الشيعة تعتقد بعودة جماعة ـ بعد قيام المهدي عليه السلام ـ إلىٰ هذه النشأة ، قال الشيخ المفيد : إنّ الله تعالى يحيي قوماً من أُمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بعد موتهم ، قبل يوم القيامة ، وهذا مذهب يختص به آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم. والرجعة إنّما هي لممحضي الإيمان من أهل الملّة وممحضي النفاق منهم دون من سلف من الأُمم الخالية. (1)
وصار ذلك سبباً لصب التُّهَم على الشيعة بأنّهم قائلون بالتناسخ. (2)
والجواب : انّ الرجعة تفارق التناسخ جوهراً وذاتاً ، لما ذكرنا من أنّه يتقوّم بأمرين : تعدّد البدن ، وتراجع النفس عن كمالها إلى النقص ، وكلا الأمرين غير موجودين في الرجعة.
أمّا الأوّل : فلأنّ الحياة ترجع إلىٰ نفس البدن الذي تركته حين الموت فيتعلّق نفس كلّ إنسان ببدنه.
وأين هذا من تعلّق النفس بخلية نباتية أو حيوانية أو إنسانية أو غير ذلك ؟
وأمّا الثاني : فلا تراجع للنفس عن مقامها الشامخ إلىٰ درجة نازلة ، بل هي مع مالها من الفعلية والكمالات تتعلّق بالبدن الذي فارقته حين الموت دون أيِّ تقهقر.
ليت شعري لو كان العود إلى الحياة الدنيوية تناسخاً علىٰ وجه الإطلاق ، فبماذا يفسر إحياء الموتى الذي كان يقوم به المسيح عليه السلام يقول سبحانه : ( وَإِذْ تُخْرِجُ المَوْتَىٰ بِإِذْنِي ) ؟! (3).
نعم هنا سؤال نحيل الإجابة عنه إلىٰ مجال آخر ، وهو انّ الرجوع إلى النشأة الدنيوية لأجل الاستكمال فما هو الوجه لرجوع الصالحين أو الفاسقين إلى الدنيا ، فانّ الطائفة الأُولى انقلبت استعداداتها إلى الفعلية وقد درجوا عامة المنازل والمدارج فلم يبق كمالٌ إلاّ ولجوه ، كما أنّ الطائفة الثانية لا يرجى لهم أن يكتسبوا خيراً ; ومع غياب هذه الغاية فكيف يرجعون إلى الدنيا ؟
وعلى كلّ حال فهذا سؤال نحيل الإجابة عنه إلىٰ مجال آخر.
الهوامش
1. المسائل السروية : ٣٢ و ٣٥.
2. فجر الإسلام : ٢٧٧.
3. المائدة : ١١٠.
مقتبس من كتاب مفاهيم القرآن الجزء 8