خلافة هارون قاتل الإمام الكاظم عليه السلام
1 ـ عزله أخوه فقتلته أمه ونصبت هاروناً خليفة
قال اليعقوبي في تاريخه : 2 / 405 : « وشجرت بين موسى وبين أخيه الوحشة ، فعزم على خلعه وتصيير ابنه جعفر ولي العهد ، ودعا القواد إلى ذلك فتوقف عامتهم وأشاروا عليه أن لا يفعل ، وسارع بعضهم وقووا عزيمته في ذلك ، وأعلموه أن الملك لا يصلح إن صار إلى هارون . وقد كان موسى وجه به ( محمد بن فروخ الأزدي ) في جيش كثير يستنفر من بالجزيرة والشام ومصر والمغرب ، يدعو الناس إلى خلع هارون ، فمن أبى جرد فيهم السيف ...
وأخذ موسى يحيى بن برمك فحبسه وأشرف عليه بالقتل عدة مرار ، فحدثني بعض المشايخ عن يحيى بن خالد قال : حبسني موسى بسبب الرشيد وتربيتي إياه ومكاني معه ، وكان الرشيد دُفع إلينا مولوداً في الخرق فغذته ثديّ نسائنا ورُبي في حجورنا ، فقال : بلغني أنك تروض هارون للخلافة ، ونفسك للوزارة ، والله لآتين على نفسه ونفسك قبل ذلك ! وحبسني في بيت ضيق لا أقدر أن أمد رجلي فيه ، فأقمت أياماً ، فأنا ليلة في حبسي على تلك الحال إذ بالأبواب تفتح فقلت : تذكرني فأراد قتلي ! وسمعت كلام الخدم فارتعت لذلك ، ففُتح علي الباب وأنا أتشهد فقيل لي : هذه السيدة يعنون الخيزران ، فخرجت فإذا بها واقفة على الباب ، فقالت : إن هذا الرجل قد خَفَتَ منذ الليلة وأحسبه قد قضى ، فتعال انظره ! فازداد جزعي وطامتي . وقالت : كما أقول ! فجئت فوجدته محول الوجه إلى الحائط ، وقد قضى ! فمضيت إلى هارون حتى أخرجته من الموضع الذي كان فيه محبوساً ، فأصبح القواد فبايعوا ، وأصبحت أدبِّر الملك » !
« وأمر الهادي ألا يُسَارَ قُدام الرشيد بحربة ، فاجتنبه الناس وتركوه ، فلم يكن أحد يجترئ أن يسلم عليه ولا يقربه ... واشتد غضبه منه وضيق عليه . قال يحيى لهارون : استأذنه في الخروج إلى الصيد فإذا خرجت فاستبعد ودافع الأيام فرفع هارون رقعة يستأذن فأذن له فمضى إلى قصر مقاتل فأقام به أربعين يوماً حتى أنكر الهادي أمره وغمه احتباسه ، وجعل يكتب إليه ويصرفه فتعلل عليه حتى تفاقم الأمر وأظهر شتمه وبسط مواليه وقواده ألسنتهم » . ( الطبري : 6 / 423 ، و 425 ) .
« سمعت خالصة تقول للعباس بن الفضل بن الربيع : بعث موسى إلى أمه الخيزران بأرزَّة وقال : استبطتها فأكلت منها ، فكلي منها ! قالت خالصة فقلت لها : أمسكي حتى تنظري ، فإني أخاف أن يكون فيها شئ تكرهينه ، فجاؤوا بكلب فأكل منها فتساقط لحمه ! فأرسل إليها بعد ذلك : كيف رأيت الأرزَّة ؟ فقالت : وجدتها طيبة ! فقال : لم تأكلي ، ولو أكلت لكنت قد استرحت منك » !
« قال وحدثني بعض الهاشميين : أن سبب موت الهادي أنه لما جد في خلع هارون والبيعة لابنه جعفر ، وخافت الخيزران على هارون منه ، دسَّت إليه من جواريها لما مرض من قتله بالغم والجلوس على وجهه ، ووجهت إلى يحيى بن خالد : إن الرجل قد توفي ، فاجدد في أمرك ولا تقصر » ! ( الطبري : 6 / 422 ) . « وقد كان الهادي عزم تلك الليلة على قتله وقتل هارون الرشيد » . ( النهاية : 10 / 171 ) .
« جاء يحيى بن خالد إلى الرشيد وهو نائم في لحاف بلا إزار ، لما توفي موسى ، فقال : قم يا أمير المؤمنين ! فقال له الرشيد : كم تروعني إعجاباً منك بخلافتي ، وأنت تعلم حالي عند هذا الرجل ، فإن بلغه هذا فما تكون حالي ؟! فقال له هذا الحراني وزير موسى وهذا خاتمه ! قال : فقعد في فراشه فقال أشر عليَّ !
قلد الرشيد يحيى بن خالد الوزارة وقال له : قد قلدتك أمر الرعية وأخرجته من عنقي إليك ، فاحكم في ذلك بما ترى من الصواب واستعمل من رأيت واعزل من رأيت ، وأمض الأمور على ما ترى ودفع إليه خاتمه » . ( الطبري : 6 / 443 ) .
وأول ما قام به هارون أنه أجبر ابن أخيه جعفر على بيعته ، وهو الذي كان أبوه أخذ له البيعة بولاية عهده ! « فلما توفى الهادي هجم خزيمة بن خازم في تلك الليلة فأخذ جعفراً من فراشه ، وكان خزيمة في خمسة آلاف من مواليه معهم السلاح ، فقال : والله لأضربن عنقك أو تخلعها ! فلما كان من الغد ركب الناس إلى باب جعفر ، فأتى به خزيمة فأقامه على باب الدار في العلو ، والأبواب مغلقة فأقبل جعفر ينادي : يا معشر المسلمين من كانت لي في عنقه بيعة فقد أحللته منها ، والخلافة لعمي هارون ، ولا حقَّ لي فيها » ! ( تاريخ الطبري : 6 / 443 ) .
ثم قتل هارون القائد الذي كان يمشي مع ابن أخيه ولي العهد : « وقدَّم أبا عصمة فضرب عنقه وشدَّ جمته في رأس قناة ودخل بها بغداد ، وذلك أنه كان مضى هو وجعفر بن موسى الهادي راكبين فبلغا إلى قنطرة من قناطر عيساباذ ، فالتفت أبو عصمة إلى هارون فقال له : مكانك حتى يجوز ولي العهد ! فقال هارون : السمع والطاعة للأمير ! فوقف حتى جاز جعفر ، فكان هذا سبب قتل أبي عصمة » ( الطبري : 6 / 443 ) .
وكانت هذه الأحداث في أوائل سنة 170 هجرية ، وعمر الرشيد 22 سنة .
( الطبري : 6 / 441 ) وَحَكَمَ نحو 23 سنة ، ومات سنة193 . ( الطبري : 6 / 528 ) .
2 ـ الفردية المُفْرِطة عند هارون !
1 ـ يعتبر عهد هارون قمة الصعود والازدهار المادي للدولة الإسلامية حيث كانت أقوى دولة في عصرها ، في قوتها العسكرية والإقتصادية ، وفي مدنيتها ونهضة العمران والعلوم فيها . لكن ما أن أغمض الرشيد عينيه حتى بدأ عصر الضعف بالحرب بين ولديه ، ومع أن المأمون سيطر وقتل أخاه ، لكن الدولة أخذت بالإنقسام والضعف .
2 ـ والسبب في هذا المسار النزولي أن تلك الدولة كانت تحمل بذور ضعفها في طبيعة نظامها ، وفي نمط الإدارة الذي يعمل به الخليفة وجهازه !
فقد قام نظام الخلافة على الفردية العنيفة ، واستغلال العامل الديني في اضطهاد المسلم وسلبه حقوقه ، بعيداً عن التقنين ، وعن قيم الإسلام واحترام الإنسان !
وهكذا كان مجتمع العالم كله يومذاك ، الروم والفرس والصين والهند وبقية الشعوب ، كانت أمور مجتمعاتهم ودُوَلهم تقوم على قاعدة العصبة القبلية وقانون الغلبة ، ويخضعون لنظام حكم الفرد الغالب ، والأسرة الغالبة .
وقد حكم هارون كغيره من أسلافه بفردية مفرطة متقلبة !
فبدأ عهده برد جميل أمه ويحيى عليه ، فكان ينفذ رغباتها في إدارة الدولة ، وجعل البرمكي رئيس وزرائه وقال له : « قلدتك أمر الرعية وأخرجته من عنقي إليك فاحكم في ذلك بما ترى من الصواب ، واستعمل من رأيت واعزل من رأيت ، وأمض الأمور على ما ترى . ودفع إليه خاتمه » . ( الطبري : 6 / 443 ) .
لكن فردية هارون كانت متغيرة ، والعناصر الثابتة في تفكيره وقراراته قليلة ، والعناصر الدخيلة في إقناعه كثيرة !
3 ـ قال خليفة بن خياط في تاريخه / 382 : « مات موسى وعلى شرطه عبد الله بن مالك فأقره هارون ، ثم عزله . وولى عبد الله بن خازم بن خزيمة ، ثم عزله . وولى إبراهيم بن عثمان بن نهيك ثم قتله وولى ابنه وهب بن إبراهيم وسماه وهب بن عثمان وطرح اسم إبراهيم ، فمات هارون وهو على شرطه .
كاتب الرسائل : إسماعيل بن صبيح من أهل حران ، وكتب له يحيى بن سليم .
الديوان والخراج والجند : أبو صالح ، فضم ذلك إلى إسماعيل بن صبيح .
الخاتم : جعفر بن محمد بن الأشعث ، ثم ولاه خراسان ، ودفع الخاتم إلى حمزة بن مالك ، ثم دفعه إلى أبي العباس الطوسي ، فمات أبو العباس فصار الخاتم إلى يحيى بن خالد بن برمك ، ثم صار إلى جعفر بن يحيى ، ثم رده إلى يحيى بن خالد ، ثم صار في يد أمير المؤمنين هارون .
الحرس : جعفر بن محمد بن الأشعث ، ثم عبد الله بن مالك ، ثم علي بن عيسى بن ماهان ، ثم صير الحرس إلى جعفر بن يحيى بن خالد فولى جعفر صالح بن شيخ بن عمير ، ثم ولى جعفر هرثمة بن أعين فأقره هارون .
حاجبه : بشر بن ميمون مولاه ثم محمد بن خالد بن برمك ثم الفضل بن الربيع .
وكان وزيره وصاحب أمره كله : يحيى بن خالد بن برمك . ثم ابنه جعفر بن يحيى ، ثم قتله فصار الفضل بن الربيع » .
وهناك شخصيات عديدة لها تأثير على هارون ، ابتداء من أخواته وأبنائه وبناته وجواريه ، الى وزراء وثق بهم مثل : يعقوب بن داود ، وعلي بن يقطين ، وجعفر بن محمد بن الأشعث ، وأبي يوسف القاضي ، وغيرهم .
4 ـ يتوقف فهم تاريخنا الإسلامي على فهم الفردية المفرطة للخلفاء ! فلكي نفهم مثلاً سجن الإمام الكاظم عليه السلام وقتله ، يجب أن تعرف تصور هارون للأمر ، ثم هل أثَّر عليه أحدٌ من وزرائه ومشاوريه وأقنعه بذلك !
ولتقريب الموضوع : فقد ثار العلويون على موسى الهادي في مكة ، فقمع ثورتهم وقتل قائدهم وحبس بعضهم ، وكان مسؤول حبسهم في عهد هارون رئيس وزرائه جعفر بن يحيى البرمكي ، فكتب أحد المسجونين رسالة شديدة للرشيد ، وهو عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن علي بن الحسين بن علي عليهما السلام ، فغضب عليه الوزير وقتله : « قدمه جعفر بن يحيى فضرب عنقه وغسل رأسه وجعله في منديل ، وأهداه إلى الرشيد مع هدايا فقبلها وقدمت إليه ، فلما نظر إلى الرأس أفظعه فقال له : ويحك لم فعلت هذا ؟ قال : لإقدامه على ما كتب به إلى أمير المؤمنين وبسط يده ولسانه بما بسطهما ! قال : ويحك فقتلك إياه بغير أمري أعظم من فعله ! ثم أمر بغسله ودفنه . فلما كان من أمره ما كان في أمر جعفر ( أمر بقتله ) قال لمسرور : إذا أردت قتله فقل له : هذا بعبد الله بن الحسن بن عمي ، الذي قتلته بغير أمري ! فقالها مسرور عند قتله إياه » ! ( مقاتل الطالبيين / 328 ، و365 ) .
فهارون يرى أنه صاحب الحق المطلق في الحكم لأنه ابن عم النبي صلى الله عليه وآله ، والعلويون أبناء عمه ، فلا يحق لأي مسؤول في الدولة حتى رئيس وزرائه أن يتصرف معهم إلا بأمره ! وإن خالف فمن حق الخليفة أن يقتص منه !
3 ـ خليفة يتفنن في تقصيب المسلمين حتى آخر ساعة !
1 ـ كان هارون عدوانياً دموياً ، وكان يقتل أحياناً بيده ! « العباس بن الأرقط كان مقداماً لَسِناً ، مات في حبس هارون ، يكنى أبا الفضل ، قالوا : إن الرشيد قتله بيده » ( المجدي في الأنساب / 144 ) . وقيل بني عليه جدار وهو حي ! ( اللباب / 414 ) .
2 ـ روى ابن كثير في النهاية ( 10 / 207 ) أنه كانت لجعفر البرمكي جارية مغنية إسمها دنانير ، فطلبها منه هارون فلم يعطها ، فلما قتله أخذها وأحضرها في مجلس شرابه وطلب منها أن تغني فرفضت : « فوثب إليها الرشيد وأخذ العود من يدها وأقبل يضرب به وجهها ورأسها حتى تكسر وأقبلت الدماء ، وتطايرت الجواري من حولها ، وحملت من بين يديه فماتت بعد ثلاث » !
3 ـ جئ بكاتب البرمكي : « فأخرج الرشيد سيفاً من تحت فراشه وأمر أن تضرب عنقه فضرب عنقه فسبق السيف الدم ، وأمر بصلب جثته ! ( الطبري : 6 / 492 ) .
4 ـ قبض على يحيى بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ، فأمر أن يلقى في بركة فيها سباع قد جُوِّعت ، فأمسكت عن أكله ! « فبني عليه ركن بالجص والحجر وهو حي » . ( شرح إحقاق الحق : 19 / 613 ، وينابيع المودة : 3 / 231 ) .
5 ـ وكان خليفة المسلمين في الساعات الأخيرة من عمره مشغولاً بمرضه ، وبمكائد أولاده من حوله ، لكنه لم ينس أن يتفنن في تقتيل من خالفه من المسلمين وأن يحضر القصاب ليقصبهم أمامه ! فقد كان رافع بن الليث بن نصر بن سيار ، حاكماً على سمرقند وبخارى فخلع طاعة هارون ، فوجه اليه جيشاً . ( الطبري : 6 / 553 ، واليعقوبي : 2 / 425 ) وقبض على أخيه وأقاربه ، وكان أخوه عابداً منصرفاً عن الدنيا ، فقتلهم الرشيد أسوأ قتلة . ومات الرشيد فتصالح أخوه رافع مع المأمون وأبقاه على ولايته ! ( تاريخ خليفة / 382 ) .
قال ابن جامع كما في الطبري ( 6 / 525 ) : « كنت فيمن جاء إلى الرشيد بأخ رافع قال فدخل عليه وهو على سرير مرتفع عن الأرض بقدر عظم الذراع ، وعليه فرش بقدر ذلك أو قال أكثر ، وفي يده مرآة ينظر إلى وجهه ، قال : فسمعته يقول إنا لله وإنا إليه راجعون ، ونظر إلى أخ رافع فقال : أما والله يا ابن اللخناء إني لأرجو أن لا يفوتني خامل ، يريد رافعاً ، كما لم تفتني !
فقال له : يا أمير المؤمنين قد كنت لك حرباً وقد أظفرك الله بي ، فافعل ما يحب الله أكن لك سلماً ، ولعل الله أن يليِّن لك قلب رافع إذا علم أنك قد مننت عليَّ ، فغضب وقال : والله لو لم يبق من أجلي إلا أن أحرك شفتي بكلمة لقلت : أقتلوه !
ثم دعا بقصاب فقال : لا تشحذ مُداك أتركها على حالها ( لا تَسِنّ سكاكينك ) ، وفصل هذا الفاسق وعجل لا يحضرن أجلي وعضوان من أعضائه في جسمه !
ففصله حتى جعله أشلاء ، فقال : عُدَّ أعضاءه ! فعددت له أعضاءه فإذا هي أربعة عشر عضواً ... ثم أغمي عليه وتفرق من حضره » !
وقال الذهبي في تاريخه : 13 / 14 : « وقدم بأخ رافع على الرشيد فسبه ، ودعا بقصاب وقال : فصِّلْ أعضاءه ففصله » !
وروى القاضي التنوخي في الفرج بعد الشدة ( 2 / 257 ) : « أحضر هارون أخ رافع وقرابته الذين كانوا معه وقال : أيَتَوَهَّمُ رافع أنه يغلبني ! والله لو كان معه عدد نجوم السماء لألتقطهم واحداً بعد واحداً حتى أقتلهم عن آخرهم ! فقال الرجل : الله الله يا أمير المؤمنين فإن الله تعالى يعلم وأهل خراسان أني برئ من أخي منذ عشرين سنة ، ملازم مسجدي ، فاتق الله تعالى فيَّ وفى هذا الرجل !
فقال له قطع الله لسانك ، فسكت ! فقال أخوه الثالث : أنت والله منذ كذا وكذا تدعو الله تعالى بالشهادة ، فرزقتها على يدي أشر خلقه !
وأخذت في الإعتذار فاغتاظ الرشيد وقال : عليَّ بجزارين ، فقال له قرابتي : يا هارون إفعل ما شئت فإنا نرجو أن نكون نحن وأنت بين يدي الله تعالى في أقرب مدة ، فتعلم كيف يكون حالك ! فصاح وأمر الجزارين بهما فقطعا عضواً عضواً ! فوالله ما فرغ منهما حتى توفيَ الرشيد » !
6 ـ « وذكر بعضهم أن جبريل بن بختيشوع كان غلط على الرشيد في علته في علاج عالجه به كان سبب منيته ، فكان الرشيد همَّ ليلة مات بقتله وأن يفصِّله كما فصَّل أخا رافع ! ودعا بجبريل بن بختيشوع ليفعل ذلك به فقال له : أنظرني إلى غد يا أمير المؤمنين فإنك ستصبح في عافية فمات في ذلك اليوم » ! ( الطبري : 6 / 527 ) .
4 ـ أولاده يتجسسون عليه ويستعجلون موته !
قال الناصبي المحب للأمويين والعباسيين ابن كثير في النهاية : 10 / 224 : « شكا الرشيد في أثناء الطريق إلى بعض أمرائه جفاء بنيه الثلاثة الذين جعلهم ولاة العهد من بعده ، وأراه داءً في جسده وقال : إن لكل واحد من الأمين والمأمون والقاسم عندي عيناً عليَّ ، وهم يعدُّون أنفاسي ، ويتمنون انقضاء أيامي » !
وقال ابن الأثير في الكامل : 6 / 222 : « فلما قدم بكر بن المعتمر طوس بلغ هارون قدومه فدعا به وسأله عن سبب قدومه فقال : بعثني الأمين لآتيه بخبرك ! قال : فهل معك كتاب ؟ قال : لا . فأمر بما معه ففتش فلم يصيبوا شيئاً ، فأمر به فضرب فلم يقر بشئ ، فحبسه وقيده ، ثم أمر الفضل بن الربيع بتقريره ، فإن أقر وإلا ضرب عنقه ! فقرره فلم يقر بشئ ، ثم غشي على الرشيد فصاح النساء ، فأمسك الفضل عن قتله » !
وكان ابن المعتمر يحمل أوامر ورسائل من الأمين لاستلام الخزائن التي حملها معه هارون في سفره ، وقال عنها الطبري ( 6 / 525 ) : « وافى هارون جرجان في صفر فوافاه بالخزائن علي بن عيسى على ألف بعير وخمس مائة بعير ، ثم رحل من جرجان فيما ذكر في صفر وهو عليل إلى طوس ، فلم يزل بها إلى أن توفي » !
وفي الفرج بعد الشدة ( 2 / 257 ) : « جلس الرشيد مجلساً عاماً في مضرب خز أسود استدارته أربع مائة ذراع ، وقبابه مغشاة بخز أسود ، وهو جالس في فازة خز أسود في وسط المضرب ، والعمد كلها سود وقد جعل مكان الحديد فضة ، والأوتاد والحبال كلها سود ، وعليه جبة خز سوداء وعليه فنك ( نوع من الفرو ) قد استشعره ( لبسه ) لما هو فيه من شدة البرد والعلة ، وفوقها دراعة خز أسود مبطنة بفنك ، وقلنسوة طويلة ، وعمامة خز سوداء ، وهو عليل لما به ، وخلف الرشيد خادم يمسكه لئلا يميل ببدنه ، والفضل بن الربيع جالس بين يديه .. فقال الرشيد بصوت : قَنِّبُوه ( إربطوه بحبال القنب ، وهو بكر بن المعتمر رسول الأمين ) فنُحِّيَ بكر وجئ بالقنب وقُنب من قرنه إلى قدمه ! قال بكر : فأيقنت بالقتل ويئست من نفسي وعملت على الإقرار » ! ولكن مات هارون وصرخت النساء !
5 ـ خليفة المسلمين يغني ويرقص ويشرب ويسكر !
1 ـ قال ابن كثير وهو المتعصب للأمويين والعباسيين ، في النهاية : 10 / 238 : « كان في دار الرشيد من الجواري والحظايا وخدمهن ، وخدم زوجته وأخواته ، أربعة آلاف جارية ، وإنهن حضرن يوماً بين يديه ، فغنته المطربات منهن فطرب جداً ، وأمر بمال فنثر عليهن . وكان مبلغ ما حصل لكل واحدة منهن ثلاثة آلاف درهم في ذلك اليوم ، رواه ابن عساكر أيضاً .. الخ . » !
2 ـ كان هارون مدمناً على الخمر والغناء مع وزيره جعفر وأخته عباسة ، فقد روى الطبري : 6 / 489 ، والذهبي في سيره : 9 / 66 ، أنه « كان لايصبر عن جعفر وعن أخته عباسة بنت المهدي وكان يُحضرهما إذا جلس للشرب ، وذلك بعد أن أعلم جعفراً قلة صبره عنه وعنها ، وقال لجعفر أزوجكها ليحل لك النظر إليها إذا أحضرتها مجلسي ، وتقدم إليه ألا يمسها ولا يكون منه شئ مما يكون للرجل إلى زوجته ! فزوجها منه على ذلك فكان يحضرهما مجلسه إذا جلس للشرب ثم يقوم عن مجلسه ويخليهما ، فيثملان من الشراب وهما شابان فيقوم إليها جعفر فيجامعها ، فحملت منه وولدت غلاماً ، فخافت على نفسها من الرشيد إن علم بذلك ، فوجهت بالمولود مع حواضن له من مماليكها إلى مكة » !
3 ـ روى الذهبي في سيره : 10 / 187 ، وتاريخه : 12 / 102 ، أنه أخذ وزيره جعفر البرمكي الى إحدى حجر قصره ، وكان فيها عُلية المغنية أخت الرشيد ، فغنتهما فطربا ورقصا معاً ، قال : « فطربت والله ثم غنت فرقصنا معاً » . والأغاني : 3 / 131 ، ونهاية الأرب : 2 / 980 ، وتذكرة ابن حمدون : 3 / 83 .
4 ـ وفي الأغاني : 10 / 190 : « زار الرشيد عُلية فقال لها : بالله يا أختي غنيني ، فأطرب الرشيد وشرب عليه بقية يومه » . « قال مسرور الخادم : خرج الجلساء والمغنون من عند الرشيد فقال لي : قد تشوقت أختي عُلية فامض فجئني بها ، وقل لها بحياتي عليك إلا طيبت عيشي بحضورك ! فجاءت فأومأ إليها أن تجلس على السرير معه » . ( أشعار أولاد الخلفاء وأخبارهم للصولي / 32 ) .
5 ـ وفي العقد الفريد : 6 / 45 : « فطرب الرشيد طرباً شديداً وقال لجلسائه : هل منكم أحد يجيز هذه الأبيات بمثلهن » .
6 ـ وفي الوافي : 18 / 102 : « غنى دحمان الأشقر الرشيد صوتاً فأطربه واستعاده مراراً ثم قال له احتكم ، فقال : غالب والريان ! وهما ضيعتان بالمدينة غلتهما أربعون ألف دينار ، فأمر له بهما » !
7 ـ وفي الأغاني : 10 / 180 : « كنت يوماً بين يدي الرشيد وعنده أخوه منصور وهما يشربان ، فدخلت إليه خلوب جارية لعُلية ومعها كأسان فغنتهما قائمة فشربا .. خرجت عُلية وأم جعفر معها زهاء ألفي جارية ، وكلهن في لحن واحد هزج صنعتة علية ، فطرب الرشيد وقام على رجليه وقال : يا مسرور لا تبقين في بيت المال درهماً إلا نثرته » !
8 ـ وفي الأغاني : 6 / 199 : « كان أول صوت غناه إبراهيم هذا الصوت .. فأصاب وأحسن كل الإحسان ، وشرب عليه الرشيد واستعاده حتى سكر ، وأمر لإبراهيم بعشرة آلاف درهم ، وعشرة خواتيم ، وعشر خلع » !
9 ـ وكان إسماعيل المغني الأموي حلف أن لا يغني لأحد : « فقال له الرشيد كأني قد نشطت برؤيتك لشرب قدح ، فشرب وسقاه ، ثم أمر فأخرج جوار يغنين وضربت ستارة ، وأمر بسقيه فلما شرب أخذ الرشيد العود من يد جارية ووضعه في حجر إسماعيل ، وجعل في عنق العود سبحة فيها عشر درات اشتراها بثلاثين ألف دينار ! وقال غنِّ يا إسماعيل وكفِّر عن يمينك بثمن هذه السبحة ، فاندفع يغني بشعر الوليد بن يزيد في عالية أخت عمر بن عبد العزيز » ! ( تاريخ دمشق : 8 / 411 ) .
10 ـ وفي الأغاني : 18 / 350 ، أن مخارق غناه فطرب وشرب رطلاً ، ثم استعاده فطرب وشرب رطلاً ، ثم استعاده فطرب وشرب رطلاً وأعطاه ضيعة !
11 ـ وروى الطبري ( 6 / 525 ) عن طبيب هارون قال : « كنت أول من يدخل عليه في كل غداة فأتعرف حاله في ليلته ، فإن كان أنكر شيئاً وصفه ، ثم ينبسط فيحدثني بحديث جواريه ، وما عمل في مجلسه ومقدار شربه ، وساعات جلوسه ، ثم يسألني عن أخبار العامة وأحوالها » ! ( الطبري : 6 / 525 ) .
12 ـ وكان يحدث الناس بتفاهاته مع جواريه ! قال ابن عبد ربه في العقد الفريد : 3 / 43 : « أخبرنا أبو الطيب الكاتب أن أمير المؤمنين هارون الرشيد كان ليلة بين جاريتين مدنية وكوفية ، فجعلت الكوفية تغمز يديه والمدنية تغمز رجليه فجعلت المدنية ترتفع إلى فخذيه ، حتى ضربت بيدها إلى متاعه وحركته حتى أنعظ ، فقالت لها الكوفية : ويحك نحن شركاؤك في البضاعة ، وأراك قد انفردت دوننا برأس المال وجدك فأديليني منه ! قال فقالت المدنية : حدثنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه ، أنه قال : من أحيا مواتاً فهو له ولعقبه ! قال : فاستغلتها الكوفية ودفعتها ثم أخذته بيديها جميعاً وقالت : حدثنا الأعمش عن خيثمة عن عبد الله بن مسعود أنه قال : الصيد لمن صاده لا لمن أثاره » !
وجعلوه في الفقه حديثاً مسنداً واستدلوا به ! ( نصب الراية للزيلعي : 6 / 265 ) . ونسبه بعضهم الى الفضل بن الربيع وأنه حدث به الرشيد ! ( لسان الميزان : 2 / 253 ، وثمرات الأوراق / 7 ، واللطف واللطائف / 27 ، والأغاني : 16 / 373 ، والمرقصات للأندلسي / 46 ) .
13 ـ وتحدث هارون عن قصصه مع جواريه : « هجر جارية له ثم لقيها في بعض الليالي في القصر سكرى تدور في جوانب القصر ، وعليها مطرف خز ، وهي تسحب أذيالها من التيه والعجب ، وسقط رداؤها عن منكبيها والريح أبان نهديها كأنهما رمانتان ، ولها ردفان ثقيلان ، فراودها عن نفسها فقالت : يا أمير المؤمنين ! هجرتني هذه المدة وليس لي علم بملاقاتك ، فأنظرني إلى غد حتى أتهيأ وآتيك » . ( إعلام الناس للإتليدي / 102 ) .
ولم تكن بنات هارون وأخواته أفضل من تلك الجارية !
ففي الامامة والسياسة لابن قتيبة : 2 / 172 : « استأذنته أخته فاختة بنت المهدي وشقيقته في إتحاف جعفر ومهاداته فأذن لها ، وكانت قد استعدت له بالجواري الرائعات والقينات الفاتنات ، فتهدي له كل جمعة بكراً يفتضها ! إلى ما تصنع له من ألوان الطعام والشراب والفاكهة ، وأنواع الكسوة والطيب ، كل ذلك بمعرفة أمير المؤمنين ورأيه !
فاستمرت بذلك زماناً ومضت به أعواماً ، فلما كانت جمعة من الجمع دخل جعفر القصر الذي استعدت به ، ولم يُرع جعفر إلا بفاختة ابنة المهدي في القصر كأنها جارية من الجواري اللاتي كن يهدين له ، فأصاب منها لذته وقضى منها حاجته ولا علم له بذلك ! فلما كان المساء وهمَّ بالانصراف ، أعلمته بنفسها وعرفته بأمرها ، وأطلعته على شديد هواها وإفراط محبتها له » !
14 ـ وكان يشرك قاضي قضاته في هزله ولهوه ! ففي اللطائف للثعالبي / 22 ، أن هارون وزبيدة تحاكما إلى أبي يوسف القاضي : « في الفالوذج واللوزينج ، أيهما أطيب ! فقال أبو يوسف : أنا لا أحكم على غائب ! فأمر باتخاذهما وتقديمهما إليه فجعل يأكل من هذا مرة ومن ذلك أخرى حتى نظف الجانبين ! ثم قال : يا أمير المؤمنين ما رأيت أجدل منهما إن أردت أن أسجل لأحدهما ، أدلى الآخر بحجة » !
15 ـ واعترف ابن كثير ( النهاية : 10 / 204 ) بأن هارون كان يشرب الخمر لكن زعم أن ذلك في أواخر خلافته ، قال : « كان جعفر يدخل على الرشيد بغير إذن حتى كان يدخل عليه وهو في الفراش مع حظاياه ، وهذه وجاهة ومنزلة عالية ! وكان عنده من أحظى العشراء على الشراب المسكر ، فإن الرشيد كان يستعمل في أواخر أيام خلافته المسكر ، وكان أحب أهله إليه أخته العباسة بنت المهدي وكان يحضرها معه ، وجعفر البرمكي حاضر أيضاً معه ... الخ . » .
مقتبس من كتاب : [ الإمام الكاظم عليه السلام سيّد بغداد ] / الصفحة : 147 ـ 162