صبر وشجاعة
معروف أنّ المرأة تمتاز برقّة المشاعر ، وشفافيّة العواطف ، ممّا يساعدها على القيام بدور الأمومة الحانية ؛ لذلك يكون تأثيرها العاطفي أسرع وأعمق من الرجل غالباً.
وإذا كانت تلك الحالة تمثّل الاستعداد الأَوّلي في نفس المرأة ، فلا يعني ذلك أنّها تأسُر المرأة وتَقعد بها عن درجات الصمود والصبر العالية ، فبإمكان المرأة حينما تمتلك قوّة الإرادة ونفاذ الوعي وسموّ الهدف ، أنْ تضرب أروع الأمثلة في الصبر والشجاعة أمام المواقف الصعبة القاسية.
وهذا ما أثبتته السيّدة زينب في مواجهتها للآلام والأحداث العنيفة التي صدمتها في باكر حياتها وكانت هي الختم لسنوات عمرها ، لقد أبدت السيّدة زينب تجلّداً وصبراً قياسيّاً في واقعة كربلاء وما أعقبها من مصائب ، وإلّا فكيف استطاعت أن تنظر إلى أخيها الحسين ممزّق الأشلاء يسبح في بُرْكة من الدماء ، وحوله بقيّة رجالات وشباب أسرتها من أخوتها وأبناء إخوتها وأبناء عمومتها وأبنائها ، ثمّ تحتفظ بكامل السيطرة على أعصابها وعواطفها ، لتقول كلمة لا يقولها الإنسان إلّا في حالة التأنّي والثبات والاطمئنان ، وهي قولها : « اللّهمّ تَقَبَّل مِنَّا هَذَا القليل من القربان » (1).
وأكثر من ذلك فهي تصبّر ابن أخيها الإمام زين العابدين حينما رأتْه مضطرباً بالغ التأثّر عند مروره على جثث القتلى ـ كما مرّ علينا سابقاً ـ.
ويعبّر الشيخ النقدي عن فظيع مصائب السيّدة زينب وعظيم تحمّلها لها بقوله :
وبالجملة فإنّ مصائب هذه الحرّة الطاهرة زادت على مصائب أخيها الحسين الشهيد أضعافاً مضاعفة ، فإنّها شاركته في جميع مصائبه ، وانفردت عنه عليها السلام بالمصائب التي رأتها بعد قتله من النَهْب والسَلب والضرب وحرق الخيام ، والأَسْر ، وشَمَاتة الأعداء.
أمّا القتل فإنّ الحسين قُتل ومضى شهيداً إلى روح وريحان ، وجنّة ورضوان ، وكانت زينب في كلّ لحظة من لحظاتها تُقْتَل قَتْلاً معنويّاً بين أولئك الظالمين ، وتذري دماء القلب من جفونها القريحة (2).
وأيّ مستوى من الصبر عند السيّدة زينب حينما تصف ما رأته من مصائب بأنّه شيء جميل : « والله ما رأيتُ إلّا جميلاً » ردّاً على سؤال ابن زياد لها : كيف رأيتِ صُنْع الله بأخيك ؟
الهوامش
1. زينب الكبرى : النقدي : ص ٧٥.
2. زينب الكبرى : النقدي : ص ٩٧.
مقتبس من كتاب : [ المرأة العظيمة السيّدة زينب ] / الصفحة : 269 ـ 270