حقيقة التوبة

البريد الإلكتروني طباعة

المصدر : الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل : للشيخ جعفر السبحاني ، ج4 ، ص 324 ـ 325

 

(324)

الأمر الثاني : حقيقة التوبة


إنّ التوبة كما يستفاد من الآيات و الروايات حالة نفسانية مؤثّرة في النفس ، 
فتصلحها و تعدها للصلاح الّذي فيه سعادة الدنيا و الآخرة ، ومن المعلوم أنّ هذه
الغاية لا تحصل إلا بتحقق أمرين:
1 ـ الندم على ما مضى.
2 ـ العزم على عدم العودة إليه اذا قدر.
فلو انتفى الأمران أو أحدهما لما حصلت تلك الحالة المؤثرة في صلاح النفس
وإعدادها لكمالات أُخرى ، فيلزم في التوبة وجود هذين الأمرين ، سواء أقلنا : إنّ
التوبة مركبة منهما ، وأنّ كل واحد منهما جزء لها ، كما نقل عن أبي هاشم الجبائي ،
أو قلنا : إنّ التوبة أمر بسيط هو الندم على ما مضى ، وأمّا العزم فهو من شروطها
و لوازمها ، كما عليه الشيخ المفيد (1) ؛ فإنّ هذا نزاع لفظي لا ثمرة له إلا في موارد
نادرة ، كما إذا ندم على ما سلف من القبيح ، ومنع من العزم ، فعلى القول الأوّل لم
تتحقق التوبة دون الثاني.
وهناك كلام للإمام أمير المؤمنين حول التوبة ، وقد سمع مَن بحضرته
يقول : أستغفر اللّه ، فقال : « أتدري ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العلّيّين ،
وهو اسم واقع على ستة معان:
أوّلها : الندم على ما مضى.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - اوائل المقالات : ص 61 .
________________________________________


(325)


والثاني : العزم على ترك العود إليه أبداً.
والثالث : أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى اللّه أملس ليست
عليك تبعة.
والرابع : أن تعمد إلى كل فريضة ضيّعتها فتؤدّي حقها.
والخامس : أن تعمد إلى اللحم الّذي نبت على السحت (1) ، فتذيبه بالأحزان
حتى تلصق الجلد بالعظم ، وينشأ بينهما لحم جديد.
والسادس : أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية.
فعند ذلك تقول : أستغفر اللّه » (2).
و بالجملة : إنّ التوبة لغاية إزالة السيئات النفسانية التّي تجر إلى الإنسان كل
شقاء في حياته الأُولى والأُخرى ، وتمنعه من الاستقرار على أريكة السعادة ، وهذه
الغاية لا تحصل إلاّ بحصول أمرين : الندم والعزم .
وأمّا باقي الأمور الأربعة الواردة في كلام الإمام ـ عليه السَّلام ـ ، فسيوافيك
الكلام فيها.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - السحت : المال من كسب حرام .
(2) - نهج البلاغة : قسم الحكم، الرقم 417، وسنرجع الى هذا الحديث عند استعراض أحكام
التوبة ، وإنّما أوردناه هنا جملة واحدة ليسهل الرجوع إليه.

 

 

 

 

أضف تعليق

التوبة

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية