قدماء الشيعة والعلوم العقلية

البريد الإلكتروني طباعة

المصدر : دور الشــيعــة في بناء الحضارة الإسلامية ، تأليف : الشيخ جعفر السبحاني ص 49 ـ 69

 


(49)


13 ـ قدماء الشيعة والعلوم العقلية


جاء الإسلام ليحرّر عقل الإنسان وتفكيره من الأغلال المتراكمة الموروثة التي توارثها قهراً من الأجيال الماضية ، فهو يخاطب العقل ويدعوه إلى التأمّل والتفكير ، ويخاطب القلب والضمير بما حوله من الأدلّة الناطقة ، ويكفي في توضيح ذلك أنّ الذكر الحكيم استعمل مادة « العقل» بمختلف صورها (47) مرّة ، و« التفكّر» (18) مرّة ، و « اللب» (16) مرّة و « التدبّر» (4) مرات و « النُهى » مرتين . فبذلك نهى عن التقليد وحثّ على التعقّل ببيانات مختلفة .
فتارة يدعو الإنسان إلى التأمّل فيما حوله من الكائنات لما فيها من دلائل
ناطقة على وجوده سبحانه وصفاته . قال سبحانه : {أأنْتُمْ أشَدُ خَلْقَاً أمِ السَّماءُ بَناها * رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها * وأغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها * والأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحاها * أخْرَجَ مِنْها ماءَها ومَرْعاها * وَالجِبالَ أرْساها * متاعاً لَكُمْ ولأنْعامِكُمْ} (1).
وأُخرى يدعوه إلى التفكير والاستدلال المنطقي ، فقال سبحانه : {أَمْ خُلِقُوا مِنْ

____________
(1) النازعات : 27 ـ 33 .
________________________________________


(50)


غَيْـرِ شَيء أمْ هُمُ الخالِقُونَ * أمْ خَلَقُوا السَّمواتِ والأرْضَ بَلْ لا يوقِنُونَ} (1) فعالج المشاكل العلمية والفلسفية تارة بالدعوة إلى النظر في الكون نـظرة ثاقبة فاحصة ، وأُخرى بالحثّ على التفكير في المعارف بأُسلوب منطقي وبرهاني ، وبذلك أيقظ عقول المسلمين وحثّهم على التأمّل والتدبّر في العلوم المختلفة ، دون التقليد الأعمى والتتبّع غير المتبصّر ، وجعل لأُولئك المكانة المتميّزة .
غير أنّ المسلمين سوى قليل منهم تنكّبوا عن هذا الطريق ، خصوصاً فيما يرجع إلى المعارف العليا ، فصاروا بين مشبّه ومعطّل ، فالبسطاء منهم بنوا عقائدهم بالجمود على المفردات الواردة في الكتاب والسنّة ، وبذلك استغنوا عن أيّ تعقّل وتفكّر ، إلى أن بلغت جرأتهم إلى حدّ قال بعضهم في الخالق : اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عمّـا وراء ذلك (2)!!! فهؤلاء هم المجسّمة والمشبّهة ، وأمّا غيرهم فاختاروا تعطيل العقول عن التفكّر في الله سبحانه ، فقالوا : أُعطينا العقل لإقامة العبودية لا لإدراك الربوبّية ، فمن شَغَل ما أُعطي لإقامة العبودية بإدراك الربوبية فاتته العبودية ، ولم يدرك الربوبية(3).
فالأكثرية الساحقة في القرون الأُولى كانوا بين مشبّه ومعطّل ، غير أنّه سبحانه شملت عنايته أُمّة من المسلمين رفضوا التشبيه والتعطيل ، وسلكوا طريقاً ثالثاً وقالوا بأنّه يمكن للإنسان التعرّف على ما وراء الطبيعة بما فيها من الجمال والكمال عن طريقين :
1ـ النظرة الفاحصة إلى عالم الوجود وجمال الطبيعة كما وردت في القرآن الكريم .

____________
(1) الطور : 35ـ36 .
(2) الشهرستاني ، الملل والنحل 1 : 105 ط دار المعرفة ، لبنان .
(3) علاقة الاثبات والتفويض نقلا عن الحجّة في بيان المحجة : 33 .
________________________________________


(51)


2 ـ ترتيب المقاييس المنطقية للوصول إلى الحقائق العليا ، وهذا أيضاً هو الخطّ الذي رسمه القرآن الكريم ، وسار على هذا الخطّ الأئمّة _ عليهم السلام _ من أوّلهم إلى آخرهم . ترى ذلك في كلام الإمام علي _ عليه السلام _ بوضوح ، في أحاديثه وخطبه ورسائله ، ولا يسعنا هنا أن نستعرض ولو بعضاً ممّا له _ عليه السلام _ في هذا المجال ، إلاّ أنّا نكتفي بحديث واحد .
سأله سائل : هل يقدر ربّك أن يُدخل الدنيا في بيضة من غير أن يُصغّر الدنيا أو يُكبّـر البيضة؟ فقال :«إنّ الله تبارك وتعالى لا يُنسب إلى العجز ، والذي سألتني لا يكون»(1) .
إنّ خطب الإمام علي _ عليه السلام _ ورسائله وقصار حكمه كانت هي الحجر الأساس لكلام الشيعة وآرائهم في العقائد والمعارف ، ولم يتوقّف نشاط الشيعة في ذلك المجال ، بل ونتيجة لتوالي الأئمة _ عليهم السلام _ إمام بعد إمام ، كان يعني ذلك استمرار عين المنهج السابق الذي ربّى عليه الإمام عليّ _ عليه السلام _ شيعته ، فواصل الأئمّة من بعده ـ عليهم وعليه السلام ـ في حياتهم تربية شيعتهم ، فشحذوا عقولهم بالدعوة
إلى التدبّر والتفكّر في المعارف ، حتّى تربّى في مدرستهم عمالقة الفكر من عصر سيّد الساجدين إلى عصر الإمام العسكري ، تجد أسماءهم وتآليفهم وأفكارهم في المعاجم وكتب الرجال ، وقد نبغ في عصر أئمّة أهل البيت مفكّرون بارزون أدّوا لعموم المسلمين خدمات لا تنكر ، وأشرعوا أبواب المعرفة للباحثين والمفكّرين الذين تلوهم ، ومن هؤلاء :
متكلّمو الشيعة في القرن الثاني :
1 ـ زرارة بن أعين : مولى بني عبد الله بن عمرو السمين بن أسعد بن همام بن

____________
(1) الصدوق ، التوحيد : 130 باب « القدرة» برقم 9 .
________________________________________


(52)


مرّة بن ذهل بن شيبان ، أبو الحسن : شيخ أصحابنا في زمانه ، ومتقدّمهم ، وكان قارئاً ، فقيهاً ، متكلّماً ، شاعراً ، أديباً ، قد اجتمعت فيه خصال الفضل والدين ، صادقاً فيما يرويه .
قال أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه : رأيت له كتاباً في الاستطاعة والجبر(1).
وقال ابن النديم : وزرارة أكبر رجال الشيعة فقهاً وحديثاً ومعرفة بالكلام والتشيّع (2) . وهو من الشخصيات البارزة للشيعة التي أجمعت الطائفة على تصديقهم ، وهو غنيّ عن التعريف والتوصيف .
2 ـ محمّد بن عليّ بن النعمان بن أبي طريفة البجلي : مولى الأحول « أبو جعفر» كوفي ، صيرفي يلقب بـ «مؤمن الطاق» و «صاحب الطاق» ، ويلقّبه المخالفون بـ « شيطان الطاق» . . . وكان دكّانه في طاق المحامل في الكوفة ، فيرجع إليه في النقد فيردّ ردّاً فيخرج كما يقول ، فيقال « شيطان الطاق» .
أمّامنزلته في العلم وحسن الخاطر فأشهر، وقد نسبت إليه أشياء لم تثبت عندنا.
وله كتاب « افعل لا تفعل»  وهو كتاب حسن كبير ، وقد أدخل فيه بعض المتأخّرين أحاديث تدلّ على فسادها ، ويذكر تباين أقاويل الصحابة .
وله كتاب « الاحتجاج في إمامة أمير المؤمنين _ عليه السلام _ » وكتاب كلامه على الخوارج ، وكتاب مجالسه مع أبي حنيفة والمرجئة . . . (3) .
وقال ابن النديم : وكان متكلّماً حاذقاً ، وله من الكتب كتاب الإمامة ، كتاب

____________
(1) النجاشي ، الرجال 1 : 397 / 481 ; الطوسي ، الفهرست / 314 ; الكشّي ، الرجال / 62 ; الذهبي ، ميزان الاعتدال ج2 / 2853 .
(2) ابن النديم ، الفهرست : 323 .
(3) النجاشي ، الرجال 2 : 203 / 887 ; الطوسي ، الرجال أصحاب الكاظم / 18; والفهرست للطوسي / 594 ; الكشي ، الرجال / 77 .
________________________________________


(53)


المعرفة ، كتاب الردّ على المعتزلة في إمامة المفضول ، كتاب في أمر طلحة والزبير وعائشة(1) .
3 ـ هشام بن الحكم : قال ابن النديم : هو من متكلّمي الشيعة الإمامية وبطانتهم ، وممّن دعا له الصادق _ عليه السلام _ ، فقال : «أقول لك ما قال رسول الله لحسّان : لا تزال مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك» .
وهو الذي فتق الكلام في الإمامة ، وهذّب المذهب ، وسهّل طريق الحجاج فيه ، وكان حاذقاً بصناعة الكلام حاضر الجواب(2).
ويقول الشهرستاني : وهذا هشام بن الحكم ، صاحب غور في الأُصول ، لا ينبغي أن يغفل عن إلزاماته على المعتزلة; فإنّ الرجل وراء ما يلزم به على الخصم ، ودون ما يظهره من التشبيه ، وذلك أنّه ألزم الغلاة . . . (3) .
وقال النجاشي : هشام بن الحكم ، أبو محمّد مولى كندة ، وكان ينزل بني شيبان بالكوفة ، انتقل إلى بغداد سنة (199هـ ) ، ويقال : إنّه مات في هذه السنة ، له كتاب يرويه جماعة . ثم ذكر أسماء كتبه فبلغت ثلاثين كتاباً(4) .
وأمّا أحمد أمين فيقول عنه : أكبر شخصية شيعية في الكلام ، وكان جداً قويّ

____________
(1) ابن النديم ، الفهرست : 264 وأيضاً 258 .
(2) المصدر نفسه : 257 .
(3) الشهرستاني ، الملل والنحل 1 : 185 .
(4) النجاشي ، الرجال 2 : 397 / 1165 . وذكر أسماء كتبه على النحو التالي :
علل التحريم ، الفرائض ، الإمامة ، الدلالة على حدث الأجسام ، الردّ على الزنادقة ، الرد على أصحاب الاثنين ، التوحيد ، الرد على هشام الجواليقي ، الردّ على أصحاب الطبائع ، الشيخ و الغلام في التوحيد ، التدبير في الإمامة ، الميزان ، إمامة المفضول ، الوصيّة والردّ على منكريها ، الميدان ، اختلاف الناس في الإمامة ، الجبر والقدر ، كتاب الحكمين ، الرد على المعتزلة وطلحة والزبير ، القدر ، الألفاظ ، الاستطاعة ، المعرفة ، الثمانية أبواب ، على شيطان الطاق ، الأخبار ، الردّ على المعتزلة ، الردّ على ارسطاطاليس في التوحيد ، المجالس في التوحيد ، المجالس في الإمامة .
________________________________________


(54)


الحجّة ، ناظر المعتزلة وناظروه ، ونقلت له في كتب الأدب مناظرات كثيرة متفرقّة تدل على حضور بديهيته وقوّة حججه .
إنّ الرجل كان في بداية أمره من تلاميذ أبي الشاكر الديصاني ، صاحب النزعة الإلحادية في الإسلام ، ثمّ تبع الجهم بن صفوان الجبري المتطرّف المقتول بترمذ عام (128هـ ) ، ثمّ لحق بالإمام الصادق _ عليه السلام _ ودان بمذهب الإمامية ، وما تنقل منه من الآراء التي لا توافق أُصول الإمامية ، فإنّما هي راجعة إلى العصرين اللّذين كان فيهما على النزعة الإلحادية أو الجهمية ، وأمّا بعد ما لحق بالإمام الصادق _ عليه السلام _ فقد انطبعت عقليته بمعارف أهل البيت إلى حدّ كبير ، حتّى صار أحد المناضلين عن عقائد الشيعة الإمامية(1) .
4 ـ قيس الماصر : أحد أعلام المتكلّمين ، تعلّم الكلام من عليّ بن الحسين _ عليهما السلام _ .
روى الكليني : أنّه أتى شاميّ إلى أبي عبد الله الصادق _ عليه السلام _ ليناظر أصحابه ، فقال _ عليه السلام _ ليونس بن يعقوب : أُنظر من ترى بالباب من المتكلّمين . . . إلى أن قال يونس : فأدخلت زرارة بن أعين وكان يحسن الكلام ، وأدخلت الأحول وكان
يحسن الكلام ، وأدخلت هشام بن الحكم وهو يحسن الكلام ، وأدخلت قيس الماصر وكان عندي أحسنهم كلاماً وقد تعلّم الكلام من عليّ بن الحسين _ عليهما السلام _(2) .
5 ـ عيسى بن روضة حاجب المنصور : قال عنه النجاشي : كان متكلّماً ، جيد الكلام ، وله كتاب في الإمامة . وقرأت في بعض الكتب : أنّ المنصور لمّا كان

____________
(1) إنّ للعلاّمة الحجّة الشيخ عبد الله نعمة كتاباً في حياة هشام بن الحكم ، وقد أغرق نزعاً في التحقيق ، وأغنانا عن كلّ بحث وتنقيب .
(2) الكليني ، الكافي 1 : 171 .
________________________________________


(55)


بالحيرة ، تسمّع على عيسى بن روضة ، وكان مولاه ، وهو يتكلّم في الإمامة فأُعجب به واستجاد كلامه(1).
6 ـ الضحّاك ، أبو مالك الحضرمي : كوفي ، عربي ، أدرك أبا عبد الله _ عليه السلام _وقال قوم من أصحابنا : روى عنه ، وقال آخرون : لم يرو عنه ، روى عن أبي الحسن ، وكان متكلّماً ثقة ثقة في الحديث ، وله كتاب في التوحيد رواه عنه عليّ بن الحسن الطاطري (2)  فالرجل من متكلّمي القرن الثاني .
وقال ابن النديم : من متكلّمي الشيعة ، وله مع أبي عليّ الجبّائي مجلس في الإمامة وتثبيتها بحضرة أبي محمّد القاسم بن محمّد الكوفي ، وله من الكتب : كتاب الإمامة ، نقض الإمامة على أبي عليّ ولم يتمّه(3) .
7ـ عليّ بن الحسن بن محمّد الطائي : المعروف بـ «الطاطري» كان فقيهاً ثقة في حديثه ، له كتب منها : التوحيد ، الإمامة ، الفطرة ، المعرفة ، الولاية (4) وغيرها .
وعدّه ابن النديم من متكلّمي الإمامية وقال : ومن القدماء الطاطري ، وكان شيعياً ، وله من الكتب كتاب الإمامة حسن(5).
8ـ الحسن بن عليّ بن يقطين بن موسى ، مولى بني هاشم ، وقيل مولى بني أسد ، كان فقيهاً متكلّماً ، روى عن أبي الحسن والرضا _ عليهما السلام _ ، وله كتاب مسائل أبي الحسن موسى _ عليه السلام _(6) وبما أنّ أبا الحسن الأوّل توفّي عام (183هـ ) ، والثاني توفّي عام (203هـ ) ، فالرجل من متكلّمي القرن الثاني وأوائل الثالث .

____________
(1) النجاشي ، الرجال 2 : 145 / 794 .
(2)المصدر نفسه 1 : 451 / 544 .
(3)ابن النديم ، الفهرست : 266 .
(4)النجاشي ، الرجال 2 : 77 / 665 .
(5)ابن النديم ، الفهرست : 266 .
(6)النجاشي ، الرجال 1 : 148/9 .
________________________________________


(56)


وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الإمام الرضا _ عليه السلام _(1) .
9 ـ حديد بن حكيم : أبو علي الأزدي المدائني ، ثقة ، وجه ، متكلّم ، روى عن أبي عبدالله ، وأبي الحسن _ عليهما السلام _ و له كتاب يرويه محمّد بن خالد(2) .
10 ـ فضّال بن الحسن بن فضّال : وهو من متكلّمي عصر الصادق _ عليه السلام _وذكره الطبرسي في احتجاجه ومناظرته مع أبي حنيفة ، فلاحظ(3).
إنّ ما ذكرناه من أساتذة الكلام كانوا نماذج مصغّرة من تلامذة أهل البيت _ عليهم السلام _ وخرّيجي مدرستهم ، وقد اكتفينا بذكر هذه الطائفة تجنّباً عن الإطالة والإسهاب ، ومن ابتغى الاستزادة فعليه بالمراجع التاريخية وكتب الكلام المختلفة التي حفلت بأسماء الأعلام الباقين ، أمثال حمران بن أعين الشيباني ، وهشام بن سالم الجواليقي ، والسيد الحميري ، والكميت الأسدي(4) .

متكلّمو الشيعة في القرن الثالث :
1 ـ الفضل بن شاذان بن خليل أبو محمّد الأزدي النيشابوري : كان أبوه من أصحاب يونس ، وروى عن أبي جعفر الثاني وقيل الرضا _ عليهما السلام _ وكان ثقة ، أحد أصحابنا الفقهاء ، والمتكلّمين ، وله جلالة في هذه الطائفة ، وهو في قدره أشهر من أن نصفه ، وذكر الكنجي أنّه صنّف مائة وثمانين كتاباً .
وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الإمام الهادي والعسكري . وقد توفّي عام (260هـ ) فهو من متكلّمي القرن الثالث . وقد ذكر النجاشي فهرس كتبه فراجع

____________
(1) الشيخ الطوسي ، الرجال / 7 .
(2) النجاشي ، الرجال 1 : 377 / 383 ، وذكره الخطيب في تاريخه ج 8 / 4377 .
(3) التستري ، قاموس الرجال 4 : 313 .
(4) لاحظ أعيان الشيعة 1 : 134ـ135 .
________________________________________


(57)


للاستزادة(1).
1 ـ حكم بن هشام بن حكم : أبو محمّد ، مولى كندة ، سكن البصرة ، وكان مشهوراً بالكلام ، كلّم الناس ، وحكي عنه مجالس كثيرة ، ذكر بعض أصحابنا أنّه رأى له كتاباً في الإمامة (2) وقد توفّـي والده عام (200هـ  أو 199هـ ) فهو من متكلّمي أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث .
3 ـ داود بن أسد بن أعفر : أبو الأحوص البصري ـ رحمه الله ـ شيخ جليل ، فقيه متكلّم من أصحاب الحديث ، ثقة ثقة ، وأبوه من شيوخ أصحاب الحديث الثقات ، له كتب منها : كتاب في الإمامة على سائر من خالفه من الأُمم ، والآخر مجرّد الدلائل والبراهين(3).
وذكره الشيخ الطوسي في الفهرست في باب الكنى وقال : إنّه من جملة متكلّمي الإمامية ، لقيه الحسن بن موسى النوبختي وأخذ عنه ، واجتمع معه في الحائر على ساكنه السلام ، وكان ورد للزيارة(4) ، فبما أنّه من مشايخ

____________
(1) النجاشي ، الرجال 2 : 168 / 838 ، والطوسي ، الرجال / 1و2 في أصحاب الهادي والعسكري ، والكشّي ، الرجال / 416 . وذكر النجاشي أسماء كتبه على النحو التالي :
النقض على الاسكافي في تقوية الجسم ، الوعيد ، الردّ على أهل التعطيل ، الاستطاعة ، مسائل في العلم ، الأعراض والجواهر ، العلل ، الإيمان ، الردّ على الثنوية ، إثبات الرجعة ، الردّ على الغالية المحمّدية ، تبيان أصل الضلالة ، الردّ على محمّد بن كرّام ، التوحيد في كتب الله ، الرد على أحمد بن الحسين ، الردّ على الأصمّ ، في الوعد والوعيد آخر ، الردّ على بيان إيمان ابن رباب (الخارجي) ، الردّ على الفلاسفة ، محنة الإسلام ، الأربع مسائل في الإمامة ، الردّ على المنّانية ، الرد على المرجئة ، الردّ على القرامطة ، الردّ على البائسة ، اللطيف ، القائم _ عليه السلام _ ، كتاب الإمامة الكبير ، حذو النعل بالنعل ، فضل أميرالمؤمنين _ عليه السلام _ ، معرفة الهدى والضلالة ، التعري والحاصل ، الخصال في الإمامة ، المعيار والموازنة ، الردّ على الحشوية ، الردّ على الحسن البصري في التفضيل ، النسبة بين الجبرية والبترية .
(2) النجاشي ، الرجال 1 : 328 / 349 .
(3) النجاشي ، الرجال 1 : 364 / 412 .
(4) الطوسي ، الفهرست : 221 / 875 .
________________________________________


(58)


الحسن بن موسى النوبختي المعـاصر للجبّائي (ت 303هـ ) فهو من متكلّمي القرن
الثالث .
4 ـ محمّد بن عبد الله بن مملك الاصبهاني : أصله من جرجان ، وسكن إصبهان ، جليل في أصحابنا ، عظيم القدر والمنزلة له كتب منها كتاب الجامع في سائر أبواب الكلام كبير ، كتاب المسائل والجوابات في الإمامة ، كتاب مواليد الأئمة _ عليهم السلام _ ، كتاب مجالسه مع أبي على الجبّائي (235ـ303هـ) (1) .
5 ـ ثبيت بن محمّد ، أبو محمّد العسكري : صاحب أبي عيسى الوراق (محمّد بن هارون) متكلّم حاذق ، من أصحابنا العسكريين ، وكان أيضاً له اطّلاع بالحديث والرواية ، والفقه ، له كتب في الحديث والإمامة وغيرها(2) .
6 ـ إسماعيل بن محمّد بن إسماعيل بن هلال المخزومي : أبو محمّد ، أحد أصحابنا ، ثقة فيما يرويه له كتاب التوحيد ، كتاب المعرفة ، كتاب الإمامة(3) .
7 ـ محمّد بن هارون ، أبو عيسى الوراق : له كتاب الإمامة ، وكتاب السقيفة .
قال ابن حجر : له تصانيف على مذهب المعتزلة ، وقال المسعودي له مصنّفات حسان في الإمامة وغيرها ، وكانت وفاته سنة (247هـ ) (4) .
8 ـ إبراهيم بن سليمان بن أبي داحة المزني : مولى آل طلحة بن عبيد الله ، أبوإسحاق ، وكان وجه أصحابنا البصريين في الفقه والكلام والأدب والشعر(5).

____________
(1)النجاشي ، الرجال 2 : 297 / 1034 .
(2) المصدر نفسه 1 :293 / 298 ، وثبيت على وزن زبير .
(3) المصدر نفسه 1 : 120 / 66 .
(4) النجاشي الرجال 2 : 280 / 1017 ; ابن حجر : لسان الميزان ج5 / 1360 ، المحقّق الداماد ، الرواشح السماوية : 55 ومر ذكره في ترجمة ثبيت ، وما في كلام ابن حجر من عدّه من المعتزلة ، ناشئ عن الخلط بين المعتزلة والإمامية .
(5) المصدر نفسه 1 : 87 / 13 .
________________________________________


(59)


9ـ الشكّال : قال ابن النديم : صاحب هشام بن الحكم وخالفه في أشياء إلاّ في أصل الإمامة ، وله من الكتب : كتاب المعرفة ، كتاب في الاستطاعة ، كتاب الإمامة ، كتاب على من أبى وجوب الإمامة بالنصّ(1) .
10 ـ الحسين بن اشكيب : ثقة مقدّم ، ذكره أبو عمرو في كتاب الرجال في أصحاب أبي الحسن العسكري _ عليه السلام _ ووصفه بأنّه عالم متكلّم مؤلّف للكتب له من الكتب : كتاب الردّ على من زعم أنّ النبيّ _ صلى الله عليه وآله وسلم _ كان على دين قومه ، والردّ على الزيدية(2) .
11ـ عبد الرحمن بن أحمد بن جبرويه ، أبو محمّد العسكري : متكلّم من أصحابنا ، حسن التصنيف ، جيّد الكلام . من كتبه : كتاب الكامل في الإمامة ، كتاب حسن(3) .
12 ـ عليّ بن منصور ، أبو الحسن ، كوفي سكن بغداد ، متكلّم من أصحاب هشام ، له كتب ، منها كتاب التدبير في التوحيد والإمامة(4) .
13 ـ عليّ بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم بن يحيى التمّار : أبو الحسن مولى بني أسد ، كوفي ، سكن البصرة ، وكان من وجوه المتكلّمين من أصحابنا ، كلّم أبا الهذيل (135 ـ 235هـ ) والنظّام (160 ـ 231هـ ) له مجالس وكتب منها كتاب الإمامة ، كتاب مجالس هشام بن الحكم وكتاب المتعة(5).
وقال ابن النديم : أوّل من تكلّم في مذهب الإمامة عليّ بن إسماعيل بن ميثم التمّار ، وميثم (جدّه) من أجلّة أصحاب عليّ ـ رضي الله عنه ـ ولعليّ من الكتب
كتاب الإمامة و كتاب الاستحقاق(6).

____________
(1) ابن النديم الفهرست : 264 .
(2) النجاشي الرجال 1 : 146 / 87 .
(3) النجاشى ، الرجال 2 : 47 / 623 .
(4)المصدر نفسه 2 : 71 / 656 .
(5) النجاشي ، الرجال 2 : 72 / 659 .
(6)ابن النديم ، الفهرست : 263 .

________________________________________

(60)


متكلّمو الشيعة في القرن الرابع :
1 ـ الحسن بن علي بن أبي عقيل : أبو محمّد العماني ، الحذّاء ، فقيه متكلّم ثقة ، له كتب في الفقه والكلام ، منها كتاب « المتمسّك بحبل الرسول » (1).
2ـ إسماعيل بن عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت : كان شيخ المتكلّمين من أصحابنا وغيرهم ، له جلالة في الدنيا والدين ، يجري مجرى الوزراء في جلالة الكتاب ، صنّف كتباً كثيرة ، منها : كتاب الاستيفاء في الإمامة ، التنبيه في الإمامة .
وقال ابن النديم : أبو سهل ، إسماعيل بن عليّ بن نوبخت ، من كبار الشيعة ، وكان أبو الحسن الناشئ يقول : إنّه أُستاذه ، وكان فاضلا ، عالماً ، متكلّماً ، وله مجالس بحضرة جماعة من المتكلّمين . . . وذكر فهرس كتبه (2).
3 ـ الحسين بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه : (أخو الصدوق( القمي أبو عبد الله ، ثقة ، روى عن أبيه إجازة ، وله كتب منها : كتاب التوحيد ونفي التشبيه ، وقد توفّي أخوه عام (381هـ ) فهم من أعيان القرن الرابع ، وهو وأخوه ولدا بدعوة صاحب الأمر _ عليه السلام _ ، ترجمه ابن حجر في لسان الميزان (3)  .
4 ـ محمّد بن بشر الحمدوني « أبو الحسين السوسنجردي» : متكلّم جيد الكلام ، صحيح الاعتقاد ، كان يقول بالوعيد ، له كتب ، منها : كتاب المقنع في الإمامة ، كتاب المنقذ في الإمامة(4).

____________
(1) النجاشي ، الرجال 1 : 153 / 99 .
(2) ابن النديم ، الفهرست : 265 .
(3) النجاشي ، الرجال 1 : 189 / 161 ; ابن حجر ، لسان الميزان 2 : 306 /1260 .
(4) المصدر نفسه 2 : 298 / 1037 .
________________________________________


(61)


وقال ابن النديم : السوسنجردي من غلمان أبي سهل النوبختي ويكنّى أباالحسن ، ويعرف بالحمدوني منسوباً إلى آل حمدون ، وله من الكتب كتاب الإنقاذ في الإمامة(1).
وقال ابن حجر : كان زاهداً ورعاً متكلّماً ، على مذهب الإمامية ، وله مصنّفات في نصرة مذهبه (2) .
5 ـ يحيى أبو محمّد العلوي من بني زبارة : علوي ، سيّد ، متكلّم ، فقيه ، من أهل نيشابور . قال الشيخ الطوسي : جليل القدر ، عظيم الرئاسة ، متكلّم ، حاذق ، زاهد ، ورع ، لقيت جماعة ممّن لقوه وقرأوا عليه ، له كتاب إبطال القياس ، وكتاب في التوحيد(3) .
6 ـ محمّد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي ، أبو جعفر : متكلّم ، عظيم القدر حسن العقيدة ، قويّ في الكلام ، له كتب في الكلام ، وقد سمع الحديث ، وأخذ عنه ابن بطّة وذكره في فهرسته الذي يذكر فيه من سمع منه فقال : وسمعت من محمّد بن عبد الرحمن بن قبة .
وقال ابن النديم : أبو جعفر بن محمّد بن قبة من متكلّمي الشيعة وحذّاقهم ، وله من الكتب : كتاب الإنصاف في الإمامة ، كتاب الإمامة(4) .
وقال العلاّمة الحلّي عنه : « وكان حاذقاً شيخ الإمامية في عصره » (5) .
7 ـ عليّ بن وصيف ، أبو الحسن الناشئ : (271ـ365هـ ) ذكـره النجاشي

____________
(1) ابن النديم ، الفهرست : 266 .
(2) ابن حجر ، لسان الميزان 5 : 93 / 304 .
(3)النجاشي ، الرجال 2 : 413 / 1192 ، وقد جاءت ترجمته أيضاً / 1195 ، الشيخ الطوسي ، الفهرست/803 .
(4) ابن النديم ، الفهرست : 262 .
(5) العلاّمة ، الخلاصة ـ القسم الأوّل ـ : 143 .
________________________________________


(62)


وقال : الشاعر المتكلّم ، ذكر شيخنا ـ رضي الله عنه ـ أنّ له كتاباً في الإمامة(1) .
وقال الطوسي: كان شاعراً مجوّداً في أهل البيت _ عليهم السلام _ ومتكلّماًبارعاًوله كتب(2).
وقال ابن خلّكان : من الشعراء المحبّين ، وله في أهل البيت قصائد كثيرة ، وكان متكلّماً بارعاً ، أخذ علم الكلام عن أبي سهل إسماعيل بن عليّ بن نوبخت المتكلّم ، وكان من كبار الشيعة ، وله تصانيف كثيرة ، وقال ابن كثير : إنّه كان متكلّماً ، بارعاً من كبار الشيعة ، فهو من متكلّمي القرن الرابع(3).
10 ـ الحسن بن موسى ، أبو محمد النوبختي : شيخنا المبرز على نظرائه في زمانه قبل الثلاثمائة وبعدها ، له على الأوائل كتب كثيرة ، منها :
1 ـ كتاب الآ راء والديانات ، يقول النجاشي : كتاب كبير حسن يحتوي على علوم كثيرة قرأت هذا الكتاب على شيخنا أبي عبد الله (المفيد) ـ رحمه الله ـ .
2 ـ كتاب فرق الشيعة .
3 ـ كتاب الردّ على فرق الشيعة ما خلا الإمامية .
4 ـ كتاب الجامع في الإمامة(4).
والرجل من أكابر متكلّمي الشيعة ، عاصر الجبّائي (ت 303هـ ) ، والبلخي
( ت 319هـ ) ، وأبا جعفر بن قبة المتوفّى قبل البلخي ، فهو من أعيان متكلّمي الشيعة في أواخر القرن الثالث ، وأوائل القرن الرابع .

____________
(1)النجاشي ، الرجال 2 : 105 / 707 .
(2)الطوسي ، الفهرست :233 ط ليدن .
(3)المامقاني ، تنقيح المقال 2 : 313 / 8549 .
(4)النجاشي ، الرجال 1 : 179 / 146 ; ترجمه ابن حجر في لسان الميزان 2 : 258 / 1075 ، وترجمه هبة الدين الشهرستاني في مقدّمة فرق الشيعة .
________________________________________


(63)


وقال عنه ابن النديم : أبو محمّد الحسن بن موسى بن أُخت أبي سهل بن نوبخت ، متكلّم فيلسوف كان يجتمع إليه جماعة من النقلة لكتب الفلسفة ، مثل أبي عثمان الدمشقي ، وإسحاق وثابت وغيرهم ، وكانت المعتزلة تدّعيه ، والشيعة تدّعيه ولكنّه إلى حيّز الشيعة ما هو (كذا) لأنّ آل نوبخت معروفون بولاية عليّ وولده _ عليهم السلام _ في الظاهر ، فلذلك ذكرناه في هذا الموضع . . . وله مصنّفات ومؤلّفات في الكلام والفلسفة وغيرها . ثمّ ذكر فهرس كتبه ولم يذكر إلاّ القليل من الكثير(1).
أقول : إنّ بيت نوبخت من أرفع البيوتات الشيعية نبغ منه فلاسفة كبار ، متكلّمون عظام ، لا يسعنا هنا الحديث عنهم ، فمن أراد التفصيل فليرجع إلى الكتب المؤلّفة حول هذا البيت .
هؤلاء هم بعض أعلام الشيعة و متكلّموهم في القرون الأربعة من الذين ذادوا عن حياض الإسلام والتشيّع ببيانهم وبنانهم ، أتينا بأسمائهم في هذا المقام كنموذج عن رجالات الشيعة الأفذاذ الذين ساهموا مع إخوانهم من المفكّرين المسلمين في بناء صرح الحضارة الإسلامية الخالد ، ونختم بحثنا هذا بذكر أكبر فطاحلة الكلام ورجاله الأفذاذ ، رجل قلّ أن يسمع الدهر بمثله ، ونقصد به شيخ الأُمّة وأُستاذ المتكلّمين شيخنا المفيد (336 ـ 413هـ ) الذي نطق بفضله وعلمه وورعه وتقاه لسان كل موافق ومخالف ، وإليك نموذجاً ممّا ذكره أصحاب التذكرة وعلماء الرجال في كتبهم على وجه الإيجاز ، ونركّز على كلمات أهل السنّة و مع ذكر القليل من كلمات الشيعة في حقّه .
1 ـ قال عنه معاصره ابن النديم (ت 388هـ ) في الفهرست :
ابن المعلم أبو عبد الله ، في عصرنا انتهت رئاسة متكلّمي الشيعة إليه ، مقدّم في صناعة الكلام على مذهب أصحابه ، دقيق الفطنة ، ماضي الخاطرة ، شاهدته

____________
(1) ابن النديم ، الفهرست : 265 ـ 266 الفن الثاني من المقالة الخامسة .
________________________________________


(64)


فرأيته بارعاً . . . (1).
2 ـ وقال عبد الرحمن بن الجوزي (ت 597هـ ) :
شيخ الإمامية وعالمها ، صنّف على مذهبه ، ومن أصحابه المرتضى ، كان لابن المعلم مجلس نظر بداره ـ بدرب رياح ـ يحضره كافّة العلماء ، له منزلة عند أُمراء الأطراف ، لميلهم إلى مذهبه(2).
3 ـ وقال أبو السعادات عبد الله بن أسعد اليافعي (ت 768هـ ) :
وفي سنة ثلاث عشرة وأربعمائة توفّي عالم الشيعة وإمام الرافضة ، صاحب التصانيف الكثيرة ، شيخهم المعروف بالمفيد ، وابن المعلّم أيضاً ، البارع في الكلام والجدل والفقه ، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية . قال ابن أبي طي : وكان كثير الصدقات ، عظيم الخشوع ، كثير الصلاة والصوم ، خشن اللباس ، وقال غيره : كان عضد الدولة ربّما زار الشيخ المفيد ، وكان شيخاً ربعة نحيفاً أسمر ، عاش ستّاً وسبعين سنة ، وله أكثر من مائتي مصنّف ، وكانت جنازته مشهورة وشيّعه ثمانون ألفاً من الرافضة والشيعة(3).
4ـ ووصفه أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي (ت 774هـ ) بقوله :
شيخ الإمامية الروافض ، والمصنّف لهم ، والمحامي عن حوزتهم ، وكان يحضر مجلسه خلق كثير من العلماء وسائر الطوائف(4).
5ـ وقال الذهبي (ت 748هـ ) :
عالم الشيعة وإمام الرافضة وصاحب التصانيف الكثيرة ، قال ابن أبي طي في تاريخه ـ تاريخ الإمامية : ـ هو شيخ مشايخ الطائفة ولسان الإمامية ورئيس الكلام

____________
(1) ابن النديم ، الفهرست 266 في فصل أخبار متكلّمي الشيعة .
(2) ابن الجوزي ، المنتظم 15 : 157 .
(3) اليافعي ، مرآة الجنان 3 : 28 ط الهند .
(4) ابن كثير ، البداية والنهاية 11 : 15 .
________________________________________


(65)


والفقه والجدل ، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهية(1).
6 ـ قال ابن حجر (ت 852هـ ) بعد نقل ما ذكره الذهبي :
وكان كثير التعقيب والتخشّع والإكباب على العلم ، تخرّج به جماعة ، وبرع في المقالة الإمامية حتّى يقال : له على كلّ إمامي منّة ، وكان أبوه معلماً بواسط ، وما كان المفيد ينام من الليل إلاّ هجعة ثمّ يقوم يصلي أو يطالع أو يدرس أو يتلو القرآن(2).
7ـ وقال عنه ابن العماد الحنبلي (ت 1089هـ ) :
ابن المعلم ، عالم الشيعة ، إمام الرافضة ، وصاحب التصانيف الكثيرة ، قال ابن أبي طي في تاريخ الإمامية : هو شيخ مشايخ الطائفة ولسان الإمامية ورئيس الكلام ، والفقه ، والجدل ، وكان يناظر أهل كلّ عقيدة مع الجلالة والعظمة في الدولة البويهية(3).
هذا جانب ممّا ترجم له أهل السنّة ، وأمّا الشيعة فنقتصر على كلام تلميذيه الطوسي والنجاشي توخّياً للاختصار :
1 ـ يقول الشيخ الطوسي (385ـ460هـ ) في الفهرست :
المفيد يكنّى أباعبدالله ، المعروف بابن المعلم ، من جملة متكلّمي الإمامية ، انتهت إليه رئاسة الإمامية في وقته ، وكان مقدّماً في العلم ، وصناعة الكلام ، وكان
فقيهاً متقدّماً فيه ، حسن الخاطر ، دقيق الفطنة ، حاضر الجواب ، وله قريب من مائتي مصنّف كبار وصغار ، وفهرست كتبه معروف ، ولد سنة (338هـ ) ، وتوفّي

____________
(1) الذهبي ، العِبَر 2 : 225 .
(2) ابن حجر ، لسان الميزان 5 : 368 / 1196 .
(3) ابن العماد الحنبلي ، شذرات الذهب 3 : 199 وفيه مكان الطائفة « الصوفية » وهو لحن .
________________________________________


(66)


لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة ( 413هـ ) ، وكان يوم وفاته يوماً لم ير أعظم منه من كثرة الناس للصلاة عليه وكثرة البكاء من المخالف والموافق(1).
1 ـ ويقول تلميذه الآخر ، النجاشي (372ـ450هـ ) :
شيخنا وأُستاذنا ـ رضي الله عنه ـ فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والوثاقة والعلم . ثمّ ذكر تصانيفه(2).
وهكذا وبعد أن أوردنا بعضاً من رجالات الطائفة الذين برعوا في علم الكلام حتّى نهاية القرن الرابع ، أودّ أن أُشير إلى بعض أساتذة الفلسفة الذين لمعت أسماؤهم في سماء العالم الإسلامي بعد القرن الرابع الهجري .
مشاهير أئمّة الفلسفة بعد القرن الرابع :
1 ـ الشيخ أبو علي بن سينا : إذا كان الشيخ المفيد أكبر متكلّم للشيعة ظهر في العراق ، فإنّ الشيخ الرئيس ابن سينا (370ـ428هـ ) أكبر فيلسوف إسلامي شيعي ظهر في المشرق ، وهو من الذين دفعوا عجلة الفكر والعلم إلى الأمام خطوات كثيرة ، وقد ذاع صيته شرقاً وغرباً ، وكتبت عنه دراسات ضافية من المسلمين والمستشرقين ، ونحن في غنى عن إفاضة القول في ترجمة حياته ، وآثاره التي خلّفها ، والتلاميذ الذين تربّوا في مدرسته ، ولكن نشير إلى كتابين من كتبه لما لهما من الشهرة والمكانة :
ألف ـ الشفاء : وهو يشتمل على المنطق والطبيعيات والإلهيات والرياضيات وقد طبع أخيراً في مصر في أجزاء ، وبالإمعان فيما ذكره في مبحث النبوّة يعلم منه مذهبه ، قال : والاستخلاف بالنص أصوب ، فإنّ ذلك لا يؤدّي إلى التشعّب

____________
(1) الشيخ الطوسي ، الفهرست / 710 .
(2) النجاشي ، الرجال 2 : 327 / 1068 .
________________________________________


(67)


والتشاغب والاختلاف(1).
باء ـ الإشارات : وهو يشتمل على المنطق والطبيعيات والإلهيات ، وهو من أحسن مؤلّفاته ، وفيه آراؤه النهائية ، وقد وقع موقع العناية لمن بعده ، فشرحه الإمام الرازي (543ـ606هـ ) والمحقّق الطوسي (597ـ672هـ ) والشرح الثاني كان محور الدراسة في الحوزات العلمية .
2 ـ نصير الدين الطوسي : سلطان المحقّقيـن وأُستـاذ الحـكماء والمتكلّمين (597ـ672هـ ) وهو أشهر من أن يذكر ، شارك في جميع العلوم النظرية فأصبح أُستاذاً محقّقاً مؤسّساً ، أثنى عليه الموافق والمخالف .
3 ـ الشيخ كمال الدين ، ميثم بن عليّ بن ميثم البحراني (636 ـ 699هـ ) الفيلسوف المحقّق ، والحكيم المدقّق ، قدوة المتكلّمين ، تظهر جلالة شأنه و سطوع برهانه من الإمعان في شرحه لنهج البلاغة في أربعة أجزاء ، وله « قواعد المرام في الكلام » وكلاهما مطبوعان .
4 ـ العلاّمة الحلّي : شيخ الشيعة جمال الدين المعروف بالعلاّمة الحلّي (648 ـ 726هـ ) له الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد ، وكشف المراد في الكلام ، وكتبه في المنطق والكلام والفلسفة تنوف على العشرين .
5 ـ قطب الدين الرازي (ت 766هـ ) تلميذ العلاّمة الحلّي وأُستاذ الشهيد الأوّل ، له شرح المطالع في المنطق ، والمحاكمات بين العلمين : الرازي ونصير الدين الطوسي .
إلى غير ذلك من العقول الكبيرة التي ظهرت في الحوزات الشيعية ، كالفاضل المقداد (ت 808هـ ) مؤلّف نهج المسترشدين في الكلام ، والشيخ بهاء الدين العاملي (953ـ1030هـ ) ، والسيد محمّد باقر المعروف بالداماد (ت 1040هـ ) ، وتلميذه

____________
(1)  الشفاء ، قسم الإلهيات 2 : 564 ط إيران .
________________________________________


(68)


المعروف بصدر المتألّهين مؤلّف الأسفار الأربعة (971 ـ 1050هـ ) ، وغيرهم ممّن يتعسّر علينا إحصـاء أسمائهم فضلا عن تحرير تراجمهم .
هذه لمحة عابرة عن مشاركة الشيعة في بناء الحضارة الإسلامية في مجال
العلوم العقلية ، والتي اقتصرنا فيها على ذكر ما يتّسع به المجال من بعض
المشاهير منهم إلى أواسط القرن الحادي عشر ، حيث إنّ هناك العديد من الأسماء
الكبيرة واللامعة .
هذا وقد قام المتتبّع المتضلّع الشيخ عبد الله نعمة بتأليف كتاب حول فلاسفة الشيعة ومتكلّميهم أسماه «فلاسفة الشيعة» فسدّ بذلك بعض الفراغ جزاه الله خيراً .
ومن الجانب الآخر يجد المرء أنّ هذا العطاء المقدّس في علوم التفكير والبرهنة لم يزل متواصلا لدى الشيعة وحتّى عصرنا الحاضر هذا ، حيث ظهرت العديد من الشخصيات الفذّة والبارزة ، رفدت المكتبة الإسلامية بمؤلّفات غنيّة في الكلام والفلسفة والمنطق ، في الوقت الذي عاش فيه كثير من هؤلاء العلماء والمفكّرين في ظروف قاهرة ومصاعب جمّة ، لعبت فيها السلطات الجائرة دوراً كبيراً في مطاردة وتصفية الكثير منهم ، حتّى صار ذلك سبباً في اختفاء آثارهم وضياعها ، بل وتراكم الأساطير حولها .
وبذلك تقف على ضعف وركاكة ما ذكره المستشرق آدم متز في حقّ كلام الشيعة :
« أمّا من حيث العقيدة والمذهب ، فإنّ الشيعة هم ورثة المعتزلة ، ولابدّ أن يكون قلّة اعتداد المعتزلة بالأخبار المأثورة ممّا لاءم أغراض الشيعة ، ولم يكن للشيعة في القرن الرابع مذهب كلامي خاصّ بهم» (1).

____________
(1) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ، تعريب محمّد عبد الهادي أبو ريدة 1 : 106 ، ط الثالثة .
________________________________________


(69)


إنّ الشيعة عن بكرة أبيهم كانوا مقتفين أثر أئمّتهم ، ولم يكونوا ورثة للمعتزلة ولا لغيرهم ، وإنّما أخذت المعتزلة أُصول مذهبهم عن أئمّة أهل البيت ، كما هو واضح للجميع ، بل والمعروف كثرة المناظرات بين الشيعة والمعتزلة منذ عصر الإمام الصادق _ عليه السلام _ وإلى عصر المفيد وما بعده .
نعم ، ما أضعف ما ذهب إليه هذا المستشرق ، وفي ذلك دلالة واضحة على سطحيّة الآراء التي يذهب إليها الغرباء في الحكم على عقائد المسلمين ، ولسنا نلومه بقدر ما نلوم به إخواننا المسلمين ومفكّريهم الذين يستندون في كثير من مذاهبهم على أقوال هؤلاء وتخرّصاتهم ، حتّى أنّ الشيخ المفيد وضع كتباً في نقد المعتزلة ، كما وضع قبله بعض أئمّة المتكلّمين من الشيعة ردوداً على المعتزلة ، فكيف يكون الشيعة ورثة للمعتزلة؟ نعم إنّ القائل خلط مسألة الاتّفاق في بعض المسائل بالتبعية والاقتفاء ، فالشيعة والمعتزلة تتّفقان في بعض الأُصول ، لا أنّ أحدهما عيال على الآخر .

 

 

أضف تعليق

إسئل عمّا بدا لك من العقائد الإسلامية