الإمام علي الرضا
ـ هو الإمام الثامن من الأئمّة الأطهار ، ولد بالمدينة سنة 153 من الهجرة ، وتوفّي سنة 202 ، ودفن بطوس من أرض خراسان ، وأمّه أمّ ولد ، وتسمّى خيزران.
وكنيته أبو الحسن ، وأشهر ألقابه الرضا.
ـ أولاده : قال المفيد الطبرسي وابن شهر آشوب : لم يترك من الولد إلّا محمّد الجواد.
من مناقبه :
ما سئل عن شيء إلّا أجاب عنه ، وما كان أحد أعلم منه في زمانه ، وكان يستخرج أجوبته من القرآن الكريم ، وكان يختمه في كلّ ثلاثة أيّام مرّة ، ويقول :
لو اردت لختمته بأقلّ من ذلك ، ولكنّي ما مررت بآية قطّ إلّا فكرت فيها ، وفي أيّ شيء نزلت.
ومن عادته أن لا يقطع على أحد كلامه ، ولا يرد أحداً عن حاجة ، وكان كثير المعروف والصدقة ، بخاصّة السر.
وكان المأمون مولعاً بالسماع إلى العلماء ، وجدالهم ونقاشهم ، فكان يجمع له العلماء والفقهاء والمتكلّمين من جميع الأديان ، فيسألونه ، ويجيب الواحد تلوّ الآخر ، حتّى لم يبق أحد منهم إلّا إعترف له بالفضل ، واقرّ على نفسه بالقصور ، وقد جاء في أكثر من كتاب أن بعض العلماء ، وهو محمّد بن عيسى اليقطيني جمع من مسائل الإمام الرضا وأجوبتها 18 ألف مسألة ، وفقد هذا الكتاب مع ألوف الكتب التي خسرتها المكتبة الإسلاميّة والعربيّة.
وفي كتب الشيعة الكثير من هذه المسائل ، « منها » أن قال له : يا ابن رسول الله إنّ الناس يروون عن جدّك أنّه قال : خلق الله آدم على صورته ، فما رأيك ؟.
قال الإمام : إنّهم حذفوا أوّل الحديث الذي يدلّ على آخره ، وهذا هو الحديث كاملاً : مرّ رسول الله برجلين يتسابّان ، ويقول أحدهما للآخر : قبّح الله وجهك ووجهاً يشبهك. فقال النبي للسابّ : لا تقلّ هذا ، فانّ الله خلق آدم على صورته ، أيّ على صورة من تشتمّه وعليه يكون شتمك لخصمك هذا شتم لآدم عليه السلام.
ومنها : أنّه سئل : أين كان الله ؟ وكيف كان ؟ وعلى أين شيء يعتمد ؟.
فقال : إنّ الله كيف الكيف فهو بلا كيف ، وأين الأين فهو بلا أين ، وكان إعتماده على قدرته. ومعنى جواب الإمام أنّ الله خلق الزمان وخلق الأحوال ، فلا زمان له ولا حال ، وغني عن كلّ شيء فلا يعتمد على شيء غير ذاته بذاته.
وسئل عن معنى إرادة الله فقال : هو فعله لا غير ، ذلك أن يقول للشيء : كن فيكون ، بلا لفظ ولا نطق بلسان ، ولا همّة ولا تفكّر ، ولا كيف كذلك ولا كما.
ومنها : أنّه سأل سائل عن معنى قول الإمام الصادق « لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين ».
فقال الإمام : من زعم أنّ الله يفعل أفعالنا ، ثمّ يعذّبنا عليها ، فقد قال بالجبر ومن زعم أنّ الله فوّض أمر الخلق والرزق إلى حججه ـ أيّ الأئمّة ـ فقد قال بالتفويض ، والقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك ، أمّا معنى الأمر بين الأمرين فهو وجود السبيل إلى إتيان ما أمر الله به ، وترك ما نهى عنه ، أيّ أن الله سبحانه أقدره على فعل الشر وتركه ، كما أقدره على فعل الخير وتركه ، وأمره بهذا ونهاه عن ذاك.
ومنها : انّه سئل عن الإمامة ، فقال : انّ الله لم يقبض نبيّه ، حتّى أكمل له الدين ، وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شيء ، حيث قال عز من قائل : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) ، وأنزل في حجّة الوداع ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ).
والإمامة من إكمال الدين وإتمام النعمة. وقد أقام لهم عليّاً علماً وإماماً ، ومن زعم أنّ النبي لم يكمل دينه ـ ببيان الإمام ـ فقد ردّ كتاب الله ، ومن ردّ كتاب الله فهو كافر. انّ الإمامة لا يعرف قدرها إلّا الله ، فهي أجلّ قدراً ، وأعظم شأناً ، وأعلى مكاناً من أن يبلغها الناس بعقولهم ، أو ينالوها بآرائهم.
ان الإمامة خلافة الله والرسول ، وزمام الدين ، ونظام المسلمين ، والإمام يحلّل ما أحلّ الله ، ويحرّم ما حرّم الله ، ويقيم الحدود ، ويذبّ عن الدين ، والإمام أمين الله في أرضه ، وحجّته على عباده ، وخليفته في بلاده ، وهو مطهّر من الذنوب ، مبرّأ من العيوب ، لا يدانيه أحد في خلقه ، ولا يعادله عالم ، ولا يوجد منه بديل ، ولا له مثيل. فأين للناس أن تستطيع اختيار مثل هذا ؟!.
ونكتفي بهذا المقدار من أجوبته ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى « عيون أخبار الرضا » للشيخ الصدوق. أمّا أخبار المأمون مع الإمام ، واسناد ولاية العهد إليه ، ثمّ إغتياله بالسم فقد ذكرناها في كتاب « الشيعة والحاكمون ».
مقتبس من كتاب : [ الشيعة في الميزان ] / الصفحة : 240 ـ 242