هل ينهي الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف عن أخذ الخمس من الشيعة ؟

البريد الإلكتروني طباعة

السؤال :

ألم ينهي الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف عن أخذ الخمس من الشيعة وجعلهم في حلِّ منه ؟ إذا لماذا تبقون تصرّون عليه ؟ هل تعلم شيخنا الفاضل أن النبي لم يكن يأخذ خمس الأرباح حتى زمان الإمام الكاظم وعلي الرضا ومحمد الجواد ، واليوم توقّف بأمر صاحب العصر والزمان ؟ اذا لماذا ما زالت المراجع تأخذها ؟ ولماذا الزكاة التي ذكرت ٢٩ آية في القرآن عليها القرآن وركّز بها لا يثقف بها الناس كالخمس ؟

الجواب :

لا ينبغي لمن لم يكن له ملكة الإجتهاد أن يفتى برأيه ، وعلى أساس علمه الناقص بالأحكام الشرعيّة ، وهذا نظير أن يعترض المريض الذي له مطالعات بسيطة في علم الطبّ على الأطبّاء الذين مارسوا علم الطب سنوات كثيرة ، فيقول لهم لماذا تصرّون على العمليّة الجراحيّة للسرطان مثلاً.

ولا بدّ ان من إلفات نظرك إلى انّ المراجع هم المجتهدون العدول الذين يستنبطون الأحكام الشرعيّة من الكتاب والسنّة الشريفة في منتهى الأمانة والاحتياط وحسب ما يفهمونه من الأدلّة ، لا على أساس هوى النفس أو حتّى الرغبة اللاشعوريّة ، ولذا نرى انّ العلامة الحلّي رحمه الله حينما أراد ان يستنبط حكم البئر انّه هل ينجس بالملاقاة أم لا ، كان في بيته بئر فأمر أن يطمّ البئر بالتراب حتّى لا يؤثر لا شعوريّاً وجود البئر في بيته وحاجته إليه في استنباط حكمه ، ثمّ لاحظ الأدلّة واستفاد منها انّ البئر لا ينجس بالملاقاة ، وأفتى بذلك.

وأمّا الروايات الدالّة على التحليل فهي محمولة على من انتقل إليه المال الذي فيه الخمس ، فيجوز له التصرّف فيه ولا تدلّ على سقوط الخمس ممّن وجب عليه ، إذ لا يعقل انّ الله تعالى أوجب الخمس عليه ، لكن الإمام عليه السلام يحلّله لمن وجب عليه الخمس ؛ فإنّه نقض للغرض ويستلزم لغوية وجوب الخمس على الناس.

ثمّ انّ هناك روايات تدلّ على انّ الأئمّة عليهم السلام طالبوا بالخمس ، بل أنكروا وذمّوا من لا يدفع خمسه وهدّدوه بالعذاب العظيم في الآخرة.

وقد ورد في التوقيع الشريف عن الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه :

بسم الله الرحمن الرحيم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من استحلّ من أموالنا درهماً. [ بحار الأنوار ج 53 / 183 ]

وفي توقيع آخر :

وأمّا ما سألت عنه من أمر من يستحلّ ما في يده من أموالنا أو يتصرّف فيه تصرّفه في ماله من غير أمرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه يوم القيامة ... [ بحار الأنوار ج 53 / 182 ]

نعم ورد في توقيع آخر :

وأمّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلّ شيئاً منه فأكله ، فانّما يأكل النيران وأمّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا لتطيّب ولادتهم ولا تخبث.

ويظهر من التعليل انّ المراد إباحة الخمس لمن انتقل إليه المال الذي فيه خمس ، مثلاً يشتري الجارية بالمال الذي تعلّق به الخمس ، فإذا وطأ الجارية يكون حلالاً ويكون الولد طيب الولادة ، ولازمه انّ شراء الجارية يكون صحيحاً حتّى في المقدار المقابل للخمس ، فينتقل الخمس إلى ذمّة المشتري للجارية ، ويكون الثمن الذي فيه الخمس كلّه حلالاً للبايع.

وفي معتبرة أبي بصير عن الباقر عليه السلام قال : سمعته يقول من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره الله اشترى ما لا يحل له.

وفي رواية علي بن إبراهيم عن أبيه قال :

كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام ، إذ دخل عليه صالح بن محمّد بن سهل وكان يتولّى له الوقف بقم ، فقال : يا سيّدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حلّ فإنّي قد أنفقتها. فقال له : أنت في حلّ. فلمّا خرج صالح فقال أبو جعفر عليه السلام : أحدهم يثب على أموال ـ حقّ ـ آل محمّد وأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، فيأخذه ثمّ يجيء فيقول اجعلني في حلّ ، أتراه ظنّ أنّي أقول لا أفعل والله ليسألنّهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً.

قال السيّد الخوئي بالنسبة للروايات الظاهرة في تحليل الخمس :

وهذه الروايات مضافاً إلى معارضتها بما ستعرف من الطائفتين غير قابلة للتصديق في نفسها ، ولا يمكن التعويل عليها :

أولاً : من أجل منافاتها لتشريع الخمس الذي هو لسدّ حاجات السادة والفقراء من آل محمّد صلّى الله عليه وآله إذ لو لم يجب دفع الخمس على الشيعة ، والمفروض امتناع أهل السنّة وانكارهم لهذا الحقّ ، فمن أين يعيش فقراء السادة والمفروض حرمة الزكاة عليهم ، فلا يمكن الأخذ بإطلاق هذه النصوص جزماً.

وثانياً : انّها معارضة بالروايات الكثيرة الآمرة بدفع الخمس في الموارد المتفرّقة والأجناس المتعدّدة كقوله عليه السلام : خذ من مال الناصب وادفع إلينا الخمس ، أو من أخذ ركازاً فعليه الخمس. وما ورد في أرباح المكاسب من صحيحة علي بن إبراهيم الطويلة وغيرها.

وأمّا انّ النبي صلّى الله عليه وآله لم يأخذ الخمس من أرباح المكاسب ، فجوابه واضح أشار إليه السيّد الخوئي قدّس سرّه وحاصله :

انّ الأحكام الشرعيّة تدريجيّة ، ولعلّ النبي صلّى الله عليه وآله لم يؤمر بأخذ الخمس لمصلحة من المصالح وأوكل ذلك إلى الأئمّة عليهم السلام. مضافاً إلى وجود الفرق بين الزكاة والخمس ، لأنّ الزكاة ملك الفقراء وحقّ يصرف في مصالح المسلمين ، وكان النبي صلّى الله عليه وآله مأموراً بأخذها « خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم ... » ، ومقدّمة للأخذ الواجب عليه بعث العمّال لجباية الزكوات.

أمّا الخمس فهو حقّ مختصّ به وبأقربائه ، فيشبه الملك الشخصي حيث لا تعود فائدته إلى عامّة المسلمين. ومن ثمّ لم يؤمر في مورده إلّا بمجرّد التبليغ وبيان الحكم بل لعلّ الإصرار على أخذ الخمس لم يكن مناسباً لشأنه وجلالته.

مضافاً إلى ان وجوب الخمس في الركاز ـ المعدن أو الكنز ـ ممّا اتّفق عليه العامّة أيضاً ووردوا فيه روايات كثيرة ، ومعذلك لم ينقل في مورد واحد انّ النبي صلّى الله عليه وآله أو من بعده بعث أحداً لجبايته ، فعدم الإصرار على الأخذ لا يدلّ على عدم الوجوب بل العامّة رووا انّ النبي صلّى الله عليه وآله أمر بدفع الخمس. فقد جاء رجل من بني عبد قيس إلى النبي ، فلمّا أراد الانصراف أمره النبي صلّى الله عليه وآله بالصلاة والصيام والزكاة وإعطاء الخمس ممّا غنم. وليس المراد خمس الغنيمة الحربيّة ، لأنّ أمره بيد نفس النبي صلّى الله عليه وآله.

 
 

أضف تعليق

الخمس

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية