عدم وجود سبب مقنع حقيقي لأولوية أمير المؤمنين ع في الخلافة
السؤال : بعدما قام أحد زملائي في العمل من السُنّة بطرح سؤال معضل عليّ .. قلت له بأنني سآتيه بجواب يشفي صدره ، وقد كتب لي السؤال ، وأنا أنقله لكم حرفاً حرفاً كما نقله لي ، واعذروني ؛ لأنّه عبارة عن عدة تساؤلات طويلة ، تفضي بقصده بعدم وجود سبب مقنع حقيقي لأولوية أمير المؤمنين علي عليه السلام في الخلافة، فأسعفوني أسعفكم الله :
قال لي بوجوب عدم أولوية خلافة علي عليه السلام للمعطيات التالية :
1 ـ تقول الإمامية بوجوب
( أ ) نص من الله تعالى بتنصيبه .
( ب ) وصية من رسول الله.
2 ـ تقر الإمامية بأنّ علي عليه السلام من أطيع خلق الله ، لله ولرسوله ( حتى أنّهم فضلوه على الأنبياء ، وغلو فيه حتى ساووه بالنبي المصطفى).
3 ـ تقر الإمامية بنفي الجبن والاستكانة إطلاقاً عن علي عليه السلام ، وشجاعته وبطولاته تكاد لا تخلو صفحة من صفحات كتبهم إلا ومدحت بطولاته وشجاعته.
4 ـ تقر الإمامية باستحالة أن ينسب لعلي عليه السلام بأن يكون منافقاً أو مرائياً أو مداهناً ، وأنّه القدوة الأولى بتطبيق شرع الله وأوامر رسوله الكريم ، وأنّه يقول الحق حتى على نفسه ، ولا يخاف لومة لائم.
5 ـ تقر الإمامية أنّ أوامر الله والرسول هي أوامر لا تقبل المناقشة في التنفيذ ؛ فإن أمرهم بالصلاة والصوم وطاعة الله والرسول وأولو الأمر، فهذا لا يوجب الشك بالطاعة بدون أية مداهنة مهما كانت الأسباب.
6 ـ تقر الإمامية أنّ سيدنا علي عليه السلام يعلم ويقر ويقول دائماً بأنّ الله تعالى ورسوله أعلم بشؤون ومصالح خلقه ، كما يقرون بأنّ شريعة الله هي شريعة كاملة منزهة عن الغلط والنقصان ، وأنّ أوامر الله ووصايا الرسول جاءت مطابقة لمصلحة الأمة الإسلامية ، ولا مجال للاجتهاد في أمر محكم قطعي من أوامر الله ، أو وصية لرسول الله ، وحتى علي عليه السلام يقر بأنّ رأيه مهما عدل فليس له الصلاحية أن يجتهد برأي على خلاف ما يراه رسول الله ، أو يوصيه ، أو ما ينزله الله تعالى في كتابه العزيز.
7 ـ تقر الإمامية بأنّ علي عليه السلام قاتل معاوية ؛ لأنّ معاوية كان يريد الخلافة لنفسه بعد مقتل عثمان ، وأنّ معاوية رأى نفسه مؤهلاً لها.
للمعطيات السابقة نجد :
1 ـ استحالة ترك علي عليه السلام لنص الله تعالى المزعوم على حد ما فسروه ، أو لوصية رسول الله بتنصيبه خليفة ؛ وذلك لاعتقاد الإمامية بالبند الثاني أعلاه ( الوصية التي إن كانت موجودة لانتشرت ، ولكانت أولى بالظهور وأوسع انتشاراً من أحاديثه عليه أفضل الصلاة والسلام ).
2 ـ استحالة استكانة وجبن وخنوع وخضوع علي عليه السلام لأبو بكر وعمر وعثمان ( إن اعتقد بأنّهم اغتصبوا منه حقه ) لاعتقاد الإمامية بالبند الثالث.
3 ـ استحالة تطبيق التقية على علي عليه السلام ؛ لأنّ التقية تتناقض مع البند السادس خاصة و كافة البنود من 2 حتى 7 تناقضاً لا ينفيه إلا أبله.
وأضاف معلقاً على التقية : تعتقد الإمامية أنّ الصحابة ارتدوا إلاّ خمساً أو ستاً ، وتعتقد بأنّ آل البيت عليهم السلام ظُلموا في عهد الخلفاء الراشدين ومن بعد أيضاً ، وأنّ آل البيت استخدموا التقية في كتمان الحق .
فالسؤال المطروح : من نقل لنا الدين إذا المتمثل بالقرآن أوّلاً الذي كان بين أيدي الصحابة ، وجمع تماماً في عهد عثمان ، وبالسنة ثانياً ؟ ؟
أفيسمع آل البيت عليه السلام قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً }(البقرة/174). { أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ }(البقرة/159). ويكتمون الحق تقيةً ؟ ؟ لم.. ليضيع باقي المسلمون في دين تلقوه عن مرتدين أو منافقين ؟ ؟
أفيرضى آل البيت عليهم السلام للمسلمين الضياع ، أم أنّهم جبناء لا يستطيعون قول الحق؟؟
ألا ترى معي أنّ التقية أمر قلبي لا يظهره صاحبه ، فإن أبطنه أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه في قلبه من أين لهم أن يفسروا ، ويعرفوا ما بقلبه مع عدم إفصاحه ومعارضته ؟ ؟
4 ـ استحالة عدم قتال علي عليه السلام للصحابة إن صح بأنّ الصحابة خالفوا نص الله بالقرآن ، ووصية الرسول لاعتقاد الإمامية بالبنود من الثاني للسادس.
وأضاف : بأنّه إن صح ترك أمير المؤمنين علي عليه السلام لقتال أبو بكر وعمر وعثمان لأمر رآه في أنّه في مصلحة المسلمين ، وأنّه لا يريد تفرقة الصفوف و.. إلخ ممّا يعتقده الإمامية ، فبالأحرى أن يصح بالمقابل وجوب ترك علي عليه السلام لقتال معاوية..
هل يعقل أن يترك علي عليه السلام مقاتلة من خالف نص الله ووصية رسوله آنذاك ، ويرجع فيقاتل بعدئذ من نازعه على كرسي الخلافة ؟ ؟ ؟ !!! ( أي : هل يعقل أن يترك القتال من أجل نصرة كلمة الله ، وإظهار وصية رسوله من بعد موته ، ثمّ يأتي بعد سنين عديدة ليقاتل من أجل نفسه وإمارة يعتليها )
أم أنّ الإمامية تصفه بالضعف آنذاك ، وأنّه جبان لم يستطع المقاتلة ؛ لأنّه كان وحيداً ، وبعد مقتل عثمان أصبح قوياً لاستعانته بالجند الذين بايعونه بعدئذ ؟ ؟ وهذه تنفي صفة الشجاعة والقوة التي نعتقد بها في حقه رضي الله عنه..
الجواب : من سماحة السيّد علي الميلاني
هذه التساؤلات في الحقيقة ترجع إلى عدم العلم بمباني الشيعة الاثني عشرية في باب الإمامة والولاية ، فالأفضل لمن يطرحها أن يسأل عن المباني والأصول المؤسّس عليها العقيدة بإمامة علي عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأنا ذاكر لكم أهّم النقاط مع الاختصار :
1 ـ نعتقد أنّ الإمامة منصب إلهي كالنبوّة ، ومعنى ذلك
أوّلاً : أنّه لا دور للناس في الإمامة بل عليهم الطاعة والبيعة .
وثانياً : إنّ إعراضهم عنه لا يضرّ بإمامته بل هم الضالّون .
2 ـ إنّ وجود الإمام في كل زمانٍ واجب ، وبه يستمرّ الوجود ، وتحفظ الشريعة ، وينبسط العدل ، وبسط العدل به متوقف على اتّباع الناس وانقيادهم له ، وإلاّ فهم المقصّرون لا الإمام ، ومن هنا يعلم أنّ تولّيه للحكومة من شؤون إمامته ، وعدم الحكومة لا يضرّ بالإمامة . وعلى الجملة فإنّ الإمام كالكعبة يؤتى ولا يأتي .
3 ـ قد عرفت أنّ حفظ الشريعة من وظائف الإمام ، والإمام علي قد سلبت منه الحكومة بين الناس ، لكنّ قيامه بوظيفة حفظ الدين والشريعة من الزيادة والنقصان في زمن الحكام قبله ثابت في كتب الفريقين ، فكم من معضلة حلّها وقد عجز القوم ، وكلمة عمر : « لولا علي لهلك عمر » مشهورة .
4 ـ أمّا حربه مع معاوية ؛ فلأنّه كان الخليفة الحق ، وكان الناس معه ضد الباطل ، فنهض لدفع الباطل لمّا وجد الناصر والمعين .
5 ـ وقد صرّح غير مرّة بأنّ سكوته عن المشايخ الثلاثة كان لقلّة الناصر، فلو وجد أعواناً لقام بوظيفة الحكومة ، وإقامة العدل أيضاً، أمّا أن يطالب بالحكومة فلم يكن وظيفة له .
6 ـ إنّكم لو قرأتم القرآن بتدبّر في قصّة قوم موسى وعبادتهم العجل لمّا ذهب إلى الطور ، وتركهم هارون لوجدتم المشابهة التامّة بين حال هارون يوم ذهب موسى إلى مناجاة ربه ، وحال علي يوم ذهب محمّد إلى ربّه ، و هذا من معانى قول النبي لعلي ـ في الحديث المتفق عليه بين المسلمين : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى » .