السؤال :
1. مع علمي بوجود بعض الأحاديث « المضعّفة » عند الشيعة والسنّة ممّا يمسّ الدين ومقدّساته بشيء من السوء عندي هنا نقطتان :
أ. لماذا ذكر الكليني رحمه الله تعالى تلك الأحاديث في كتابه الكافي مع ما له من العلم والمعرفة وإخلاصه للدين ؟
ب. ما هو وجه ذكر بعض علمائنا بتثبيت ما جاء فيها وخصوصاً الكافي كما ذكر ذلك السيّد شرف الدين عليه الرحمة في كتابه المراجعات في المراجعة 110 بقوله : « وهي متواترة ومضامينه مقطوع بصحّتها » إشارة إلى الكافي والتهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه.
ثمّ إنّ ذهاب بعض الإخباريين إلى صحّة روايات هذه الكتب وبالخصوص الكافي ألا يقدح بالمذهب ، وعلى هذا لو تفضّلتم بذكر الفرق بين الإخباريين والأصوليين ؟
الجواب :
إنّ ثقة الإسلام الكليني جمع في كتابه الروايات التي كانت موجودة قبل عصره في الأصول الأربعمائة التي وقعت في يده حفظاً لها من الضياع ، وهذه الروايات قد يكون فيها ما هو ضعيف السند ، ولكن ضعف السند لا يمنع من نقله مع الروايات الصحيحة والمعتمدة ، وإنّما تكون الروايات الضعيفة مؤيّدة للروايات الصحيحة والمعتمدة إذا وافقتها في المضمون.
نعم هناك روايات ضعيفة من ناحية المضمون بمعنى أن يكون المضمون مخالفاً للكتاب والسُنّة أو للعقل ، وهذه الروايات وإن نقلها ثقة الإسلام في كتابه الكافي إلّا أنّه نقل أيضاً الروايات القائلة : « إنّ ما خالف القرآن والسنّة زخرف باطل يضرب به عرض الجدار » ، فنقل الروايات ذات المضمون الباطل مع ذكر الميزان في قبول الرواية لا يضر بنيّة الكليني واخلاصه.
بالإضافة إلى أنّ الروايات المخالفة في المضمون عند شخص قد لا تكون مخالفة عند شخص آخر ، وعلى تفسير آخر ، فذكرها خوفاً من الضياع بدافع أن يوجد لها عند المتأخّرين من المحقّقين تفسيراً آخر ينسجم مع المضامين الصحيحة ، أمر جيّد وممتاز.
وأتمكّن أن اضرب لك مثالاً في ذلك : خذ إليك الروايات القائلة : « بأنّ في آخر الزمان تخرج النساء كاسيات عاريات » ، أو « أنّ في آخر الزمان إذا تكلم الرجل في المشرق سمعه ورأه في المغرب » ، وأمثالها ، فإنّ هذه الروايات في زمن صدورها قد يقال بأنّها خرافة ولكن أثبت الزمان لنا صحّة هذه الروايات في هذه الأيام ـ كما هو واضح ـ ، ويكون الفضل لمن أثبتها في كتابه ، وإن كانت في ذلك الزمان غير معقولة ، فليكن الكليني قد ذكر الروايات المخالفة للعقل عند صدورها لأجل أن يوجد لها تفسير عند أحد العلماء المحقّقين.
أمّا بالنسبة إلى ما قاله شرف الدين : فإنّه قال في المراجعة « 110 » : « إنّ الكتب الأربعة ونسبتها إلى أصحابها متواترة » ، لا أنّ الروايات التي فيها متواترة ، وفرق واضح بين كون الكتاب ونسبته إلى صاحبه متواترة أو أنّ الروايات التي فيها متواترة ، فهو أثبت نسبة الكتاب إلى صاحبه وقال إنّها متواترة ولم يقل إنّ جميع ما في الكتب الأربعة متواترة.
نعم هناك قول بصحّة كلّ ما في الكتب الأربعة وهذا قول أثبت السيّد الخوئي وقبله علماء الإماميّة المحقّقين بطلانه ـ راجع مقدّمة معجم رجال الحديث للسيّد الخوئي ـ.
وحينئذ لو كان هذا القول وهو صحّة كلّ ما في الكتب الأربعة هو قول الإماميّة بأجمعهم ، فهو مضرّ بالمذهب ، ولكن يوجد هناك القول الآخر الذي هو الصحيح الذي يقول : أنّ ما في الكتب الأربعة من الأحاديث يخضع لفحص السند والمتن ، فمنه ما هو صحيح السند وصحيح المتن ، ومنه ما هو صحيح السند غير مقبول المتن ، ومنه ما هو مقبول المتن وإن كان ضعيف السند ، وتخضع كلّ الروايات التي في الكتب الأربعة إلى موازين علم الرجال في قبول الرواية وضعفها.
ومع وجود هذا القول الثاني فلا يكون القول الأوّل الضعيف مضرّاً بالمذهب بل هو مضرّ بصاحبه الذي اختاره إذا كان التحقيق خلافه.
أمّا الفرق بين الإخباريين والأصوليين ، فإنّ المدرسة الأصولية هي التي التزمت واعتمدت أصول الفقه العقلي في الاستنباط ، وأصول الفقه العقلي هي الأصول المستقاة من مبادئ العقل ومعطياته.
أمّا المدرسة الإخبارية فهي التي التزمت واعتمدت أصول الفقه النقلي في الاستنباط ، وأصول الفقه النقلي هي الأصول المستقاة من أقوال أهل البيت ، والمأثور عنهم المنقول عن النبي صلّى الله عليه وآله.
وعلى هذا فيمكن تحديد الفروق بين المدرستين بما يلي :
1. في مصادر التشريع ؛ فإنّها عند المدرسة الأصوليّة أربعة ، هي : الكتاب والسُنّة والإجماع والعقل ، أمّا عند المدرسة الإخباريّة فهي : الكتاب والسُنّة فقط.
2. في الشبهة الحكميّة التحريميّة ؛ فإنّ الأخباريين يرجعون فيها إلى قاعدة الإحتياط ، أمّا الأصوليين فيرجعون فيها إلى قاعدة البراءة.
وقد تكون هناك فروق أخرى بين المدرستين إلّا أنّها ترجع إلى هذين الفرقين المهميّن.