الإمامة والخلافة : لزوم عصمة الإمام

البريد الإلكتروني طباعة

الإمامة والخلافة

لزوم عصمة الإمام

أثبتنا في الأصل السّابق أنّ الإمام والخليفة ليس قائداً عاديّاً ، يقدر على إدارة دفّة البلاد اقتصاديّاً ، وسياسيّاً ، وحفظ ثغور البلاد الإسلاميّة تجاه الأعداء فقط ، بل ثمّت وظائف أُخرى يجب أن يقوم بها مضافاً إلى الوظائف المذكورة. وقد أشرنا إليها في الأصل السابق.

إنّ القيام بهذه الوظائف الخطيرة مثل تفسير القرآن الكريم ، وبيان الأحكام الشرعيّة ، والإجابة على أسئلة الناس الإعتقاديّة ، والحيلولة دون تسرّب الإنحراف إلى العقيدة ، والتحريف إلى الشريعة ، رهنُ علمٍ واسعٍ ، لا يخطئ ولا يتطرّق إليه الاشتباه ، والأشخاص العاديّون إذا تولّوا هذه الأمور لن يكونوا في مأمنٍ عن الخطأ والزلل.

على أنّه يجب أن نعلم بأنّ العصمة لا تساوي النبوّة ، ولا تلازمُها ولا تستلزمها ، لأنّه ربما يكونُ الشخص معصوماً عن الخطأ ولكن لا يتمتّع بمقام النبوّة أيّ لا يكون نبيّاً.

وأوضح نموذج لذلك السيّدة مريم العذراء التي مرّت الإشارة إلى أدلّة عصمتها ، عند الحديث عن عصمة الأنبياء والرُسُل. (1)

ثمّ إنّ هناك ـ مضافاً إلى التحليل والإستدلال العقلي السابق ـ أموراً تدلّ على عصمة الإمام نذكر هنا بعضها :

1. تعلّق إرادة الله القطعيّة والحتميّة بطهارة أهل البيت عن « الرجس » كما قال تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (2).

إنّ دلالة هذه الآية على عصمة أهل البيت : تكونُ على النحو التالي : إنّ تعلّق إرادة الله الخاصّة بطهارة أهل البيت من أي نوعٍ من أنواع الرّجس يلازم عصمتهم من الذنوب والمعاصي ، لأنّ المقصود من تطهيرهم من « الرّجس » في الآية هو تطهيرهم من أيّ نوع من أنواع القذارة الفكريّة والرّوحيّة ، والعمليّة التي من أبرزها المعاصي والذنوب.

وحيث إنّ هذه الإرادة تعلّقت بأفراد مخصوصين لا بجميع الأفراد ، فإنّها تختلف عن إرادة التطهير التي تعلّقت بالجميع بدون إستثناءٍ.

إن إرادة التّطهير التي تشمل عامّة المسلمين إرادة تشريعيّة (3) وما أكثر الموارد الّتي تتخلّف فيها هذه الإرادة ، ولا تتحقّق بسبب تمرّد الأشخاص ، وعدم إطاعتهم للأوامر والنواهي الشرعيّة في حين أنّ هذه الإرادة إرادة تكوينيّة لا يتخلّف فيها المراد والمتعلَّق ـ وهو العصمة عن الذّنب والمعصية ـ عنها أبداً.

والجدير بالذكر أن تعلّق الإرادة التكوينيّة الإلهيّة بعصمة أهل البيت : لا توجبُ سَلب الإختيار والحريّة عنهم تماماً كما لا يوجب تعلّق الإرادة التكوينيّة الإلهيّة بعصمة الأنبياء سلبَ الإختيار والحريّة عن الأنبياء أيضاً ـ وقد جاءَ تفصيل هذا الموضوع في كتب العقائد ـ.

2. إنّ أئمّة أهل البيت : يمثِّلون بحكم حديث الثقلين الذي قال فيه رسول الله : « إني تاركٌ فيكمُ الثَّقَلَين كتابَ الله وعترتي » عِدلَ القرآن الكريم ، يعني أنّه كما يكون القرآن الكريم مصوناً من أيّ لون من ألوان الخطأ والإشتباه ، كذلك يكون أئمّة أهل البيت مصونين من أيّ لونٍ من ألوان الخطأ الفكري ، والعملي ، ومعصومين من أيّ نوعٍ من أنواع الزلل والخطل.

وهذا المطلب واضح تمام الوضوح ، إذا أمعنّا في العبارات التي جاءت في ذيلِ الحديث المذكور.

ألف : « ما إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِما لَنْ تَضِلُّوا أَبَداً ».

ب : « إنَّهما لَنْ يَفْتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوضَ ».

لأنّ ما يكون التمسّك به موجباً للهداية وأنه لا يفترق عن القرآن ـ المصون والمعصوم ـ مَصُونٌ ومعصومٌ هو كذلك.

3. لقد شَبَّهَ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أهل بيته بسفينة نوح التي ينجو من الغرق من رَكِبها ويغرق في الأمواج من تخلّف عنها ، إذ قال : « إنّما مَثَلُ أهل بَيْتي كَسَفينَةِ نُوْحٍ مَن رَكِبَها نَجا وَمَنْ تخلَّفَ عَنهاَ غَرِقَ » (4).

بالنظر إلى هذه الأدلّة الّتي بينّها بصورةٍ موجزةٍ تكونُ عصمة أهل البيت واضحةً ، وحقيقةً مبرهناً عليها.

ومن الجدير بالذّكر أنّ الأدلّة النقليّة على عصمة أهل البيت : لا تنحصر في ما ذكرناه.

الهوامش

1. راجع كتاب الإلهيّات ، تأليف صاحب هذه الرسالة : 2 / 146 ـ 198.

2. الأحزاب / 33.

3. ( وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ ) [ المائدة / 6 ].

4. مستدرك الحاكم : 2 / 151 ، والخصائص الكبرى للسيوطي : 2 / 266.

مقتبس من كتاب : [ العقيدة الإسلامية على ضوء مدرسة أهل البيت عليهم السلام ] / الصفحة : 203 ـ 206

 

أضف تعليق

العصمة

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية