إشتهر عليٌّ عليه السلام وأولادُه بالعدل ، وعنه أخذت المعتزلة ، حتى قيل : « التوحيد والعدل علويان والتشبيه والجبر أمويان ». واليك بعض ما أثِرَ عنهم عليهم السلام.
١ ـ سئل عليّ عليه السلام عن التوحيد والعدل ، فقال : « التَوْحِيدُ أنْ لا تَتَوَهَّمَهُ والعَدْلُ أنْ لا تَتَّهِمَهُ » (1) وقد فُرض كونه سبحانه عادلاً فطلب معناه.
قال ابن أبي الحديد : « هذان الركنان هما ركنا علم الكلام وهما شعار أصحابنا المعتزلة لتفيهم المعاني القديمة التي يثبتها الأشعري وأصحابه ، ولتنزيههم الباري سبحانه عن فعل القبيح ، ومعنى قوله : « أنْ لا تتوهمه » : أنْ لا تتوهمه جسماً أو صورة أو في جهة مخصوصة أو مالئاً لكل الجهات ، كما ذهب إليه قوم ، أو نوراً من الأنوار ، أو قوة سارِيّة في جميع العالم كما قاله قوم ، أو من جنس الأَعراض التي تحل الحالّ أو تحل المَحَل وليس بعَرض ، كما قاله النصارى ، أو تحله المعاني والأعراض فمتى تُوُهّم على شيء من هذا فقد خولف التوحيد.
وأما الركن الثاني فهو « أنْ لا تتهمه » : أي أَنْ لا تتهمه في أنَّهُ أَجبرك على القبيح ويعاقبك عليه ، حاشاه من ذلك ولا تتهمه في أنَّه مكّن الكذّابين من المعجزات فأضل بهم الناس ، ولا تتهمه في أَنَّه كلّفك ما لا تطيقه وغير ذلك من مسائل العدل التي يذكرها أَصحابنا مفصلة في كتبهم ، كالعوض عن الأَلم فإِنه لا بدّ منه ، والثواب على فعل الواجب فإِنه لا بد منه ، وصدق وعده ووعيده فإِنه لا بد منه.
وجملة الأمر أَنَّ مذهب أَصحابنا في العدل والتوحيد مأخوذ عن أمير المؤمنين عليه السلام. وهذا الموضع من المواضع التي قد صرّح فيها بمذهب أصحابنا بعينه وفي فرض كلامه من هذا النمط ما لا يحصى (2).
٢ ـ روى ( الصدوق ) عن الصادق عليه السلام أَنَّ رجلاً قال له : إِنَّ أساس الدين التوحيد والعدل ، وعلْمُهُ كثيرٌ ، ولا بُدّ لعاقل منه ، فاذكر ما يَسْهُلُ الوقوفُ عليه ويتهيّأ حفظُه. فقال عليه السلام : « أَمّا التّوحِيدُ فَأَنْ لا تُجَوِّزَ عَلى رَبِّك ما جازَ عليكَ ، وأَمّا العَدْلُ فَأَنْ لا تَنْسبَ إلى خَالِقِكَ ما لاَمَكَ عَلَيْهِ » (3).
٣ ـ وقال علي عليه السلام : « وأَشْهَدُ أنَّه عَدْلٌ عَدَل ، وحَكَمٌ فَصَل » (4).٤ ـ وقال عليه السلام : « الذي صَدَقَ في ميعادِهِ ، وارتَفَعَ عن ظُلْمِ عبادِهِ ، وقامَ بالقِسْطِ في خَلْقِهِ ، وعَدَلَ عليهم في حُكْمِهِ » (5).
٥ ـ وقال صلوات الله عليه : « الذي أعْطى حِلْمُهُ فَعَفَا ، وعدَلَ في كل ما قَضَى » (6).
٦ ـ وقال عليه السلام : « اللّهُمَّ احمِلني على عَفْوِكَ ، ولا تَحْمِلني على عَدْلِكَ » (7).
إلى غير ذلك من المأثورات عن أَئمة أَهل البيت ، وسيوافيك قسم منها عند البحث عن القضاء والقدر ، والبحث عن الجبر والاختيار.
الهوامش
1. نهج البلاغة ـ قسم الحكم ـ رقم ٤٧٠.
2. شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ، ج ٢٠ ، ص ٢٢٧.
3. التوحيد ، باب معنى التوحيد والعدل ، الحديث الأول ، ص ٩٦.
4. نهج البلاغة ، الخطبة ٢١٤.
5. نهج البلاغة ، الخطبة ١٨٥.
6. نهج البلاغة ، الخطبة ١٩١.
7. نهج البلاغة ، الخطبة ٢٢
مقتبس من كتاب : الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل الجزء 1