السؤال :
قلتم : « يظهر بعد التحقيق الدقيق أنّ حروب الردّة غالباً كانت حروب ضدّ المسلمين المخلصين الذين امتنعوا من قبول الخلفاء الغاصبين ، لأنّهم سمعوا تصريحات النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بخلافة عليّ عليه السّلام ، وقد بايعوه على الخلافة في غدير خمّ ، فلمّا سمعوا بغصب الخلافة أعلنوا سخطهم ، وعدم قبولهم للحكومة الغاصبة ، وامتنعوا من أداء الزكاة ، فاتّهمتهم السلطات الغاصبة بالإرتداد ، وأرسلوا الجيوش لمحاربتهم ، وإجبارهم على قبول خلافتهم ».
ولكن نرى خطب أمير المؤمنين يصف أن الحال أن أنصاره قليل ؛ فهناك من يستشكل على جوابكم ؟
أيّ مثل أن يستشكل شخص لماذا الإمام علي لم يحارب من غصب الخلافة بهؤلاء وهؤلاء قابلين لخلافته ؟!
الجواب :
لقد تمّ غصب الخلافة ومبايعة أبي بكر فجأة بعد ان اجتمع جماعة من الأنصار والمهاجرين في السقيفة ، ووقع الخلاف الشديد ابتداءا بين المهاجرين والأنصار ثمّ بين الأنصار أنفسهم ، وبذلك تمكّن أبوبكر من غصب الخلافة ، ولم يعلم بذلك الكبار من الصحابة إلّا بعد ان استقرّ الأمر وتمكّنوا من أخذ البيعة من المسلمين طوعاً وكرهاً.
وبما انّ أمير المؤمنين وأصحابه المخلصين وبني هاشم كانوا مشغولين بتجهيز النبي صلّى الله عليه وآله ، تخيّل الكثير من الصحابة أنّ عليّاً تنازل عن الخلافة وانّه رضي بالأمر الواقع ، لكن بعد خطبة الزهراء عليها السلام وإظهار الإمام عليه السلام سخطه واستياؤه ، قام كثير من أعيان الصحابة بالاحتجاج على غصب الخلافة ، وكان هؤلاء يمثل جماعات كثيرة لأنّهم كانوا نقباء من قبل الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله ويتبعهم الكثير من أهليهم وأبناء عشيرتهم ، فخافت السلطة الغاصبة من ازدياد النقمة والإعتراض وحصول الصحوة العامّة ، وهذا لا ينافي قلّة أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام المخلصين في ذلك الوقت ، لأنّ الناقمين والمعترضين كانوا قليلين بالنسبة لمن بايع الخليفة والصحوة العامة لم تتمّ لأنّ السطلة تداركتها بالتخويف من ردّة المسلمين ، وصوّرت لهم الخطر المحدق بالإسلام والمسلمين في أعظم صورة ، وأرسلتهم إلى حرب أهل الردّة بزعمهم.
مضافاً إلى انّ الكثير منهم خصوصاً الأنصار تخيّلوا أن أخذ البيعة منهم ولو كرهاً كان يستلزم موافقة السلطة الغاصبة ، ولذا كانوا يعتذرون حينما طالبهم الإمام علي عليه السلام بنصرته بأنه قد سبق أخذ البيعة منهم ، فإرشاد هؤلاء وأمثالهم كان بحاجة إلى وقت طويل ، ولما أحسّت السلطة بذلك اخرجتهم من المدينة المنوّرة لكي يشتغلوا بالحروب بعنوان حروب الردة.
وممّن احتجّ على أبي بكر :
1. سلمان الفارسي خطب خطبة طويلة بعد ثلاثة أيّام من دفن النبي صلّى الله عليه وآله قال فيها : « الا والذي نفس سلمان بيده لو ولّيتموها عليّاً لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم ... ».
2. اُبيّ بن كعب خطبة خطبه مفصلة يوم الجمعة أوّل يوم من شهر رمضان واعترض على المهاجرين والأنصار الذين بايعوا أبابكر ، وذكر مناقب علي وفضائله ومكانته من رسول الله ، وتصريحات النبي صلّى الله عليه وآله بشأن إمامته وخلافته ، ثمّ قال : « فقد انذر من اعذر وادى النصيحة من وعظ وبصّر من عمى فقد سمعتم كما سمعنا ورأيتم كما رأينا وشهدتم كما شهدنا » ، فقام عبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة الجراح ومعاذ بن جبل فقالوا : يا اُبيّ أصابك خبل أم بك جنّة ؟ فقال : « بل الخبل فيكم » ، ثمّ نقل عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله : « يا اُبيّ عليك بعلي فانّه الهادي المهدي الناصح لاُمّتي المحيي سنّتي وهو إمامكم بعدي ... ».
3. اعترض اُسامة على أبي بكر وقال فيما كتبه إليه : « فقد علمت ما كان من قول رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في علي يوم غدير خم فما طال العهد حتّى تنسى ».
4. اعترض على أبي بكر أبوه أبو قحافة وقال فيما كتبه إليه : « وأنت تعرف من هو أولى منك بها فراقب الله كأنّك تراه ولا تدعن صاحبها فان تركها اليوم اخف عليك وأسلم ».
5. في بحار الأنوار المجلّد 28 الصفحة 208 ، عن الخصال للشيخ الصدوق ، عن البرقي بسنده عن زيد بن وهب قال : كان الذين أنكروا على أبي بكر في جلوسه في الخلافة وتقدّمه على علي بن أبي طالب عليه السلام إثنى عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار ، كان من المهاجرين خالد بن سعيد بن العاص والمقداد بن الأسود واُبيّ بن كعب وعمّار بن ياسر وأبوذر الغفاري وسلمان الفارسي وعبد الله بن مسعود وبريدة الأسلمي ، وكان من الأنصار خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وسهل بن حنيف وأبو أيّوب الأنصاري وأبو الهيثم بن التيهان وغيرهم ، ثمّ ذكر احتجاج كلّ واحد منهم. قال زيد بن وهب : فاخبر الثقة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله انّ أبابكر جلس في بيته ثلاثة أيّام ، فلمّا كان اليوم الثالث أتاه عمر بن الخطاب وطلحة والزبير وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح مع كلّ واحد منهم عشرة رجال من عشائرهم شاهرين للسيوف ، فأخرجوه من منزله ، وعلا المنبر فقال قائل منهم : والله لئن عاد منكم أحد فتكلّم بمثل الذي تكلّم به لنملأنّ أسيافنا منه ، فجلسوا في منازلهم ولم يتكلّم أحد منهم بعد ذلك.