عدد الشيعة

البريد الإلكتروني طباعة

المصدر : الشيعة في الميزان ، تألف : محمّد جواد مغنية ، ص 194 ـ 196

/ صفحة 194 /

عدد الشيعة وبلدانهم الغرض:

ليس الغرض من هذا الفصل أن نثبت أفضلية الشيعة، أو فضلهم بكثرة عددهم، وانتشارهم في البلدان، وأوكثريتهم في ببعضها. لان الكثرة لا تكشف عن الحق، والقلة لا تدل على الضلال، وقديما قيل " إن الكرام قليل " وقال أمير المؤمنين الذي يدور الحق معه كيفما دار: " لا تزيدني كثرة الناس حولى غزة، ولا تفرقهم عني وحشة ". ولو كانت الكثرة تغني عن الحق شيئا لكانت الطوائف غير الاسلامية أفضل دينا، وأصح عقيدة من المسلمين، وإنما الغرض الاول أن نثبت أن الشيعة كسائر الفرق والطوائف التي لها كيانها وتأثيرها بغض النظر عن أن عقيدتها صحيحة أو زائفة. وأن الذين يتجاهلون وجودها، وينظرون إليها كفئة قليلة يمكن استئصالها، كالحفناوي ومحب الدين الخطيب، ان هؤلاء بعيدون عن الواقع كل البعد، ولا يعبرون إلا عن رغباتهم وأحلامهم. إن القضاء على الشيعة لن يكون إلا بالقضاء على جميع المسلمين، ولن يكون ذلك، حتى لا يبقى على وجه الارض ديار.

الدين والدولة:

كانت الدول فيما مضى - شرقية كانت أم غربية - تقوم على أساس الدين، فتخول لنفسها حق التدخل في شؤون الانسان الداخلية والخارجية، لانها نائبة عن الله. ومن هنا كانت تعامل الناس على أساس أديانهم ومعتقداتهم، لا على المؤهلات العلمية والخلقية، فتحابي أبناء دينها، وتضطهد الآخرين، او تتجاهل وجودهم كرعايا ومواطنين. ومحال أن تسير مثل هذه الدول على سبيل العدل والمساواة، ويكون لها مبادئ عامة تطبقها على الجميع دون امتيازات واختصاصات

/ صفحة 195 /

إلا إذا انسلخت كلية عن الدين، أو كان من دينها عدم الفرق والتفاوت بين الاديان. وحينئذ لا تكون دينية بالمعنى المألوف المعروف بين الناس.

بل رأينا رؤساء الدول في هذا العصر يحابون أبناء ملتهم، ويرفعونهم فوق الناس والاجناس، وفي الوقت نفسه يدعون بأنهم حكام زمنيون، لا تمت دولاتهم وحكوماتهم بسبب إلى مذهب أو دين. رأينا كيف قامت قيامة الدول المسيحية في أميركا وأوربا، حين قتل مسيحي في أقصى الارض أو أدناها، حتى ولو كان القتل لسبب مشروع. وكيف حشدت تلك الدول صحفها وإذا عاتها بالاحتجاج والضجيج. وكيف تجاهلت مذبحة العرب في فلسطين على أيدي اليهود، والدماء التي أجرتها فرنسا أنهرا في الجزائر. إن مجرد وصف الدولة، أية دولة بأنها دينية معناه التحيز، وعدم التحرر، وتفضيل بعض الاديان على بعض حتى ولو لم تقم على أساس الدين، وينص دستورها على أنها دينية. أجل، قد تكون بعض الدول أكثر تسامحا من غيرها، ولكنها لا تتخلى كلية عن المحاباة، فالامتياز موجود في الحالين، وعند الدولتين، وإن اختلف في الشدة والضعف.

عدد الشيعة:

ومن هنا كان التفاوت في عدد الشيعة والسنة قلة وكثرة حسب الدول القائمة الحاكمة دينا ومذهبا، ففي عهد الامويين والعباسيين كان السنة أكثر عددا من الشيعة، وفي عهد البويهيين والفاطميين كانت الكثرة في جانب الشيعة، وفي عهد السلجوقيين والايوبيين والعثمانيين ازداد عدد السنة، حتى أصبحوا على تعاقب الاجيال والقرون أضعاف عدد الشيعة، قال السيد محسن الامين في الجزء الاول من أعيان الشيعة:

" ما زال التشيع يفشو ويقل، ويظهر ويختفي، ويوجد ويعدم في بلاد الاسلام على التناوب، وغيره بحسب تعاقب الدول الغاشمة وغيرها، وتشددها وتساهلها، حتى أصبح عدد الشيعة اليوم في انحاء المعمورة يناهز الخمسة والسبعين مليونا (1) منها نحواثنين مليونا في الهند، ونحو خمسة عشر مليونا في إيران،

ــــــــــــــــــــ

(1) قال الاستاذ حسن الامين ابن المؤلف معلقا على قول أبيه: كان هذا يوم تأليف الكتاب، أي منذ أكثر من ثلاثين سنة، والعدد اليوم أكثر من ذلك بكثير. (*)

/ صفحة 196 /

ونحو عشرة ملايين في روسيا وتركستان، ونحو خمسة ملايين في اليمن، ونحو مليونين ونصف في العراق، ونحو مليون ونصف في بخارى والافغان، ونحو مليون في سوريا ومصر والحجاز، ونحو سبعة ملايين في الصين والتبت والصومال وجاوى، ونحو مليون في البانيا وتركيا، ومرادنا بشيعة الهند وسوريا خصوص الامايمة غير الاسماعيلية الآغاخانية، وبشيعة اليمن ما يعم الزيدية والاثني عشرية، وبشيعة الالبان غير البكتاشية ".

وغريب حقا أن يكون للشيعة هذا العدد بعد أن ظلوا هدفا لاضطهاد الحكومات مئات السنين، وتعرضوا لموجات من تعصب إخوانهم السنة في كثير من البلدان والازمان، وقد وضعنا كتابا خاصا " الشيعة والحاكمون " في معاملة الحكام للشيعة، ونذكر هنا مثلا واحدا مما جاء في كتب السير والتاريخ (1) لتعصب السنة ضد الشيعة:

نقل ياقوت في معجمه أنه في سنة 617 ه‍ مر على مدينة الري فوجد أكثرها خرابا، ولما سأل بعض عقلائها عن السبب أجاب بأنه كان في المدينة ثلاث طوائف: شيعة وأحناف وشافعية، فتظاهر الاحناف والشافعية على الشيعة، وتطاولت بينهم الحروب، حتى لم يتركوا من الشيعة إلا من نجا بنفسه، ثم وقعت الحرب بين الاحناف والشافعية، فتغلب هؤلاء على أولئك، وهذا الخراب هو في ديار الشيعة والاحناف فقط.

وتدلنا هذه الحادثة على أن التعصب كان بين مذاهب السنة ضد بعضها البعض تماما، كما كان بين السنة والشيعة، ولكن الجميع يدا واحدة على العدو المشترك.

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية