زواج المتعة
من الأحكام الشرعيّة ، والتي يطعن فيها خصوم الشيعة الزواج المؤقّت ـ المتعة ـ. ومع أنّ الأدلّة على جواز هذا النوع من الزواج بل فعله من قبِل الصحابة بعد أنْ شرّعه الله تعالى رحمة للمؤمنين والمؤمنات.
ولقد أكدّت الروايات الصحيحة على العمل في هذا الحكم في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وفي عهد أبي بكر ، ونصفاً من خلافة عمر ، حتّى منعه عمر بن الخطّاب ، ممّا يدلّ دلالة قاطعة على أنّ هذا الزواج بقي مباحاً بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وعُمل به في عهد أبي بكر وعمر ، فلم ينزل فيه تحريم ، وهذا ما تقرّره الأدلّة من عند خصوم الشيعة ، وإنّما عمر هو الذي نهى عنه وعاقب عليه.
قال تعالى في سورة النساء : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (1).
روى القرطبي في تفسيره قال : قال الجمهور : المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام. وقرأ ابن عبّاس ، وأبي ، وابن جبير [ إلى أجل مسمّى ] ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (2).
وقال السيوطي في الدرّ المنثور : أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن الأنباري في المصاحف ، والحاكم وصحّحه ، من طرق عن أبي نضرة قال : قرأت على ابن عبّاس : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) قال ابن عبّاس : ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى ). فقلت : ما نقرؤها كذلك ! فقال ابن عبّاس : والله لأنزلها الله كذلك (3).
وقال السيوطي في الدرّ المنثور : أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة قال : في قراءة أبي بن كعب ( فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى ) (4).
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف ، عن سعيد بن جبير قال : في قراءة أبي ابن كعب ( فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى ) (5).
وأخرج عبد الرزاق ، عن عطاء : أنّه سمع ابن عبّاس يقرؤها ( فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فآتوهن أجورهنّ ) وقال ابن عبّاس : في حرف أبي ( إلى أجل مسمى ) (6).
وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن مجاهد : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ ) قال : يعني نكاح المتعة (7).
وأخرج ابن المنذر من طريق عمّار مولى الشريد قال : سألت ابن عبّاس عن المتعة : أسفاح هي أم نكاح ؟ فقال : لا سفاح ولا نكاح. قلت : فما هي ؟! قال : هي المتعة كما قال الله. قلت : هل لها من عدّة ؟ قال : نعم. عدّتها حيضة. قلت : هل يتوارثان ؟ قال : لا (8).
وروى الطبري في تفسيره عن السدّي : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ). فهذه المتعة ، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمّى ، ويشهد شاهدين ، وينكح بإذن وليّها ، وإذا انقضت المدّة فليس له عليها سبيل ، وهي منه بريّة ، وعليها أنْ تستبرئ ما في رحمها ، وليس بينهما ميراث ، ليس يرث واحد منهما صاحبه (9).
وروى الطبري في تفسيره عن مجاهد : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ ) قال : يعني نكاح المتعة (10).
روى أحمد في مسنده ، عن عمران بن حصين أنّه قال : تمتّعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، فلم ينهنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك عنها ، ولم ينزل من الله عزّ وجلّ فيها نهي (11).
وروى مسلم في صحيحه ، عن غنيم بن قيس قال : سألت سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه عن المتعة ؟ فقال : فعلناه. وهذا يومئذ كافر بالعرش. يعني بيوت مكّة (12).
وممّا يدلّ على أنّها كانت حلالاً ، ولم تزل كذلك ، حتّى قام عمر بن الخطاب بعد نصفاً من مدّة خلافته ، الروايات الواردة ، وكذلك كلام أئمّة الفقه عند العامّة ، وإليك بعضٌ منها.
قال في بداية المجتهد ونهاية المقتصد : اشتهر عن ابن عباس تحليلها ، وتبع ابن عبّاس على القول بها أصحابه من أهل مكّة ، وأهل اليمن ، ورووا أنّ ابن عبّاس كان يحتجّ لذلك لقوله تعالى ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) وفي حرف عنه إلى أجل مسمّى ، وروى عنه أنّه قال : ما كانت المتعة إلا رحمة من الله عزّ وجلّ رحم بها أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، ولولا نهي عمر عنها ما اضطرّ إلى الزنا إلا شقي. وهذا الذي روي عن ابن عبّاس رواه عنه ابن جريح وعمرو بن دينار. وعن عطاء قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : تمتّعنا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر ونصفاً من خلافة عمر. ثمّ نهى عنها عمر الناس (13).
وقال السيوطي في الدرّ المنثور : أخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، من طريق عطاء ، عن ابن عبّاس قال : يرحم الله عمر ، ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمّة محمّد ، ولولا نهيه عنها ، ما احتاج إلى الزنا إلا شقيّ ، قال : وهي التي في سورة النساء ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ ) إلى كذا وكذا من الأجل ، على كذا وكذا ، قال : وليس بينهما وراثة ، فإنْ بدا لهما أنْ يتراضيا بعد الأجل فنعم ، وإنْ تفرقا فنعم ، وليس بينهما نكاح. وأخبر أنّه سمع ابن عبّاس يراها الآن حلالا (14).
وروى مسلم في صحيحه ، عن أبي نضرة قال : كان ابن عبّاس يأمر بالمتعة.
وكان ابن الزبير ينهى عنها. قال : فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله. فقال : على يدَيَّ دارَ الحديثُ. تمتعنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فلمّا قام عمر قال : إنّ الله كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء وإنّ القرآن قد نزل منازله ، فأتمّوا الحجّ والعمرة لله ، كما أمركم الله ، وأبتّوا نكاح هذه النساء ، فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل ، إلا رجمته بالحجارة (15).
وروى البخاري في صحيحه ، عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : تمتّعنا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فنزل القرآن ، قال رجل برأيه ما شاء (16).
وروى في كنز العمال عن جابر قال : تمتّعنا متعة الحجّ ، ومتعة النساء على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فلمّا كان عمر نهانا فانتهينا (17).
وروى أحمد في مسنده ، عن أبي نضرة قال : قلت لجابر بن عبد الله : إنّ : ابن الزبير ينهى عن المتعة ، وإنّ ابن عبّاس يأمر بها ، قال : فقال لي : على يدي جرى الحديث ، تمتّعنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، قال عفّان : ومع أبي بكر ، فلمّا ولي عمر ، خطب الناس فقال : إنّ القرآن هو القرآن ، وإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو الرسول ، وإنّهما كانتا متعتان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، إحداهما متعة الحجّ ، والأخرى متعة النساء (18).
وروى أحمد في المسند ، عن جابر بن عبد الله قال : تمتّعنا متعتين على عهد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، الحجّ والنساء ، فنهانا عمر عنها فانتهينا (19).
وروى أحمد في المسند عن بهز وعفّان قالا : ثنا همّام ، عن قتادة ، عن مطرف قال : قال عمران بن حصين : تمتّعنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وأنزل فيها القرآن قال عفّان : ونزل فيه القرآن ، فمات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم ينه عنها ولم ينسخها شيء ، قال رجل برأيه ما شاء (20).
وروى في كنز العمال ، عن عمر بن الخطّاب قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، أنهى عنهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ، ومتعة الحجّ (21).
وروى في كنز العمال ، عن أبي قلابة : أنّ عمر قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، أنا أنهى عنهما ، وأضرب فيهما (22).
وقال السرخسيّ في المبسوط : وقد صحّ أنّ عمر نهى الناس عن المتعة ، فقال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وأنا أنهي الناس عنهما ، متعة النساء ، ومتعة الحج (23).
وبهذا العرض المختصر يتبيّن أنّ الشيعة ، أتباع أهل البيت عليهم السلام ، لم يبيحوا المتعة إلا لأنّ الله تعالى شرّعها ، وأقرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بفعلها.
فالمتعة هي حكم شرعيّ له عشرات الأدلّة من عند من يطعنون على الشيعة ، فمذهب الخصوم أدلّ على صحّة ما عليه الشيعة كما استعرضنا.
وأمّا الروايات التي تقول بتحريمها ، فهي روايات متناقضة ومختلفة ولا تصلح للاستدلال على التحريم خصوصاً بعد دلالة القرآن القطعية على حلية المتعة وكذا فإنّ الروايات التي تؤكّد أنّ المنع جاء من عمر بن الخطاب ، أيضاً قطعيّة ، فلا يمكن أنْ يحتجّ بتلك المتناقضات المضطربة ، ولا يمكن تقديمها على القطعيّ من الأدلّة.
الهوامش
1. النساء : 24.
2. تفسير القرطبي 5 : 130.
3. الدر المنثور 2 : 140.
4. الدرّ المنثور 2 : 140.
5. نفس المصدر السابق.
6. نفس المصدر السابق.
7. نفس المصدر السابق.
8. الدرّ المنثور 2 : 141.
9. تفسير الطبري 5 : 18.
10. نفس المصدر السابق.
11. مسند أحمد 4 : 438.
12. صحيح مسلم 4 : 47.
13. بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2 : 47.
14. الدرّ المنثور 2 : 141.
15. صحيح مسلم 4 : 38.
16. صحيح البخاري 2 : 153 ، وأنظر صحيح مسلم 4 : 48.
17. كنز العمّال 16 : 520 عن ابن جرير.
18. مسند أحمد 1 : 52.
19. مسند أحمد 4 : 429.
20. مسند أحمد 4 : 429.
21. كنز العمّال 16 : 519 ، عن أبي الصالح كاتب الليث في نسخته ، والطحاوي.
22. كنز العمّال 16 : 521 ، عن ابن جرير وغيره.
23. المبسوط 4 : 27.
مقتبس من كتاب : نهج المستنير وعصمة المستجير / الصفحة : 459 ـ 465