عبادة الامام زين العابدين عليه السلام
ما إن بقيت من الهوان على الثرى |
ملقى ثلاثاً في ربىً ووهاد |
|
لكن لكي تقصني عليك صلاتها |
زمر الملائك فوق سبع شداد |
|
لهفي على الصدر المعظم يشتكي |
من بعد رشق النبل رض جياد |
|
لهفي لرأسك وهو يرفع مشرقاً |
كالبدر فوق الذابل الميّاد |
|
يتلو الكتاب وما سمعت بواعظ |
اتخذ القنا بدلاً من الأعواد |
|
وا لهفتاه على خزانة علمك السجاد |
وهو يقاد بالأصفاد |
|
مالي أراك ودمع عينك جامد |
او ما سمعت بمحنة السجاد |
|
قلبوه عن نطعٍ مسجىً فوقه |
فبكت له أملاك سبع شداد |
|
ويصيح وا ذلّاه أين عشيرتي |
وسُراة قومي أين أهل ودادي |
|
من شبوا النيران فرّت كل العيال |
بس العقليه اتحيّرت والدمع همّال |
|
ناده عدوها اشحيرچ يربات الدلال |
نادت ومثل المطر يهمل مدمع العين |
|
عدنه عليل امن المرض ما یگدر یگوم |
نايم طريح او سادته في الخيم يا گوم |
|
هو الطريده من نسل هاشم أو مخزوم |
هو الشريده اللي بگت من خلفت احسين |
* * *
وزينب عليها السلام :
بس العليل الظل شريده |
يصفج وسف يحسين بيده |
ويصيح ابوي اليوم اريده
للهِ ما لاقاه آل محمد |
من عصبة عادت عن الارشاد |
|
جازوه في ابناءه من بعده |
بالقتل او بالسم والابعاد |
* * *
عبادة الإمام زين العابدين عليه السلام :
سئلت مولاة له عنه عليه السلام فقالت أطنب أم أختصر فقيل لها بل اختصري فقالت : ما أتيته بطعام نهاراً قط وما فرشتُ له بليلٍ قط (1).
المقدمة :
من أبرز الظواهر التي برزت في حياة الامام زين العابدين عليه السلام هي الابتعاد عن الدنيا وكثرة العبادة من الصوم والصلاة والزهد في المتاع والملاذ وهي ( ظاهرة التعبد والانصراف عن الدنيا ) ولكي نتعرف على صورة حيّة عن شكل هذه العبادة وكميتها وكيفيتها وما كان يتخلص بها من خشية وزهد ومواعظ فلابد من استعراض طائفة من الروايات التي تحدثنا عن ذلك ومنها :
1 ـ الصلاة : كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة حتى خرج بجبهته آثار سجوده مثل كركرة البعير ، ويصف الامام الباقر عليه السلام كثرة صلاته فيقول كان أبي يصلّي بالليل حتى يزحف إلى فراشه وذلك لشدة اعياؤه (2).
أمّا كيفية العبادة :
أ ـ إذا قام للصلاة كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء إلّا ما حركته الريح.
ب ـ إذا قام إلى صلاته تغيّر لونه.
ج ـ إذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقاً.
د ـ إذا قام إلى وضوئه أصفر لونه تأهباً وخشية من لقاء ربه.
هـ ـ بكاء الامام باقر عليه السلام على أبيه لما رآه بهذه الحالة « اصفر لونه من السهر ، ورمضت عيناه من البكاء ودبرت جبهته ، وانخرم انفه من السجود وقد ورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة فقال أبو جعفر فلم أملك حين رأيته بتلك الحالة البكاء فبكيت رحمةً له ».
اعتراف الناس في زمانه بعبادته وورعه وزهده :
1 ـ سعيد بن المسيب روى ( ان رجلاً قال لسعيد بن المسيب ما رأيت أحداً أورع من فلان قال سعيد هل رأيت علي بن الحسين قال لا قال سعيد ما رأيت أحد أورع منه ) (3).
2 ـ الزهري « ما رأيت هاشمياً أفضل من علي بن الحسين » (4).
أ ـ استنتاج : ان عبادة الامام بالكيفية والكمية التي كانت بها أثمرت وساهمت في تركيز زعامة الامام في الأُمة وتثبيت امامته وقدسيتها عند شيعته.
ب ـ من الفوائد التي ترتب على ظاهرة التعبد اطمئنان السلطة وأجهزتها من الامام واعتباره رجلاً منشغلاً عن التفكير بالامارة والخلافة بل هو مشغول بنفسه وعبادة.
مثال : الزهري يقول لعبد الملك لما أراد قتل الامام « ليس علي بن الحسين حيث تظن انه مشغولٌ بنفسه وقول الامام عليه السلام لعبد الملك : لولا ان لأهلي عليّ حقاً ولسائر الناس من خاصتهم وعامتهم عليّ حقوقاً لا يسعني إلّا القيام بها حسب الوسع والطاقة حتى أودّيها إليهم لرميت بطرفي إلى السماء وبقلبي إلى الله ثم لم أرددهما حتى يقضي الله على نفسي وهو خير الحاكمين ». وهكذا قال فيه مسلم بن عقبه قائد الجيش الأموي بواقعة الحرة « هذا الخير الذي لا شر فيه مع موضعه من رسول الله ».
ج ـ كان الاتجاه الروحي في حياة الامام بمثابة وجود الطبيب الحاذق وسط المجتمع المريض.
د ـ البشرية في طريقها إلى الله بحاجة إلى نماذج تمثل الوجه العلمي من الحياة الدينية والمواقف الربانية ، وكانت حياة الأئمة عليهم السلام نماذج مثالية تربوية للأجيال ليقتفوا اثارها وينتهجوا مسلكها كما أنّ الحسين عليه السلام قدوة لنا عند الثورة على الظلم والتضحية من أجل الرسالة ، والامام الصادق عليه السلام قدوة لنا في العلم والجهاد الفكري فكذلك الامام زين العابدين قدوة لنا في التربية الروحية وطريقة التعامل مع الله والدعاء والابتهال إليه.
2 ـ سجوده : عن الامام الباقر عليه السلام : « لم يذكر أبي نعمة لله إلّا سجد ولا قرأ آية فيها سجدة إلّا سجد ولا وقف لاصلاح بين اثنين إلّا سجد » (5).
3 ـ قراءة القرآن : « أنه أحسن الناس صوتاً في قراءة القرآن وكان السقاؤون يمرّون ويقفون عند بابه يستمعون قراءته » (6).
ذكر الحائري في نور الأبصار : كتب الحجاج وكان والياً على الحجاز إلى عبد الملك بن مروان : إذا أردت أن تثبت ملكك فاقتل علي بن الحسين فكتب إليه عبد الملك :
« أما بعد فجنّبني دماء بني هاشم واحقنها فإني رأيت آل أبي سفيان لما أولغوا فيها لم يلبثوا إلى أن أزال الله الملك » فلمّا هلك عبد الملك وجلس ابنه الوليد على سرير الخلافة جعل يحتال في قتل إمامنا زين العابدين عليه السلام حتى بعث سماً قاتلاً إلى والي المدينة وأمره أن يسقي زين العابدين عليه السلام ذلك السم ويقتله بالسم سراً ، ففعل الوالي فلما سقىٰ إمامنا ، مرض مرضاً شديداً يغشىٰ عليه ساعة بعد ساعة حتى كانت ليلة (25) محرم عام ( 95 هـ ) غشي عليه في تلك الليلة ثلاث مرات فلما أفاق من غشيته الأخيرة تلا هذه الآية ( الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ).
ثم أوصىٰ ولده الباقر بوصاياه ثم دعا بماء ليتوضأ فجاء الامام بالماء وتوضأ وكان يقول لولده هذه الليلة التي وعدتها فإذا قضيت نحبي غسّلني وحنّطني وكفنّي وادفني ثم غمض عينه واسبل يديه ومدّد رجليه وعرق جبينه وفاضة روحه الطاهرة أي وا اماماه وا علياه :
سره السم ابدن راعي الحميه |
طول الليل ما نام الشفيه |
|
يون ايلوج لوجات المنيه |
حنّ ابنه عليه او دمعة العين |
|
حب ابنه ودفع ليه الوصيه |
وگام ایودعه اوداع المنيه |
|
ويوم المات ابن سيد البريه |
دوت بالنوح دور الهاشمين |
|
دون بالنوح دور الهاشميات |
صاحن حيف ابو الباقر گضه او مات |
|
فلك عينه اعلى ضيم او ضاگ لوعات |
تاليها گضه ابسم الملاعين |
* * *
فلك عينه اعلى يوم الغاضريه |
شاف احسين وهله اعلى الوطيه |
|
شاف اشلون سبي الهاشمية |
وبموته فجع گلب المساچین |
|
لا تأمن الدهر إنّ الدهر ذو غير |
وذو السانين في الدنيا ووجهين |
|
أخنىٰ على عترة الهادي فشتتهم |
فما ترىٰ جامعاً منهم بشخصين |
* * *
الهوامش
1. بحار الأنوار ج 46 ، باب 5 ـ 35.
2. بحار الأنوار ج 46 ، باب 5 ـ 17.
3. كشف الغمة.
4. 46 : 5 ـ 35.
5. معاني الأخبار ، للصدوق : 24.
6. بحار الأنوار ج 46 ، ص : 5 ـ 45.
مقتبس من كتاب : [ المحاضرات المنبرية في المجالس الصفرية ] / الصفحة : 30 ـ 35