ما تفسير حديث الأفلاك؟
السؤال : « لولاك ما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما جميعاً » ما تفسير هذا الحديث ؟
الجواب سماحة الشيخ محمّد السند
ليس معنى الحديث كما قد يتوهّم في بادى النظر هو أفضلية علي أو فاطمة (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، بل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أفضل الكائنات وسيد البرايا :
{ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}(النجم/8 ـ9). دنواً واقتراباً من العليّ الأعلى.
وقال علي (عليه السلام) : « أنا عبد من عبيد محمّد (صلّى الله عليه وآله وسّلم)» أي المأمورين بطاعته (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
بل مفاده نظير ما رواه الفريقين عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): « عليّ منّي وأنا من عليّ ».
و : « حسين منّي وأنا من حسين » ، وهو يحتمل أوجه من المعاني منها : أنّ الغرض والغاية من خلق بدن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في النشأة الدنيوية وابتعاثه لا يكتمل إلا بالدور الذي يقوم به علي (عليه السلام )وفاطمة (عليها السلام ) من أعباء إقامة الدين ، وايضاح طريق الهداية، نظير قوله تعالى النازل في أيام غدير خم يوم تنصيب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) علياً (عليه السلام) إماماً : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(المائدة/67). فقد جعل تبليغ الرسالة مرهوناً بنصب علياً اماماً ليقوم بالدور الذي يلي النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
وكذا قوله تعالى : { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا}(المائدة/3). وهو أيضاًنزل في أيام غدير خم . فرضا الرب ّبالدين مشروط بما اُقيم في ذلك اليوم من إمامة علي (عليه السلام) وولده ، وكذا إكمال الدين ، وبسبب ما اُقيم من معلم الدين في ذلك اليوم يئس الكفار من إزالة الدين الإسلامي والقضاء عليه ؛ لأنّ القيّم على الدين وحفظه لن ينقطع بموت النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بل باق ما بقيت الدنيا .
ونظير قوله تعالى :{ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}(الشورى/23). فجعل الرسالة في كفّة ، ومودة قربى الرسول صلى الله عليه وآله في كفّة معأدلة .
وقال تعالى :{ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ }(سبأ/47). { مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً}(الفرقان/57). فكانوا هم السبيل إليه تعالى ، والمسلك إلى رضوانه ، وإن الدور الذي قامت به فاطمة (عليها السلام ) من اضاح محجّة الحقّ وطريق الهداية ، في وقت عمّت الفتنة المسلمين ، ولم يكن من قالع لظلمتها ودافع للشبهة إلّا موقف الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام) ، فقد كان ولا يزال حاسماً وبصيرة لكل المسلمين ولكل الأجيال ؛ اذ هي التي نزلت في حقها آية التطهير والدهر ، وهي أم أبيها ، الأمومة للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وهو مقام لا يقاس به الأمومة للمسلمين ( أم المؤمنين ) ، وهي روح النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) التي بين جنبيه ، فكل هذه الآيات والأحاديث النبوية لم تزل حيّة طريّة في آذان المسلمين .
وهذا المعنى للحديث حينئذ يقرب من مفاد قوله تعالى:{ َمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات/56). أي : ليعرفون ثمّ يعبدون ، وذلك بوساطة هداية الرسول والدين الحنيف بإقامة الأئمة (عليهم السلام) له بعده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .