الشيعة لغةً و اصطلاحاً

طباعة
المصدر : الملل والنحل ، تأليف : الشيخ جعفر السبحاني ، ج6 ص 7 ـ 11
(7)

 

الشيعة لغةً و اصطلاحاً

الشيعة لغة هم الجماعة المتعاونون على أمر واحد في قضاياهم، يقال تشايع القوم إذا تعاونوا، وربّما يطلق على مطلق التابع، قال سبحانه: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِى مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِى مِنْ عَدُوِّهِ)(1) وقال تعالى: (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإبْراهيمَ * إذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْب سَلِيم)(2) فالشيعة هم الجماعة التابعة لرئيس لهم .

وأمّا اصطلاحاً فلها إطلاقات عديدة بملاكات مختلفة:

1- الشيعة: من أحبّ عليّاً وأولاده باعتبارهم أهل بيت النبىّ الذين فرض اللّه سبحانه مودّتهم قال عزّوجلّ: (قُلْ لا أسْئَلُكُم عَلَيْهِ أَجْرَاً إلاّ المَوَدَّةَ فِى القُربَى)(3) والشيعة بهذا المعنى تعمّ كلّ المسلمين إلاّ النواصب، بشهادة أنّهم يصلّون على نبيّهم وآله في صلواتهم وأدعيتهم ويتلون الآيات النازلة في حقّهم صباحاً ومساءً، وهذا هو الإمام الشافعي يصفهم بقوله:


1 . القصص / 15 .
2 . الصافّات / 83 ـ 84 .
3 . الشورى / 23 .


(8)

يا أهلَ بيتِ رسولَ اللّهَ حبُّكُمُ * فَرضٌ من اللّهِ في القرآن أنْزلهُ
كَفاكُمُ من عَظيم الشّأن أنّكمُ * من لم يُصلِّ عليكم لا صلاة لَهُ(1)

وأمّا النواصب فهم الذين نصبوا لعلي وأهل بيته العداء وتلقّوه فريضة دينية وأعانهم على ذلك مرتزقة أصحاب البلاط، وترجع جذور هذه الفكرة إلى معاوية حيث سنّ سبّ علىّ على المنابر وتبعه أولاده وعشيرته إلى أواخر الدولة الأموية، وكتب ابن أبي سفيان إلى عمّاله في جميع الآفاق: «اُنظروا إلى من اُقيمت عليه البيّنة أنّه يحبّ عليّاً وأهل بيته، فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه» ثمّ كتب نسخة اُخرى إلى عمّاله وشدّد الأمر فيها وقال: «من اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به و اهدموا داره» .

وعلى هذا المنشور قام الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يَلعَنون عليّاً ويبرأون منه و يقعون فيه وفي أهل بيته...(2) .

2- من يفضّل عليّاً على عثمان أو على الخلفاء عامّة مع اعتقاده بأنّه رابع الخلفاء وإنّما يقدّم لاستفاضة مناقبه وفضائله عن الرسول الأعظم، والّتي دوّنها أصحاب الحديث في صحاحهم ومسانيدهم وهي تُلزم الإنسان الاعتقاد بأنّه أفضل الصحابة، وعلى ذلك معتزلة بغداد وقليل من أهل الحديث، وعلى ذلك الاصطلاح جرى أكثر من كتب في الرجال والتراجم والمقالات حيث يصفون قليلاً من الصحابة وكثير أمن التابعين بأنّه يتشيّع أو أنّه شيعي، وربّما يعدّونه من أسباب الجرح وكأنّ حبّ أهل البيت عمل اجرامي أو أنّ تقدّم الخلفاء على عليّ أصل من اُصول الدين لا يجوز تجاوزه، مع أنّ الإمامة من الفروع عند أهل السنّة فكيف درجات الخلفاء ورتبهم .

وربّما يختلط الأمر على من ليس له إلمام بالاصطلاح، فلا يفرّق بينهما،


1 . الصواعق 148 ط 1385 الطبعة الثانية .
2 . وسيوافيك مصدره وبيان عداء ابن أبي سفيان للإمام وعترته وشيعته .


(9)

وأكثر من يستعمل هذا الاصطلاح هو الذهبي في «ميزان الاعتدال» و «سير أعلام النبلاء» فيصف بعض التابعين و المحدّثين بالتشيّع ملمّحاً بذلك إلى ضعفهم، وقد رُمي أبو عبداللّه الحاكم النيسابوري بالتشيّع كمعتزلة بغداد، والمقصود تفضيلهم عليّاً على سائر الخلفاء لا أنّه الإمام المنصوص بالخلافة .

3- الشيعة: من يشايع عليّاً وأولاده باعتبار أنّهم خلفاء الرسول و أئمّة الناس بعده، نصبهم لهذاالمقام بأمر من اللّه سبحانه، وذكر أسماءهم وخصوصيّاتهم، والشيعة بهذا المعنى هو المبحوث عنها في المقام، وقد اشتهر بأنّ عليّاً هو الوصي حتّى صار من ألقابه، وذكره الشعراء بهذا العنوان في قصائدهم(1) وهو يقول في بعض خطبه:

«لا يقاس بآل محمّد من هذه الاُمّة أحد ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً. هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصيّة والوراثة...»(2) .

ومجمل القول: إنّ هذا اللفظ يشمل كل من قال: انّ قيادة الاُمة لعلي بعد الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وأنّه يقوم مقامه في كل ما يمت إليه سوى النبوة ونزول الوحي عليه. كل ذلك بتنصيص من الرسول، وعلى ذلك فالمقوّم للتشيّع وركنه الركين هو القول بالوصاية والقيادة بجميع شؤونها للإمام ـ عليه السلام ـ فالتشيّع هو الاعتقاد بذلك، وأمّا ما سوى ذلك فليس مقوّماً لمفهوم التشيّع ولا يدور عليه اطلاق الشيعة .


1 . خطب الإمام أبو محمّد: الحسن السبط حين قتل أميرالمؤمنين خطبته الغرّاء فقال: أنا ابن النبي وأنا ابن الوصي أخرجه الحاكم في مستدركه 1 / 172، وقد ذكر ابن أبي الحديد أشعاراً وأراجيز تضمّن توصيف الإمام بالوصاية عن الصحابة والتابعين، لاحظ شرح النهج 1 / 143 ـ 150 باب ما ورد في وصاية علىّ من الشعر .
2 . نهج البلاغة، الخطبة الثانية .


(10)

 

لا شك أنّ للشيعة عقائد وآراء في مجاري الأصول والفروع وربّما يشاركون غيرهم فيها وربّما يخالفونهم، ولكنّها ليست من سماتهم وأعرافهم وإنّما هي اُصول وأحكام دعاهم الدليل إلى تبنّيها من الكتاب والسنّة والعقل .

مثلا إنّ الشيعة تقول باتّحاد الصفات الذاتية للّه سبحانه معها، وكونه سبحانه غير مرئي في الدارين، وأنّ كلامه مخلوق له، و أنّه لا يكلّف ما لا يطاق، وأنّ حقيقة الأمر في أفعال العباد لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين، وأنّ الأنبياء معصومون إلى غير ذلك من الآراء، ولكنّها آراء كلامية للشيعة لا أنّها المقوّم للتشيّع بحيث لو خالف فيها رجل منهم، ولكنّه قال بالوصاية لعلي وبالقدرة لعترته، لخرج عن اطار التشيّع واُصوله.

إنّ التشيّع بهذا المعنى عبارة عن الاعتقاد باستمرار القيادة الإسلامية في قالب الوصاية لعلي وعترته، والشيعة تدّعي أنّ هذه الفكرة غرست بيد النبي في أيّام حياته، وتبنّاها لفيف من المهاجرين في عصره، وبقوا عليها بعد حياته واقتدى بهم لفيف من التابعين لهم بإحسان وتواصل الاعتقاد به من تلك العصور إلى زماننا الحاضر، وهذا هو الّذي تدّعيه الشيعة وعليه بُني صرح التشيّع ونحن في غنى عن الاتيان بنصوص أعلامهم وأكابرهم في المقام الّتي تدل على أنّ الوصاية للإمام بعد النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فالأولى طرح الموضوع على بساط البحث وعرضه على المرتكزات العقلية، ولأجل تسليط الضوء على المسائل المهمة نبحث عن الجهات التالية وكل واحدة منها في فصل خاص بها:

1- في تبيين متطلّبات الظروف في عصر النبي، فهل كانت تقتضي أن تكون صيغة الحكم هي التنصيص أو كانت تقتضي تفويض الأمر إلى اختيار الاُمّة لتنتخب الحاكم والقائد عليها؟

2- ما هو المرتكز في الأذهان في عصر الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وبعده في أمر القيادة؟


(11)

 

3- ما هو مقتضى الكتاب والسنّة في القيادة بعد الرسول؟

4- ما هو السر في مخالفة الجمهور لنصّ الرسول وتصريحه؟

5- مبدأ التشيّع وتاريخه ورواد التشيّع في عصر الرسول والصحابة والتابعين.

6- افتراضات وهميّة حول تاريخ الشيعة .

7- صيغة الحكومة الإسلامية عند أهل السنّة .

8- نصوص الخلافة والركون إلى الأمر الواقع .

9- الشيعة في عصر الدولتين الأموية والعبّاسية.

10- عقائد الشيعة الامامية الاثنا عشرية .

11- أئمّة الشيعة الاثنا عشر ونبذة عن حياتهم .

12- دور الشيعة في بناء الحضارة الإسلامية وتطوير العلوم .

13- دول الشيعة وبلدانهم عبر التاريخ .

14- مصادر علوم الشيعة .

فالذي نعتقد أنّ تحليل هذه الجهات يكشف الواقع للمحقّق ولا يُبقي له شكاً في أصالة التشيّع وأنّه استمرار للإسلام عبر الحقب والأعوام .