كلام في عصمة الانبياء

البريد الإلكتروني طباعة

كلام في عصمة الانبياء

توضيح هذه النتيجة : أن العصمة على ثلاثة أقسام : العصمة عن الخطأ في تلقي الوحي ، والعصمة عن الخطأ في التبليغ والرسالة ، والعصمة عن المعصية وهي ما فيه هتك حرمة العبودية ومخالفة مولوية ، ويرجع بالاخرة إِلى قول أو فعل ينافي العبودية منافاة ما ، ونعني بالعصمة وجود أمر في الانسان المعصوم يصونه عن الوقوع فيما لا يجوز من الخطأ أو المعصية.

وأما الخطأ في غير باب المعصية وتلقي الوحي والتبليغ ، وبعبارة أُخرى في غير باب أخذ الوحي وتبليغه والعمل به كالخطأ في الامور الخارجية نظير الأغلاط الواقعة للإنسان في الحواس وإدراكاتها أو الاعتباريات من العلوم ، ونظير الخطأ في تشخيص الامور التكوينية من حيث الصلاح والفساد والنفع والضرر ونحوها فالكلام فيها خارج عن هذا المبحث.

وكيف كان فالقرآن يدل على عصمتهم عليهم السلام في جميع الجهات الثلاث :

أما العصمة عن الخطأ في تلقي الوحي وتبليغ الرسالة : فيدل عليه قوله تعالى في الآية : « فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ » فإِنه ظاهر في أن الله سبحانه إِنما بعثهم بالتبشير والانذار وانزال الكتاب ( وهذا هو الوحي ) ليبينوا للناس الحق في الاعتقاد والحق في العمل ، وبعبارة أُخرى لهداية الناس إِلى حق الاعتقاد وحق العمل ، وهذا هو غرضه سبحانه في بعثهم ، وقد قال تعالى : « لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى » طه ـ 52 ، فبيّن أنه لا يضل في فعله ولا يخطيء في شأنه فإِذا أراد شيئاً فإِنما يريده من طريقه الموصل اليه من غير خطأ ، وإِذا سلك بفعل إِلى غاية فلا يضل في سلوكه ، وكيف لا وبيده الخلق والامر وله الملك والحكم ، وقد بعث الانبياء بالوحي إِليهم وتفهيمهم معارف الدين ولا بد أن يكون ، وبالرسالة لتبليغها للناس ولا بد أن يكون ! وقال تعالى أيضاً : « إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا » الطلاق ـ 3 ، وقال أيضاً : « وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ » يوسف ـ 21.

ويدل على العصمة عن الخطأ أيضاً قوله تعالى : « ‏عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا » الجن ـ 28 ، فظاهره أنه سبحانه يختص رسله بالوحي فيظهرهم ويؤيدهم على الغيب بمراقبة ما بين أيديهم وما خلفهم ، والاحاطة بما لديهم لحفظ الوحي عن الزوال والتغير بتغيير الشياطين وكل مغير غيرهم ، ليتحقق إِبلاغهم رسالات ربهم ، ونظيره قوله تعالى حكاية عن قول ملائكة الوحي « ‏وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا » مريم ـ 64 ، دلت الآيات على أن الوحي من حين شروعه في النزول إِلى بلوغه النبي إِلى تبليغه للناس محفوظ مصون عن تغيير أي مغير يغيره.

وهذان الوجهان من الاستدلال وإِن كانا ناهضين على عصمة الانبياء عليهم السلام في تلقي الوحي وتبليغ الرسالة فقط دون العصمة عن المعصية في العمل على ما قررنا ، لكن يمكن تتميم دلالتهما على العصمة من المعصية أيضاً بأن الفعل دال كالقول عند العقلاء فالفاعل لفعل يدل بفعله على أنه يراه حسناً جائزاً كما لو قال : إِن الفعل الفلاني حسن جائز فلو تحققت معصية من النبي وهو يأمر بخلافها لكان ذلك تناقضاً منه فإِن فعله يناقض حينئذ قوله فيكون حينئذ مبلغاً لكلا المتناقضين وليس تبليغ المتناقضين بتبليغ للحق فإِن المخبر بالمتناقضين لم يخبر بالحق لكون كل منهما مبطلاً للآخر ، فعصمة النبي في تبليغ رسالته لا تتم إِلا مع عصمته عن المعصية وصونه عن المخالفة كما لا يخفى.

ويدل على عصمتهم مطلقاً قوله تعالى : « أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ » الانعام ـ 90 ، فجميعهم عليهم السلام كتب عليهم الهداية ، وقد قال تعالى : « وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ » الزمر ـ 37.

وقال تعالى : « مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ » الكهف ـ 17 ، فنفى عن المهتدين بهدايته كل مضل يؤثر فيهم بضلال ، فلا يوجد فيهم ضلال ، وكل معصية ضلال كما يشير اليه قوله تعالى : « أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ إِن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا » يس ـ 62 ، فعد كل معصية ضلالاً حاصلاً بإِضلال الشيطان بعد ما عدها عبادة للشيطان فإِثبات هدايته تعالى في حق الانبياء عليهم السلام ثم نفى الضلال عمن اهتدى بهداه ثم عد كل معصية ضلالاً تبرئة منه تعالى لساحة أنبيائه عن صدور المعصية منهم وكذا عن وقوع الخطأ في فهمهم الوحي وإِبلاغهم إِياه.

ويدل عليها أيضاً قوله تعالى : « وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِين وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا » النساء ـ 68 ، وقال أيضاً : « اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ » الحمد ـ 7 ، فوصف هؤلاء الذين أنعم عليهم من النبيين بأنهم ليسوا بضالين ، ولو صدر عنهم معصية لكانوا بذلك ضالين وكذا لو صدر عنهم خطأ في الفهم أو التبليغ ، ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى فيما يصف به الانبياء : « أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا » مريم ـ 59 ، فجمع في الانبياء أولاً الخصلتين : اعني الإنعام والهداية حيث أتى بمن البيانية في قوله وممن هدينا واجتبينا بعد قوله : أنعم الله عليهم ، ووصفهم بما فيه غاية التذلل في العبودية ، ثم وصف الخلف بما وصف من أوصاف الذم ، والفريق الثاني غير الأول لان الفريق الاول رجال ممدوحون مشكورون دون الثاني ، وإِذ وصف الفريق الثاني وعرفهم بأنهم اتبعوا الشهوات وسوف يلقون غياً فالفريق الأول وهم الانبياء ما كانوا يتبعون الشهوات ولا يلحقهم غي ، ومن البديهي أن من كان هذا شأنه لم يجز صدور المعصية عنه حتى انهم لو كانوا قبل نبوتهم ممن يتبع الشهوات لكانوا بذلك ممن يلحقهم الغي لمكان الإطلاق في قوله : أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات وسوف يلقون غياً.

وهذا الوجه قريب من قول من استدل على عصمة الانبياء من طريق العقل بأن إِرسال الرسل وإِجراء المعجزات على ايديهم تصديق لقولهم . فلا يصدر عنهم كذب وكذا تصديق لاهليتهم للتبليغ ، والعقل لا يعد انساناً يصدر منه المعاصي والافعال المنافية لمرام ومقصد كيف كان أهلاً للدعوة إِلى ذلك المرام فإِجراء المعجزات على أيديهم يتضمن تصديق عدم خطائهم في تلقي الوحي وفي تبليغ الرسالة وفي امتثالهم للتكاليف المتوجهة اليهم بالطاعة.

ولا يرد عليه : ان الناس وهم عقلاء يتسببون في أنواع تبليغاتهم وأقسام أغراضهم الاجتماعية بالتبليغ ممن لا يخلو عن بعض القصور والتقصير في التبليغ ، فإِن ذلك منهم لأحد أمرين لا يجوز فيما نحن فيه ، إِما لمكان المسامحة منهم في اليسير من القصور والتقصير ، وإِما لأن مقصودهم هو البلوغ إِلى ما تيسر من الامر المطلوب ، والقبض على اليسير والغض عن الكثير وشيء من الامرين لا يليق بساحته تعالى.

ولا يرد عليه ايضاً : ظاهر قوله تعالى : « فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ » التوبة ـ 123 ، فإِن الآية وإِن كانت في حق العامة من المسلمين ممن ليس بمعصوم لكنه اذن لهم في تبليغ ما تعلموا من الدين وتفقهوا فيه ، لا تصديق لهم فيما أنذروا به وجعل حجية لقولهم على الناس والمحذور انما هو في الثاني دون الاول.

ومما يدل على عصمتهم عليهم السلام قوله تعالى : « وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ » النساء ـ 64 ، حيث جعل كون الرسول مطاعاً غاية للارسال ، وقصر الغاية فيه ، وذلك يستدعي بالملازمة البينة تعلق ارادته تعالى بكل ما يطاع فيه الرسول وهو قوله أو فعله لان كلا منهما وسيلة معمولة متداولة في التبليغ ، فلو تحقق من الرسول خطاء في فهم الوحي أو في التبليغ كان ذلك ارادة منه تعالى للباطل والله سبحانه لا يريد الا الحق.

وكذا لو صدر عن الرسول معصية قولاً أو فعلاً والمعصية مبغوضة منهي عنها لكان بعينه متعلق ارادته تعالى فيكون بعينه طاعة محبوبة فيكون تعالى مريداً غير مريد ، آمراً وناهياً ، محباً ومبغضاً بالنسبة الى فعل واحد بعينه تعالى عن تناقض الصفات والافعال علواً كبيراً وهو باطل وان قلنا بجواز تكليف ما لا يطاق على ما قال به بعضهم ، فان تكليف ما لا يطاق تكليف بالمحال وما نحن فيه تكليف نفسه محال لانه تكليف ولا تكليف وارادة ولا ارادة وحب ولا حب ومدح وذم بالنسبة الى فعل واحد !

ومما يدل على ذلك ايضاً قوله تعالى : « رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ » النساء ـ 165 ، فان الآية ظاهرة في ان الله سبحانه يريد قطع عذر الناس في ما فيه المخالفة والمعصية وان لا قاطع للعذر الا الرسل عليهم السلام ، ومن المعلوم ان قطع الرسل عذر الناس ورفعهم لحجتهم انما يصح اذا لم يتحقق في ناحيتهم ما لا يوافق ارادة الله ورضاه : من قول أو فعل ، وخطاء أو معصية والا كان للناس ان يتمسكوا به ويحتجوا على ربهم سبحانه وهو نقض لغرضه تعالى.

فان قلت : الذي يدل عليه ما مر من الآيات الكريمة هو ان الانبياء عليهم السلام لا يقع منهم خطاء ولا يصدر عنهم معصية وليس ذلك من العصمة في شيء فإِن العصمة على ما ذكره القوم قوة تمنع الانسان عن الوقوع في الخطأ ، وتردعه عن فعل المعصية واقتراف الخطيئة ، وليست القوة مجرد صدور الفعل أو عدم صدوره وانما هي مبدء نفساني تصدر عنه الفعل كما تصدر الافعال عن الملكات النفسانية.

قلت : نعم لكن الذي يحتاج اليه في الابحاث السابقة هو عدم تحقق الخطأ والمعصية من النبي عليه السلام ولا يضر في ذلك عدم ثبوت قوة تصدر عنها الفعل صواباً أو طاعة وهو ظاهر.

ومع ذلك يمكن الاستدلال على كون العصمة مستندة إِلى قوة رادعة بما مر في البحث عن الاعجاز من دلالة قوله تعالى : « إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا » الطلاق ـ 3 ، وكذا قوله تعالى : « إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ » هود ـ 56 ، على أن كلاً من الحوادث يحتاج إِلى مبدء يصدر عنه وسبب يتحقق به ، فهذه الافعال الصادرة عن النبي عليه‌السلام على وتيرة واحدة صواباً وطاعة تنتهي إِلى سبب مع النبي عليه السلام وفي نفسه وهي القوة الرادعة ، وتوضيحه : أن أفعال النبي المفروض صدورها طاعة أفعال اختيارية من نوع الافعال الاختيارية الصادرة عنا التي بعضها طاعة وبعضها معصية ، ولا شك أن الفعل الاختياري إِنما هو اختياري بصدوره عن العلم والمشية ، وإِنما يختلف الفعل طاعة ومعصية باختلاف الصورة العلمية التي يصدر عنها ، فإِن كان المقصود هو الجري على العبودية بامتثال الامر مثلاً تحققت الطاعة ، وإِن كان المطلوب ـ أعني الصورة العلمية التي يضاف اليها المشية ـ اتباع الهوى واقتراف ما نهى الله عنه تحققت المعصية ، فاختلاف أفعالنا طاعة ومعصية لاختلاف علمنا الذي يصدر عنه الفعل ، ولو دام أحد العلمين أعني الحكم بوجوب الجري على العبودية وامتثال الأمر الالهي لما صدر إِلا الطاعة ، ولو دام العلم الآخر الصادر عنه المعصية ( والعياذ بالله ) لم يتحقق إِلا المعصية ، وعلى هذا فصدور الافعال عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بوصف الطاعة دائماً ليس إِلا أن العلم الذي يصدر عنه فعله بالمشية صورة علمية صالحة غير متغيرة ، وهو الاذعان بوجوب العبودية دائماً ، ومن المعلوم أن الصورة العلمية والهيئة النفسانية الراسخة غير الزائلة هي الملكة النفسانية كملكة العفة والشجاعة والعدالة ونحوها ، ففي النبي ملكة نفسانية يصدر عنها أفعاله على الطاعة والانقياد وهي القوة الرادعة عن المعصية.

ومن جهة أُخرى النبي لا يخطیء في تلقي الوحي ولا في تبليغ الرسالة ففيه هيئة نفسانية لا تخطیء في تلقي المعارف وتبليغها ولا تعصي في العمل ولو فرضنا أن هذه الافعال وهي على وتيرة واحدة ليس فيها إِلا الصواب والطاعة تحققت منه من غير توسط سبب من الاسباب يكون معه ، ولا انضمام من شيء إِلى نفس النبي كان معنى ذلك أن تصدر أفعاله الاختيارية على تلك الصفة بإِرادة من الله سبحانه من غير دخالة للنبي عليه‌السلام فيه ، ولازم ذلك إِبطال علم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وإِرادته في تأثيرها في أفعاله وفي ذلك خروج الافعال الاختيارية عن كونها اختيارية ، وهو ينافي افتراض كونه فرداً من أفراد الانسان الفاعل بالعلم والارادة ، فالعصمة من الله سبحانه إِنما هي بإِيجاد سبب في الانسان النبي يصدر عنه أفعاله الاختيارية صواباً وطاعة وهو نوع من العلم الراسخ وهو الملكة كما مر.

مقتبس من كتاب : الميزان في تفسير القرآن / الجزء : 2 / الصفحة : 134 ـ 139

 

أضف تعليق

العصمة

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية