حرب أمير المؤمنين عليه السلام
قال الشيخ في « مطلب تكفير من حارب علياً » :
ومنها تكفير من حارب علياً رضي الله عنه ، مرادهم بذلك عائشة وطلحة والزبير وأصحابهم ومعاوية وأصحابه ، وقد تواتر منه ما يدل علىٰ إيمان هؤلاء وكون بعضهم مبشراً بالجنة ، وفي تكفيرهم تكذيب لذلك ، فان لم يصيروا كفرة بهذا التكذيب فلا شك انهم يصيرون فسقة ، وذلك يكفي في خسارتهم في تجارتهم (1).
إن الشيعة حين يكفرون من حارب أمير المؤمنين عليه السلام فانما يقولون ذلك تصديقاً لله ورسوله ، إذ حكم الله ورسوله بكفر من حارب علياً ، ويشهد علىٰ ذلك مجموعة من الأحاديث الشريفة التي أخرجها الأئمة الحفاظ والمحدثون من أهل السنة.
فمن ذلك : قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي عليه لسلام : « من فارقني فقد فارق الله ومن فارقك فقد فارقني » (2).
وعن أبي هريرة قال : نظر النبي إلىٰ علي والحسن والحسين وفاطمة فقال : « أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم » (3).
وعن زيد بن أرقم أن النبي قال لفاطمة وعلي وحسن وحسين : « أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم » (4).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : لما دخل علي رضي الله عنه بفاطمة رضي الله عنها جاء النبي أربعين صباحاً إلىٰ بابها يقول : « السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، الصلاة يرحمكم الله ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ، أنا حرب لمن حاربتم ، أنا سلم لمن سالمتم » (5).
فقد أثبت النبي بهذه الأحاديث الشريفة وأمثالها مما أخرجه الأئمة الأعلام من أهل السنة في كتبهم أن من حارب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أو أحداً من أهل بيته أو فارقهم فقد صار محارباً لرسول الله ، ومن حارب النبي فقد صار محارباً لله تعالىٰ كما هو معلوم بديهة ، ومن حارب الله ورسوله فقد كفر ، بدلالة قوله تعالىٰ : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّـهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (6) ، وقوله تعالىٰ : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (7).
وقد خرجت عائشة أُم المؤمنين وطلحة والزبير ومن معهم علىٰ جماعة المسلمين وإمامهم الشرعي ، فوقعوا تحت حكم المفارقين للجماعة المفرقين لشمل المسلمين ، الذين وصفهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في عدد من الأحاديث الشريفة ، نذكر منها :
1 ـ عن أُسامة بن شريك قال : قال رسول الله : « من فرّق بين أُمتي وهم جميع فاضربوا رأسه كائناً من كان » (8).
2 ـ عن زياد بن علاقة أنه سمع عرفجة ، سمع النبي يقول : « إنها ستكون هناة وهناة ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأُمة وهم جميع فاضربوا رأسه بالسيف كائناً من كان » (9).
3 ـ عن أبي هريرة ، عن النبي أنه قال : « من خرج من الطاعة ، وفارق الجماعة ، فمات ، مات ميتة جاهلية . ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية أو يدعو إلىٰ عصبية فقُتل ، فقتلة جاهلية ، ومن خرج علىٰ أُمتي يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاش من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه » (10).
4 ـ عن ابن عباس يرويه قال : قال رسول الله : « من رأىٰ من أميره شيئاً يكرهه فليصبر ، فانه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهلية » (11).
5 ـ عن ابن عمر : سمعت رسول الله يقول : « من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية » (12).
فهؤلاء المذكورون قد خرجوا علىٰ جماعة المسلمين وإمامهم بحجج واهية رغم تحذير النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وكونهم من الصحابة لا يكفي لنجاتهم ، لما أخبر به النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عن هلاك جم غفير من أصحابه كما سبق وذكرنا في حديث الحوض الذي تقدم في فصل الصحابة.
وأما معاوية وأصحابه ، فيكفي أن نذكر قول النبي في عمار بن ياسر رضي الله عنه : « يا ويح عمار تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلىٰ الجنة ويدعونه إلىٰ النار » (13).
فقد أثبت النبي في هذا الحديث المتفق عليه أن قاتلي عمار من أهل النار ، لأن أهل الجنة لا يدعون إلىٰ النار ، ومعلوم أن معاوية وفئته الباغية هم قتلة عمار رضي الله عنه.
أما إدعاء البعض باجتهاد هؤلاء ، فعذر لا تقوم به حجة ، وقد بسطت القول في هذا الموضوع في كتابي الصحوة ، فليراجع.
وأما القول بأن بعض هؤلاء مبشر بالجنة ، فذلك يناقض الأحاديث الصحيحة التي وردت في بيان مآلهم ، إذ أن الأحاديث الواردة في فضل هؤلاء موضوعة ، اختلقتها أجهزة معاوية الدعائية لتضليل المسلمين ، وقد حققت في ذلك نجاحاً كبيراً.
وبالنسبة لأُم المؤمنين عائشة ، فان كونها زوجة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لا يكفي لنجاتها ، والأحاديث الواردة في تبشيرها برفقة النبي في الجنة موضوعة أيضاً ، وهي تصادم كتاب الله ، وقد أثبت الكتاب العزيز أن زوجتي نوح ولوط عليهما السلام كانتا من الهالكين ولم ينجهما أنهما زوجتا نبيين ، وذلك في قوله تعالىٰ في سورة التحريم التي تضمنت الآيات المشحونة بالتهديد والوعيد لكل من عائشة وحفصة اللتين تظاهرتا علىٰ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فقال عز من قائل : ( ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (14).
وقد حذّر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عائشة من مغبة الخروج في حديث الحوأب المشهور ، فقامت عليها الحجة ، ولكنها رغم ذلك ركبت رأسها وهتكت الحجاب الذي فرضه الله تعالىٰ عليها ، وأشعلت نار الحرب بين المسلمين حتىٰ أُريقت بسببها دماء الآلاف منهم في حرب الجمل.
افضلية أمير المؤمنين عليه السلام :
قال الشيخ ابن عبد الوهاب في « مطلب فضل الإمام علي » :
ومنها أنه قال إبن المطهر الحلي : اجتمعت الامامية علىٰ أن علياً بعد نبينا أفضل من الأنبياء غير أُولي العزم وفي تفضيله عليهم خلاف ، قال : وأنا من المتوقفين في ذلك وكذلك الأئمة من آله. وقال الطوسي في تجريده : وعلي أفضل الصحابة لكثرة جهاده. إلىٰ أن قال : وظهور المعجزات عنه واختصاصه بالقرابة والأخوة ووجوب المحبة والنصرة ومساواة الانبياء. وقال الشارح : ويؤيده قوله : « من أراد أن ينظر إلىٰ آدم في علمه وإلىٰ نوح في تقواه وإلىٰ إبراهيم في حلمه وإلىٰ موسى في هيبته وإلىٰ عيسىٰ في عبادته ، فلينظر إلىٰ علي بن أبي طالب ». فانه أوجب مساواته الأنبياء في صفاتهم. انتهى. وفي صحة هذا نظر ، وبعد فرض صحته لا يوجب المساواة ، لان المشاركة في بعض الأوصاف لا تقتضي المساواة كما هو بديهي ، ومن اعتقد في غير الأنبياء كونه أفضل منهم ومساوياً لهم فقد كفر ، وقد نقل علىٰ ذلك الاجماع غير واحد من العلماء ، فأي خير في قوم اعتقادهم يوجب كفرهم (15).
لا أدري ما الذي يستوجب الكفر في اعتقاد أفضلية أمير المؤمنين ، والحديث الذي استشهد به الشيخ موجود في كتب أهل السنة ودلالته واضحة ، كما أن الاجماع الذي يدعيه الشيخ ابن عبد الوهاب لا يستند علىٰ دليل نقلي ثابت ، بل علىٰ العكس ، فان أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام علىٰ جميع البشر عدا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ثابتة في القرآن والسنة النبوية المطهرة.
فمن الكتاب :
أخرج الامام مسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسب أبا التراب ؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله فلن أسبه ، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ، سمعت رسول الله يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله : « أما ترضىٰ أن تكون مني بمنزلة هارون من موسىٰ إلّا أنه لا نبوة بعدي » ، وسمعته يقول يوم خيبر : « لأُعطي الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله » ، قال : فتطاولنا فقال : « ادعوا لي علياً » ، فأتي به أرمد ، فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه ، ولما نزلت هذه الآية : ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) دعا رسول الله علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : « اللهم هؤلاء أهلي » (16).
قال العلامة الحلي قدس سرّه : واتفق المفسرون كافة علىٰ أن الأبناء إشارة إلىٰ الحسن والحسين عليهما السلام ، والنساء إشارة إلىٰ فاطمة عليها السلام ، والانفس إشارة إلىٰ علي عليه السلام ، ولا يمكن أن يقال أن نفسيهما واحدة فلم يبق المراد من ذلك إلّا المساوي ، ولا شك في أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أفضل الناس ، فمساويه كذلك أيضاً (17).
ومن السنة النبوية
1 ـ عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : كنت أنا وعلي رفيقين في غزوة ذي العشيرة ، فلما نزلها رسول الله وأقام بها رأينا ناساً من بني مدلج يعملون في عين لهم في نخل ، فقال لي علي : يا أبا اليقظان هل لك أن تأتي هؤلاء فننظر كيف يعملون ؟ فجئناهم فنظرنا إلىٰ عملهم ساعة ثم غشينا النوم ، فانطلقت أنا وعلي فاضطجعنا في صور من النخل في دقعاء من التراب فنمنا ، فوالله ما أيقظنا إلّا رسول الله يحركنا برجله وقد تتربنا من تلك الدقعاء ، فقال رسول الله : « يا أبا تراب » لما يرىٰ عليه من التراب ، فقال رسول الله : « ألا أُحدثكما بأشقىٰ الناس رجلين ؟ » قلنا : بلىٰ يا رسول الله ، قال : « أُحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك يا علي علىٰ هذه ـ يعني قرنه ـ حتىٰ تبتل هذه من الدم ـ يعني لحيته ـ » (18).
فإذا أخبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أن قاتل أمير المؤمنين عليه السلام هو أشقىٰ الآخرين ، فهذا يعني أن له منزلة عظيمة عند الله تعالىٰ لا تضاهيها حتىٰ منزلة بعض الأنبياء الذين قُتلوا كيحيىٰ بن زكريا عليهما السلام وغيره من أنبياء بني إسرائيل ، إذ لم يخبرنا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أن قتلة هؤلاء الأنبياء هم من أشقىٰ الناس ، مما يدل علىٰ أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام حتىٰ علىٰ أُولئك الأنبياء عليهم السلام.
2 ـ كما جاء في الحديث الشريف أن عيسىٰ عليه السلام ـ وهو من الأنبياء من أُولي العزم ـ يصلي خلف الإمام المهدي عليه السلام ، وهو الإمام الثاني عشر من المعصومين عند الشيعة الامامية ، وبما أن أهل السنّة يستدلّون بصلاة أبي بكر في مرض النبي صلّى الله عليه وآله علىٰ أفضليته ، فنحن نعتقد أن الامام المهدي عليه السلام ينبغي أن يكون أفضل من عيسىٰ عليه السلام الذي يأتمّ بصلاته.
الهوامش
1. رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : 26.
2. المستدرك 3 / 123 ، تاريخ دمشق 42 / 307.
3. مسند أحمد 2 / 442 ، المستدرك 3 / 149 ، المعجم الكبير 3 / 30 ، مجمع الزوائد 9 / 169.
4. سنن الترمذي 5 / 699 ، سنن ابن ماجة 1 / 52 ، كنز العمال 13 / 640.
5. تفسير الطبري 22 / 5 ، تاريخ بغداد 10 / 78 ، الدر المنثور 6 / 606.
6. سورة التوبة : 61.
7. سورة المائدة : 33.
8. سنن النسائي 2 / 166 ، كتاب السنة لابن أبي عاصم : 512 ، وصححه الألباني.
9. مسند الطيالسي : 1224 ، صحيح مسلم 3 / 1479 ، سنن النسائي 2 / 166 ، مسند أحمد 5 / 23 ـ 24 ، كتاب السنة : 512 وصححه الألباني.
10. صحيح مسلم 3 / 1476 ـ 1478 كتاب الامارة ، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج علىٰ الطاعة ومفارقة الجماعة.
11. المصدر السابق.
12. المصدر السابق.
13. صحيح البخاري 1 / 122 باب بناء المسجد ، صحيح مسلم 4 / 2236 ، مسند أحمد 3 / 91 ، المستدرك 3 / 387 ، سنن البيهقي 8 / 189.
14. سورة التحريم : 10.
15. رسالة في الردّ علىٰ الرافضة : 28 ـ 29.
16. صحيح مسلم 4 / 1871 كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل علي بن أبي طالب رضياللهعنه ، سنن الترمذي 5 / 638.
17. كشف المراد في شرح الاعتقاد : 385.
18. المستدرك 3 / 141 وقال هذا حديث صحيح علىٰ شرط مسلم ووافقه الذهبي ، مسند أحمد 4 / 263 ، سيرة ابن هشام 2 / 249 ، الطبقات الكبرىٰ 2 / 10 ، وغيرها من الصادر.
مقتبس من كتاب : لا تخونوا الله والرسول / الصفحة : 169 ـ 179