لغة التشيع ولغة سائر المذاهب الإِسلامية

طباعة

المصدر : هويّة التشيّع ، تأليف : الشيخ أحمد الوائلي ، ص 94 ـ 106


 

________________________________________ الصفحة 94  ________________________________________


 

 

الفصل الخامس
 

اللغة والمذاهب الإِسلامية


 

 

     سبق أن ذكرت موقف المذاهب الإِسلامية في موضوع اشتراط عروبة الخليفة من حيث اللزوم وعدمه وكذلك اشتراط اللغة العربية في العبادات والعقود فلا داعي لإِعادة ذلك وإنما اُريد الإِشارة هنا إلى أنّ في السنة من يشترط العربية وفيهم من لا يشترطها في حين يؤكد المذهب الشيعي على اشتراطها وذلك يكون مؤشراً على عروبة التشيع و وضوح انتمائه للعربية شكلاً ومضموناً.

     من هم أئمة السنة وأقطابهم؟

     لا اُريد أن اُعيد إلى ذهن القارئ أنّ أمثال هذه البحوث إنما هي من باب إشعار الطرف الآخر بأنّه لا يلتزم بما هو لازم ولا اُريد والله يعلم أن انتقض أي إنسان ينتمي لأي قومية كما لا أستطيع في هذه المقتطفات أن أستوعب كل الأقطاب الذين قام بناء الفكر السني عليهم وعلى أقلامهم ومواقفهم وإنّما ساُقدم منهم شريحة كافية للتدليل على المطلوب. إنّ تاريخ الدنيا منذ وجد يصنف الناس إلى صنفين: صنف يقوم مقام الروح في الجسد وآخر يمثل الجسد وصنف يقوم مقام المحرك وآخر يمثل القاطرة التي يسحبها المحرك وسنرى أنّ من يقوم مقام المحرك في الهيكل السني فارسي في الأعم الأغلب، ولنبدأ بمن يسمّى بالمذاهب الأربعة:

 


________________________________________ الصفحة 95  ________________________________________

 


     المذاهب الأربعة :

 

     تذهب جملة المصادر المعتبرة إلى أن ثلاثة من هؤلاء الأربعة هم من الفرس والعربي فيهم هو الرابع فقط أما الثلاثة فأولهم:

     أولاً :

     الإِمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي وهو مولى لبني تيم الله ومولده بالكوفة(1).

     ثانياً :

     الإِمام الشافعي محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع مولى أبي لهب وقد طلب من الخليفة عمر أن يجعله من موالي قريش فامتنع، فطلب بعدها من الخليفة عثمان ذلك ففعل فهو من موالي قريش وقد ذكر ذلك كل من الرازي في كتابه مناقب الشافعي وأبو زهرة في كتابه المعروف الإِمام الشافعي(2).

     ثالثاً :

     الإِمام مالك بن أنس بن مالك ذهب كل من ابن عبد البر صاحب الإِستيعاب في كتابه الإِنتقاء، والواقدي محمد بن إسحق، والسيوطي في تزيين الممالك إلى أنّه مولىً من موالي بني تيم وليس بعربيّ(3).

     رابعاً :

     الإِمام أحمد بن حنبل وهو العربي الوحيد في المذاهب وينتمي إلى بكر بن وائل(4) على أنّه هناك من يروي أنّ الثلاثة الأوائل أيضاً عرب ولكنّ ظروف الروايات لا تخفى على الناقد وبوسع أي باحث تقييم تلك الروايات والإِنتهاء لرأي معين.

 

     أصحاب الصحاح:

     إنّ المصادر التي ترجمت لأصحاب الصحاح وزعتهم على النحو التالي من حيث أنسابهم :
 

 

____________

     (1) مناقب أبي حنيفة للموفق بن أحمد 1/16.

     (2) انظر الإِمام الصادق لأسد حيدر 3/220.

     (3) الإِمام الصادق لأسد حيدر 2/200.

     (4) طبقات الحنابلة لأبي يعلى 1/4.
 

 

________________________________________ الصفحة 96  ________________________________________

 


     أ ـ البخاري

     محمد بن إسماعيل بن إبراهيم صاحب الصحيح الشهير: أعجمي. 

     ب ـ الترمذي 

     ابن عيسى بن سورة الضرير تلميذ البخاري كذلك.

     ج ـ

     محمد بن يزيد بن ماجة مولى ربيعة، أعجمي. 

     د ـ

أحمد بن علي بن شعيب النسائي نسبة لمدينة نسا بخراسان، أعجمي.

     هـ ـ

     سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني وهي بلدة بقرب هراة.
ينسب إلى الأزد ولم ينصوا على أنّ النسبة بالأصل أم بالولاء، ويبقى انتماؤه إلى بلد أعجمي.

     و ـ مسلم

     بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري عربي منصوص على عروبته(1).

     شريحة ثالثة :

     هذه شريحة ثالثة متوزعة على المذاهب الأربعة في امتداد تاريخها الطويل غير ملتزمة بالتسلسل الزمني اُقدمها لتكون مجرد مؤشر على نسبة ما في المذاهب الأربعة من العلماء الفرس، ولا اُريد الإستقصاء لأنّه يستلزم إضاعة وقت وجهد الأولى صرفهما في مجال آخر.

    

إن معظم رواة الأحكام والأخبار، ومعظم الفقهاء والمفسرين هم من الفرس، ومنهم على سبيل المثال: مجاهد، وعطاء بن أبي رياح، و عكرمة وسعيد بن جبير. ومجاهد وعكرمة ممن يعتمد عليه البخاري والشافعي ويوثقه ويأخذ بمروياته جملة وتفصيلاً(2).

     ومنهم الليث بن سعد تلميذ يزيد بن حبيب والذي يعتبر مؤسس المدرسة


____________

     (1) أنظر في تلك وفيات الأعيان 1/21، والكنى والألقاب 3/207، ومعجم المؤلفين 12/115، ومقدمات الصحاح الستة في تراجم أصحابها.

     (2) فجر الإِسلام ص191، و204، ومعجم المؤلفين 1/59.

 

 


________________________________________ الصفحة 97  ________________________________________

 


العلمية الدينية بمصر، ويقول عنه الشافعي الليث أفقه من مالك إلا أنّ أصحابه لم يقوموا به، وهو فارسي من أهل أصفهان؛ ومنهم ربيعة الرأي شيخ الإِمام مالك وهو ابن عبدالرحمن بن فروخ من أهل فارس؛ ومنهم طاووس بن كيسان الفارسي ترجم له الشيرازي في طبقات الفقهاء؛ ومنهم البيهقي صاحبب السنن الذي قيل عنه: للشافعي فضل على كل أحد إلا البيهقي.

     ومنهم مكحول بن عبدالله مولى بني ليث، ومحمد بن سيرين مولى أنس ابن مالك، والحسن البصري الذي قيل عنه إنّه أشبه الناس بعمر بن الخطاب على حد تعبير الشيرازي في الطبقات.

     ومنهم الحاكم صاحب المستدرك، وعبدالعزيز الماجشون الأصفهاني مولى بني تميم، و عاصم بن عليّ بن عاصم مولى بني تيم ومن شيوخ البخاري، و عبدالحق بن سيف الدين الدهلوي صاحب مقدمة في مصطلح الحديث، وعبد الحكيم القندهاري شارح البخاري في حاشيته، و عبدالحميد الخسر وشاهي صاحب اختصار المذهب في الفقه الشافعي.

     و عبدالرحمن رحيم مولى بني أمية ومحدث الشام على مذهب الأوزاعي، و عبدالرحمن العضد الإِيجي صاحب كتاب المواقف، و عبدالرحمن الجامي صاحب فصوص الحكم، وعبد الرحمن الكرماني رئيس الأحناف بخراسان وصاحب شرح التجديد، و شيخي زادة صاحب كتاب مجمع الأنهار عبدالرحمن، و أحمد بن عامر المروزي صاحب كتاب مختصر المزني.

     و سهل بن محمد السجستاني صاحب كتاب إعراب القرآن، و محمد بن إدريس أبو حاتم الرازي الذي يعد بمستوى البخاري، وأبو إسحاق الشيرازي صاحب كتاب التشبيه.

     وعبدالله بن ذكوان أبو الزناد عالم المدينة بالفرائض والفقه وممن روى عنه مالك والليث؛ و أحمد بن الحسين شهاب الدين الاصبهاني صاحب كتاب غاية الاختصار؛ و يعقوب بن إسحاق النيسابوري صاحب المسند الصحيح المخرج

 


________________________________________ الصفحة 98  ________________________________________

 

 


على كتاب مسلم بن الحجاج؛


     و أحمد بن عبدالله أبو نعيم صاحب الحلية، وابن خلكان صاحب وفيات الأعيان، و أحمد بن محمد الثعلبي المفسر(1).

     ولو رمت أن أمشي معك على هذا الخط فسنصل إلى نسب عالية جداً من الناحية الكمية من نسبة العلماء والمؤرخين والمفسرين من الفرس، إنّ الفكر السني بكل أبعاده مدين للفرس ومصبوغ بالفارسية وحتى الإِمام محمد بن عبدالوهاب تربّى ونشأ وتثقف على أيدي الفرس وكانت تربيته وثقافته بين كردستان وهمدان، وأصفهان وقم كما نص على ذلك جماعة(2). ومن الجدير بالذكر أنّ الألسنة الطويلة والبذيئة والمتسرعة التي تفتري ما تشاء على الفرق الإِسلامية وخصوصاً على الشيعة هي ألسنة فارسية.

     وساُقدم لك نموذجين من هذا الصنف الذي ليس على ضميره ولسانه رقيب وما قلمه شعور بالمسؤولية.
 

____________


     (1) انظر في تراجم هؤلاء معجم المؤلفين لكحالة 1/206، فجر الإِسلام ص241 والكنى والألقاب للقمي 1/6 فصاعداً.

     (2) زعماء الإِصلاح لأحمد أمين ص10.

 


________________________________________ الصفحة 99  ________________________________________

 

 


     نموذجان من السنة الفرس


     1 ـ الشهرستاني محمد بن عبدالكريم صاحب كتاب الملل والنحل من أهل شهرستان :

     وهي بليدة بين نيسابور وخراسان، إنّ هذا الرجل قد كتب عن الفرق الإِسلامية فخلط وخبط خبط عشواء وافترى ونسب اُموراً بدون علم وتثبت حتى شحن كتابه بزاد موبوء، وخلف تركة من الإِفتراء تأخذ منها الأقلام والله تعالى سائله عن ذلك وقبل أن اُقدم لك نماذج من كتاباته أود أن أذكر لك بعض آراء قومه فيه.

     أ ـ الإِمام الرازي :

     يقول في كتابه مناظرات مع أهل ما وراء النهر المسألة العاشرة متحدثاً عن كتاب الملل والنحل، إنّه كتاب حكى فيه مذاهب أهل العالم بزعمه إلا أنّه غير معتمد عليه لأنّه نقل المذاهب الإِسلامية من الكتاب المسمى بالفرق بين الفرق من تصانيف الأستاذ أبي منصور البغدادي وهذا الاستاذ كان شديد التعصب على المخالفين ولا يكاد ينقل مذهبهم على الوجه الصحيح، ثم أنّ الشهرستاني نقل مذاهب الفرق الإِسلامية من ذلك الكتاب فلهذا السبب وقع فيه الخلل في نقل هذه المذاهب(1).
 

 

____________

     (1) معجم البلدان 3/377.


________________________________________ الصفحة 100  ________________________________________

 


     هذا عن مدى توثيقه بالنقل، أما دينه وصدقه فيقول فيه بعض قومه ما يلي:

     ب ـ ياقوت الحموي في معجمه :

     مادة شهرستان قال: ولولا تخبطه أي الشهرستاني في الإِعتقاد وميله إلى هذا الإِلحاد لكان الإِمام، وكثيراً ما كنا نتعجب من فور فضله وكمال عقله كيف مال إلى شيءٍ لا أصل له واختار أمراً لا دليل عليه لا معقولاً ولا منقولاً ونعمذ بالله من الخذلان والحرمان من نور الإِيمان وليس ذلك إلا لإِعراضه عن نور الشريعة واشتغاله بظلمات الفلسفة وقد حضرت عدة مجالس من وعظه فلم يكن فيها قال الله ولا قال رسول الله ولا جواب من المسائل الشرعية والله أعلم بحاله(1).

     وبعد تقييم الشهرستاني من قبل قومه أذكر لك شيئاً مما كتبه عن الشيعة لتعرف مدى صدقه ووثاقته يقول عن الإِمامية إنّهم لم يَثبتوا في تعيين الأئمة بعد الحسن والحسين وعليّ بن الحسين على رأي واحد بل اختلافاتهم أكثر من اختلافات الفرق كلها إلى أن قال: إنّ الإِمام الصادق برئ من خصائص مذاهب الرافضة وحماقاتهم من القول بالغيبة، والرجعة، والبداء، والتناسخ، والحلول، والتشببيه، لكنّ الشيعة بعده أي بعد الصادق عليه السلام افترقوا وانتحل كل واحد منهم مذهباً(2).

     إنّ كل من له إلمام بتاريخ الإِمامية من الشيعة يعلم أنّهم لم يختلفوا في تسلسل الأئمة ابتداءً من الإِمام عليٍّ عليه السلام حتى الإِمام الثاني عشر محمد بن الحسن عليه السلام والإِمامية على ذلك منذ وجدوا، أما ماذكره من أنّ الإِمام الصادق عليه السلام تبرأ من حماقات الشيعة فهو محض افتراء ولم يحدث قط فإنّ أهل البيت أدرى بما فيه، ولو كان هنالك شيء من هذا القبيل لذكره غير الشهرستاني أما ما تفضل به على


____________

 

      (1) المناظرات للرازي ص25 بتوسط الإِمام الصادق 5/48.

      (2) الملل واللنحل هامش الفصل 1/193، وحتى 2/3.

 


________________________________________ الصفحة 101  ________________________________________

 


الشيعة من هذه العقائد التي ذكرها كالتناسخ والحلول والتشبيه فإنّ الواقع يكذبه وهذه كتب الشيعة تملأ المكتبات فليذكر لنا أين آرائهم بالتناسخ اللهم إلا أن يكون كلامه عن اُمة بائدة كانت تقول بذلك قبل هذا. نعم، الشيعة تقول بغيبة المهدي عن المعرفة بمعنى أنّه يرى ولا يعرف فهو موجود بين الناس ولكن لا يعرفونه وهو يدلي برأيه أحياناً مع بعض الآراء وقد استفادوا ذلك من جملة من الأخبار التي أوردها علماء المسلمين من السنة والشيعة كالترمذي وابن ماجة وأبي داود وابن حجر وغيرهم ويكفيك الفصل الذي كتبه ابن حجر في الصواعق فراجعه وسنشرح ذلك فيها يأتي من فصول هذا الكتاب، كما يعتقد الشيعة بالبداء مستفيدين ذلك من الكتاب والسنة:

     فالكتاب كقوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب) الرعد/39.

     وأما السنة فمثل مارواه البخاري في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أنّ ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأعمى وأقرع بدا لله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكاً الخ(1).

     وكما روى الصدوق في كتابه إكمال الدين وإتمام النعمة باسناده عن الإِمام الصادق عليه السلام: « من زعم أنّ الله عزّ وجل يبدو له في شيءٍ يعلمه أمس فابرؤا منه» (2). والبداء عند الشيعة بمعنى الإِظهار لا بعني أنّ الله يعلم بعد جهل تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، أي أنّ علم الله تعالى تعلق بوقوع أمر في الخارج ولكن بشروط موقوفيته على عدم تعلق مشيئة الله تعالى بخلافه. وهذا هو مورد البداء ومحل البداء من أقسام القضاء الإِلهي.

     ونظراً لأهمية موضوع البداء وما ثار حوله من نزاع بين المسلمين فإنّي اُحيل

 


____________


     (1) صحيح البخاري 4/146 باب ما ذكر عن بني إسرائيل.

     (2) البيان للخوئي ص390.

 


________________________________________ الصفحة 102  ________________________________________

 

 


القارئ إلى فصل مهم ممتع كتبه الإِمام الخوئي في كتابه البيان مقدمة تفسير القرآن(1).

     أما موضوع الرجعة عندهم فهو مجرد فهم من كتاب الله تعالى لبعض الآيات ولمضمون تلك الآيات، ذلك بالإضافة إلى روايات كثيرة تدعم تلك المضامين، وهي: أعني الرجعة ليست من ضروريات الإِسلام عندهم. وبوسع القارئ الرجوع إلى قوله تعالى: (ويوم نحشر من كل اُمة فوجاً) النحل/83.
وقوله تعالى : (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً) الكهف/47.

     فقد ورد في كثير من التفاسير عند الجمع بين الآيتين ما يفيد أنّ هناك حشراً قبل الحشر الأكبر وفيه روايات عن أهل البيت، وقد عقد الشيخ الصدوق في كتابه الإِعتقادات فصلاً عن الرجعة ذكر فيه دلالة الآيات والأحاديث على ذلك وقال في آخره مستدلاً بقوله تعالى :  ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعداً عليه حقاً ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون) النحل/38، ثم يقول بعد هذه الآية مباشرة :

     ليبين لهم الذي يختلفون فيه، والتبيين إنّما يكون في الدنيا لا في الآخرة فالآية واردة في الرجعة كمافهم منها الصدوق، إلى أن يقول الصدوق منبهاً إلى أنّ البعض قد يفهم من عقيدة الشيعة القول بالتناسخ فيقول في ذلك والقول بالتناسخ باطل ومن دان بالتناسخ فهو كافر لأنّ في التناسخ: إبطال الجنة والنار، إنتهى كلامه(2).

     فالمسألة في الرجعة إذاً لاتعدو فهماً من كتاب الله تعالى بإمكان وقوع رجعة في فترة معينة وكل ذلك لا يستوجب هذه الجلبة والضوضاء في كتب السنة، وكم

 


____________


     (1) البيان للخوئي ص385 فصاعداً.

     (2) الشيعة والرجعة للطبسي 2/248.

 


________________________________________ الصفحة 103  ________________________________________

 


من آراء لأهل السنة سنمر إن شاء الله على بعضها وهي قد تستوجب ضجة ولكن كتاب الشيعة يعالجونها من زاوية علمية بدون تهريج ويحترمون فهم كل كاتب ما دام له منشأ انتزاع من نص من القرآن أو السنة، وأعود بعد ذلك للشهرستاني فهو عندما يعدد الأئمة يقول: إنّ الشيعة ساقوا الإِمامة بعد موسى بن جعفر فقالوا والإِمام بعده عليّ بن موسى الرضا ومشهده بطوس ثم بعده محمد التقي وهو بمقابر قريش ثم بعده عليّ بن محمد النقي وهو مشهده بقم، وبعده الحسن العسكري الزكي وبعده ابنه محمد القائم المنتظر، هذا هو طريق الإثني عشرية(1) وكل الباحثين يعلمون أنّ الشيعة لا يقولون إنّ ابن محمد النقي مدفون بقم لأنّه مدفون بسامراء ويزوره الآن الناس والمدفونة بقم شقيقة الإِمام الرضا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

 

     2 ـ ابن حزم الأندلسي :

     هذا النموذج الثاني الذي اُقدمه وهو من الذين سلطوا لسانهم على المسلمين إنّه عليّ بن أحمد بن حزم الأندلسي الفارسي وهو من موالي يزيد بن معاوية وحسبه بذلك شرفاً وأول من دخل الأندلس من أجداده جده خلف. وكان ابن حزم في أول أمره شافعياً ثم انتقل إلى الظاهرية، وله كتب كثيرة منها الفصل في الملل والنحل والمحلى وغيرهما، ولهذا الرجل قدرة عجيبة على الإِفتعال والإِختلاق وله جرأة في التهجم على الناس تكشف عن عدم ورع وعدم التزام بالصدق وسأذكر قبل ذكر أقواله آراء قومه فيه وتقييمهم له:

     فقد قال فيه أبو العباس بن العريف: إنّ لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان. وقال مؤرخ الأندلس أبو مروان بن حيان فيما كتبه عنه في فصل طويل منه قوله: ومما يزيد في بغض الناس له حبه لبني اُمية ماضيهم وباقيهم واعتقاده بصحة إمامتهم حتى نسب إلى النصب.

      وقال ابن العماد الحنبلي كان ابن حزم كثير الوقوع في العلماء والمتقدمين لا


____________


     (1) الملل والنحل فصل الشيعة.

 


________________________________________ الصفحة 104  ________________________________________

 

 


يكاد يسلم أحد من لسانه فنفرت منه القلوب.

     ويقول عنه مصطفى البرلسي البولاقي: أما ابن حزم فالعلماء لا يقيمون له وزناً كما نقله عنهم المحققون كالتاج السبكي وغيره لأنّه وأصحابه ظاهرية محضة تكاد عقولهم أن تكون مسخت ومن وصل إلى أن يقول إن بال الشخص في الماء تنجس، أو في إناء ثم صبه في الماء لم يتنجس، كيف يقام له وزن ويعد في العقلاء فضلاً عن العلماء، ولابن حزم هذا وأضرابه من أمثال هذه الخرافات الشيء الذي لا ينحصر، ومن تأمل كذبه عن العلماء ولا سيما إمام أهل السنة أبو الحسن الأشعري علم أنّ الأولى به وبأمثاله أن يكونوا في حيّز الإِهمال وعدم رفع رأس لشيءٍ صدر منه، راجع فيما كتبناه عن ابن حزم المراجع أدناه فقد أفاضت في ترجمته وشرح حاله(1).

     وبعد شهادة هؤلاء الأعلام التي هي في الواقع رمز لمحصلة الآراء عن ابن حزم عند العلماء فإنّي لا أستكثر عليه أن يقول في آخر الفصل الذي كتبه عن الشيعة: والقوم يعني الشيعة بالجملة ذووا أديان فاسدة وعقول مدخولة وعديموا حياء نعوذ بالله من الضلال(2).

     فإذا كان هذا وأمثاله كالشهرستاني هم الذين يكتبون عن عقائد وفقه وسلوك الفرق الإِسلامية فهل يمكن للأجيال أن تثق بتاريخها وسيرة أسلافهم والأنكى من ذلك أنّ الذين ينتقدون الشهرستاني وابن حزم وأمثالهما فإنّهم إنما يحملون عليهم إذا وخزوهم أو شتموهم، أما إذا شتم الشهرستاني وابن حزم غيرهم كالشيعة مثلاً فهو صادق وتؤخذ أقواله ولا تثير حساسية.

 


____________


     (1) شذرات الذهب 3/299، والسيف اليماني للبرلسي رسالة صغيرة مع عدة رسائل، ووفيات الأعيان 1/369، ولسان الميزان 4/199 فصاعداً.

     (2) الفصل في المل والنحل 4/181.

 


________________________________________ الصفحة 105  ________________________________________


     مثال ثالث

     وسترد علينا أمثلة لذلك، ولكنّي أستعجل لك مثلاً واحداً منها يعيش في القرن العشرين في عصر الذرة وتحت أروقة جامعة حديثة وهو محمد حسن هيتو محقق كتاب المنخول للغزالي فإنّ هذا الرجل عندما يمر ببعض المواقف الحدية للغزالي من بعض المذاهب الإِسلامية كالإِمام مالك والإِمام أحمد بن حنبل والإِمام أبي حنيفة فيذكر بعض آرائهم ناقداً لها حيناً ومستهجناً حيناً آخر، مثلاً يذكر الغزالي عن ابي حنيفة رأيه في أقل الصلاة وهي: وضوء بالنبيذ في أولها وحدث في آخرها للخروج منها وبين ذلك نقر كنقر الغراب واكتفاء من القراءة بكلمة مدهامتاه باللغة الفارسية إلى آخر ما ذكره عن أقل الصلاة في رأي أبي حنيفة، وكما ذكر رأي مالك ببجواز قتل ثلث الناس إذا كان ذلك يؤدي إلى صلاح الثلثين الباقيين، وهكذا آراء بعض الأئمة التي ذكرها.

     إننا في مثل هذا نرى محمد حسن هيتو يقع في ورطة فلا يدري أينفي ذلك وفيه تكذيب للغزالي، أم يثبت ذلك وفيه طعن على أئمة المذاهب، فتراه مرة يقول انّ هذه الأقوال نتيجة لمرحلة مربها الغزالي، وتخلص منها بعد ذلك، ومرة يقول إنّ الغزالي فرد من مدرسة تؤيد أهل الحديث وتطعن في أهل الرأي وإنّ ذلك تعصب أقلع عنه الغزالي بعد ذلك كما هو واضح في مؤلفاته التي صدرت بعد ذلك كالمستصفى المتأخر عن المنخول، وعلى أنّ هذا الإِعتذار لا يحل المشكلة التي هي كون الغزالي إما صادقاً وإما كاذباً. إنّ الذي يعنينا هنا أنّ هيتو إذا مرّ الغزالي بالرافضة وشتمهم لا نجده يعلل ذلك الشتم بعصبية أو غيرها كأنّ الشيعة يستأهلون الشتم بدون نزاع وكأنّ الحرص على وحدة المسلمين ليس من موارده هذا المورد هذا إذا كان الشيعة مسلمين في نظر هؤلاء وإلا فالمسألة سالبة بانتفاء الموضوع كما يقول علماء المنطق، وعلى كل اُلفت نظر إلى ما كتبه هيتو عن الغزالي(1). والله المستعان على ما يصفون.


____________


(1) المنخول للغزالي ص354، و488.

 


________________________________________ الصفحة 106  ________________________________________

 

 

     وعوداً على بدء نقول إنّ ماقدمناه من شواهد وأمثلة كافٍ في تحديد موقع السنة من الفرس وتحديد مكان التشيع من العروبة لمن يعتبر هذا سبة وذلك فضيلة، أما المسلم الذي شعاره شعار القرآن فإنّ المسلمين عنده أكفاء بأموالهم ودمائهم وأعراضهم وأنسابهم، وإذا كانت هناك آثار متولدة من وحدة العرق والدم فإنّها سواء عند الفارسي الشيعي والفارسي السني ولا يمكن التفرقة بين الشيء ونفسه، وإلى هنا نكون ققد أعطينا صورة عن الهوية العرقية للتشيع والتسنن وبوسع طالب المزيد أن يتخذ من هذه الدراسة منهجاً وينحو هذا النحو في التوسع بالدراسة المختصة بهذا الموضوع.