في كيفيّة التّناسل وخلق حوّا وقصّة ابني آدم ووفاته
32 ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن أورمة ، عن النّوفلي ، عن عليّ بن داود اليعقوبي (1) عن مقاتل بن مقاتل ، عمّن سمع زرارة يقول : سئل أبو عبد الله عليه السّلام عن بدء النّسل من آدم صلوات الله عليه كيف (2) كان ؟ وعن بدء النّسل من ذرية آدم ، فإنّ اُناساً عندنا يقولون : إنّ الله تعالى أوحى إلى آدم أن يزوّج بناته من بنيه ، وأنّ هذا الخلق كلّهم أصله من الاخوة والأخوات ، فمنع ذلك أبو عبد الله عليه الصّلاة والسّلام عن ذلك (3) ، وقال : نبئت (4) أنّ بعض البهائم تنكرت له اُخته ، فلمّا نزا عليها ونزل ثمّ علم أنّها أخته قبض على عزموله بأسنانه حتّى قطعه فخرّ ميّتاً ، وآخر تنكرت له اُمّه ففعل هذا بعينه ، فكيف بالانسان (5) في فضله وعلمه ، غير أن جيلاً من هذه الامّة الّذين يرون أنّهم رغبوا عن علم أهل بيوتات أنبيائهم ، فأخذوه من حيث لم يؤمروا بأخذه ، فصاروا إلى ما يرون من الضّلال.
وحقّاً أقول : ما أراد من يقول هذا : إلّا تقويةً لحجج المجوس.
ثمّ أنشأ يحدّثنا (6) كيف كان بدء النّسل ، فقال : إنّ آدم صلوات الله عليه ولد له سبعون بطناً ، فلمّا قتل قابيل هابيل جزع جزعاً قطعه عن إتيان النّساء ، فبقي لا يستطيع أن يغشى حوّا خمسمائة سنة (7) ، ثمّ وهب الله له شيئاً وهو هبة الله ، وهو أوّل وصي أُوصي إليه من بني آدم في الأرض ، ثمّ وراه بعده يافث ، فلمّا أدركا وأراد الله أن يبلغ بالنّسل ما ترون أنزل بعد العصر يوم الخميس حوراء من الجنّة اسمها نزلة ، فأمر الله أن يزوّجها من شيث ، ثمّ أنزل الله بعد العصر من الغد حوراء من الجنّة اسمها منزلة ، فأمر الله آدم أن يزوّجها من يافث فزوّجها منه ، فولد (8) لشيث غلام وليافث جارية ، فأمر الله آدم عليه السّلام حين أدركا أن يزوّج بنت يافث من ابن شيث ، ففعل فولد الصّفوة من النّبيين والمرسلين من نسلهما ومعاذ الله أن يكون ذلك ما قالوه من الإِخوة والأخوات ومناكحهما.
قال : فلم يلبث آدم صلوات الله عليه بعد ذلك إلّا يسيراً حتّى مرض (9) فدعا شيثاً وقال : يا بنيّ إنّ أجلي قد حضر وأنا مريض فانّ ربيّ قد أنزل من سلطانه ما قد ترى ، وقد عهد إليّ فيما قد عهد أن أجعلك وصيّي (10) وخازن ما استودعني ، وهذا كتاب الوصيّة تحت رأسي وفيه أثر العلم واسم الله الأكبر ، فاذا أنا متّ فخذ الصّحيفة وإيّاك أن يطّلع عليها أحدٌ (11) وأن تنظر فيها إلى قابل في مثل هذا اليوم الّذي يصير إليك فيه ، وفيها جميع ما تحتاج إليه من اُمور دينك ودنياك وكان آدم صلوات الله وسلامه عليه نزل بالصّحيفة الّتي فيها الوصيّة من الجنّة.
ثمّ قال آدم لشيث صلوات الله عليهما : يا بنيّ إنّي قد اشتهيت ثمرة من ثمار الجنّة ، فاصعد إلى جبل الحديد ، فانظر من لقيته من الملائكة ، فاقرأه منّي السّلام وقل له : إنّ أبي مريض وهو يستهديكم من ثمار الجنّة ، قال : فمضى حتّى صعد إلى الجبل فاذا هو بجبرئيل في قبائل من الملائكة صلوات الله عليهم.
فبدأه جبرائيل بالسّلام ، ثم قال : إلى أين يا شيث ؟ فقال له شيث : ومن أنت يا عبد الله ؟ قال : أنا الرّوح الأمين جبرئيل ، فقال : إنّ أبي مريض وقد (12) أرسلني إليكم ، وهو يقرئكم السّلام ويستهديكم من ثمار الجنّة ، فقال له جبرئيل عليه السّلام : وعلى أبيك السّلام يا شيث ، أما أنّه قد قبض (13) وإنّما نزلت لشأنه ، فعظّم الله على مصيبتك فيه أجرك (14) وأحسن على العزاء منه صبرك ، وآنس بمكانه منك عظيم وحشتك ارجع فرجع معهم ومعهم كلّ ما يصلح به أمر آدم صلوات الله عليه وقد جاؤا به من الجنّة.
فلمّا صاروا إلى آدم كان أوّل ما صنع شيث أن أخذ صحيفة الوصيّة من تحت رأس آدم صلوات الله عليه فشدّها على بطنه فقال جبرئيل عليه السّلام : من مثلك يا شيث ؟ قد أعطاك الله سرور كرامته (15) وألبسك لباس عافيته ، فلعمري لقد خصّك الله منه بأمر جليل.
ثم إنّ جبرئيل عليه السّلام وشيثاً أخذا في غسله ، وأراه جبرئيل كيف يغسّله حتّى فرغ منه ، ثمّ أراه كيف يكفّنه ويحنّطه حتّى فرغ ، ثمّ أراه كيف يحفر له.
ثمّ إنّ جبرئيل أخذ بيد شيث ، فأقامه للصّلاة عليه كما نقوم اليوم نحن ، ثمّ قال : كبّر على أبيك سبعين تكبيرة ، وعلّمه كيف يصنع.
ثم إنّ جبرئيل عليه السّلام أمر الملآئكة (16) أن يصطفّوا قياماً خلف شيث كما يصطفّ (17) اليوم خلف مصلّي على الميّت ، فقال شيث : يا جبرئيل أو يستقيم هذا لي وأنت من الله بالمكان الّذي أنت فيه ومعك (18) عظماء الملائكة ؟ فقال جبرئيل : يا شيث ألم تعلم أنّ الله تعالى لمّا خلق أباك آدم أوقفه بين الملائكة وأمرنا بالسّجود له ، فكان إمامنا ليكون ذلك سنّة في ذرّيّته ، وقد قبضه الله اليوم وأنت وصيّه ووارث علمه وأنت تقوم مقامه ، فكيف نتقدمك وأنت إمامنا ؟ فصلّى بهم عليه (19) كما أمره.
ثمّ أراه كيف يدفنه ، فلمّا فرغ من دفنه وذهب جبرئيل ومن معه ليصعدوا من حيث جاؤا. بكى (20) شيث ونادى يا وحشتا فقال له جبرئيل : لا وحشة عليك مع الله تعالى يا شيث ، بل نحن نازلون عليك بأمر ربك وهو يؤنسك فلا تحزن ، وأحسن ظنّك بربّك ، فانّه بك لطيف وعليك شفيق.
ثمّ صعد جبرئيل ومن معه ، وهبط قابيل من الجبل وكان على الجبل هارباً من أبيه آدم صلوات الله عليه أيّام حياته لا يقدر أن ينظر إليه فلقى شيثاً ، فقال يا شيث : إنّي إنّما قتلت هابيل أخي لأنّ قربانه تُقبّل ولم يُتقبّل قرباني ، وخفت أن يصير بالمكان الّذي قد صرت أنت اليوم (21) فيه وقد صرت بحيث أكره ، وإن تكلّمت بشيء ممّا عهد إليك به أبي لأقتلنّك (22) كما قتلت هابيل.
قال زرارة : ثم قال أبو عبد الله عليه السّلام ـ وأومأ بيده إلى فيه (23) ، فأمسكه يعلّمنا أي هكذا أنا ساكت ـ : فلا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة معشر (24) شيعتنا ، فتمكّنوا عدوّكم من رقابكم ، فتكونوا عبيداً لهم بعد إذ أنتم أربابهم وساداتهم ، فانّ في التّقيّة منهم لكم ردّاً عمّا قد أصبحوا فيه من الفضائح بأعمالهم الخبيثة علانية ، ولا يرى (25) منكم من يبعّدكم عن المحارم وينزّهكم عن الأشربة السّوء والمعاصي وكثرة الحجّ والصّلاة وترك كلامهم (26).
33 ـ وقال زرارة : سئل [ أبو جعفر عليه السّلام ] (27) عن خلق حوّا ، وقيل : إنّ اُناساً عندنا يقولون : إن الله خلق حوّا من ضلع آدم الأيسر الأقصى ، قال : سبحان الله إنّ الله لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجته (28) من غير ضلعه ؟ ولا يكون لمتكلم أن يقول : ان آدم كان ينكح بعضه بعضاً ؟
ثم قال : ان الله تعالى لما خلق آدم وأمر الملائكة فسجدوا له (29) ألقى عليه السّبات ، ثم ابتدع له خلق حوّا ، ثم جعلها في موضع النقرة (30) الّتي بين وركيه ، وذلك لكي تكون المرأة تبعاً للرّجل (31) ، فاقبلت تتحرك فانتبه لتحركها ، فلمّا انتبه نودي أن تنحّي عنه ، فلمّا نظر إليها نظر الى خلق حسن يشبه صورته غير أنّها اُنثى ، فكلّمها وكلمته بلغته ، فقال لها من أنت ؟ فقال : أنا خلق خلقني الله تعالى كما ترى.
فقال آدم عند ذلك : يا ربّ ما هذا الخلق الحسن الّذي قد آنسني قربه والنّظر اليه ؟ فقال الله تعالى : يا آدم هذه أمتي حوّا ، أفتحبّ (32) أن تكون معك فتؤنسك وتحدّثك وتكون تابعة لأمرك ؟ فقال : نعم يا ربّ لك عليّ بذلك الحمد والشكر ما بقيت.
قال : فاخطبها إليّ فانّها أمتي (33) وقد تصلح لك زوجة للشهوة ، والقى الله عليه الشّهوة ، وقد علمه قبل ذلك المعرفة بكلّ شيء فقال : يا ربّ إنّي أخطبها اليك فما رضاك لذلك لي ؟ فقال : مرضاتي (34) أن تعلمها معالم ديني ، فقال : ذلك لك يا ربّ إن شئت ذلك لي ، فقال : فقد شئت ذلك وقد (35) زوّجتكها فضُمّها إليك ، فقال لها آدم : إليّ فاقبلي ، فقالت : بل أنت. فأمر الله آدم أن يقوم اليها فقام ، ولولا ذلك لكنّ النّساء يذهبن إلى الرّجال (36).
الهوامش
1. في ق 1 : عن ابن داود اليعقوبي.
2. في ق 2 : وكيف.
3. في ق 1 وق 2 : من ذلك.
4. في ق 4 : ثبت.
5. في ق 1 وق 3 وق 5 : الانسان.
6. في ق 1 وق 4 وق 5 : حديثاً.
7. في ق 3 : عام.
8. في ق 2 : فولدت.
9. في ق 3 : فمرض.
10. في ق 2 : وصيّاً.
11. في ق 3 : أن تطلع عليها أحداً.
12. في ق 2 : وهو.
13. في ق 3 : قد قضى.
14. في ق 2 : فعظم على الله مصيبتك فيه آجرك الله.
15. في ق 2 : سروراً وكرامة.
16. في ق 3 : ثم أمر جبرئيل الملائكة.
17. في ق 1 وق 3 : كما نصطف.
18. في ق 2 : وأنت بالمكان الذي أنت ومعك.
19. في ق 3 : بهم عليه السّلام ، والصّحيح : بهم عليه عليه السّلام.
20. في ق 3 : فبكى.
21. في ق 3 : الذي أنت اليوم.
22. في ق 3 : لاقتلك.
23. في ق 2 وق 3 وق 4 : فمه.
24. في ق 3 : معاشر.
25. في ق 1 وق 3 : ولا يرون ، وفي البحار : وما يرون.
26. بحار الانوار ( 11 / 262 ـ 264 ) ، برقم : (11).
27. الزّيادة من ق 1 فقط.
28. في ق 2 : ما لا يخلق لآدم من زوجة ، وفي ق 3 : إنّ الله له من القدرة ما يخلق لآدم.
29. في ق ٢ : وأمر الملائكة بالسّجود له.
30. في ق ٢ : المنقرة.
31. في ق ١ وق ٤ : للرّجال.
32. في ق ١ وق ٣ : فتحب.
33. في ق ١ وق ٣ وق ٤ : أنثى.
34. في ق ٣ : رضائي.
35. في ق ١ : فقال قد شئت وقد.
36. لم ينقل العلامة المجلسي هذا الخبر في البحار عن القصص ، إلّا أنه موجود فيه ضمن خبر رواه عن العلل في ( ١١ / ٢٢٠ ـ ٢٢١ ) غير أن زرارة رواه عن أبي عبد الله عليه السّلام.
مقتبس من كتاب : قصص الأنبياء / الصفحة : 54 ـ 58