الإمام الصادق عليه السلام
كان صلوات الله عليه سيّداً في حُسن الخُلق ، وعظيماً في تربية الخَلق ، ومفخرةً في تعاليمه ، وأحاديثه ، وتهذيب أصحابه ، وتنشأة الناس على الخُلق الحسن ، من ذلك :
حديث زكريّا بن إبراهيم قال : كنت نصرانيّاً فأسلمت وحججتُ فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت : إنّي كنتُ على النصرانيّة ، وأنّي أسلمت.
فقال : وأيّ شيء رأيت في الإسلام ؟
قلت : قول الله عزّ وجلّ : ( مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ ) (1).
فقال : لقد هداك الله ، ثمّ قال : اللَّهُمَّ أهده ثلاثاً ، سَلْ عمّا شئت يا بُنيّ.
فقلت : إنّ أبي واُمّي على النصرانيّة ، وأهل بيتي ، واُمّي مكفوفة البصر ، فأكون معهم ، وآكل في آنيتهم.
فقال : يأكلون لحم الخنزير ؟
فقلت : لا ، ولا يمسّونه.
فقال : لا بأس ، فانظر اُمّك فبرّها ، فإذا ماتت ، فلا تكلها إلى غيرك ، كُن أنت الذي تقوم بشأنها ، ولا تخبرنَّ أحداً أنّك أتيتني ، حتّى تأتيني بمنى إن شاء الله.
قال : فأتيته بمنى والناس حوله ، كأنّه معلّم صبيان ، هذا يسأله ، وهذا يسأله ، فلمّا قدمت الكوفة ، ألطفتُ لاُمّي ، وكنت اُطعمها ، واُفلّي ثوبها ورأسها ، وأخدمها.
فقالت لي : يا بُنيّ ما كنتَ تصنع بي هذا ، وأنت على ديني ، فما الذي أرى منك منذ هاجرتَ ، فدخلتَ في الحنيفيّة ؟
فقلت : رجلٌ من ولد نبيّنا أمرني بهذا.
فقالت : هذا الرجل هو نبيٌّ ؟
فقلت : لا ، ولكنّه ابن نبيّ ، فقالت : يا بُنيّ هذا نبيّ إنّ هذه وصايا الأنبياء.
فقلت : يا اُمِّ إنّه ليس يكون بعد نبيّنا نبيّ ولكنّه ابنه.
فقالت : يا بنيّ دينك خير دين ، اعرضه عليَّ فعرضته عليها فدخَلَت في الإسلام ، وعلّمتها فصلّت الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء الآخرة ثمّ عرض بها عارض في اللّيل فقالت : يا بُنيّ أعد عليَّ ما علّمتني ، فأعدتُه عليها فأقرّت به وماتت.
فلمّا أصبَحَت كان المسلمون الذين غسّلوها ، وكنت أنا الذي صلّيت عليها ونزلت في قبرها (2).
الهوامش
1. سورة الشورى : الآية 52.
2. بحار الأنوار / ج 47 / ص 374.
مقتبس من كتاب : [ أخلاق أهل البيت عليهم السلام ] / الصفحة : 69 ـ 70