غَرْيبُ الدار
نظمت في خراسان عند زيارة الشاعر الأولى لمرقد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في 10 / 5 / 1387 هـ = 19 / 8 / 1967 م.
والإمام الرضا عليه السلام ثامن أئمة المسلمين ، ولد بالمدينة المنورة في 11 ذي القعدة سنة 148 هـ ، وبويعَ بولاية العهد سنة 201 هـ ، وتوفي مسموماً على يد المأمون العباسي في طوس من أرض خراسان في 17 صفر سنة 203 هـ ، ودفن فيها إلى جنب هارون الرشيد في طوس ، واندثرت آثار الرشيد ، وبقي ضريح الإمام الرضا عليه السلام موئلاً لملايين الزائرين في كلّ عام.
نشرت القصيدة في مجلة العرفان الصيداوية.
ركبْتُ لـك المَفاوزَ والهضابا |
وجُبْتُ الأرضَ .. واجْتزتُ السَّحابا |
|
وجِئتُ ( أبا الجَوَاد ) إليكَ أسْعى |
أؤمِّلُ أنْ أنالَ بكَ الرِّغابا |
|
أؤمِّلُ أنْ أردَّ بكَ العِقابا |
غَدَاةَ غَدٍ .. وأنْتجعُ الثَّوابا |
|
فيا كهفَ العُفاةِ لأنْتَ كهفي |
وأكْرِمْ فيكَ مأوًى وانْتسابا |
|
ويا فَرْعَ النُّبوَةِ .. ما تَدَلَّى |
بأزْكى منكَ أصْلاً وانْتجابا |
|
ويا ابن الطَّيْبينَ أباً وأمَّاً |
ويا ابنَ الأكّرمين يَدَاً وبابا |
|
أنختُ ببابِكَ الألق الرِّكابا |
فأخْصَبَ .. وامْتَطى الدُّنيا رِكابا |
|
وفي أعتابِهِ أنْزَلْتُ ثقلـي |
ولمْ أسْمعْ لعاذلـةٍ عتابا |
|
ولمّا كُنْتُ كالفجرِ انْطلاقاً |
وكالأنداءِ رَوْحاً وانْسكابا |
|
حملتُ هداك رأياً واعْتقاداً |
وقلباً ما تَشكَّكَ واسْتَـرابا |
|
وعزماً سَعَّـرَ الجَمَـراتَ وقْداً |
وفكراً تَوَّجَ الدُّنيا صَوَابا |
* * *
غريبَ الدارِ يا نجماً تجلّضى |
ويا بدراً تَشَغشعَ ثمّ غابا |
|
دَعَتْط سياسةُ الإرهابِ قَسْراً |
فما ألفَتْ لدعوتِها جوابا |
|
خبرتَ الحُكمَ عن عزمٍ وحزمٍ |
وشِمتَ جهامَة الكابي سَرابا |
|
فناهضتَ الطُّغاةَ .. وكنتَ فَذَّا |
أعدَّ لكُلٍّ داجيةٍ شهابا |
|
ولمّا أن تمخّضَتِ الليالي |
وأولدَ حَملُها المِحنَ الصِّعابا |
|
أتيتَ إلى قبولِ الحُكْم لمّا |
رأيتَ هلاكَ نفسِكَ والتَّبابا |
|
وما ألقيتَ في الهَلَكاتِ نَفْساً |
فلستَ كمن : يُحابي ، أو يُحابى |
|
وصُنتَ الدينَ مِن شُبهاتِ قومٍ |
أدافَ ضِلالُهم عسلاً وصابا |
|
وكنتَ ضحيةَ التضليلِ لمّا |
لقتلِك أشرعوا تلك الحِرابا |
|
لقد غدروا بشخصِك واستهانوا |
وعند اللهِ يَلقَون الحِسابا |
* * *
غريبَ الدار .. يا نفحاتِ قُدْسٍ |
تُعيدُ على المُحبِّين الشبابا |
|
ويا رُوحَ الإمامة .. طِبتَ روحاً |
نديّاً .. يجذبُ القلبَ انجذابا |
|
أتيتُك زائراً .. فشَمَمتُ تُرباً |
كأنّ المِسكَ خالَطَه خضابا |
|
كأنَّ بقبرِك الجنّاتِ تجري |
وقد حضَنَت من القُدسِ الرِّحابا |
|
أرى المَلأَ العَليَّ به مُغِذّاً |
هُبُوطاً .. أو مَجيئاً .. أو ذَهابا |
|
ودار المتَّقين إلى خُلودٍ |
ودارُ الظالمين بَدَت خَرابا |
|
وقبرٌ ( للرشيد ) غَدا محطّاً |
إلى اللَّعناتِ بَدْءاً وانقلابا |
|
فأين المُلكُ ؟ والدُّنيا لدَيهِ |
وكان يُعِدُّ للدُّنيا الخِطابا |
|
لقد طُوِيَت هَباءً .. فهي تَذْري |
عليها الرِّيحُ .. إذ تُرِكت يَبابا |
|
وذي عُقباك .. تزدحم البرايا |
عليك بها خشوعاً وارتهابا |
* * *
غريبَ الدار .. لستَ غريبَ ذِكرٍ |
وقد حشَدَت فضائلُك الكتابا |
|
بك التاريخ يسبح في خِضَمٍّ |
ويملأُ مِن مكارمِك العُبابا |
|
فيا نجمَ العقيدةِ ما تَلالا |
بأزهَرَ منك ضوءاً والتهابا |
|
يَخِبُّ الدهرَ سَيراً في خُطاهُ |
فيكشفُ عن معالمِك النِّقابا |
|
سليلُ محمّدٍ .. وجَنى عليٍّ |
وأدنى الناسِ للزهراءِ قابا |
|
تَزاحَمَتِ المآثرُ فيك حتّى |
ترعرع غرسُها وزكا وطابا |
|
وكُلُّ كرامةٍ لك في ذُراها |
كيانٌ ما استَذلَّ ، ولا استجابا |
|
وسِفْرُك حافلٌ .. وبكُلِّ آنٍ |
يُرينا الحمدَ والعَجَبَ العُجابا |
* * *
فيا نبعَ الأصالةِ مِن قريشٍ |
سَمَوتَ بدارةِ العَليا جَنابا |
|
ويا خيرَ البريةِ مِن عليٍّ |
عَقَدتُ عليك آمالاً عِذابا |
|
وجَمهَرةً من الرغَباتِ أرجو |
بفضلك أن أنالَ بها الطِّلابا |
|
فَكاكي مِن لظى نارٍ أُعِدَّتْ |
إلى الطاغينَ ـ أحقاباً ـ مآبا |
|
بكُم أرجو الخلاصَ إذا تَنادى : |
هَلمُّوا وادخلُوا بلظًى عَذابا |
|
وُلِدتُ على ولايتِكم ، وأرجو الـ |
مماتَ على ولايتِك احتسابا |
|
وليس يخيبُ مَن علُقَت يداهُ |
بقبرِك مستجيراً قد أنابا |
|
شفاعةُ أحمدٍ حِصني اعتصاماً |
ولُقْيا حيدرٍ أملي اقترابا |
|
وهل يدنو مِن النيرانِ جسمٌ |
أذابَ بُحبِّكُم رُوحاً فَذابا ! |
|
غريبَ الدارِ في عَرَصاتِ طُوسٍ |
بحُبِّك قد ألِفتُ الإغترابا |
|
يَعِزُّ على رسولِ الله نفساً |
بأن تَغدُو لشانِئِه انتهابا |
|
وأن تُمشي سَميماً في ديارٍ |
فقدتَ الأهلَ فيها والصِّحابا |
|
وحُرّاً لا يَرى إلّا عبيداً |
ورأساً لَم يجِدْ إلّا الذُّنابى |
|
لقد ضاقُوا بما أُلهِمْتَ ذَرعاً |
فسَدُّوا البِيدَ حولَك والشِّعابا |
|
وأُبعِد عنك آلُك ، واستباحُوا |
حِماك .. وكانَ أمنَعَها حجابا |
|
يُذكّرُني مُصابُكَ كلَّ حينٍ |
( غرَيبَ الطَّفِّ ) أفجَعَها مُصابا |
|
تَشابَهَ فَرعُكم بالأصلِ فيما |
خُصِصتُم بالبلاءِ دَجا اضطرابا |
|
سَقَت أجداثَكُم وَطْفاءُ تَهمي |
بها الألطافُ صَبّاً وانسيابا |
مقتبس من كتاب : [ ديوان أهل البيت عليهم السلام ] / الصفحة : 229 ـ 234