قبسات من سيرة الامام زين العابدين عليه السلام
أروحك أُم روح النبوة تصعد |
من الأرض للفردوس والحور سُجَّدُ |
|
ورأسك أم رأس الرسول على القنا |
بآية أهل الكهف راح يردّد |
|
وصدرك أم مستودع العلم والحجىٰ |
لتحطيمه جيش من الجهل يعمد |
|
وامك أُم أُم الكتاب تنهّدت |
فذاب نشيجاً قلبها المتنهّد |
|
وشاطرت الأرض السماء بشجوها |
فواحدة تنعىٰ وأُخرى تعدّد |
|
وقد نصب الوحي العزاء يبيته |
عليك حداداً والمعزىٰ محمّدُ |
|
يلوح له الثقلان ثقل ممزق |
بسهم وثقل بالسيوف مقدّد |
|
فعترته بالسيف والسهم بعضها |
شهيد وبعض بالفلاة مشرّد |
|
وأي شهيد أصلت الشمس جسمه |
ومشهدها من أصله متولّد |
|
وأي ذبيح داست الخيل صدره |
وفراسنها من ذكره تتجمّد |
|
وأعظم ما يشجي النفوس حرائر |
تُضام وحاميها الوحيد مقيّد |
|
فمن موثق يشكو التشدد من يد |
وموثقة تبكي فتلطمها اليد |
* * *
وزينب عليها السلام :
يحسين حال الظيم حالي |
ظليت حرمه ابغير والي |
|
مشدوه من الهظم بالي |
او راسك يبو الشيمه اگبالي |
|
يتلىٰ الذچر فوگ العوالي |
ما چنت اظن غدر اللیالي |
|
ايخلیني امشي ابظعن خالي |
من كل هلي اهل المعالي |
او دمعي على الوجنات هالي
* * *
اشسويت بيّه يا زماني |
من غيّبت عني اخواني |
|
خليت بس تهمل اجفاني |
واتغيّرت مني المعاني |
|
يحسين ياللي بيك شاني |
مرتفع فگدانك دهاني |
|
ريت الرمه گلبک رماني |
او گبلک متت بالطف عساني |
|
أأسبىٰ ولا ذاك الحسام بمنتضىٰ |
امامي ولا ذاك اللواء بخافقي |
* * *
( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )
المقدمة :
منصب الامامة منصب خطير ، والإمامة هي الرئاسة العامة لأُمور الدنيا والدين ولعظمها في عين إبراهيم عليه السلام طلبها لولده فقال له تعالى لا ينال عهدي الظالمين ، أي أن هذا المنصب لا يليق إلّا بالمعصوم من ذريتك ، وهذه أحد الأدلة على اشتراط العصمة في الإمام المعصوم ، ونحن نعرف ان إبراهيم كان نبياً ورسولاً وخليلاً للرحمن ، ولما نجح في الابتلاءات التي ابتلاه الله بها أُهِّلَ لهذا المنصب العظيم. ومن هنا اجتمعت في الإمام زين العابدين عليه السلام شرائط الامامة ، من العلم الوافر ، والعصمة ، والكرامة والأخلاق العالية ، والعبودية الخالصة لله عزّ وجل ودعاؤه المستجاب وها نحن نذكر بعض سجاياه وأخلاقه العالية لعلّنا نستلهم منها الدروس والعِبَر.
1 ـ رأى الامام زين العابدين عليه السلام طاووس اليماني عند الميزاب ببيت الله الحرام يبكي ويتضرع فقال له أراك على هذا الحال وأنت ابن رسول الله ولجدّك الشفاعة ورحمة الله واسعة فقال له يا طاووس لا تؤمنني نسبتي إلى رسول الله بعد قوله تعالى « إذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون واما رحمة الله فهي قريبة من المحسنين وأعلم إني محسن » (1).
2 ـ في يوم الصوم يأمر بشاة فتذبح وتطبخ بماء وملح وعند المساء يدعو بالقصاع فيفرق المرق فيها على الفقراء حتى يأتي على آخره ثم يفطر على خبز وتمر ويتصدق بكسوة الشتاء عند انقضائه وبكسوة الصيف عند انتهائه.
3 ـ لما احتضر عبد الله بن الحسن اجتمع عليه غرماؤه يطالبونه فقال ليس عندي شيء ولكن ارضوا بمن شئتم من علي بن الحسين أو عبد الله بن جعفر فاختاروا السجاد عليه السلام فضمنه لهم إلى غلة فلما حان الوقت اتاح الله له المال فأداه (2).
4 ـ لقي الإمام السجاد عليه السلام رجل من الخوارج فسبه وثارت العبيد للانتقام منه فقال عليه السلام لهم مهلاً ثم أقبل على الرجل وقال ما سُتِرَ عليك منا أكثر ؟ ألك حاجة نعينك عليها فاستحىٰ الرجل وسكت فأمر له الإمام بألف درهم فكان هذا سبباً لهدايته وانصرف يقول اشهد أنك ابن رسول الله.
5 ـ تواضعه ، كان عليهالسلام إذا دخل عليه ختنه على ابنته أو أُخته بسط له رداءه وقال مرحباً بمن كفىٰ المؤمنة وستر العورة.
6 ـ تواضعه ، إذا سافر كتم نفسه عن الرفقاء وقام بما يحتاجون إليه فسافر مرة مع من لا يعرفه فرآه رجل يعرفه فقال لهم أتدرون من هذا انه علي بن الحسين فسقطوا عليه يقبّلون يديه ورجليه ويعتذرون من التقصير معه وسئل عن سبب السفر مع من لا يعرفه فقال سافرت مع قومٍ يعرفونني فاعطوني برسول الله ما لا استحق فهذا ألزمني بالسفر مع من لا يعرفني (3).
7 ـ كان يدعو عند المحنة أو قبلها الله تعالى بهذا الدعاء : « ربّ كم من نعمة انعمت بها عليّ قلّ لك عندها شكري وكم من بليةٍ ابتليتني بها قلّ لك عندها صبري فيا من قلّ عند نعمه شكري فلم يحرمني وقلّ عند بلائه صبري فلم يخذلني يا ذا المعروف الذي لا ينقطع ابداً ويا ذا النعماء التي لا تحصىٰ ابداً صلّ على محمد وآله وادفع عنّي شرّه فاني ادرأ بك في نحره واستعيذ بك من شرّه » (4).
وعن الامام زين العابدين دعا بهذا الدعاء لمّا بلغه توجه مسرف نحو المدينة.
8 ـ حبّه لحج بيت الله الحرام : شاهده عبد الملك بن مروان يطوف بالكعبة والهيبة الإلهية تعلوه ، وقد تجلّت له عظمة الباري سبحانه واعضاؤه ترتعد من خشيته ، وتعجب ابن مروان من اعراض الامام عنه ، وفاته أنّ من أقبل على الله بكلّه لم يرَ في الوجود غيره فقال لمن حضر عنده ردّه إليّ فلما جيء به إليه قال له عبد الملك إني لست قاتل ابيك فما يمنعك من المصير إليّ ، قال الإمام عليه السلام : إنّ قاتل أبي عليه السلام أفسد دنياه عليه بما فعله وأفسد أبي عليه بذلك آخرته فان احببت ان تكون مثله فكن قال عبد الملك : كلّا ولكن صِر إلينا لتنال من دنيانا فعندها ابدىٰ زين العابدين من تصرفات الامامة ما أبهر العقول حين بسط رداءه وقال : اللهمّ أره حرمة أولياءك عندك فنظر الحاضرون وإذا الرداء مملوء دراً يكاد شعاعه يخطف الأبصار وقال لعبد الملك : ان من يكون هذا حرمته عند الله تعالى لا يحتاج إلى دينارك ثم قال : اللهمّ خذه فلا حاجة لي به فنظروا إلى ردائه فإذا هو خالٍ من ذلك.
9 ـ هشام حينما أراد التنكر لمقام الامام زين العابدين عليه السلام مدحه الفرزدق :
هذا الذي تعرفُ البطحاء وطأته |
والبيتُ يعرفه والحِلَّ والحَرمُ |
|
هذا ابنُ خير عبادِ الله كلِّهم |
هذا التقيُّ النقيّ الطاهر العلمُ |
|
إذا رأته قريش قال قائلها |
إلى مكارم هذا ينتهي الكَرم |
|
هذا ابن فاطمة إن كُنتَ جاهلهُ |
بجدّه انبياء الله قد ختموا |
|
ما قال لا قطُّ إلّا في تشهّده |
لولا التشهد كانت لاؤه نعم |
|
عمّ البرية بالإحسان فانقلعت |
عنها الغيابة والاملاق والعدم |
|
فليس قولك من هذا بضائره |
العُرُب تعرفُ من أنكرت والعجم |
* * *
10 ـ الشهادة : عن النبي صلّى الله عليه وآله : « ان فوق كل ذي برٍ بر ، حتى يقتل في سبيل الله فإذا قُتل فليس فوقه بر » (5).
عن الرسول صلّى الله عليه وآله : « ما من نبي ولا وصي إلّا شهيد » (6).
الرسول صلّى الله عليه وآله يقول للحسين عليه السلام : « إن لك عند الله درجة لا تنالها إلّا بالشهادة » (7).
أمير المؤمنين عليه السلام كان يسأل الله عزّ وجل خاتمة عمل من أعماله الشهادة « فاجعله خاتمة عملي وصيّر فيه فناء عمري » (8).
الإمام الحسن المجتبىٰ عليه السلام : « ما منّا إلّا مقتول أو مسموم » (9).
الإمام الرضا عليه السلام : « ما منّا إلّا مقتولٌ شهيد » (10).
الإمام الصادق عليه السلام : « ما منّا إلّا مقتول شهيد » (11).
العلماء الذين صرّحوا في كتبهم في شهادة الإمام زين العابدين عليه السلام :
1 ـ ابن شهر آشوب في المناقب ـ ج 2 ، ص : 269.
2 ـ ابن جرير الطبري في دلائل الامامة ـ ص : 80.
3 ـ تاريخ القرماني ـ ص : 111.
4 ـ رسالة المواليد للسيد محمد جد السيد بحر العلوم.
5 ـ أُرجوزة الشيخ الفتوني أنّ الوليد مسمّه.
6 ـ الأنوار النعمانية ـ ص : 125.
7 ـ جدول مصباح الكفعمي ـ ص : 276.
8 ـ جدول شرح ميمية ابي فراس ـ ص : 16.
9 ـ أُرجوزة الحر العاملي.
10 ـ الاتحاف للشبراوي ـ ص : 52.
11 ـ الصواعق المحرقة ـ ص : 120.
12 ـ الفصول المهمة لابن الصباغ.
عظمّ الله لك الأجر يا بقية الله ، في مثل هذا اليوم ، امامنا زين العابدين عليه السلام يلوج بنفسه من أثر السم ، ولمّا دنت منه الوفاة ، عرق جبينه وسكن أنينه غمضّ عينيه ، أسبل يديه مدّد رجليه وفاضت روحه الطاهرة.
گضه السجّاد نحبه او لا سكن يوم |
ونه او خلص كل عمره بالهموم |
|
عگب يوم الطفوف او عملة الگوم |
من یگعد ابو الباقر من ایگوم |
|
محزون گلبه او حیل مهظوم |
واصبح ابهذا اليوم مسموم |
|
راعي الفخر ضنوة المظلوم |
يا عين هلّي ابدمع مسجوم |
الفگده او عوفي لذّة النوم
* * *
وأصبحت طيبة بزلازل والخلگ کلها ابعویل |
لجل ابو محمد تزلزل یا خلگ عرش الجلیل |
|
والأعلام السود منشوره ومدامعهم تسيل |
اهتزت السبع العليّه وبالأرض صار انقلاب |
|
گام شبله ايغسّله والدمع من عينه هما |
ومدده على المغتسل والماي جاه امن السما |
|
وبالطفوف احسين ابوه اتغسل ابفيض الدما |
وجثته ظلّت على حرّ الصعيد امرضرضه |
* * *
مصايب بني الزهرا الطيبين |
صعبه او حگ تبچیلها العین |
|
لاچن اشدها امصیبة احسين |
الخلّت الزهراء اتزيد الونين |
|
بالگبر واتناديه كل حين |
يبني البگه فوگ الثره اطعین |
|
جسمک بلا غسل او تچفین |
او يمك أهل بيتك ولبنين |
|
او عباس يم المشرعة البين |
خلّاه مرمي ابغير چفّين |
* * *
توفوا عطاشىٰ بالفراتِ فليتني |
تُوفيتُ فيهم قبل حينَ وفاتي |
* * *
الهوامش
1. كشف الغمة ، للأربلي : 205 ـ 208.
2. الوافي ج 10 ، ص : 106 عن الفقيه.
3. عيون اخبار الرضا : 283.
4. الإرشاد ، للشيخ المفيد.
5. الكافي على هامش مرآة العقول ج 3 ، ص : 378.
6. بصائر الدرجات : 145.
7. الصحيفة العلوية ، للشيخ عبد الله السماهيجي.
8. شرح الصحيفة ، للسيد علي خان : 58.
9. كفاية الأثر ، للخزاز : 317.
10. الأمالي : 39.
11. أعلام الورى ، للطبرسي : 211.
مقتبس من كتاب : المحاضرات المنبرية في المجالس الصفرية / الصفحة : 5 ـ 12