دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام
حينئذ ، لا بدّ من بيان وجه الإستدلال بهذا الحديث المتواتر قطعاً على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام.
وجه الإستدلال بهذا الحديث يتلخّص في أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد أنْ أخذ منهم الإِقرار وأشهدهم على أنّه أولى بهم من أنفسهم ، مشيراً إلى قوله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) (1) ، مقتضى هذه الآية المباركة كون النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم في كلّ مالهم الولاية عليه ، فأخذ منهم الإقرار على هذا المعنى ، ثمّ فرّع على ذلك بقوله : « فمن كنت وليّه » ويوجد في بعض الألفاظ « فمن كنت أميره » « فعليّ مولاه » « فعليّ وليّه » « فعليّ أميره » إلى آخره ، فأثبت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي ما ثبت له من الأولويّة بالناس من الناس ، أيّ من أنفسهم ، ثمّ إنّهم جميعاً بايعوه على هذا وسلّموا عليه بإمرة المؤمنين ، وهنّأوه ، ونظمت فيه الأشعار.
ومحور الإستدلال بحديث الغدير كلمة « مولى » ، ومجيء هذه الكلمة بمعنى « الأولى » ، وذلك موجود في القرآن الكريم في سورة الحديد ، موجود في الأحاديث النبويّة المعتبرة حتّى في الصحيحين ، موجود في الأشعار العربيّة والإستعمالات الفصيحة.
وحينئذٍ ، يتمّ الإستدلال على ضوء الكتاب والسنّة والإستعمالات العربيّة الصحيحة الفصيحة.
وإذا كان أمير المؤمنين بمقتضى هذا الحديث أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فكلّ من عدا رسول الله ، كلّ من كان مؤمناً عدا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، كان مؤمناً حقيقة أو ادّعي له الإيمان ، فعليّ أولى به من نفسه ، بما فيهم كبار الصحابة ومشايخ القوم و ... إلى آخره.
هذا وجه الاستدلال.
لكن في مقام الإستدلال لا بدّ وأنْ ننتظر ، ولننظر ماذا يقولون في مقابل هذا الإستدلال ، وتلك هي الجهة الثانية.
فتلخص إلى هنا : إنّ حديث الغدير له جذور في القرآن الكريم ، جذور في السنّة النبويّة المعتبرة القطعيّة المتّفق عليها بين الفريقين ، وجذور أيضاً في الأخبار والآثار.
وما أكثر المناشدات والإحتجاجات بحديث الغدير ، من أمير المؤمنين أوّلاً ، ومن الزهراء البتول بضعة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ومن الأئمّة الأطهار ، ومن كبار الصحابة ، والعلماء ، وأيضاً في الأشعار الكثيرة ، من كبار شعراء الصحابة أنفسهم وحتّى القرون المتأخّرة ، فلحديث الغدير هكذا جذور.
ولو أردنا أن ندخل في هذا الباب لطال بنا المجلس ، لأنّ المناشدات وحدها تحتاج إلى أكثر من مجلس في نظري ، واحتجاج الصدّيقة الطاهرة سلام الله عليها بحديث الغدير وهي بضعة رسول الله ، وكونها بضعة رسول الله ليس بالشيء الهيّن.
قول رسول الله : « فاطمة بضعة منّي » هذا الحديث موجود في الصحاح ، ولأجل هذا الحديث نصّ غير واحد من أعلام القوم على أفضليّة الزهراء حتّى من الشيخين ، تعلمون أنّهم يؤخّرون عليّاً عن عثمان ، وعثمان متأخّر عن الشيخين ، ويجعلون الفضيلة والأفضليّة بترتيب الخلافة ، هذا هو المشهور بينهم ، لكنّ الزهراء سلام الله عليها يفضّلها بعضهم على الشيخين ، بمقتضى حديث « فاطمة بضعة منّي » وعندما نصل إلى بحث الصدّيقة الطاهرة سلام الله عليها سأطرح لكم تلك الكلمات ، لأنّها مهمّة للغاية.
فهي الاُخرى أيضاً احتجّت بحديث الغدير.
وهذا كلّه بغضّ النظر عن شواهد حديث الغدير ، فلحديث الغدير شواهد كثيرة في السنّة القطعيّة ، منها حديث الولاية الذي سنبحث عنه في ليلة وقد جعلناه موضوعاً مستقلاً ، سنبحث عنه سنداً ودلالة إن شاء الله تعالى. فهذا هو الحديث.
الهوامش
1. سورة الأحزاب : ٦.
مقتبس من كتاب : [ حديث الغدير ] / الصفحة : 29 ـ 32