مئة وثلاث عشر آية تصنف علماء السنة إلی محرف وغيره

البريد الإلكتروني طباعة

مئة وثلاث عشر آية تصنف علماء السنة إلی محرف وغيره

بيّنا سابقاً أن أغلب علماء أهل السنة يقولون : إن القرآن جمعه الصحابة لا رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلم بخلاف الشيعة ، ووقع الكلام بين علماء أهل السنة في هل أن الصحابة زادوا في سور القرآن ما ليس منها عندما جمعوه ، أم لا ؟ ، فمال بعضهم إلی أنّ الصحابة ما زادوا في سور القرآن شيئاً ، ومال بعضهم وهم السواد الأعظم اليوم إلی أنّ الصحابة زادوا للسور التي بين دفتي المصحف ما ليس منها ، وهي البسملة.

منطقياً :

لنفرض أنّ فريقاً من العلماء قطعوا بجزئية جملة من القرآن ، فمن ينفي جزئيتها من القرآن سيكون في نظرهم مخطئاً ؛ لأنه أنقص من القرآن ما هو منه ، وكذا من نفی جزئية تلك الجملة من القرآن سيری أن المثبت لها قد زاد فيه ما ليس منه.

فالنافي يعتقد أنّ المثبت محرّف بالزيادة ، والمثبت يعتقد أنّ النافي محرّف بالنقص والحذف منه ، والمعلوم بديهيا أنّ تلك الجملة إما أن تكون من السور فيلزم التحريف بالنقص لمن أنكرها ؛ لأنه يری عدم جزئيتها منها ، وإما ألّا تكون جزءاً من السور ، فيلزم التحريف بالزيادة لمن ألحقها ، وذلك لاستحالة كون الجملة جزءاً من سور القرآن وليست منها في آن واحد ، فلا يخلو الأمر من ثبوت التحريف لأحد من الطرفين سواء بالزيادة أو النقص.

أو قل : إنّ تلك الجملة أو قرآن وأو غيره ، فإن كانت قرآناً في الواقع فمن نفاها كان محرفاً بالنقص والحذف ، وإن لم تكن قرآناً فمن أثبتها كان محرفاً بالزيادة.

هل اختلف علماء السنة في جزئية البسملة إثباتاً ونفياً !

وهاهي كلمات القوم في المسألة أوضح من أن يدلل عليها أو ينقب فيها.

قال ابن كثير في تفسيره : وممن حكي عنه أنها آية من كل سورة إلّا براءة ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو هريرة وعلي ، ومن التابعين عطاء وطاوس وسعيد بن جبير ومكحول والزهري ، وبه يقول عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل في رواية عنه ، وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم بن سلام رحمهم الله ، وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما : ليست آية من القرآن ولا من غيرها من السور.

وقال الشافعي في قول في بعض طرق مذهبه هي آية من الفاتحة وليست من غيرها ، وعنه أنها بعض آية من أوّل كل سورة وهما غريبان.

وقال داود هي آية مستقلّة في أوّل كل سورة لا منها ؛ وهذا رواية عن الإمام أحمد بن حنبل ، وحكاه أبو بكر الرازي عن أبي الحسن الكرخي ، وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله (1).

وقال الشوكاني في نيل الأوطار : وقد اختلفوا هل هي آية من الفاتحة فقط أو من كل سورة أو ليست بآية ؟ فذهب ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وطاوس وعطاء ومكحول وابن المبارك وطائفة إلی أنها آية من الفاتحة ومن كل سورة غير براءة ، وحكي عن أحمد وإسحاق وأبي عبيد وجماعة من أهل الكوفة ومكة وأكثر العراقيين ، وحكاه الخطابي عن أبي هريرة وسعيد بن جبير ، ورواه البيهقي في الخلافيات بإسناده عن علي بن أبي طالب والزهري وسفيان الثوري ، وحكاه في السنن الكبری عن ابن عباس ومحمد بن كعب أنها من الفاتحة فقط ، وحكي عن الأوزاعي ومالك وأبي حنيفة وداود ، وهو رواية عن أحمد أنها ليست آية في الفاتحة ولا في أوائل السور . وقال أبو البكر الرازي وغيره من الحنفيّة : هي آية بين كل سورتين غير الأنفال وبراءة وليست من السور ، بل هي قرآن مستقل كسورة قصيرة ، وحكي هذا عن داود وأصحابه وهو رواية عن أحمد (2).

وقال الآلوسي في روح المعاني : اختلف الناس في البسملة ـ في غير النمل ، إذ هي فيها بعض آية بالاتفاق ـ علی عشرة أقوال :

( الأول ) : إنها ليست آية من السور أصلاً.

( الثاني ) : إنها آية من جميعها غير براءة.

( الثالث ) : إنها آية من الفاتحة دون غيرها ... الخ (3).

نستخلص مما سبق أن من ذهب إلی عدم كون البسملة في أوائل السور من القرآن هم الإمام مالك وأبو حنيفة وأصحابهما ، والأوزاعي وداود وأحمد بن حنبل علی رواية.

والصحابة الذين قالوا : إنها جزء من أوّل كل سورة عدا براءة هم ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو هريرة وعلي عليه السلام ، ومن التابعين عطاء وطاوس وسعيد بن جبير ومكحول والزهري وعبد الله بن المبارك وكذلك الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل علی رواية أخری (4) ، وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم بن سلام.

وعلی هذا الاختلاف بين أكابر علمائهم بالإثبات والنفي ، يتضح أن صغری القياس : ( حصل الاختلاف بين علمائهم في جزئية جملة ما لسور القرآن بالإثبات والنفي ) صحيحة ، وتلك الجملة هي البسملة ، وقد أثبتنا كبراه : ( وحصول الاختلاف بالإثبات والنفي في جزئية جملة ما لسور القرآن يلزم منه التحريف بالنقص أو بالزيادة ) فيستنتج تلقائياً وبالضرورة :

( حصول الاختلاف بين علمائهم في جزئية البسملة لسور القرآن يلزم منه التحريف بالنقص أو بالزيادة ) ، فإما أن تكون من القرآن في أوائل السور فيثبت التحريف بالنقص لمن نفاها من علمائهم ، وإما أن لا تكون منه ، فيثبت التحريف بالزيادة لمن أثبتها منه ، وعليه لم تتضح الحقيقة الكاملة للقرآن الكريم عند أهل السنة ، فهم في ريب وشك في آيات منه ، فتحريف القرآن ثابت عند علمائهم بلا ريب (5).

أقوال سلفهم في أنّ ترك البسملة تحريف وإسقاط لآية :

أخرج البيهقي في شعب الإيمان بسنده :

عن إبراهيم بن يزيد قال : قلت لعمرو بن دينار : إنّ الفضل الرقاشي يزعم أن ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) ليس من القرآن ، قال : سبحان الله ، ما أجرأ هذا الرجل ! سمعت سعيد بن جبير يقول : سمعت ابن عباس يقول : كان رسول الله صلّی الله عليه [ وآله ] وسلم إذا نزلت عليه ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) علم أن تلك السورة قد ختمت وفتح غيرها.

سمعت أبا جعفر حمد بن عبد الله المنادي يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : من لم يقرأ مع كل سورة ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) فقد ترك مئة وثلاث عشر آية.

عن ابن عباس قال : من ترك ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) فقد ترك آية من كتاب الله عزّ وجلّ (6).

أقول : ومن البديهي أنّ من أنكرها فقد أنكر آية من كتاب الله عزّ وجلّ ، وهذا هو التحريف.

قال ابن قدامة الحنبلي : قال عبد الله بن المبارك : من ترك ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) فقد ترك مئة وثلاث عشرة آية وكذلك قال الشافعي (7).

قال الغزالي في المستصفی : ثم لما كانت البسملة أمراً بما في أوّل كل أمر ذي بال ، ووجد ذلك في أوائل السور ظن قوم أنه كتب علی سبيل التبرك وهذا الظن خطأ ، وكذلك قال ابن عباس رضي الله تعالی عنه : سرق الشيطان من الناس آية من القرآن لما ترك بعضهم قراءة البسملة في أول السورة ، فقطع بأنها آية ولم ينكر عليه ، كما ينكر علی من ألحق التعوذ والتشهد بالقرآن ، فدل علی أن ذلك كان مقطوعاً به وحدث الوهم بعده (8).

قال السيد ابن طاووس رضوان الله تعالی عليه رداً علی أبي علي الجبّائي : ويقال له : إنك ادعيت في تفسيرك أن ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) ليست من القرآن ولا ترونها آية من القرآن ، وهي مئة وثلاث عشرة آية في المصحف الشريف ، تزعمون أنها زائدة وليست من القرآن ، وأن عثمان هو الذي أثبتها فيه علی رأس السور فصلاً بين السورتين ، فهل هذا إلّا اعتراف منك يا أبا علي بزيادتكم أنتم في المصحف الشريف زيادةً لم تكن من القرآن ولا من آية الكريمة (9).

وقال الفخر الرازي : وزعم القاضي أبو بكر أنها من المسائل القطعية قال : والخطأ فيها إن لم يبلغ إلی حد التكفير فلا أقل من التفسيق (10) ، واحتج عليه بأن التسمية لو كانت من القرآن لكان طريق إثباتها إما التواتر أو الآحاد والأول باطل ؛ لأنه لو ثبت بالتواتر كون التسمية من القرآن لحصل العلم الضروري بأنها من القرآن ، ولو كانت كذلك لامتنع وقوع الخلاف فيه بين الأُمة ، والثاني أيضاً باطل ؛ لأن خبر الواحد لا يفيد إلّا الظن ، فلو جعلناه طريقاً إلی إثبات القرآن لخرج القرآن عن كونه حجة يقينية ولصار ذلك ظنيا (11).

محاولة الفخر الرازي اليائسة !

مع أن واقعهم يثبت أن الطريق لقرآنية هذه الآية أصبح ظنياً ، لكنهم لم يلتزموا بواقعهم المخزي ؛ لأنه مخزي ! ولكنه الواقع علی أي حال ، لذا حاول الفخر الرازي دفع إشكال القاضي أبي بكر الباقلاني ، فقال :

والذي عندي فيه أن النقل المتواتر ثابت بأن ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) كلام الله أنزله علی محمد صلّی الله عليه وآله وسلم ، وبأنه مثبت في المصحف بخط القرآن ، وعند هذا ظهر أنه لم يبق لقولنا : إنه من القرآن أو ليس من القرآن فائدة ، إلّا أنه حصل فيها أحكام شرعية هي من خواص القرآن ، مثل أنه هل يجوز للمحدث مسها أم لا ، ومعلوم أنّ هذه الأحكام اجتهادية ، فلما رجع حاصل قولنا : أن التسمية هل هي من القرآن إلی ثبوت هذه الأحكام وعدمها ، وثبت أن ثبوت هذه الأحكام وعدمها أُمور اجتهادية ظهر أنّ البحث اجتهادي لا قطعي ، وسقط تهويل القاضي (12).

أقول : قام الفخر الرازي هنا بمغالطة ، وهي إسراء حكم المتفق عليه إلی محل النزاع ! ، لأننا نعلم بقرآنية البسملة في سورة النمل ( إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) (13) ، ومحل النزاع ليس في أصل قرآنية البسملة وإنما في خصوص البسملة التي كتبت في أوائل السور ، فهل هذه جزء من كل سورة أم لا ؟ ، فلا يقال إن البسملة ثبتت من القرآن بالتواتر ! ، لأن ما ثبت بالتواتر ؛ ليس هو محل النزاع ، إلّا أن يقال بكفاية ثبوت البسملة في موضع واحد ، وهذا غير مقبول البتة ، لأن لازمه أن آيات البسملة هي بالحقيقة آية واحدة ، فنقبل أن آية ( فبأيِّ آلاءِ رَبِّكما تُكذِّبانِ ) مع تكررها في سورة الرحمن هي آية واحدة ! ، ثم من قال : إن التواتر غاية ما يراد منه إثبات نص الآية ، بل نحتاجه لإثبات محل الآية خاصة في البسملة التي بها يعلم نهاية السورة السابقة وبداية السورة اللاحقة ، قسقط تسخيف الرازي !

أبو حنيفة يحذر من الخوض في البسملة !

وتنبه أبو حنيفة ومن تبعه من الأحناف إلی هذه اللوازم ، أو قل للمصائب التي تتولد من اختلافهم في جزئية البسملة ، فآثروا عدم الخوض فيها بدعوی أنّ الخوض فيها يؤول إلی أمر عظيم.

وقال بعض فقهاء الحنفية : تورع أبو حنيفة وأصحابه عن الوقوع في هذه المسألة ؛ لأن الخوض في إثبات أن التسمية من القرآن أو ليست منه أمر عظيم ، فالأُولی السكوت عنه (14).

ولا ريب أن الأمر العظيم هو إلزام أحد الفريقين بتحريف القرآن وإيثارهم السكوت عنه دليل علی الحرج الذي هم فيه.

مهرب فاضح !

وبعد ما تنبه علماؤهم إلی أن هذا الاختلاف نفياً وإثباتاً للآية الكريمة يؤدي ـ علی مبانيهم ـ إلی تكفير ثلة كبيرة من أعاظم علمائهم ، تصيدوا ـ كالعادة ـ مهرباً يقيهم حر التكفير وهو :

واعلم أن الأُمة أجمعت أنه لا يكفر من أثبتها ولا من نفاها ؛ لاختلاف العلماء فيها ، بخلاف ما لو نفی حرفاً مجمعاً عليه أو أثبت ما لم يقل به أحد فإنه يكفر بالإجماع (15).

وهذا الكلام غير مقبول ، لأمرين :

1 ـ فيه دور صريح ؛ لأنه جعل اختلاف العلماء في قرآنية آية مانعاً من الكفر بدليل أنهم اختلفوا فيها !!

2 ـ إن دليلهم في التكفير ليس الإجماع فقط ، بل معارضة الآية الكريمة ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (16) والاختلاف في إثبات آية أو نفيها يلزم منه ـ بزعمهم ـ إنكار أحد الفريقين لمدلول آية الحفظ وهو الكفر !

وعلی أي حال فالشيعة لا يترصدون تكفير الناس بلا ضوابط من شروط وقيود ، فهذا ديدن غيرهم ، ولله الحمد.

الوهابية تتكلم من جديد !

حينما فرغ الوهابي ( عثمان. خ ) من افتراءاته علی الشيعة بتحريف القرآن ، حاول الدفاع عن أهل السنة بقوله : إن الشيعة افتروا علی أهل السنة تحريف القرآن ـ بزعمه ـ لأن أهل السنة حذفوا البسملة في الصلاة ، فقال مستغلاً جهل من حوله : والشيعة ينكرون علی السنة لماذا لا تقولون ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ ) ؟ ، ( جبتم ) ـ كذا ـ آمين ليست من القرآن ، قلتوها جهراً و ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) التي من القرآن ( شلتوها ) ـ كذا ـ من المصحف ؟! (17).

أقول : سبحان الله ! مَن مِن الشيعة استدل بهذا الدليل الفاسد ؟!

ولماذا لم يذكر الوهابي المصدر ؟! أم هو الكذب الذي عوّدنا عليه ؟

الشيعة إنما ألزموا أهل السنة تحريف القرآن عندما أنكروا البسملة في مئة وثلاثة عشر موضعاً من القرآن وهي أوائل السور ، ولا دخل لهذا بقراءتها في الصلاة ؟! لأن قراءة البسملة في الصلاة قد لا تكون واجبة في حين أنها جزء من كل سورة عدا براءة في نظر المصلي ، فلا يقرأها في الصلاة للجواز ، هكذا يدس الوهابي ( عثمان. خ ) لتغيير موضع النقاش ، كان عليه بيان حقيقة الاشكال ومحله لا أن يضحك علی صغار الوهابية من حوله !

وهذا أول غيث الدجل ، وسياتيك غيث الجهل تباعاً كالعادة.

ثم أكمل الوهابي ( عثمان. خ ) كلامه : نقول : أولا أنتم أيضاً حذفتموها !

فهذا محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون إماماً فيستفتح بالحمد ولا يقرأ ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) فقال عليه السلام : لا يضره ولا بأس.

وعن مسمع البصري قال : صليت مع أبي عبد الله عليه السلام فقرأ ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) ثم قرأ السورة التي بعد الحمد ولم يقرأ ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) ثم قام في الثانية فقرأ الحمد ولم يقرأ ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) ثم قرأ بسورة أُخری.

عن الحلبيين عن أبي عبد الله عليه السلام : أنهما سألاه عمن يقرأ ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) حين يقرأ فاتحة الكتاب قال : نعم إن شاء سراً وإن شاء جهراً ، فقالا : فيقرأها مع السورة الأُخری ؟ قال : لا (18).

وهذا كما تری أول غيث الجهل ، لأسباب واضحة وهي :

1 ـ للمرة الألف نعيد ونكرر : إن وجود رواية في كتب الشيعة لا يعني :

قال الشيعة ، فلا معنی لقول الوهابي ( وأنتم أيضاً حذفتوها ) !

2 ـ هذه روايات تتكلم عن حكم قراءة البسملة في الصلاة ولا تتكلم عن جزئيتها من السور ! ، وادعاء الملازمة بينهما من الجهل.

3 ـ الشيعة تحمل الرواية الأُولی والثانية علی أن صدورهما كان تقية والثالثة أن المقصود منها صلاة النافلة ؛ لأن فيها يجوز التبعيض في السورة الثانية ، أي يجوز قراءة بعض آيات من السورة القصيرة في صلاة النافلة ، فلا مانع من حذف البسملة مع حذف أول السورة ، وعليه كيف تدل الرواية علی نفي قرآنية البسملة ؟!!.

وقد عنون صاحب الوسائل الحر العاملي رضوان الله تعالی عليه الباب الذي سرق الوهابي منه الروايات بهذا العنوان : ( باب جاز ترك البسملة للتقية ، وجواز ترك الجهر بها في محل الإخفات ) ، ثم ختم الحر العاملي رضوان الله تعالی عليه هذا الباب بقوله :

أقول : ذكر الشيخ وغيره أن هذه الأحاديث محمولة علی التقية والقرائن في بعضها ظاهرة ، أو علی عدم الجهر بها في محل الإخفات ، أو علی عدم سماع الراوي لها لبعده ، أو علی النافلة لجواز تبعيض السورة فيها بل تركها وسيأتي ما يدل علی الجهر بالبسملة ، وبعض ما تقدم الحمل علی الإنكار.

وهذا كلام أحد أعلام الشيعة وحكاه أيضاً عن شيخ الطائفة عليهما رضوان الله تعالی ، ولكن الوهابي أخذ الروايات وطرح كلمات أعلام الشيعة الموجودة أمام عينيه ، وذكر الروايات علی أنها ( قال الشيعة ) ، وترك كلام الشيعة أنفسهم !!

4 ـ هذه الروايات معارضة بما هو أصرح منها وأقوی دلالة ، ولذلك حملت الأُولی والثانية علی التقية ، والصلاة في الثالثة علی النافلة.

لننقل بعض ما جاء في كتب مراجعنا العظام عليهم تمام الرحمة والرضوان.

قال صاحب الجواهر رضوان الله تعالی عليه : علی أن جميعها لا تأبی الحمل علی النافلة أو الضرورة أو التقية أو نحو ذلك ، بل ربما كان صراحتها ـ خصوصاً نصوص البعض ـ أكبر شاهد علی بعض ما ذكرنا ضرورة معروفية كونه شعار العامة ، كما أن الإكمال من شعار الخاصة ، وربما كان في خبر إسماعيل بن الفضل إشارة إليه ، قال : صلّی بنا أبو عبد الله عليه السلام أو أبو جعفر عليه السلام ، فقرأ بفاتحة الكتاب وآخر سورة المائدة ، فلما سلم التفت إلينا ، فقال : أما إني أردت أن أعلمكم . وكذا خبر سليمان بن أبي عبد الله قال : صليت خلف أبي جعفر عليه السلام ، فقرأ بفاتحة الكتاب وآي من البقرة فجاء أبي فسأل ، فقال : يا بني إنما صنع ذا ليفقهكم وليعلمكم. بل اعتذاره عليه السلام مع سؤاله في الخبر الثاني كالصريح في ذلك (19).

وقال السيد الخونساري رضوان الله تعالی عليه : وفي قبالها أخبار تدل علی عدم الوجوب مثل ما عن الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن علي الحلبي ومحمد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام : أنهما سألاه عمن يقرأ ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) حين يقرأ فاتحة الكتاب قال : نعم ، إن شاء سراً وان شاء جهراً. فقالا : فيقرأها مع السورة الأخری ؟ قال : لا ، لكنها محمولة علی التقية ويشهد لها بعض الأخبار السابقة ، مضافاً إلی إعراض الأصحاب ، مع صحة السند في كثير منها (20).

وقال السيد الخوئي رضوان الله تعالی عليه : وربما يستدل علی عدم الوجوب بصحيحة الحلبيين :

عن أبي عبد الله عليه السلام أنهما سألاه عمن يقرأ ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) حين يريد قراءة فاتحة الكتاب ، قال : نعم إن شاء سراً وإن شاء جهراً ، فقالا : أفيقرأها مع السورة الأُخری ؟ فقال : لا. وهي صريحة في عدم الوجوب لولا الاقتران بالذيل المشتمل علی النهي عن البسملة في السورة الأُخری فإنه يقرب ورودها مورد التقية ، فيمنع عن الاستدلال بها والتفكيك بين الصدر والذيل مشكل كما لا يخفی ، وكيف كان فيكفي في الدلالة علی الاستحباب ما عرفت (21).

وهذه كلمات مراجع الشيعة العظام قدس الله أرواحهم ، ولكن الأعرابي ( عثمان. خ ) حسب أن قراءة أُصول الفقه لأبي زهرة في المعهد الديني كافية لفهم روايات أهل البيت عليهم السلام !

ثم نكص الوهابي علی عقبيه ليهد بيده ما بناه ، وينقض ما نسج !

فقال :

وقال الحر العاملي : ذكر الشيخ ـ يعني الطوسي ـ وغيره أن هذه الأحاديث محمولة علی التقية. انتهت المشكلة ، وهكذا كعادة إسناد ضعيف تقيةً ـ كذا ـ وهذا لاشك من أبطل الباطل ، لماذا ؟ لأن التقية لاتجوز بالبسملة عندهم ، عن جعفر بن محمد عليه السلام قال : التقية ديني ودين آبائي إلّا في ثلاث : في شرب المسكر ، وفي المسح علی الخفين ، وفي ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. وهذا في مستدرك الوسائل (22). فقال بعد هذا قاصداً الشيعة « ما لهم من مخرج ».

أقول : في بداية الأمر استدل المغفل ( عثمان. خ ) بالروايات علی أن الشيعة : حذفت البسملة من القرآن ( !! ) بروايات تتحدث عن البسملة في الصلاة ( !! ) ، ثم رجع ونسخ كلامه بقوله : إن الشيعة لا تأخذ بمضامين هذه الروايات لأنها صدرت علی نحو التقية عندهم !! ، فهاهو يكشف عن كذبه بنفسه ! ، فقد أخبر فيما سبق أن الشيعة تقول : كذا وكذا استناداً علی ما نقله من الروايات ، مع علمه أن الشيعة لا يأخذون بمضامينها !

ولا بأس ببيان حقيقة الرواية التي فرح بها الجاهل وحسب أنه الزم الشيعة عدم اعتقاد صدور الروايتين الأوليين تقية مع اعتقادهم بذلك !

فنقول :

1 ـ للمرة الحادية بعد الألف نكرر : إن وجود الرواية لا يعني : قال الشيعة ! ، فحتی لو كانت صحيحة السند فقد لا يأخذ الفقهاء بها لكونها معارضة بأصح منها أو غير ذلك.

2 ـ لا مصدر لهذه الرواية غير كتاب دعائم الإسلام الذي لم تحرز وثاقة مؤلفه . ومؤلف الكتاب ليس من الشيعة الإمامية !!

3 ـ الرواية التي ركن إليها الجاهل مرسلة ، فلا إسناد لها من مؤلف الكتاب إلی الإمام الصادق عليه السلام ، وبينهما مئات السنين !

4 ـ هذه الرواية المرسلة جاءت صحيحة السند في الكتب الأربعة المعتمدة عند الشيعة بدون الزيادة التي ركن إليها الوهابي (23) ، فلماذا قصر عينه علی المرسلة ؟! أ للجهل أم للخداع ؟! مع أنك لا تجد لهذه الرواية التي فرح بها الوهابي أي موضع قدم بين كلمات فقهاء الشيعة ، حفظ الله الأحياء منهم ورحم الأموات.

نعم قد تذكر في كلماتهم لبيان عوارها وخللها ، كما فعله صاحب الجواهر رضوان الله تعالی عليه :

وكذا ينبغي أن يعلم أيضاً أن الظاهر بقاء حكم التقية في المقام ـ أي في الجهر بالبسملة ـ كغيرها من الأحكام ، ودعوی التواتر بعد عدم ثبوتها عندنا ، فهي بالنسبة إلينا آحاد لا تصلح لمعارضة أدلة التقية المعتضدة بالعقل وغيره ، مع أن المجلسي قد اعترف علی ما حكي عنه بعدم وصول خبر يدل علی ذلك ، إلّا خبر الدعائم : ( روينا عن رسول الله صلّی الله عليه وآله وعن علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم السلام أنهم كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم فيما يجهر فيه بالقراءة من الصلوات في أول فاتحة الكتاب وأول السورة في كل ركعة ويخافتون بها فيما يخافت فيه من السورتين جميعاً.

قال الحسن بن علي : اجتمعنا ولد فاطمة علی ذلك.

وقال جعفر بن محمد عليه السلام : التقية ديني ودين آبائي ، ولا تقية في ثلاث : شرب المسكر والمسح علی الخفين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ) وأنت خبير بقصوره عن الحكومة علی أدلة التقية من وجوه ، فيجب حمله علی ما لا ينافيها أو طرحه كما هو واضح ، مع أنه كما تری مشتمل علی ما هو معلوم خلافه عنهم من الإخفات بها في محل الإخفات ، وكفی به مسقطاً للخبر المزبور عن الحجية ، فتأمل ، والله أعلم (24).

5 ـ لو سلمنا بأن الرواية التي استند إليها الوهابي صحيحة السند ودلالتها غير معارضة ، وسلمنا باعتمادها من قبل علماء الشيعة فهذا لا يعني عدم جواز التقية في الجهر بالبسملة ، فحتی الروايات الصحيحة التي لم تذكر البسملة لا تدل علی عدم جواز التقية في المسح علی الخفين أو شرب النبيذ أو متعة الحج ؛ لأن هذه الروايات مسوقة لبيان أن موضوع التقية في هذه الأُمور غير متحقق في واقع المسلمين في الغالب ، لأن المسح علی الخفين في دين السلطان رخصة ، فقد يمسح عليهما المرء وقد يتركهما فلا مبرر للتقية إذن !

وكذا شرب النبيذ ؛ لأن جوازه اختص به الحنفية ولا يأخذ به كل أهل السنة فلا مبرر فيه للتقية ، والخمر أوضح لأنه حرام عند الجميع ، وكذا متعة الحج يعمل بها أهل السنة فلا مبرر للتقية فيها ، وهذا لا يمنع من أن يتحقق موضوعها في شرب النبيذ مثلا ، كأن يُهدد من لا يشربها بالقتل ، وكذا من لا يمسح علی خفيه.

قال : السيد الخوئي رضوان الله تعالی عليه : ومنها ما رواه ابن أبي عمر الأعجمي عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : ( إن التقية في كل شيء إلّا في شرب المسكر والمسح علی الخفين ) ، والوجه في ذلك ، أي في عدم تشريع التقية في الموردين علی ما قدمناه مفصلاً عدم تحقق موضوعها فيهما ، أما في شرب المسكر فلأنّ حرمته من الضروريات في الإسلام ، وقد نطق بها الكتاب الكريم ، ولم يختلف فيها سني ولا شيعي ، فلا معنی للتقية في شربه. وأمّا في المسح علی الخفين فلأنا لم نعثر فيما بأيدينا من الأقوال علی من أوجبه من العامة ، وإنما ذهبوا إلی جواز كل من مسح الخفين وغسل الرجلين. نعم ذهبت جماعة منهم إلی أفضليته ، كما مرّ ، وعليه فلا يحتمل ضرر في ترك المسح علی الخفين بحسب الغالب. نعم يمكن أن تتحقق التقية فيهما نادراً ، كما إذا أجبره جائر علی شرب المسكر أو علی مسح الخفين ، إلّا أنه من الندرة بمكان ، ولا كلام حينئذ في مشروعية التقية ، فإنّ الرواية المانعة ناظرة إلی ما هو الغالب (25).

حتی إن الشيخ الطوسي رضوان الله تعالی عليه عقد فصلاً في الاستبصار عنونه بجواز التقية في المسح علی الخفين ، ونقل رواية وهي :

عن أبي الورد قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إنّ أبا ظبيان حدثني أنه رأی علياً عليه السلام أراق الماء ، ثم مسح علی الخفين فقال : كذب أبو ظبيان ، أما بلغك قول علي عليه السلام فيكم : سبق الكتاب الخفين ، فقلت : فهل فيهما رخصة ؟ فقال : لا ، إلّا من عدو تتقيه أو ثلج تخاف علی رجليك (26).

ثم ذكر خبر استثناء التقية في المسح علی الخفين وبيّن أنه لا منافاة بينهما لوجوه منها :

أن يكون أراد لا أتقي فيه أحداً إذا لم يبلغ الخوف علی النفس أو المال وإن لحقه أدنی مشقة احتمله ، وإنما يجوز التقية في ذلك عند الخوف الشديد علی النفس أو المال.

إلی هنا تم الكلام عما هرّج به أحد الوهابية ، وقد أطلت الكلام في بيان تهريجه لأمر مهم ، يكرره مثقفو الشيعة دائماً فضلاً عن علمائهم حينما يُعترض عليهم تركهم المجال للوهابية ليسرحوا ويمرحوا مفترين علی مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وهذا الأمر يتلخص في أن الرد علی أُولئك الوهابية يكلف المرء عناءً كبيراً ؛ لأن كلماتهم بعيدة الغور في الجهل ومخدوشة الجوانب ومتآكلة الأطراف كما مر عليك ، والتصدي لمثل هذه المتهالكات والهرطقات يعني الالتزام بشرح علوم أولية في ثنايا الردود ، وعرض قواعدَ هي من مقدمات البحث العلمي ، وهذا ليس إلّا مضيعة للوقت وهدراً للجهد ناهيك عن السرد الطويل لما يعتقده الشيعة ؛ لأن الوهابية ترد علی مخيلتها وتصوراتها السقيمة من غير اطلاع علی كلمات مراجع الشيعة والمحققين منهم ، وهذا المثال الذي ناقشناه سابقاً دليل واضح علی أن المقطع الصغير الذي يتكلم به الوهابي والذي لا يتجاوز الجملتين مليء بالتناقضات وعدم المنهجية والخروج عن البحث وعدم استيعاب الفكرة والنقل المقطّع من المصادر ، مع شيء من الخداع والتدليس بعدم ذكره لأقوال العلماء التي أمام عينيه ، ثم يعود فيذكرها مما يعني عدم وجود الإشكال من الأصل ! وغير ذلك من حشف الكلام وحشوه وأساليب الخطابة المموهة واللامنطقية في الطرح.

فيا لله ! من له هذه الهمة الجبارة ليتتبع كل ما تثرثر به الوهابية علی كثرتها وكثرتهم ؟! ، مع جهلهم المركب الذي يصعب رفعه ، حتی شمخ الجاهل بأنفه وقصد الشيعة في آخر هرجه وتخبطه بقوله : ما لهم مخرج ، فاسمع واضحك !

البسملة عند الشيعة :

أما البسملة عند الشيعة أتباع أهل البيت عليهم السلام ، فننقل قول أحد أعلامهم ، وهو السيد الخوئي رضوان الله تعالی عليه :

هذه من المسائل الخلافية بين الخاصة والعامة ، فالمتسالم عليه بين الخاصة ـ أي الشيعة ـ أنها جزء من كل سورة ، والمشهور بين العامة أنها جزء لخصوص الفاتحة دون سائر السور ، وعلی هذا جرت المصاحف حتی اليوم ، فإنهم يذكرون علامة الآية بعد بسملة الفاتحة دون غيرها من بقية السور وأما البراءة فليست جزءاً منها باتفاق الجميع ، ثم ذكر ما يدله عليه (27).

مشكلة البسملة عند أهل السنة من أين ؟

الطليق معاوية كان يتحری مخالفة أمير المؤمنين عليه السلام في كل ما يقوم به ، وقد عُرف عن الإمام علي عليه السلام جهره بالبسملة حتی في الصلاة الإخفاتية ، فمنع معاوية الجهر بها في الصلاة ، ومضی الأمر إلی أن جعلوا تركها في الصلاة سنة حتی في الفاتحة.

وهذه شهادة نأخذها من أحد علماء أهل السنة وهو الفخر الرازي في تفسيره :

وكان علي بن أبي طالب عليه السلام يقول : يا من ذكره شرف للذاكرين. ومثل هذا كيف يليق بالعاقل أن يسعی في إخفائه ؟ ولهذا السبب نقل أن علياً رضي الله عنه كان مذهبه الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات ، وأقول : إن هذه الحجة قوية في نفسي راسخة في عقلي لا تزول البتة بسبب كلمات المخالفين.

وقال : وأما أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر ، ومن اقتدی في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدی ، والدليل عليه قوله عليه السلام : « اللهم أدر الحق مع علي حيث دار ».

وقال : وهذا يدل علی إطباق الكل علی أن علياً كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.

وقال : إن الدلائل العقلية موافقة لنا ، وعمل علي بن أبي طالب عليه السلام معنا ، ومن اتخذ علياً إماماً لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقی في دينه ونفسه (28).

ونقل عن الشافعي قوله : إنّ معاوية قدم المدينة فصلّی بهم ، ولم يقرأ ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) ، ولم يكبر عند الخفض إلی الركوع والسجود (29) ، فلما سلم ناداه المهاجرون والأنصار : يا معاوية ! سرقت منا الصلاة ، أين ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) ؟! وأين التكبير عند الركوع والسجود ؟! ثم إنه أعاد الصلاة مع التسمية والتكبير ، قال الشافعي : إنّ معاوية كان سلطاناً عظيم القوة شديد الشوكة ، فلولا أن الجهر بالتسمية كان كالأمر المتقرر عند كل الصحابة من المهاجرين والأنصار ، وإلّا لما قدروا علی إظهار الإنكار عليه بسبب ترك البسملة (30).

وقال الفخر الرازي : وهي أن علياً عليه السلام كان يبالغ في الجهر بالتسمية ، فلما وصلت الدولة إلی بني أُمية بالغوا في المنع من الجهر سعياً إلی إبطال آثار علي عليه السلام ، فلعل أنساً خاف منهم ، فلهذا السبب اضطربت أقواله فيه (31).

والحمد الله الذي حبا الشيعة بأئمة أطهار أبرار فاتبعوهم ، قال الفخر الرازي : قالت الشيعة : السنة هي الجهر بالتسمية ، سواء كانت في الصلاة الجهرية أو السرية ، وجمهور الفقهاء يخالفونهم فيه (32) ، اتباعاً لسنة معاوية بن أبي سفيان الطليق ابن الطليق.

الهوامش

1. تفسير القرآن العظيم 1 : 15 ـ 16.

2. نيل الأوطار في شرح منتقی الأخبار 2 : 208 ، ط . الحلبي الثانية ( باب ما جاء في بسم الله الرحمن الرحيم ) ، ولمعرفة اختلاف علماء أهل السنة في البسملة راجع موسوعة الفقة الإسلامي المقارن ، الشهيرة بموسوعة جمال عبد الناصر الفقيه 1 : 94 ـ 97.

3. روح المعاني ، للآلوسي 1 : 39.

4. باعتبار أن أحمد بن حنبل لم يكن من الفقهاء كأئمتهم الثلاثة ، وإنما كان محدثاً يروي الروايات فقط ، لذا قول ابن حنبل دائماً يعبر عنه بـ ( فيه روايتان عن أحمد ).

5. وهذا الوهابي ( عثمان خ ) قد اعترف بلسانه في شريطه ( الشيعة والقرآن ) بأن علماءه اختلفوا في قرآنية البسملة نفياً واثباتاً فقال في الربع الأخير من الوجه الثاني للشريط : ( أما البسملة فلا خلاف بين أهل العلم أن النبي صلِ ـ كذا قالها ـ قرأ ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) في بداية قراءته لبعض سور القرآن ، ولكن الخلاف الذي وقع بينهم هل قرأها النبي صل ـ كذا قالها ـ علی أنها آية من القرآن أو قرأها للتبرك أو وضعت في المصحف للفصل بين السور ) وهذا اعتراف صريح منه بالاختلاف الذي يلزم منه أن شقاً من علمائه محرّف للقرآن بلا ريب ، فانقلب السحر علی الساحر !

6. شعب الإيمان للعلامة البيهقي 2 : 483 ـ 484 ، ح 2330 ـ 2341 ، تحقيق أبي هاجر زغلول ط. دار الكتب العلمية.

7. المغني والشرح الكبير لابن قدامة 1 : 524 ، ط . دار الكتاب العربي . وذكر البيهقي في شعب الإيمان 2 : 438 ـ 439 ، ح 2339 قال : عبد الله بن المبارك : من ترك ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) في فواتح السور فقد ترك مئة وثلاث عشرة آية من القرآن ، وفي ح 2343 بسند آخر : وقال ابن المبارك : من ترك ( بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ) فقد ترك مئة وثلاث عشرة آية من كتاب الله ).

8. المستصفی 1 : 104 ، ط . دار صادر الأميرية.

9. سعد السعود : 145.

10. يقصد أن هؤلاء العلماء الذين اختلفوا في إثبات أو نفي البسملة ، كأبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم لا يخلو الحكم عليهم إما بالكفر أو الفسق ولا ثالث لهما.

11. التفسير الكبير 1 : 195 ، ط . البهية ، مصر.

12. التفسير الكبير 1 : 195 ط البهية ، مصر.

13. النمل : 30.

14. التفسير الكبير 1 : 194 ، ط . البهية في مصر.

15. نيل الأوطار للشوكاني 2 : 208 ، ط . الحلبي الثانية.

16. الحجر : 9.

17. من شريط الشيعة والقرآن ، بداية الربع الأخير من الوجه الثاني.

18. وسائل الشيعة ، الشيخ الحر العاملي 6 : 62 ، ب 12 من أبواب القراءة في الصلاة ، ط. مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم.

19. جواهر الكلام للمحقق النجفي رضوان الله تعالی عليه 9 : 336 ، ط. دار إحياء التراث العربي.

20. جامع المدارك 1 : 336.

21. فقه السيد الخوئي 14 : 416 ، مستند العروة الوثقی للسيد الخوئي رضوان الله عليه 3 : 416 ط . العلمية قم ، وراجع للزيادة مدارك الأحكام للسيد محمد العاملي رضوان الله تعالی عليه 3 : 340 ، ط . مؤسسة أهل البيت لإحياء التراث ، الحدائق الناضرة للمحدث البحراني رضوان الله تعالی عليه 8 : 107 ـ 108 ، ط . دار الأضواء ، فقه الصادق عليه السلام في شرح التبصرة للسيد الروحاني حفظه الله تعالی ، 4 : 285 ـ 286 ، ط . مهر استوار ، وغيرها من كتب استنباط الأحكام.

22. مستدرك الوسائل 1 : 334 ، نقلاً عن كتاب دعائم الإسلام ، كثير من الكتب التي اعتمد عليها صاحب مستدرك الوسائل غير معتمدة عند محققي الشيعة ، لذا لا يصح أخذها من الكتاب بلا تدقيق ، ولكن الوهابي جاهل في كل شيء !

23. وصف الشيعة لكتبهم بالمعتمدة لا يقصد به أن كل ما فيها صحيح ، فهذا ما يحاول الوهابية به خداع عوامهم ، ولننقل بعض تلك الروايات من الكافي :

( عن أبي عمر الأعجمي قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا أبا عمر ، إن تسعة أعشار الدين في التقية ، ولا دين لمن لا تقية له ، والتقية في كل شيء إلّا في النبيذ ، والمسح علی الخفين ). وكذا ( عن محمد بن الفضل الهاشمي قال : دخلت مع إخوتي علی أبي عبد الله عليه السلام فقلنا : إنا نريد الحج وبعضنا صرورة ، فقال : عليكم بالتمتع فإنا لانتقي في التمتع بالعمرة إلی الحج سلطاناً ، واجتناب المسكر ، والمسح علی الخفين ). وكذا ( عن زرارة ، عن غير واحد قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : في المسح علی الخفين تقية ؟ قال : لا يتقی في ثلاثة قلت : وما هن ؟ قال : شرب الخمر ، أو قال : شرب المسكر ، والمسح علی الخفين ، ومتعة الحج ).

( الروايات الثلاث في ضمن هذه المصادر : الكافي 2 : 217 ( باب التقية ) ، 4 : 293 الاستبصار 2 : 151 ، تهذيب الأحكام 5 : 26 ، وج 9 : 114 ، ومن لا يحضره الفقيه 2 : 317 ح 2555 . والمحاسن 1 : 259 ، ح 309 ، والخصال : 22 ، وتحف العقول : 104 ، وراجع وسائل الشيعة 1 : 325 ، 11 : 468 ، 8 : 173 ) ، وكما تری لا أثر للبسملة في هذه الروايات ولا في غيرها إلّا في رواية الوهابي اليتيمة المرسلة ! ومع ذلك يريد الوهابي إلزام الشيعة بها بأنهم لا يعتقدون صدور الروايتين تقية !!.

24. جواهر الكلام 9 : 391.

25. فقه السيد الخوئي 5 : 282.

26. الاستبصار 1 : 77 ، ح 236.

27. فقه السيد الخوئي 14 : 352 مسألة 8.

28. التفسير الكبير 1 : 204 ـ 207 ، ط. البهية ، مصر.

29. لاحظ أنّ صلاة أهل السنة اليوم نسخة عن صلاة معاوية !

30. التفسير الكبير 1 : 204 ، ولكن معاوية استمر علی هذا النهج ، حتی وإن تراجع عنه في المدينة حين تزايدت عليه الصيحات ، فمن يجرؤ علی مخالفته في الشام ؟!

31. التفسير الكبير 1 : 206.

32. نفس المصدر : 307.

مقتبس من كتاب : إعلام الخلف / المجلّد : 2 / الصفحة : 429 ـ 454

 

أضف تعليق

تحريف القرآن

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية