الـرجـعــة

البريد الإلكتروني طباعة

المصدر : الـرجـعــة أو العودة الى الحياة الدنيا بعد الموت ، تأليف : مركز الرسالة ، ص 7 ـ 11

 


________________________________________ الصفحة 7  ________________________________________


المقدِّمة


الحمدُ لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على الحبيب المصطفى الاَمين وآله الهداة الميامين وصحبهم المتقين.
وبعد:
إنَّ أنباء الغيب وحوادث المستقبل وما سيقع من الفتن والملاحم وعلامات الظهور وأشراط الساعة وغيرها تعدُّ من المسائل التي أولاها المحدّثون أهمية خاصة، ذلك لاَنّ الكتاب الكريم والسُنّة المباركة يدلان على أنّ الموت ليس هو النتيجة النهائية لرحلة الروح والبدن في هذا الكون، بل هو نافذة تطل على حياة جديدة وعوالم مختلفة (أيَحسَبُ الاِنسانُ أن يُتركَ سُدىً * ألم يَكُ نُطفَةً مِنْ مَنيٍّ يُمنى * ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلقَ فَسَوى* فَجَعَلَ مِنهُ الزَوجَينِ الذَكَرَ والاُنثى * أليسَ ذلكَ بقادرٍ على أن يُحيي الموتى)(1).
روى سعد بن عبدالله الاَشعري بالاسناد عن بريدة الاَسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «كيف أنت إذا استيأست أُمتي من المهدي، فيأتيها مثل قرن الشمس، يستبشر به أهل السماء وأهل الاَرض ؟ فقلت: يا رسول الله بعد الموت ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: والله إنّ بعد الموت هدىً وإيماناً ونوراً. قلت:


____________
(1) سورة القيامة 75: 36 ـ 40.


________________________________________ الصفحة 8  ________________________________________


يارسول الله، أي العمرين أطول ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: الآخر بالضعف»(1).
وقال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: «أيُّها الناس، إنّا خلقنا وإياكم للبقاء لا للفناء، لكنكم من دار إلى دار تنقلون، فتزوّدوا لما أنتم صائرون إليه»(2).
إنَّ اعتقادنا بعودة بعض الناس إلى الحياة بعد الموت لم يكن اعتباطياً، وإنّما كان تبعاً للآثار الصحيحة المتواترة التي حفلت بها كتب أصحابنا، واحتلت مساحة واسعة من أحاديث النبي وعترته الطاهرة عليهم السلام الذين ندين بعصمتهم من الكذب، وعلى هذا إجماعهم، وإجماعهم حجة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الاَرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(3).
وقد دلَّ الكتاب الكريم على الحشر الخاص قبل يوم القيامة، وهو عودة بعض الاَموات إلى الحياة في قوله تعالى: (وَيومَ نَحشُرُ مِنْ كُلِّ أُمّةٍ فَوجاً مِمَّنْ يُكَذِّب بآياتِنا فَهُم يُوزَعُونَ)(4)كما دلَّ على الحشر العام بعد نفخة النشور في نفس السورة بقوله: (وَيومَ يُنفَخُ في الصُورِ فَفَزعَ مَنْ في السَّماواتِ ومَنْ في الاَرضِ) إلى قوله تعالى: (وكلٌّ أتوهُ داخرِينَ)(5) .


____________
(1) بحار الاَنوار، للمجلسي 53: 65 | 56 المكتبة الاِسلامية ـ طهران.
(2) الاِرشاد، للمفيد 1: 338 تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام ـ قم.
(3) سنن الترمذي ـ كتاب المناقب: 663 | 3786 و3788 تحقيق أحمد محمد شاكر ـ دار احياء التراث العربي. ومستدرك الحاكم 3: 148 حيدر آباد ـ الهند.
(4) سورة النمل 27: 83.
(5) سورة النمل 27: 87.


________________________________________ الصفحة 9  ________________________________________


ويستفاد من مجموع الآيتين أنّ يوم الحشر الخاص هو غير يوم النفخ والنشور الذي يحشر فيه الناس جميعاً، وبما أنّه ليس ثمة حشر بعد يوم القيامة بدليل الكتاب والسُنّة، فلا بدَّ أن يكون الحشر الخاص واقعاً قبل يوم القيامة، فهو إذن من العلامات الواقعة بين يدي الساعة، كظهور الدجال وخروج السفياني ونزول عيسى من السماء وطلوع الشمس من مغربها وغيرها من الاَشراط المدلولة بالكتاب والسُنّة.
كما دلَّ الكتاب الكريم على رجعة بعض الناس في الاُمم السابقة إلى الحياة بعد الموت في عدة آيات صريحة لا تقبل التأويل، منها قوله تعالى: (ألَم تَرَ إلى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِم وَهُم ألوفٌ حَذَرَ المَوتِ فَقَالَ لهُم اللهُ مُوتُوا ثم أحياهُم)(1)وهو يدل على إمكان الرجعة في هذه الاُمّة أيضاً لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو أنَّ أحدهم دخل جُحر ضَبّ لدخلتُم»(2).
وملخص الاعتقاد بالرجعة هو أنّ الله تعالى يعيد في آخر الزمان طائفة من الاَموات إلى الدنيا ممّن محضوا الاِيمان محضاً أو محضوا الكفر محضاً، فينتصر لاَهل الحق من أهل الباطل، وعلى هذا إجماع الشيعة الاِمامية الاثني عشرية، وقد علم دخول المعصوم في هذا الاجماع بورود الاَحاديث المتواترة عن النبي وأهل بيته المعصومين عليهم السلام الدالة على اعتقادهم بصحة الرجعة.
إنَّ الاعتقاد بالرجعة على ما جاء في الروايات عن آل البيت عليهم السلام من


____________
(1) سورة البقرة 2: 243.
(2) كنز العمال، للمتقي الهندي 11: 134 | 30924 مؤسسة الرسالة.


________________________________________ الصفحة 10  ________________________________________


ضروريات المذهب الشيعي، وقد بحث العلماء عن حكم من أنكر شيئاً من الضروريات ـ من أتباع المذهب أو سائر من نطق بالشهادتين ـ في الكتب المتعلّقة بهذا الشأن، الاَمر الذي لسنا الآن بصدد التحقيق عنه في هذه الرسالة.
والاعتقاد بالرجعة من مظاهر الاِيمان بالقدرة الاِلهية، فقد روي أنّ ابن الكوّاء الخارجي سأل أمير المؤمنين عليه السلام عن الرجعة ـ في حديث طويل ـ قال عليه السلام في آخره: «لا تشكّنَّ يابن الكواء في قدرة الله عزَّ وجلَّ»(1).
وسأل أبو الصباح الاِمام الباقر عن الرجعة، فقال عليه السلام: «تلك القدرة، ولا ينكرها إلاّ القدرية، تلك القدرة فلا تنكرها»(2)وبمثل ذلك أجاب عليه السلام عبدالرحمن القصير(3).
إنَّ من يعتقد بأنَّ الله تعالى هو الذي برأ الخلق من العدم إلى حيّز الوجود كيف يشكّ ويتردد في أنّه يعجزه إعادتهم ! ومن قدر على الابتداء فهو على الاِعادة أقدر، قال تعالى: (وَضَرَبَ لنا مَثلاً وَنَسِيَ خَلقَهُ قَالَ مَنْ يُحيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحييها الَّذي أنشأها أوّلَ مَرةٍ وهُوَ بِكُلِّ خَلقٍ عَلِيمٌ* الَّذي جَعَلَ لَكُم مِنَ الشَّجَرِ الاَخضَرِ نَاراً فإذا أنتُم مِنهُ تُوقِدُونَ * أوَلَيسَ الَّذي خَلَقَ السَّماوَاتِ والاَرضَ بقَادِرٍ عَلى أن يخلُقَ مِثلَهُم بَلى وَهُوَ الخَلاّقُ العَلِيمُ * إنَّما أمرُهُ إذا أرادَ شيئاً أنْ يقُولَ لهُ كُنْ فَيَكُونُ)(4).


____________
(1) بحار الاَنوار 53: 74.
(2) المصدر السابق: 72 | 71.
(3) المصدر السابق: 74 | 73.
(4) سورة يس 36: 78 ـ 82.


________________________________________ الصفحة 11  ________________________________________


هذه هي الرجعة التي كثرت التهويلات والتشنيعات على المعتقدين بها حتى عدّوها أسطورة وقولاً بالتناسخ، وأنّ معتقدها خارج عن الاِسلام والدين، وأنّها من مفتريات عبدالله بن سبأ، وما إلى ذلك من التشدّق على مدرسة الاِسلام الاَصيل، إنّنا لا نعطي الحق لمن لا يؤمن برجعة بعض الاَموات إلى الحياة الدنيا بعد الموت لعدم ثبوته عنده، بل عليه أن يبحث ويسأل أهل الذكر وليس من حقّه أن يشنّع على من يقول بذلك لتواتر الاَحاديث وثبوت النصوص عنده، إذ لا حجة للجاهل على العالم.
ويحق لنا في هذا المقام أن نسأل المنكرين لاَنباء الغيب وما يقع في المستقبل، ما الدليل على زعمكم أنّه لا يوجد ثمة عودة إلى الحياة بعد الموت ؟ وما الحجة التي تعزّز ما تذهبون إليه ؟ هل تخلّل أحد منكم في آفاق المستقبل، وسبر أغوارها، ووقف على حقيقة الاَمر ثم عاد وأخبر أنّه لم يجد شيئاً ممّا أخبر به القرآن الكريم والعترة النبوية الطاهرة عليهم السلام ؟
في هذا البحث سنحاول تسليط الضوء على تعريف الرجعة وفقاً لما ورد عن أئمة الاِمامية وعلمائهم، ونسوق الاَدلة التي احتجوا بها لاِثبات صحة الاعتقاد بها من الآيات القرآنية والاَحاديث الشريفة والاجماع وغيرها من القرائن المختلفة، ونبين أيضاً الهدف منها وحكم منكريها، وجملة من احتجاجات العلماء وردودهم على الاشكالات المطروحة حول هذا الموضوع وغيرها إن شاء الله تعالى.
ولله الاَمر من قبل ومن بعد

 

 

أضف تعليق

الرجعة

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية