وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوّاً فانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ)(1).
و في نهاية المطاف نقول: إنّه من مواليد عام الثمانين في المدينة وتوفّي في البصرة عام 131، كما أرّخه المسعودي و غيره.
________________________________________
1. النحل/14.