شهادته (ع) بيد المعتز وليس المعتمد
كانت شهادة الإمام الهادي (ع) بيد الخليفة العباسي المعتز. وقد نسبت روايةٌ سُمَّهُ الى المعتمد ، ولعل ذلك بسبب أن المعتمد نَفَّذَ أمر أخيه المعتز ، أو جاء إسمه تصحيفاً. والمعتز هو الزبير بن المتوكل ، ويعرف بابن قبيحة. والمعتمد أخوه أحمد بن المتوكل ، ويعرف بابن فتيان ، إسم أمه أيضاً.
قال المسعودي في مروج الذهب « ٤ / ٨٤ » : « كانت وفاة أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد في خلافة المعتز بالله ، وذلك في يوم الإثنين لأربع بقين من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومائتين ، وهوابن أربعين سنة ، وقيل ابن اثنتين وأربعين سنة ، وقيل أكثر من ذلك ، وسمع في جنازته جارية تقول : ما ذا لقينا في يوم الإثنين قديماً وحديثاً ! وصلى عليه أحمد بن المتوكل « المعتمد » على الله ، في شارع أبي أحمد ، وفي داره بسامرا ، ودفن هناك ».
وفي تاريخ اليعقوبي « ٢ / ٥٠٠ » : « وتوفي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، بسر من رأى ، يوم الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة ٢٥٤ ، وبعث المعتز بأخيه أحمد بن المتوكل ، فصلى عليه في الشارع المعروف بشارع أبي أحمد ، فلما كثر الناس واجتمعوا كثر بكاؤهم وضجتهم ، فرُدَّ النعشُ إلى داره فدفن فيها ، وسنهُ أربعون سنة ، وخلَّفَ من الولد الذكور اثنين : الحسن ، وجعفر ».
وفي دلائل الإمامة / ٤٠٩ : « كانت سِنُوُّ إمامته بقية ملك الواثق ، ثم ملك المتوكل ، ثم أحمد المستعين ، ثم ملك المعتز ، وفي آخر ملكه استشهد ولي الله ، وقد كمل عمره أربعون سنة ، وذلك في يوم الإثنين لثلاث خلون من رجب سنة خمسين ومائتين من الهجرة ، مسموماً ، ويقال إنه قبض الإثنين لثلاث خلون من شهر رجب سنة أربع وخمسين ومائتين من الهجرة. ويقال يوم الإثنين لخمس ليال خلون من جمادى سنة أربع وخمسين ومائتين. ودفن بسر من رأى في داره ».
وفي إعلام الورى « ٢ / ١٠٩ » : « وكانت في أيام إمامته (ع) بقية ملك المعتصم ، ثم ملك الواثق خمس سنين وسبعة أشهر ، ثم ملك المتوكل أربع عشرة سنة ، ثم ملك ابنه المنتصر ستة أشهر ، ثم ملك المستعين وهوأحمد بن محمد بن المعتصم ، سنتين وتسعة أشهر ، ثم ملك المعتز وهوالزبير بن المتوكل ثماني سنين وستة أشهر وفي آخر ملكه استشهد ولي الله علي بن محمد (ع) ودفن في داره بسر من رأى ».
وقال ابن الجوزي في تذكرة الخواص « ١ / ٣٢٤ » : « وكان سنه يوم مات أربعين سنة. وكانت وفاته في أيام المعتز بالله ، ودفن بسر من رأى ، وقيل إنه مات مسموماً ».
وقال الخطيب في تاريخ بغداد « ١٢ / ٥٦ » : « أشخصه جعفر المتوكل على الله من مدينة رسول الله (ص) الى بغداد ، ثم الى سر من رأى ، فقدمها وأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر ، الى أن توفي ودفن بها في أيام المعتز بالله ».
وقال ابن شهر آشوب « ٣ / ٥٠٥ » : « وألقابه : النجيب ، المرتضى ، الهادي ، النقي ، العالم ، الفقيه ، الأمين ، المؤتمن ، الطيب ، المتوكل ، العسكري.
ويقال له : أبوالحسن الثالث ، والفقيه العسكري. وكان أطيب الناس بهجة ، وأصدقهم لهجة ، وأملحهم من قريب ، وأكملهم من بعيد ، إذا صمت علته هيبة الوقار ، وإذا تكلم سماه البهاء ، وهومن بيت الرسالة والإمامة ، ومقر الوصية والخلافة ، شعبة من دوحة النبوة منتضاةٌ مرتضاهْ. وثمرةٌ من شجرة الرسالة مجتناةٌ مجتباهْ. ولد بصرياء من المدينة للنصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين .. وقبض بسر من رأى الثالث من رجب سنة أربع وخمسين ومائتين .. وليس عنده إلا ابنه أبومحمد ، وله يومئذ أربعون سنة ، وقيل واحد وأربعون وسبعة أشهر. ومدة مقامه بسر من رأى عشرون سنة ، وتوفي فيها. وقبره في داره. وكان في سني إمامته بقية ملك المعتصم ، ثم الواثق ، والمتوكل ، والمنتصر ، والمستعين ، والمعتز. وفي آخر ملك المعتز استشهد مسموماً ..
وأولاده : الحسن الإمام ، والحسين ، ومحمد ، وجعفر الكذاب ، وابنته علية. بوابه : محمد بن عثمان العمري. ومن ثقاته : أحمد بن حمزة بن اليسع ، وصالح بن محمد الهمداني ، ومحمد بن جزك الجمال ، ويعقوب بن يزيد الكاتب ، وأبوالحسين بن هلال ، وإبراهيم بن إسحاق ، وخيران الخادم ، والنضر بن محمد الهمداني. ومن وكلائه : جعفر بن سهيل الصيقل. ومن أصحابه : داود بن زيد ، وأبوسليم زنكان ، والحسين بن محمد المدائني ، وأحمد بن إسماعيل بن يقطين ، وبشر بن بشار النيسابوري الشاذاني ، وسليمان بن جعفر المروزي ، والفتح بن يزيد الجرجاني ، ومحمد بن سعيد بن كلثوم وكان متكلماً ، ومعاوية بن حكيم الكوفي ، وعلي بن معد بن محمد البغدادي ، وأبوالحسن بن رجا العبرتائي.
ورواة النص عليه جماعة منهم : إسماعيل بن مهران ، وأبوجعفر الأشعري ، والخيراني. والدليل على إمامته : إجماع الإمامية على ذلك ، وطريق النصوص والعصمة ، والطريقان المختلفان من العامة والخاصة ، من نص النبي (ص) على إمامة الاثني عشر ، وطريق الشيعة النصوص على إمامته عن آبائه (ع) ».
مراسم جنازة الإمام (ع)
في الهداية الكبرى / ٢٤٨ : « الحسين بن حمدان قال : حدثني أبوالحسين بن يحيى الخرقي ، وأبومحمد جعفر بن إسماعيل الحسني ، والعباس بن أحمد ، وأحمد بن سندولا ، وأحمد بن صالح ، ومحمد بن منصور الخراساني ، والحسن بن مسعود الفزاري ، وعيسى بن مهدي الجوهري الجنبلاني ، والحسين بن غياث الجنبلاني ، وأحمد بن حسان العجلي الفزاري ، وعبد الحميد بن محمد السراج ، جميعاً في مجالس شتى : أنهم حضروا وقت وفاة أبي الحسن بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر الصادق صلوات الله عليهم ، والصلاة بسر من رأى ، فإن السلطان لما عرف خبر وفاته أمر سائر أهل المدينة بالركوب إلى جنازته ، وأن يحمل إلى دار السلطان حتى يصلي عليه ، وحضرت الشيعة وتكلموا وقال علماؤهم : اليوم يَبِينُ فضل سيدنا أبي محمد الحسن بن علي على أخيه جعفر ، ونرى خروجهما مع النعش. قالوا جميعاً : فلما خرج النعش وعليه أبو الحسن ، خرج أبومحمد حافي القدم مكشوف الرأس ، محلل الإزرار خلف النعش ، مشقوق الجيب مُخْضَلَّ اللحية بدموع على عينيه ، يمشي راجلاً خلف النعش ، مرةً عن يمين النعش ومرةً عن شمال النعش ، ولا يتقدم النعش.
وخرج جعفر أخوه خلف النعش بدراريع يسحب ذيولها ، معتمٌّ محبتكُ الإزار ، طلق الوجه ، على حمار يماني ، يتقدم النعش. فلما نظر إليه أهل الدولة وكبراء الناس والشيعة ، ورأوا زي أبي محمد وفعله ، ترجل الناس وخلعوا أخفافهم ، وكشفوا عمائمهم ، ومنهم من شق جيبه ، وحل إزاره ، ولم يمش بالخفاف من الأمراء وأولياء السلطان أحد ، فأكثروا اللعن والسب لجعفر الكذاب ، وركوبه وخلافه على أخيه ...
لما تلا النعش إلى دار السلطان سبق بالخبر إليه ، فأمر بأن يوضع على ساحة الدار على مصطبة عالية كانت على باب الديوان ، وأمر أحمد بن فتيان وهو المعتمد بالخروج إليه والصلاة عليه ، وأقام السلطان في داره للصلاة عليه إلى صلاة العامة ، وأمر السلطان بالإعلان والتكبير ، وخرج المعتمد بخف وعمامة ودراريع فصلى عليه خمس تكبيرات ، وصلى السلطان بصلاتهم ..
وبقي الإمام أبومحمد الحسن بن علي (ع) ثلاثة أيام مردود الأبواب ، يُسمع من داره القراءة والتسبيح والبكاء ، ولا يؤكل في الدار إلا خبز الخشكار والملح ، ويشرب الشربات. وجعفر بغير هذه الصفة ، ويفعل ما يقبح ذكره من الأفعال.
قالوا جميعاً : وسمعنا الناس يقولون : هكذا كنا نحن جميعاً نعلم ما عند سيدنا أبي محمد الحسن من شق جيبه. قالوا جميعاً : فخرج توقيع منه (ع) في اليوم الرابع من المصيبة. بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فممن شق جيبه على الذرية : يعقوب على يوسف حزناً. قال : يا أسفي على يوسف ، فإنه قَدَّ جيبه فشقه ».
وفي الهداية الكبرى / ٣٨٣ : « حدثني أبو الحسن علي بن بلال وجماعة من إخواننا : أنه لما كان في اليوم الرابع من زيارة سيدنا أبي الحسن (ع) أمر المعتز بأن ينفذ إلى أبي محمد من يستركبه إلى المعتز ليعزيه ويسليه ، فركب أبو محمد إلى المعتز ، فلما دخل عليه رحب به وعزاه وأمر فرتب بمرتبة أبيه (ع) وأثبت له رزقه وزاد فيه ، فكان الذي يراه لا يشك إلا أنه في صورة أبيه (ع) ، واجتمعت الشيعة كلها من المهتدين على أبي محمد بعد أبيه ، إلا أصحاب فارس بن ماهَوَيْه ، فإنهم قالوا بإمامة جعفر بن علي العسكري (ع) ».
وفي إثبات الوصية للمسعودى « ١ / ٢٤٢ » : « واعتل أبوالحسن علته التي مضى فيها صلى الله عليه في سنة أربع وخمسين ومائتين ، فأحضر أبا محمد ابنه (ع) فسلم إليه النور والحكمة ومواريث الأنبياء (ع) والسلاح ، وأوصى إليه ، ومضى صلى الله عليه ، وَسِنُّه أربعون سنة.
وكان مولده في رجب سنة أربع عشرة ومائتين من الهجرة ، فأقام مع أبيه (ع) نحو سبع سنين ، وأقام منفرداً بالإمامة ثلاث وثلاثين سنة وشهوراً.
وحدثنا جماعة كل واحد منهم يحكي أنه دخل الدار ، وقد اجتمع فيها جملة بني هاشم من الطالبيين والعباسيين ، واجتمع خلق من الشيعة ، ولم يكن ظهر عندهم أمر أبي محمد (ع) ولا عرف خبره إلا الثقات الذين نص أبوالحسن عندهم عليه ، فحكوا أنهم كانوا في مصيبة وحيرة ، فهم في ذلك إذْ خرج من الدار الداخلة خادمٌ فصاح بخادم آخر : يا رَيَّاشُ خذ هذه الرقعة وامض بها الى دار أمير المؤمنين وأعطها الى فلان وقل له : هذه رقعة الحسن بن علي. فاستشرف الناس لذلك ، ثم فتح من صدر الرواق بابٌ وخرج خادمٌ أسود ، ثم خرج بعده أبومحمد (ع) حاسراً مكشوف الرأس ، مشقوق الثياب ، وعليه مبطنة بيضاء ، وكان وجهه وجه أبيه (ع) لا يخطئ منه شيئاً ، وكان في الدار أولاد المتوكل وبعضهم ولاة العهود ، فلم يبق أحد إلا قام على رجله ، ووثب إليه أبومحمد الموفق فقصده أبومحمد (ع) فعانقه ثم قال له : مرحباً بابن العم. وجلس بين بابي الرواق ، والناس كلهم بين يديه.
وكانت الدار كالسوق بالأحاديث ، فلما خرج وجلس أمسك الناس ، فما كنا نسمع شيئاً إلا العطسة والسعلة ، وخرجت جارية تندب أبا الحسن (ع) فقال أبومحمد : ما هاهنا من يكفي مؤونة هذه الجاهلة؟ فبادر الشيعة إليها ، فدخلت الدار ، ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمد (ع) فنهض صلى الله عليه وأخرجت الجنازة ، وخرج يمشي حتى أخرج بها الى الشارع الذي بازاء دار موسى بن بقا ، وقد كان أبومحمد صلى عليه قبل أن يخرج الى الناس ، وصلى عليه لما أخرج المعتمد ، ثم دفن في دار من دوره.
واشتد الحر على أبي محمد (ع) وضغطه الناس في طريقه ومنصرفه من الشارع بعد الصلاة عليه ، فصار في طريقه الى دكان بقال رآه مرشوشاً « مصطبة » فسلم واستأذنه في الجلوس فأذن له وجلس ، ووقف الناس حوله. فبينا نحن كذلك إذ أتاه شابٌّ حسن الوجه نظيف الكسوة ، على بغلة شهباء على سرج ببرذون أبيض ، قد نزل عنه فسأله أن يركبه ، فركب حتى أتى الدار ونزل.
وخرج في تلك العشية الى الناس ، ما كان يَخْرِمُ عن أبي الحسن (ع) حتى لم يفقدوا منه إلا الشخص. وتكلمت الشيعة في شق ثيابه وقال بعضهم : هل رأيتم أحداً من الأئمة شق ثوبه في مثل هذه الحال ؟ فوقَّعَ الى من قال ذلك : يا أحمق ما يدريك ما هذا ، قد شق موسى على هرون. وقام أبومحمد الحسن بن علي مقام أبيه (ع) ».
ملاحظات على شهادة الإمام (ع) ومراسم جنازته
١. شاء الله عز وجل أن يحفظ الإمام الهادي (ع) من المتوكل ، وأفشل محاولاته لقتل الإمام (ع). وأن يُقِرَّ عين وليه الإمام الهادي (ع) فيريه نهاية عدوه المتوكل فسلط عليه غلمانه الأتراك ، فقتلوه وهو سكران ذاهب العقل !
كما شاء عز وجل أن تكون شهادة الإمام (ع) بيد المعتز ، وهو الزبير بن المتوكل وكانت أمه جميلة جداً فسماها المتوكل قبيحة لإبعاد الحسد عنها ، وقد جمعت ثروةً طائلة لكنها بخلت أن تنقذ ابنها من القتل ! وقد صح الحديث بأنه لايقتل الأنبياء والأوصياء (ع) إلا أولاد الحرام ، فقد سئل الصادق (ع) عن قوله تعالى : وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ .. فقيل له : من كان يمنعه ؟ قال : منعه أنه كان لرَشْدَةٍ ، لأن الأنبياء والحجج لايقتلهم إلا أولاد زنا ! « كامل الزيارات / ١٦٣ ».
٢. كانت شهادة الإمام (ع) بعد حرب استمرت سنة بين سامراء وبغداد ، من محرم ٢٥١ الى ٢٥٢ ، بين خليفتين هما : المعتز والمستعين « الطبري : ٧ / ٤٤٥ » وحكم المعتز بعدها نحو ثلاث سنين الى سنة ٢٥٥ ، وأقدم على قتل الإمام (ع) في رجب في سنة ٢٥٤ ، ثم ثار عليه الأتراك وقتلوه في السنة التالية ٢٥٥ ، ونصبوا المهتدي.
فمن هو المستفيد من قتل الإمام الهادي (ع) ، ومن الذي خطط لقتله ؟
الأمر المرجح أن المخطِّط والمنفِّذ هو المعتز ، فقد قتل المستعين مع أنه خلع نفسه وبايعه ، ولعله كان يخاف من تفاقم الثورات العلوية ، وأن يرفع ثائر منها إسم الإمام (ع) فينجذب الناس الى بيعته ويبايعوه !
٣. أمر المعتز أخاه المعتمد أن يقيم للإمام (ع) تشييعاً كبيراً ، وأن تحمل جنازته الى دار الخلافة ليصلي عليها ، قال في الهداية / ٢٤٨ : « فإن السلطان لما عرف خبر وفاته ، أمر سائر أهل المدينة بالركوب إلى جنازته ، وأن يُحمل إلى دار السلطان حتى يصلي عليه ». فصلوا عليه في دار الخليفة ، ثم صلوا عليه في شارع كبير ، ثم صلوا عليه في داره ودفنوه حيث أوصى. « مروج الذهب : ٤ / ٨٤ ، واليعقوبي : ٢ / ٥٠٠ ».
٤. كانت سياسة السلطة القرشية دائماً المبالغة في تشييع الإمام من العترة الطاهرة (ع) ، ولهم في ذلك أغراض ، أولها أن يبعدوا عن أنفسهم جريمة قتله !
بل كانوا يحرصون على الكشف الطبي على جنازته ، وإشهاد كبار القضاة والشهود بأن بدنه سالمٌ وأنه مات حتف أنفه ! حتى لايطالب بنو هاشم بدمه.
واستعملوا هذا الأسلوب مع خلفائهم الذين قتلوهم ، فكانوا يقتلون الخليفة بالتعذيب أو عصر خصيتيه ، ثم يأتون بالشهود فيشهدون أنه مات حتف أنفه !
قال في معالم الخلافة « ٣ / ٣٧١ » : « لما وليَ المعتز لم يمض إلا مدة حتى أُحضر الناس وأخرج المؤيد فقيل : إشهدوا أنه دعي فأجاب وليس به أثر !
ثم مضت أشهر فأحضر الناس وأخرج المستعين ، فقال : إن منيته أتت عليه وها هو لا أثر فيه ، فأشهدوا !
ثم مضت مُدَيْدَة واستخلف المهتدي فأخرج المعتز ميتاً وقيل : إشهدوا أنه قد مات حتف أنفه ولا أثر به ! ثم لم تكمل السنة حتى استخلف المعتمد فأخرج المهتدي ميتاً وقيل : إشهدوا أنه قد مات حتف أنفه من جراحته » !
لكنهم كانوا يسلمون جنازة الخليفة الى أقاربه ، ولايهتمون بالصلاة عليه وتشييعه ، لأنه ليس له جماهير محبة كالإمام (ع) ليكسبها لخليفة الجديد بذلك !
٥. يتضح من أخبار تشييع الإمام (ع) ودفنه ، أنهم كانوا يهتمون بالتشييع والصلاة على الجنازة والدفن. وفي اليوم الثاني يجلس أهل الميت لقبول التعزية. ففي الهداية / ٢٤٩ : « وبقي الإمام أبومحمد الحسن بن علي (ع) ثلاثة أيام مردود الأبواب ، يُسمع من داره القراءة والتسبيح والبكاء ، ولا يؤكل في الدار إلا خبز الخشكار والملح .. قالوا جميعاً : فخرج توقيع منه (ع) في اليوم الرابع من المصيبة.
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فممن شق جيبه على الذرية : يعقوب على يوسف حزناً. قال : يا أسفي على يوسف ، فإنه قَدَّ جيبه فشقه ».
٦. اشترى النبي وعترته الطاهرون صلوات الله عليهم ، محال قبورهم الشر ـ يفة على سنة أبيهم إبراهيم (ع) ، فقد نصت التوراة ومصادرنا على أنه اشترى مكان قبره في الخليل من عفرون الحثي ، وكان مزرعة فيها الغار الذي دفن فيه هو وأسرته (ع). واشترى النبي (ص) مكان مسجدة وبيوته وقبره الشر ـ يف ، عندما بركت قربه الناقة : « وسأل عن المربد فأخبر أنه لسهل وسهيل يتيمين لمعاذ بن عفراء ، فأرضاهما معاذ ». « مناقب آل أبي طالب : ١ / ١٦٠ ».
واشترى الإمام الهادي (ع) داره في سامراء ، ثم اشترى دوراً ضمها اليها.
قال في تاريخ بغداد « ١٢ / ٥٧ » : « وفي هذه السنة ، يعني سنة أربع وخمسين ومائتين ، توفي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بسر من رأى ، في داره التي ابتاعها من دليل بن يعقوب النصراني ».
وفي إثبات الوصية للمسعودي « ١ / ٢٤٣ » : « وقد كان أبو محمد صلى عليه قبل أن يخرج الى الناس ، وصلى عليه لما أخرجه المعتمد ، ثم دفن في دار من دوره ».
فهو يدل على أنها كانت دورٌ متعددة متصلة ببعضها ، وتدل عليه نصوص كثيرة وصفت دار أبي الحسن الهادي وأبي محمد العسكري (ع).
منها ما رواه في الإرشاد « ٢ / ٣١٧ » يصف ساحة إحداها ولعلها الدار الأساسية : « عن سعد بن عبد الله عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسين الأفطس أنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد دار أبي الحسن (ع) وقد بسط له في صحن داره والناس جلوس حوله ، فقالوا قدرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني العباس وقريش مائة وخمسون رجلاً سوى مواليه وسائر الناس ».
ومنها قول الخادم كما في الكافي « ١ / ٣٢٩ » : « وكنت أدخل عليهم من غير إذن إذا كان في دار الرجال ، قال : فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال ».
مقتبس من كتاب الإمام علي الهادي عليه السلام