حديث « الغدير »
حديث الغدير ، حديث الولاية الكبرى ، حديث إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضى الربّ تعالى. وهو حديث نزل به كتاب الله المبين ، وتواترت به السنّة النبويّة ، وتواصلت حلقات أسانيده منذ عهد الصحابة والتابعين إلى اليوم الحاضر ، وقد صبّ شعراء الإسلام واقعة الغدير ، في قوالب الشعر ، وهو من أحسن ما أثار قرائحهم الشعريّة وإليك فيما يلي حاصل تلك الواقعة ، وخطبة النبي الأكرم فيها :
أجمع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، الخروج إلى الحجّ في السنة العاشرة من الهجرة ، وأذّن في الناس بذلك ، فقدم المدينة خلق كثير يأتمون به حجّته ، تلك الحجّة التي سميت بحجّة الوداع ، وحجّة الإسلام ، وحجّة البلاغ ، وحجّة الكمال ، وحجّة التمام (1) ، ولم يحجّ غيرها منذ هاجر إلى أن توفّاه الله سبحانه. اشترك معه جموع لا يعلم عددها إلّا الله ، وأقلّ ما قيل إنّه خرج معه تسعون ألفاً ، فلمّا فقضى مناسكه وانصرف ، راجعاً إلى المدينة ، ومعه والذين أتوا من اليمن. فلمّا قضى مناسكه وانصرف ، راجعاً إلى المدينة ، ومعه من كان من الجموع المذكورات ، ووصل إلى الغدير « خم » من الجحفة ، التي تتشعّب فيها طرق المدنيّين والمصريّين والعراقيّين ، وذلك يوم الخميس ، الثامن عشر من ذي الحجّة ، نزل جبرئيل الأمين عن الله تعالى بقوله : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) (2) ، وكان أوائل القوم قريبين من الجحفة ، فأمر رسول الله أن يرد من تقدّم منهم ، ويحبس من تأخّر عنهم ، حتّى إذا أخذ القوم منازلهم ، نودي بالصلاة ، صلاة الظهر ، فصلّى بالناس ، وكان يوماً حارّاً ، يضع الرجل بعض ردائه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدّة الرمضاء ، فلمّا انصرف من صلاته ، قام خطيباً وسط القوم على أقتاب الإبل ، وأسمع الجميع رافعاً عقيرته ، فقال :
« الحمد لله ، ونستعينه ، ونؤمن به ، ونتوكّل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيّئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن أضلّ ولا مضلّ لمن هدى ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمداً عبده ورسوله ، وأنّ جنّته حقّ ، وناره حقّ ، وأنّ الموت حق ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور » ؟.
قالوا : « بلى نشهد بذلك ».
قال : « اللّهم اشهد ». ثمّ قال : « يا أيُّها الناس ، ألا تسمعون ؟ ».
قالوا : « نعم ».
قال : فإنّي فرط على الحَوْض (3) ، فانظروني كيف تَخْلُفوني في الثقلين ».
فنادى مناد : « و ما الثّقلان يا رسول الله ؟ ».
قال : « الثّقل الأكبر ، كتاب الله ، والآخر الأصغر ، عترتي ، وإنّ اللّطيفَ الخبيرَ نبّأني أنّهما لن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فلا تَقَدّموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ».
ثمّ أخذ بيد علي فرفعها ، حتّى رؤي بياض آباطهما ، وعرفه القوم أجمعون ، فقال : « أيّها الناس ، من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ ».
فقالوا : « الله ورسوله أعلم ».
قال : « إنّ الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ».
فمن كنت مولاه ـ يقولها ثلاث مرّات ـ ثمّ قال : « اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وأبغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار ، ألا فليبلغ الشاهد الغائب ».
ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزل أمين وحي الله بقوله :
( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) الآية ، فقال رسول الله : « الله أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ورضى الربّ برسالتي ، الولاية لعلي من بعدي ».
ثمّ أخذ الناس يهنّئون عليّاً ، ومّمن هنّأه في مقدم الصحابة الشيخان أبوبكر وعمر ، كلّ يقول : بخّ بخّ ، لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ، ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.
و قال حسان ، أئذن لي يا رسول الله أن أقول في عليٍّ أبياتاً ، فقال : قل على بركة الله ، فقام حساناً ، فقال :
ناديهم يوم الغدير نبيّهم |
بخُمّ واسمع بالرسول منادياً |
|
فقال فمن مولاكم ونبيّكم |
فقالوا ولم يبدوا هناك التّعاميا |
|
إلهك مولانا وأنت نبيّنا |
ولم تلق منّا في الولاية عاصيا |
|
فقال له قم يا عليّ فإنّني |
رضيتك من بعدي إماماً وهاديا |
|
فمن كنت مولاه فهذا وليّه |
فكونوا له أتباع صدق موالِيا |
|
هناك دعى اللّهم وال وليّه |
وكن للذي عادى عليّا معاديا |
فلمّا سمع النبي أبياته قال : « لا تزال يا حسّان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك » (4).
هذا مجمل الحديث ، في واقعة الغدير ، وقد أصفقت الأمّة على نقله ، فلا نجد حديثاً يبلغ درجته في التواتر والتضافر ، ولا في الإهتمام نظماً ونثراً.
الهوامش
1. تسميتها بالبلاغ وبالتمام والكمال ، لنزول قوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ). وقوله سبحانه : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) سورة المائدة : الآيتان 67 و3 في ذلك الحج.
2. سورة المائدة : الآية 67.
3. أي متقدِّمكم إليه.
4. هذا من أعلام النبوّة ، فقد علم أنّه سوف ينحرف عن إمام الهدى في أخريات أيّامه ، فعلق دعاءه على ظرف استمراره في نصرته. وقد نقل هذه الأبيات عن حسان بن ثابت عدّة من أعلام المؤرّخين والمحدّثين ، وإن حذف من ديوانه ، فحرّفت الكلم عن مواضعها ، ولعب بديوانه كما لعب بكثير من الدواوين ، كديوان الفرزدق ، وديوان كميت ، وديوان أبي فراس ، وديوان كشاجم ، التي حذفت منها ما يرجع إلى مدح أهل البيت ورثائهم.
لاحظ الغدير ، ج 2 ، ص 34 ـ 42.
مقتبس من كتاب : [ الإلهيّات على هدى الكتاب والسّنة والعقل ] / المجلّد : 4 / الصفحة : 82 ـ 85