باب الحوائج موسى بن جعفر عليه السلام
تباً لهم من أُمة لم يحفظوا |
عهد النبي بآله الأمجاد |
|
قد شتتوهم بين مقهور ومأسور |
ومنحور بسيف عناد |
|
هذا بسامرا وذاك بكربلا |
وبطوس ذاك وذاك في بغداد |
|
لهفي وهل يجدي أسىً لهفي على |
موسى بن جعفر علّة الايجاد |
|
ما زال ينقل في السجون معانياً |
عضّ القيود ومثقل الأصفاد |
|
قطع الرشيد عليه فرض صلاته |
قسراً وأظهر كامن الأحقاد |
|
حتى إليه دسّ سمّاً قاتلاً |
فأصاب أقصى منية ومراد |
|
وضعوا على جسر الرصاخة نعشه |
وعليه نادى بالهوان منادي (1) |
* * *
نحل جسمي وغده ينلظم بالسم |
وثغري بالفرح ما يوم بالسم |
|
على المات ابسجن هارون بالسم |
ونعشه اعلى الجسر خلوه رميه |
* * *
على الجسر خلوه فرجه لليروح ولليرد |
والمنادي عليه ينادي والنده ايذوب الچبد |
|
مر طبيب البلد شافه وگام ينشد والنشد |
ما هالميت عشيره ابثاره تطلب لا تهيد |
* * *
من سمع ويلي گبل هذا الشهيد |
ميت شالوه وبرجله الحديد |
|
لچن ابغربه وماله من عضيد |
واظهرت اشرارها المكتومها |
* * *
بكت على نعشك الأعداء قاطبة |
ما حال نعش له الأعداء باكونا |
* * *
لم تزل للأنام تحسن صنعا |
وتجير الذي أتاك وترعى |
|
وإذا ضاقت الفضا بي ذرعا |
يا سمّي الكليم جئتك أسعى |
والهوى مركبي وحبّك زادي
أنت غيث للمجد بين ولولا |
فيض جودكم الوجود اضمحلا |
|
قسماً بالذي تعالى وجلّا |
ليس تقضى لنا الحوائج إلّا |
عند باب الرجاء جدّ الجواد
* * *
باب الحوائج :
وهذا اللقب من أكثر ألقاب الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام ذكراً وأشهرها ذيوعاً وانتشاراً ، فقد اشتهر بين الخاصّ والعام أنه ما قصده مكروب أو حزين إلّا فرّج الله آلامه وأحزانه وما استجار أحد بضريحه المقدّس إلّا قضيت حوائجه ، ورجع إلى أهله مثلوج القلب مستريح الفكر ممّا ألمّ به من طوارق الزمن وفجائع الأيّام وقد آمن بذلك جمهور شيعته بل عموم المسلمين على اختلاف طبقاتهم ونزعاتهم فهذا شيخ الحنابلة وعميدهم الروحي أبو علي الخلال يقول :
« ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر إلّا سهل الله تعالى لي ما أُحبّ ... » (2).
وقال الإمام الشافعي : « قبر موسى بن جعفر الكاظم الترياق المجرّب » (3).
وقد ذكر المرحوم العلّامة السيّد أحمد المستنبط في كتاب القطرة إنّ الأبيات التي بدأنا بها صدر المجلس ما كتبت وألقيت في ضريح الإمام موسى الكاظم عليه السلام إلّا وقد قضيت حاجته ببركة الإمام موسى الكاظم عليه السلام.
وقد روى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد قصّة كان فيها شاهد عيان فقد رأى امرأة مذهولة قد فقدت رشدها لأنّها أخبرت أن ولدها اعتقلته السلطة المحلية وأودعته في السجن ، فأخذت تهرول نحو ضريح الإمام مستجيرة به فرآها بعض الأوغاد ممّن لا يؤمن بالإمام فقال لها إلى أين ؟ فقالت إلى موسى بن جعفر ، فانّه قد حبس ابني ، فقال لها بسخريّة واستهزاء « إنّه قد مات بالحبس » فاندفعت تقول بحرارة وقد لذعها قوله « اللهم بحقّ المقتول في الحبس ان تريني القدرة » فاستجاب الله دعاءها ، فأطلق سراح ولدها ، وأودع ابن المستهزئ في ظلمات السجون بجرم ذلك الشخص. ونقل الشيخ الجليل الحائري في نور الأبصار نقلاً عن البحار أن أحمد بن ربيعة كان أحد كتاب الخليفة المقتدر بالله ظهر جرح في إحدى يديه ولم تزل تزاد العلّة حتى اسودت يده ونتنت وظهرت منها رائحة كريهة وأمر المعالج بقطعه استمهلهم ليلة ثمّ لجأ إلى أمير المؤمنين عليه السلام واستدعى منه الخلاص فنام فرأى أمير المؤمنين عليه السلام فيما يراه النائم وقال له يا أحمد إنّي لمشغول عنك إذهب إلى ولدي موسى بن جعفر وسله حتّى تبرئ من علّتك فلمّا انتبه اغتسل وتطيب وأمر بأن يحملوه في محمل إلى موسى بن جعفر عليه السلام ففعلوا ذلك وجاءوا به إلى القبر الشريف فرمى بنفسه على القبر وجعل يبكي ويتضرع ويتمسح بتراب القبر ويطلب الشفاء ثمّ شدّ يده فلمّا أصبح جاءوا إليه وكشفوا عنها فإذا هي بأحسن ما يكون كأن لم يكن فيها جرح ببركة تربة موسى بن جعفر والتوسّل به. يقول الشاعر :
زر ببغداد قبر موسى بن جعفر |
قبر موسى مديحه ليس ينكر |
|
هو باب إلى المهيمن تقضى |
منه حاجاتنا وتحىٰ وتحبر |
|
هو حصني وعدتي وغياثي |
وملاذي وموئلي يوم احشر |
|
كم مريض وافىٰ إليه فعافاه |
وأعمى أتاه صح وابصر |
* * *
نعم أنّ الأئمّة هم أبواب رحمة الله تعالى ، وهم الوسيلة إليه وهم أقرب الخلق إليه لأنّهم أعمل الناس بطاعته سبحانه ، فلهم الجاه الوجيه عند الله سبحانه وفي الزيارة الرجبيّة الواردة عن الناحية المقدّسة « اَنَا سٰائِلُكُمْ وَآمِلُكُمْ فيمٰا اِلَيْكُمُ ، التَّفْويضُ ، وَعَلَيْكُمُ التَّعْويضُ فَبِكُمْ يُجْبَرُ الْمَهيضُ ، وَيُشْفَى الْمَريضُ ، وَمٰا تَزْدٰادُ الْأَرْحٰامُ وَمٰا تَغيضُ ».
وفي الزيارة الجامعة الكبيرة « مُسْتَجيرٌ بِكُمْ ، زٰآئِرٌ لَكُمْ لٰۤائِذٌ عٰآئِذٌ بِقُبُورِكُمْ ، مُسْتَشْفِعٌ اِلَى اللهِ عَزَّوَجَلَّ بِكُمْ ، وَمُتَقَرِّبٌ بِكُمْ اِلَيْهِ ، وَمُقَدِّمُكُمْ اَمٰامَ طَلِبَتي ، وحَوٰآئِجي». يقول السيّد عبد الباقي العمري :
لذو استجر متوسلاً |
إن ضاق أمرك أو تعسّر |
|
بأبي الرضا جد الجواد |
محمد موسى بن جعفر |
* * *
ويقول الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام في دعاءه : « اَللّٰهُمَّ صَلِّ عَلىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، الْكَهْفِ الْحَصينِ ، وَغِيٰاثِ الْمُضْطَرِّ الْمُسْتَكينِ ، وَمَلْجَأِ الْهٰارِبينَ ، وَعِصْمَةِ الْمُعْتَصِمينَ » (4).
إخلاص العبوديّة لله عزّ وجلّ من أهمّ الأسباب التي جعلت لهم الجاه الوجيه عند الله عزّ وجلّ :
ولبيان هذه النقطة ينقل بعض أهل الفنّ « العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة » وعبادة الإمام موسی بن جعفر كان يضرب فيها المثل وإنّه معروف حليف السجدة الطويلة والدموع الغزيرة ، ولم يحدثنا التاريخ عن مسجون ـ غير الإمام موسى بن جعفر ـ كان يشكر الله تعالى على ما أتاح من نعمة التفرّغ للعبادة بين جدران السجن.
قال ابن الصباغ المالكي : إنّ شخصاً من بعض العيون التي كانت عليه في السجن ، رفع إلى عيسى بن جعفر أنّه سمعه يقول في دعاءه « اللهمّ إنّك تعلم أنّي كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك وقد فعلت فلك الحمد » (5).
وروى أصحابنا أنّه دخل مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله فسجد سجدة في أوّل الليل ، وسمع وهو يقول في سجوده « عظم الذنب من عبدك ، فليحسن العفو من عندك ، يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة » فجعل يرددها حتى أصبح (6).
وكان عليه السلام يصلّي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح ثمّ يعقّب حتّى تطلع الشمس وخرّ لله ساجداً فلا يرفع رأسه من الدعاء والتحميد حتّى يقرب زوال الشمس وكان يدعو كثيراً فيقول : « اللهم إنّي أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب » ويكرّر ذلك (7).
وحدّث هشام بن أحمر كنت أسير مع أبي الحسن في بعض طرق المدينة إذ ثنى رجله عن دابّته فخرّ ساجداً فأطال وأطال ، ثمّ رفع رأسه وركب دابته ، فقلت جعلت فداك قد أطلت السجود ؟ فقال : إنّي ذكرت نعمة أنعم الله بها عليّ ، فأحببت أن أشكر ربّي (8).
وكان عليه السلام يبكي من خشية الله حتّى تخضل كريمته الشريفة من دموع عينيه (9) ، ولكثرة سجوده فقد كان له غلام يقصّ اللحم من جبينه ، وعرنين أنفه فقد نظم بعض الشعراء ذلك بقوله :
طالت لطول سجود منه ثفنته |
فقرّحت جبهة منه وعرنينا |
|
رأى فراغته في السجن منيته |
ونعمة شكر الباري بها حببنا |
* * *
وكان عليه السلام أحسن الناس صوتاً بالقرآن ، فكان إذا قرأ يحزن ويبكي السامعون لتلاوته. ويروى أنّ الرشيد كان يشرف على الحبس الذي هو فيه فيراه ساجداً فيقول للربيع : ما ذلك الثوب الذي أراه كلّ يوم في ذلك الموضع ؟ فيخبره أنّه ليس بثوب ، وإنّما هو موسى بن جعفر ، له كلّ يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى الزوال ، فقال هارون : أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم (10).
وكان من أشدّ السجون على إمامنا موسى بن جعفر عليه السلام سجن السندي بن شاهك وكان طامورة لا يعرف فيها الليل من النهار ، وفي هذا السجن زاره ابن سويد يقول بعد أن أرضيت بعض السجانين ببعض الدنانير ، فلمّا أردت النزول قال لي الإمام : لحظة يابن سويد لأسرج لك ، يقول لمّا أسرج لي ونزلت نظرت وإذا بسلاسل الحديد والقيود في رجلي الامام عليه السلام وقد أُشير إلى هذه المظلوميّة في الزيارة « ... وَالْمُعَذَّبِ في قَعْرِ السُّجُونِ وَظُلَمِ الْمَطٰاميرِ ، ذِي السّٰاقِ الْمَرْضُوضِ بِحَلَقِ الْقُيُودِ » وكذلك ورد في زيارة الجامعة لأئمّة المؤمنين « وَمُكَبَّلٍ فِي السِّجْنِ قَدْ رُضَّتْ بِالْحَديدِ اَعْضٰآئُهُ ». يقول ابن سويد فسألت الإمام مسائل فأجابني عنها ، فقلت له : سيّدي بقت مسألة واحدة ، فقال لي : سَل يابن سويد ، قلت له : متى الفرج لقد ضاقت صدورنا ؟ فقال لي : إنّ الفرج قريب ! قلت : ومتى وأين ؟ فقال عليه السلام : يوم الجمعة ضحیً على الجسر ببغداد ، يقول خرجت وأنا لا تكاد تحملني رجلاي أقبلت إلى شيعتنا وأصحابنا أقول لهم البشارة البشارة إنّ إمامكم سوف يخرج فقالوا متى وأين ؟ فقلت لهم يوم الجمعة ضحىً على الجسر ببغداد ، يقول بينما نحن وقوف علىٰ أحرّ من الجمر وإذا بجنازة يحملها أربع من السجانين والمنادي ينادي هذا إمام الرافضة.
وضعوا على جسر الرصافة نعشه |
وعليه نادى بالهوان منادي |
* * *
امن البصره السجن بغداد جابه |
ابحديد او گید ويدوّر ذهابه |
|
ذبّه بسجن مظلم غلگ بابه |
نهى السجان يمّه ناس يصلون |
* * *
ابسجن والسندي بن شاهك السجان |
عليه ابكل وكت مغلق البيبان |
|
ظل اسنين للوادم فلا بان |
ما يدرون ميت والله مسجون |
* * *
يگولون غريب اهله امبينين |
لچن بالمدينه اعليه بعيدين |
* * *
سمع سليمان بالضحية على الجسر فسأل ما الخبر فقيل له نعيش باب الحوائج على جسر الرصافة ، فقال لغلمانه : خذوا نعشه وهيّأ له كفناً بـ « عشرين ألف دينار » ونادى عليه بهذا النداء ألا ومن أراد تشييع جنازة الطيّب بن الطيّب موسى بن جعفر فليحضر.
من سمعت الشيعه الصوت گبّر |
طلعت فرد طلعه ابحال الاگشر |
|
صاحت آه وا موسى بن جعفر |
هاذي امصيبتك بچّت الدارين |
* * *
الاصل والرحم لسليمان جابه |
على موسى ودحجته عروگ النجابه |
|
بس لحسين ما حصّل گرابه |
يغسلونه ويكفنونه ويدفنون |
* * *
غسلته دماؤه ، قلبته أرجل الخيل ، كفّنته الرمول
* * *
الهوامش
1. السيّد مهدي الأعرجي ، رياض المدح والرثاء : 566.
2 و 3. حياة الامام الكاظم « باقر شريف القرشي » 1 : 51.
4. مفاتيح الجنان ، في أدعية الزوال من كلّ يوم في شهر شعبان.
5. الفصول المهمّة : 222.
6. تاريخ بغداد 13 : 27.
7. كشف الغمة : 247.
8. بحار الأنوار 48 : 266.
9. كشف الغمة : 247.
10. أعيان الشيعة 4 ق 3 / 42.
مقتبس من كتاب : [ المحاضرات المنبرية في المجالس الصفرية ] / الصفحة : 166 ـ 173