الإمام جعفر الصادق عليه السلام
اسمه « جعفر » وكنيته « أبو عبد الله » ولقبه « الصادق »
ولد في المدينة في اليوم السابع عشر من ربيع الأوّل عام ثلاث وثمانين للهجرة ، واُمه « اُم فروة » بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر.
وتقسّم حياته لمرحلتين : مرحلة قبل الإمامة من سنة ٨٣ إلى ١١٤ ، ومرحلة إمامته « ٣٤ » سنة من عام ١١٤ ـ ١٤٨ هجرية وقد عاش خمساً وستين سنة.
وعاصر مجموعة من الخلفاء ، هشام بن عبد الملك والوليد بن يزيد بن عبد الملك ويزيد بن الوليد ، وإبراهيم بن الوليد ، ومروان الحمار من بني اُميّة والسفاح والمنصور الدوانيقي من بني العبّاس.
يتميّز الإمام الصادق عليه السلام بالإضافة إلى خصاله الكثيرة باهتمامه بنشر علوم أهل البيت عليهم السلام في مختلف المجالات ، حيث توفّرت له ظروف سمحت له بذلك ، وخاصّة فترة أواخر الحكم الاُموي وبدايات الحكم العبّاسي ، حيث كانوا مشغولين بأنفسهم حتى نسب المذهب الشيعي لجعفر الصادق عليه السلام فسمّي بالجعفرية ، وهو في الحقيقة الإسلام المحمّدي الأصيل.
وقد اعترف الجميع وحتى بعض أصحاب المذاهب الاُخرى بفضله وعلمه الغزير أمثال أبي حنيفة ومالك بن أنس يقول مالك : « ما رأت عين ولا سمعت اُذن ولا خطر علی قلب بشر أفضل من جعفر بن محمّد فضلاً وعلماً وعبادة ». وقد تخرّج على يديه أكثر من أربعة آلاف رجل ، والكثير منهم من العلماء الكبار ، اكتسبوا العلم منه أو رووا عنه وبذلك حافظ على الإسلام الأصيل المتمثّل بمدرسة أهل البيت عليهم السلام ، وقد ذكر هؤلاء الرواة والطلاب في كتب الرجال ، كما حاور أصحاب المبادئ والمذاهب الاُخرى. وكان يفحمهم أمام الملأ ، كما شجّع بعض أصحابه العلماء على المحاورة ، كلّ ذلك من أجل الهدف الكبير الذي يسعى إليه وهو الحفاظ على الإسلام الأصيل.
ويشمل عطاؤه العلمي الكثير من المجالات في التفسير والفقه والحديث والكلام وحتى في الكيمياء حيث تعلّم منه جابر بن حيّان هذا العلم.
ومن الكتب التي رويت عنه « توحيد المفضل » أملاه الإمام عليه السلام على المفضل بن عمر ، حيث تعرّض فيه إلى الكثير من الموضوعات المهمة في مجال خلق الإنسان والعالم وإثبات وجود الله وقدرته وعلمه وحكمه.
بالإضافة إلى الروايات الكثيرة التي تملأ كتب الحديث عند الإمامية بل وغيرهم وتعتبر أهمّ ما تعتمده علوم أهل البيت عليهم السلام ، وخاصّة في الفقه والتفسير والكلام ، ولولاها لاختفت الكثير من التعاليم الإسلامية الأصيلة في مختلف المجالات. وقد استشهد الإمام عليه السلام في ٢٥ من شهر شوال عام « ١٤٨ ». حيث دسّ المنصور الدوانيقي له السمّ بعد أن رأى شخصيته تنتشر بين المسلمين ، فخاف على حكمه وأطماعه. ودفن في مقبرة البقيع في المدينة المنورة.
وآخر وصية له نقلها أبو بصير قال : كنت حاضراً حين وفاة الإمام ففتح عينيه وقال : اجمعوا لي أهل بيتي ، وعندما اجتمعوا بين يديه قال عليه السلام : « إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بصلاته » (1).
ومن أهمّ الإنجازات التي حقّقها الإمام الصادق عليه السلام هو أنه وضع أساس التأليف في الإسلام ، فانطلق الناس بعده يؤلّفون ويدوّنون تبعاً لتعليماته ، وكما أرسى دعائم علم الكلام للدفاع عن مذهب أهل البيت عليهم السلام وتعليم جملة من أصحابه ذلك.
وكما اُتيح للإمام عليه السلام أن يتصدّى لظاهرة الزندقة والإلحاد وخاصة بعد الارتباط بسائر الشعوب والمبادئ والأديان الاُخرى وبعد ترجمة الفكر اليوناني وظهور الفلسفات اليونانية ، كما ناقش الفرق الإسلامية التي نشأت في ذلك الزمان ، ومن مأثور كلامه وحكمه رسالته التي وجّهها إلى عامة المؤمنين يقول فيها :
« أمّا بعد ؛ فسألوا ربّكم العافية ، وعليكم بالدعاء والوقار ، والسكينة والحياء ، والتنزّه عما تنزّه عنه الصالحون منكم ، وعليكم بمجاملة أهل الباطل ، تحمّلوا الضيم منهم ، وإيّاكم ومماظَّتهم ... » (2).
ومن كلماته القصار قوله عليه السلام : « لا يزال العزّ قلقاً حتى يأتي داراً قد استشعر أهلها اليأس مما في أيدي الناس فيوطنها » (3). وبهذا فقد أرسى الإمام عليه السلام دعائم الفكر الإسلامي النقي.
في رثاء الإمام الصادق عليه السلام
لواء العقيدة
مولاي لن يرقى إليك رثاء |
فبكلَ قلبٍ لوعةٌ وبكاء |
|
وبكلّ قافيةٍ تموج لواعجٌ |
هيهات يحضن اُفقها الإيحاء |
|
مأساة يومك خلّفت في وعينا |
جرحاً ، له عبر العصور بقاء |
|
يا قائداً آثار خطوك لم تزل |
بيضاء ، تلمع عبرها العلياء |
|
أترى يضمّ النصر زحفٌ ناهضٌ |
دامٍ ، ويسقط في الطريق لواء |
|
لم يفتقد نجواكَ جيلٌ ، فالأسى |
دوّى له عبر الزمان نداء |
|
علّمتنا كيف استعادت صفوها |
رغم الكمائن شرعةٌ بيضاء |
|
لولا كفاحك ، وهو فكرٌ واثبٌ |
وعقيدةٌ تُلوی بها الأهواء |
|
لرأيت كيف يضمُّ آفاق الهدى |
كُفر ، ويلتهم الهداة فناء |
|
مولاي والذكرى نداء صارخ |
يهمي على التاريخ منه عطاء |
|
والغرب يحلم أن يهدَّ كياننا |
لتقرّ تحت ظلاله الأجواء |
|
علّمتنا معنى الكفاح عقيدةً |
ونُهىً تجفّ بفجره الظلماء |
|
فالدين درب للحياة معبّدٌ |
وتقدّمٌ وحضارةٌ وعلاء |
|
لا فكرة ماتت لتبقى قصّة |
تُروى ولا رجعيّة رعناء |
|
دين يمدُّ على الحياة ظلاله |
فبكلّ قفر واحة خضراء |
|
دين به عطر الاُلوهة وهو لو |
يعلو لضمّ العالمين صفاء |
* شوّال ١٣٨٩ ألقيت في قاعة كليّة الفقه في النجف الأشرف
قبور البقيع
هاهنا مرقد الأئمّة مَن كانوا |
مناراً لكلّ مجدٍ منيع |
|
من بعيدٍ أتيتكم وحكايا الشوق |
يغلي لهيبها في ضلوعي |
|
إنّني قد أتيتُ أحمل أوجاع حياةٍ |
تضری بقلبٍ صديع |
|
وتلَفَّتُ عنكم في ربوعٍ |
حفلت تربها بماضٍ رفيع |
|
لم اُشاهد إلا بقايا ترابٍ |
ورمالٍ تفرّقت في الربوع |
|
ووجوهاً تحجّرت بشعاراتٍ |
تجافتْ عن كل معنی وديع |
|
تنكر الحُبَّ والتوسّل والدمع |
وصوت الدعا وروح الخشوع |
|
أين قبر الزهراء لا زال مخفيّاً |
أيبقي بسرِّه المفجوع |
|
وتفحّصتُ عنه في روضة المسجد |
في دارها ، بأرض البقيع |
|
لم أجد غير أنّةٍ وعويلٍ |
ومحبٍّ ظامٍ وقلبٍ جزوع |
|
وعيونٍ حرّى تلحّ انتظاراً |
لإمامٍ ، أكرم به من طلوع |
|
يأخذ الثأر للبتول جهاراً |
ثم يُبدي أسرار قبرٍ مضيع |
|
سوف يبقى مصابها يُلهب القلـب |
شجوناً ، يشيب رأس الرضيع |
|
سوف يبقى سقط الجنين وحرق الباب |
سوط العدى .. وكسر الضلوع |
|
سوف تبقى هذه المصائب للحشر |
تُثير الورى بحزنٍ وجيع |
* ذي القعدة ١٤١٩ نظمت في المدينة المنوّرة ، في البقيع
الهوامش
1. بحار الأنوار ٧٩ : ٢٢٧.
2. بحار الأنوار ٧٥ : ٢١١.
3. بحار الأنوار ٧٥ : ٢٠٦.
مقتبس من كتاب : [ أنوار الولاء ] / الصفحة : 107 ـ 113