ما الفرق بين السنّة والشيعة ؟

طباعة

ما الفرق بين السنّة والشيعة

كثيراً ما يدور على الألسن هذا السؤال : ما الفرق بين السنة والشيعة ، مع العلم بأنّ الإسلام يجمع الفريقين ؟

الجواب :

يتّفق السنّة والشيعة على أنّ الدين عند الله الإسلام ، وأنّ الطريق إليه كتاب الله ، وسنّة نبيّه ، وأنّ الكتاب هو هذا الذي بين الدفّتين دون زيادة أو نقصان ، وإن اختلفوا في شيء ففي ببعض أسباب النزول ، أو في فهم بعض الآيات. واتّفقوا أيضاً على وجوب العمل بالسنّة النبويّة واختلفوا في طريق ثبوتها ، وبكلمة لم يختلفوا في النبي ، بل عنه كما قال الإمام علي ، وهذا الاختلاف في فهم بعض الآيات وفي السببيل التي تثبت بها السنّة النبويّة انتج الخلاف في بعض الفروق في الاُصول والفروع ، وحاصلها أنّ القضايا الدينيّة تنقسم إلى أصول عقائديّة أساسيّة ، ومسائل فرعيّة تشريعيّة ، وسنبيّن فيما يلي ما اتّفقا عليه ، وما اختلفا فيه ممّا يتّصل بالعقائد ، أمّا المسائل التشريعيّة فنتعرّض لمداركها ، وللمبادئ التي تستخرج منها ، كالكتاب والسنّة وما إليهما ، أمّا المسائل نفسها فلا حصر لها ، وقد تعرضنا إلى كثير منها في كتاب [  الفقه على المذاهب الخمسة ].

و « الزواج والطلاق على المذاهب الخمسة ». و « الوصايا والمواريث على المذاهب الخمسة ».

العقائد :

إنّ المسلمين جميعاً يؤمنون بالله ، ونبوّة محمّد ، وبالبعث والحساب ، واتّفقوا بكلمة واحدة على أنّ من جحد أصلاً من هذه الاُصول االثلاثة فليس من السلام في شيء ، وأيضاً اتّفقوا على أنّ من أنكر وجوب الصوم والصلاة والحجّ والزكاة ، واستحلّ شيئاً من المحرّمات الضروريّة ، كالخمر والزنا والسرقة والقمار والكذب وقتل النفس المحرّمة ، وما إلى ذاك ممّا ثبت بضرورة الدين ، واتّفقت عليه كلمة المسلمين فليس بمسلم ، حتّى ولو قال : « لا له إلا الله محمد رسول الله » ، لأنّ إنكار شيء ممّن هذا النوع يستدعي إنكار نبوّة محمّد وشريعته ، وهذه هي المبادئ التي تجمع فرق الممسلمين على كثرتهم وتنوّع آرائهم.

ثمّ اختلف السنّة (1) والشيعة في أمور ، منها ما يتّصل بالعقيدة ، ومنها يتّصل بمبادئ التشريع ، فمن الاُولى :

معرفة الله :

1 ـ بعد أن اتّفق الإماميّة والسنّة على أنّ معرفة الله واجبة على كلّ إنسان ، بمعنى أنّ عليه أن يبحث ، وينظر إلى الدلائل التي تؤدّي به إلى الجزم واليقين بوجود الخالق اختلفوا في مصدر هذا الوجوب : هل هو العقل أو الشرع ؟

قال الإماميّة : إنّ معرفة الله تجب بالعقل ، لا بالشرع ، أيّ إنّ العقل هو الذي أوجب على الإنسان أن يعرف خالقه ، أمّا ما جاء في الشرع من هذا الباب كقوله تعالى « فاعلم أنّه لا إله إلّا هو فهو بيان وتأكيد لحكم العقل ، وليس تأسيساً جديداً من الشارع ».

وقال السنّة : بل تجب المعرفة بالشرع لا بالعقل ، أيّ أنّ الله وحده هو الذي أوجب على الناس أن يعرفوه.

رؤية الله :

2 ـ قال بعض السنّة : رؤية الله ممكنة في الدنيا والآخرة ، والبعض قال بإمكانها في الآخرة فقط ، بل قال الحنابلة : إنّه جسم ، ولكن لا كالأجسام.

وقال الإماميّة : إنّ رؤية الله محال وغير ممكنة لا في الدنيا ولا في الآخرة.

صفات الباري :

3 ـ قال السنّة : إنّ صفات الله غير ذاته.

وقال الإماميّة : بل هي عينها.

وقال السنّة : إنّ أفعال الله لا تعلّل بالأغراض والمقاصد ، أيّ إنّه تعالى لا يفعل شيئاً لغاية خاصّة ، لأنّه لا يجب عليه شيء ، ولا يقبح منه شيء.

وقال الإماميّة : إنّ جميع أفعاله معلّلة بمصالح تعود على الناس ، أو تتعلّق بنظام الكون « سبحانك ما خلقت هذا باطلاً  ».

وقال السنّة : كلام الله قديم وغير مخلوق.

وقال الإماميّة : بل هو حادث ومخلوق.

وقال الإماميّة : إنّ أمر الله بالشيء يدلّ على إرادته له ، وإنّ نهيه عنه يدلّ على كراهيّته للمنهي عنه ، ومحال أن يأمر بما يكره ، وينهى عمّا يحبّ.

وقال السنّة : إنّ الله يأمر بما لا يريد ، بل ربّما أمر بما يكره ، وإنّه ينهي عمّا لا يكره ، وربّما نهى عمّا يحبّ.

وقال السنّة : الخير والشرّ من الله ، وإنّه هو الذي فعل ويفعل الظلم والشرك ، وجميع القبائح ، لأنّه خالق كل شيء.

وقال الإماميّة ، الخير من الله ، بمعنى أنّه أراده وأمر به ، ومن العبد أيضاً ، لأنّه صدر منه بإختياره ومشيئته ، أمّا الشرّ فمن العبد فقط ، لأنّه فاعله ، وليس من الله ، لأنّه نهى عنه ، والقبائح يستحيل فعلها على الله عزّ وجلّ.

وقال السنّة : يجور أن يكلّف الله الناس بما لا يطيقون ، لأنّه لا يجب عليه شيء ولا يقبح منه شيء.

وقال الإماميّة : التكليف بغير المقدور ممتنع عقلاً وشرعاً.

وقال الإماميّة : الإنسان مخيّر لا مسيّر.

وقال السنّة : إنّه مسيّر لا مخيّر.

وقال السنّة : إنّ العقل لا يدرك حسناً ولا قبحاً ، وإنّما الحسن ما أمر به الشرع ، والقبيح ما نهى عنه ، ولو أمر بما نهى لصار حسناً ، بعد أن كان قبيحاً. أو نهى عمّا أمر به لصار قبيحاً بعد ان كان حسناً ولذا يقولون :

هذا حسن ، لأنّ الله أمر به ، وهذا قبيح ، لأنّه نهى عنه.

وقال الإماميّة : إنّ العقل يدرك الحسن والقبح مستقلّاً عن الشرع ، ويقولون :

أمر الله بهذا ، لأنّه حسن ، ونهى عنه ، لأنّه قبيح.

وقال الشيعة : إنّ جميع المسبّبات ترتبط بأسبابها ، فالماء هو الذي يروي والطعام هو الذي يشبع ، والنار هي التي تحرق.

وقال السنّة : لا سبب إلّا الله فهو الذي يحدث الري عند الشرب وهو الذي يحدث الشبع عند الأكل ، والإحراق عند النار ، وقال بعضهم : بتكفير من اعتقد أنّ الله أودع قوّة الري في الماء ، والإحراق في النار ، وما إلى ذاك.

بعثة الأنبياء وعصمتهم :

قال السنّة : لا يجب على الله أن يبعث أنبياء يبيّنون للناس موارد الخير والشرّ ، ويجوز أن يتركهم بلا هاد ولا مرشد ، لأنّه لا يجب عليه شيء ، ولا يقبح منه شيء.

وقال الإماميّة : بل تجب بعثة الأنبياء ، لأنّهم يقرّبون الناس إلى الطاعة ، ويبتعدون بهم عن المعصية.

وقال السنّة تجوز الذنوب على الأنبياء الكبائر منها والصغائر قبل أن يصبحوا أنبياء ، أمّا بعد النبوّة فلا يجوز عليهم الكفر ولا تعمد الكذب ، وتجوز عليهم الصغائر عمداً وسهواً ، والكبائر سهواً لا عمداً.

وقال الإماميّة : الأنبياء معصومون من الذنوب كبيرها وصغيرها ، قبل النبوّة وبعدها ، ولا يصدر عنهم ما يشين لا عمداً ولا سهواً ، وإنّهم منزّهون عن دناء‌ة الآباء ، وعهر الاُمّهات.

الإمامة :

قال السنّة : إنّ الإمام يتعيّن بالإنتخاب : ويكفي أن يبايعه شخص واحد ، حتّى تتمّ له البيعة ، والعصمة ليست بشرط عندهم في الإمام. وأوجب المالكيّة والشافعيّة والحنابلة الصبر على جور الحاكم وظلمه ، ومنعوا من الخروج عليه.

وقال الإماميّة : يتعيّن الإمام بنصّ النبي ، أو بنصّ إمام معصوم ، وإنّ النبي قد نصّ بالخلافة على علي بعده بلا فاصل وأوجبوا له العصمة ، كما أوجبوا الخروج على الحاكم الجائر بقيادة الإمام المعصوم ، أو بفتوى المجتهد العادل.

وقال السنّة : يجوز أن يتقدّم المفضول على الفاضل ، وغير الأعلم والأكمل على الأعلم والأكمل.

وقال الإماميّة : يجب تقديم الأعلم والأكمل. وقد أبى عمر بن الخطاب أن يساوي في العطاء بين الفاضل والمفضول ، علاوة على تقديم الثاني على الأوّل.

هذي هي مجمل الفروق بين السنّة والشيعة فيما يتّصل بالعقيدة (2) أمّا الفروق التي ترجع إلى مدارك الأحكام فتتلخّص بما يلي :

الكتاب :

اتّفقوا جميعاً على أنّ الكتاب أحد مصادر التشريع ، بل هو المصدر الأوّل ، وأيضاً اتّفقوا على أنّ عموماته تخصّص بالخبر المتواتر الذي يفيد العلم ، وبالخبر المشهور المفيد للإطمئنان ، ومثال ذلك آيات المواريث بين الأقارب ، فإنّها تخصّص بحديث «  لا يرث القاتل  » لأنّه من الأحاديث المتواترة عند السنّة والشيعة ، واختلفوا في تخصيص عمومات الكتاب بالخبر الواحد الذي لم يصل إلى حدّ التواتر أو الشهرة.

قال الحنفيّة : يطرح الخبر الواحد ، ويبقى الكتاب على عمومه.

وقال الإماميّة والمالكيّة والشافعيّة والحنابلة : الخبر يخصص عمومات الكتاب (3).

وفي كتاب [   أصول الفقه ] للخضري أنّ الشافعي قال : إنّ الكتاب ينسخ بالكتاب ، ولا ينسخ بالسنّة ، وقال الجمهور ـ أيّ بقيّة المذاهب ـ : لا مانع من نسخ الكتاب بالسنّة.

وعند الإماميّة : أنّ الكتاب ينسخ بالخبر المتواتر ، ولا ينسخ بالخبر الواحد.

وعلى أيّة حال ، فقد اتّفق الجميع على عدم العمل بظواهر الكتاب إلّا بعد الفحص والرجوع إلى السنّة النبويّة ، ومقابلة الآية المبينة للحكم مع الأحاديث التي وردت في بابه ، لأنّ السنّة بيان وتفسير للقرآن.

السنّة النبويّة :

أجمع المسلمون بكلمة واحدة على أنّ ما ثبت عن الرسول بطريق اليقين فهو حجّة متبعة ، تماماً كالقرآن ، لقوله تعالى : وَمَا آتَاكُمُ الرَّ‌سُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ).

ولكن أبا حنيفة لم يثبت عنده من أحاديث الرسول إلّا سبعة عشر حديثاً ، لأنّه لا يقبل الحديث إلّا إذا رواه جماعة عن جماعة ، أو اتّفق فقهاء الأمصار على العمل به ، أو رواه صحابي ، ولم يخالفه فيه أحد. وهذا التشدّد في الحديث أدّى به إلى تضييق العمل بالسنّة ، أو طرحها بالنتيجة ، والتوسّع في العمل بالرأي ، سواء أكان الرأي قياساً أم استحساناً أم مصالح مرسلة. «  ومن الاُمور الظاهرة في فقه أبي حنيفة الحيل الشرعيّة ، وقد أصبحت فيما بعد باباً واسعاً من أبواب الفقه في مذهب أبي حنيفة وغيره من المذاهب ، وإن كانت في مذهب أبي حنيفة أظهر  » (4).

ومعنى اقتصار أبي حنيفة على العمل ب‍ 17 حديثاً فقط أنّه في النتيجة لا يعتمد على السنّة كمصدر للتشريع ، وأنّ صحيح البخاري ومسلم ، وبقيّة الصحّاح المحتويّة على مئات الأحاديث ليست بشيء ، مع أنّ الحنفيّة يعتبرونها ، ويعملون بها خلافاً لمبدأ إمامهم أبي حنيفة.

أمّا ابن حنبل فيأخذ بالحديث الصحيح إن وجده ، وإلّا فبما أفتى به الصحابة ، وإن اختلفوا تخيّر ، وإلّا فبالحديث المرسل والضعيف ، وإن فقد كلّ هؤلاء إلتجأ إلى الرأي من قياس واستصلاح. ولا يعمل به إلّا عند الضرورة.

وبهذا يتبيّن الفرق بين مسلك ابن حنبل ، ومسلك أبي حنيفة ، فالأوّل يوسع دائرة الأخبار ، ويضيق دائرة الرأي ، والثاني على العكس يوسع دائرة الرأي ، ويضيق دائرة الأخبار ، ومن هنا كان المدى بعيداً بين فقه المذهبين.

أمّا مالك فوسط بين الأثنين ، فهو لا يشترط في الحديث الشهرة كأبي حنيفة ، ولا يأخذ بالضعيف كما هي الحال عند ابن حنبل ، ويعمل بالخبر الواحد بشرط عدالة الراوي ، أو أمانته ، ولكنّه يقدم عمل أهل المدينة على الحديث الصحيح ، ويرى أنّ الناس لهم تبع ، وإذا أعوزه عمل أهل المدينة ، والحديث الصحيح لجأ إلى الرأي بجميع أقسامه من قياس واستحسان واستصلاح.

أمّا الشافعي فيأخذ بالحديث إذا رواه ثقة عن ثقة مشهوراً كان أو غير مشهور ، وإذا لم يجده عمل بالقياس فقط دون الإستحسان والإستصلاح.

أمّا الإماميّة فيأخذون بكلّ حديث يرويه الثقات عن رسول الله ، أو عن أحد أئمّتهم الأطهار (5) ويعتقدون أنّ أقوال الإمام في الشريعة هي عين أقوال جدّهم رسول الله (ص) ، سواء أسندها إليه ، أم أرسلها بدون إسناد ، وأنّ الكذب والخطأ محال في حقّه ، وبهذا كان عندهم من الأحاديث ما يغنيهم عن الرأي بشتى أقسامه ، قال الشيخ جعفر في كتابه [ كشف الغطاء ] المسألة السادسة والأربعون : «  إنّ الفقيه ـ أيّ الإماميّ ـ لا يحتاج إلى الأدلّة الظنيّة ، لأنّه في غنى ـ غالباً ـ بالآيات القرآنيّة ، والأخبار المتواترة المعنويّة والسيرة القطعيّة التلقاة خلفاً بعد سلف من زمان الحضرة النبويّة والإماميّة  ».

ومن هنا كان الاختلاف بين فقهاء الإماميّة أقلّ وأضيق من الإختلاف بين أئمّة المذاهب الأربعة ، لأنّ العمل بالحديث وبالرأي عند الربعة يختلف سعة وضيقاً ، أمّا الإماميّة فهم متّفقون على مصادر التشريع ومدارك الفقه.

وربّ قائل : إنّ الإماميّة يعدون العقل من الأدلّة الفقهيّة ، ويلجأون إليه ، حيث يعوزهم النصّ ، وهذا عين العمل بالرأي ، أو قريب منه.

الجواب :

إنّ الفرق بين الرأي الذي يعتمده السنّة ، وبين العقل الذي يعتمده الإماميّة تماماً كالفرق بين الذات والموضوع. فالسنّي حين يعتمد على الرأي يتّخذ من نفسه مشرعاً للأحكام ، ويصرف النظر عن المشرع الحقّ ، أمّا الإمامي حين يعتمد العقل فإنّه يعتمده كطريق كاشف عن حكم الشرع ـ مثلاً ـ السنّي يحكم بنجاسة النبيذ لمجرّد ظنّه وحدسه بأنّ سبب النجاسة هو السكّر ، دون أن يعتمد في ذلك على نصّ من الكتاب أو السنّة. أمّا الإماميّ فيقول : لا يسوغ لنا أن نستخرج من عند أنفسنا علّة النجاسة ما دام الذي حرم الخمر وأوجب نجاستها لم ينصّ على العلّة ، أمّا إذا نصّ عليها ، وقال : الخمرة نجسة ، لأنّها مسكرة ساغ لنا ، والحال هذه ، أن نعمم الحكم لكلّ مسكر ، وبدون هذا النصّ لا يجوز لنا بحال أن نتأوّل ونتمحل ، وإلّا اتّخذنا لأنفسنا صفة التشريع ووضع الأحكام.

وقد مثل الإماميّة لحكم العقل بقضايا عقليّة بحتة ، كحكمه بقبح الظلم ، والإعانة على الإثم ، وقبح الكذب الضارّ ، وحسن الصدق النافع ، وردّ الوديعة ، والبراء‌ة الأصليّة فيما لا نصّ فيه ، لقبح العقاب بلا بيان ، وكتقديم الأهمّ على المهمّ ، وما إلى ذاك ممّا يعلم فيه حكم الشرع بالضرورة والبداهة ، على أنّ أكثر القضايا التي استقلّ العقل بإدراكها قد ورد فيها نصّ صريح من الشرع مؤكّداً لحكم العقل.

الصحابة :

قال السنّة : إنّ الصحابة جميعهم عدول ، ولا تطلب تزكيتهم «  مسلم الثبوت وشرحه وأصول الفقه للخضري ».

وقال الإماميّة : إنّ الصحابة كغيرهم ، فيهم الطيّب والخبيث ، والعادل والفاسق.

واتّفق السنّة على أنّ فتوى الصحابي ليست حجّة على صحابي مثله ، واختلفوا هل هي حجّة على غير الصحابي.

قال مالك ، والشافعي في القديم وابن حنبل في رواية : إنّ قول الصحابي حجّة على غير الصحابي ، تماماً كسنّة رسول الله « مسلم الثبوت وشرحه  ».

وقال الإماميّة : إنّ فتوى الصحابي ليست بحجّة على أحد ، وإنّه من هذه الجهة لا يمتاز في شيء عن غيره.

الإجتهاد :

أقفل السنّة باب الاجتهاد مقتصرين على المذاهب الربعة منذ القرن الرابع الهجري ، وما زال مقفلاً عندهم ، حتّى اليوم ، وفي الأيّام الأخيرة دعا أفراد من علمائهم إلى فتحه ، كالشيخ محمّد عبده والشيخ المراغي وشيخ الأزهر فضيلة الشيخ شلتوت.

وباب الإجتهاد مفتوح على مصراعيه عند الإماميّة لكلّ من له الأهليّة والكفاء‌ة.

وأجاز السنّة أن يقلّد الجاهل في الأحكام الشرعيّة العالم الميّت. وأكثر الإماميّة على عدم الجواز.

قال السيّد محسن الأمين في الجزء الأوّل من [ أعيان الشيعة ] : إنّ سدّ باب الإجتهاد عند السنّة أقرب إلى المصلحة ما داموا عاملين بالرأي ، لأنّ العمل به يستدعي تعدّد الأقوال ، وإشاعة الخلافات والمنازعات ، أمّا فتحه عند الشيعة فلا يستدعي شيئاً من ذلك ، لأنّ مدارك الأحكام عندهم ترتكز على أساس معيّن ومحدّد. وفات السيّد رحمه الله أن فتحه عند الشيعة جرأ الكثير من جهّالهم على انتحاله كذباً وافتراء.

وبالمناسبة نذكر محاورة طريفة جرت بين السيد الأمين ، وعالم سنّي بدمشق ، قال هذا العالم للسيّد : أنا لو علمت مذهب الإمام جعفرالصادق لما عدوته ، ولكن لا سبيل إلى العلم به ، لأنّ الشيعة يكذبون في نسبة مذهبهم إليه.

قال له السيّد : إنّ مذهب كلّ إنسان يعلم من أتباعه ، ويؤخذ منهم ، فقد علمنا مذهب رسول الله (ص) من المسلمين ، وعلمنا مذهب أبي حنيفة ممّا نقله عنه أتباعه الأحناف ، وكذلك مذهب الشافعي وأحمد ومالك ، فيجب أن يكون الأمر كذلك بالنسبة لمذهب الإمام الصادق.

فقال العالم السنّي : لا بدّ من حكم خارج عن الفريقين.

فقال السيّد : إذن نحكم اليهود والنصارى.

قال السنّي : كيف تقول هذا ؟

قال السيّد : أنت قلته ، لا أنا. فبهت وسكت.

التصويب والتخطئة :

قال الإماميّة : إنّ الله في كلّ واقعة حكما معيّنا ، فمن ظفر به فهو المصيب ، وله أجران ، أو أكثر. ومن أخطأه فهو المجتهد المخطئ ، وله أجر واحد على بحثه وإجتهاده.

واختلف السنّة فيما بينهم ، فقال الشافعي بمقالة الإماميّة [ اللمع لأبي إسحق الشيرازي الشافعي ].

وقال الغزالي في المستصفى ج 2 ص 361 سنة 1324 هـ : «  ذهب بسر المريسي إلى أنّ الإثم غير محطوط عن المجتهدين في الفروع. فمن أخطأ فهو آثم وتابعه على هذا ابن علية وأبوبكر الأصمّ ، ووافقه جميع نفاة القياس ، ومنهم الإماميّة  ».

وغريب هذا الخطأ الفاضح المشين من عالم كالغزالي ، فقد ذكر الإماميّة في كتب الحديث والفقه والاُصول انّ المجتهد المخطئ معذور ، وفي كتاب [ كشف الغطاء ] للشيخ جعفر البحث السابع والأربعين ص 39 ما نصّه بالحرف «  اشتهر على لسان الفريقين ـ أيّ السنّة والشيعة ـ رواية أنّ الفقيه إذا أخطأ كان له حسنة ، وإذا أصاب فله عشر  ».

وقال الغزالي ومالك وأبو حنيفة : ان كلّ مجتهد مصيب ، لأنّ الحكم الواقعي يتبع ظنّ المجتهد ، ويقال لهؤلاء مصوبة. [ المستصفى واللمع والخضري ].

وعلى أيّة حال ، فمن نسب إلى جميع السنّة القول بالتصويب فقد اشتبه ، كما اشتبه الغزالي في نسبته إلى الإماميّة القول بأنّ المجتهد المخطئ آثم.

رائحة التشيّع :

قال لي أحد الإخوان : أصحيح أنّ السنّة يشترطون في الراوي ان لا تكون فيه رائحة التشيّع ؟ وهل وجدت في كتبهم مصدراً لهذا القول ؟

قلت له : هذا قول المتعصّبين منهم ، وليس مبدأ عاماً عند علمائهم.

انّ المحقّقين والمنصفين يشترطون فيما يشترطون للأخذ برواية الراوي أن لا يستحلّ الكذب في دينه ، وكفى. نقل الغزالي في كتاب [ المستصفى ] عن الشافعي أنّه قال : « تقبل شهادة أهل الأهواء إلّا الخطابيّة من الرافضة ، لأنّهم يرون الشهادة بالزور لمن وافقهم بالمذهب  ».

وقال الخضري في الكتاب [ أصول الفقه ص 213 سنة 1938 ] : «  أمّا المبتدعون ببدع غير مكفرة فأكثرهم على القول بقبول رواياتهم. وهو المعقول ما داموا لا يدينون بالكذب ، ولا نظن  هذا معتقداً لأيّ طائفة من المسلمين ، وإن نسب إلى الخطابيّة أنّهم يدينون بالشهادة لمن يوافقهم في الاعتقاد  » (6).

وروى أصحاب الصحاح الستّة عن رجال من الشيعة كإبان بن تغلب ، وجابر الجعفي ، ومحمّد بن حازم وعبيد الله بن موسى وغيرهم.

وعلى سبيل التفكهة نقل ما ذكره نظام الدين الأنصاري في كتاب [ فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت ] المطبوع مع المستصفي سنة 1324 ه‍. ص 140 ج 2 ، قال :

«  امّا المبيحون للكذب فلا تقبل رواياتهم البتة ، لأنّهم ما جاز في دينهم على زعمهم الكذب لا يبالون بالإرتكاب عليه ، ومنهم الروافض الغلاة والإماميّة ، فإنّ الكذب فيهم أظهر وأشهر ، حتّى صاروا مضرب المثل في الكذب ، وجوّزوا ارتكاب جميع المعاصي. فلا أمان لهم أن يكذبوا على رسول الله ، ولا هم يبالون بالكذب على رسول الله وأصحابه ، ومن نظر في كتبهم لم يجد أكثر المرويّات إلّا موضوعة مفتراة  ».

وإذا كان أكثر روايات الإماميّة كذباً وافتراء ، فمعنى ذلك أنّ التوحيد ونبوّة محمّد والبعث والنشر سخف وهراء ، ووجوب الصوم والصلاة والحجّ والزكاة سراب وهباء ، وتحريم الزنا والكذب والسرقة جهل وعماء ، لأنّ روايات الإماميّة جلّها في ذلك. تعالى الله ورسوله علوّاً كبيراً.

ولا نعرف فرقة من المسلمين تشدّدت في تحريم الكذب بعامّة ، وعلى الله والرسول بخاصّة كالإماميّة. فإنّهم حكموا بخروج مستحلّة من الإسلام ، وأخذوا الصدق في تحديد الإيمان ، فلقد رووا عن أئمّتهم أخباراً تجاوزت حدّ التواتر «  إنّ الإيمان أن تؤثر الصدق ، وإن ضرّك على الكذب ، وإن نفعك  ». واختصّوا دون سائر الفرق بالقول إن تعمّد الكذب على الله أو رسوله من المفطّرات ، وإن على هذا الكاذب القضاء والكفارة ، وبالغ جماعة منهم ، حيث أوجبوا عليه أن يكفر بالجمع بين عتق رقبة ، وصيام شهرين ممتتابعين ، وإطعام ستّين مسكيناً.

هذا ما جاء في كتب الإماميّة. فمن يكون الكذّاب الكفّار الإماميّة ، أو الذي يفتري على الأبرياء الأصفياء ؟! وغريب أن ينسب إلى الإماميّة هذا المتقوّل استحلال الكذب على رسول الله (ص) ، ومع أنّه جاء في كتب السنّة أنفسهم أنّ جماعة منهم تعمّدوا وضع الأحاديث على لسان رسول الله ، واحتجّوا بأنّهم يكذبون تأييداً لدينه ، وانتصاراً لشريعته ، فكذّبهم كان للنبيّ لا عليه. [ أضواء على السنّة المحمديّة لأبي رية ص 102 طبعة سنة 1958 ].

وهكذا يستحلّون الكذب على رسول الله ، ثمّ ينسبونه إلى غيرهم ، ويقولون بالتقيّة ، ثمّ يشنعون على من قال بها ، تماماً كما فعلوا في مسألة الجفر وعلم الغيب.

 الهوامش

1. نريد من السنّة الأشاعرة ، لأنّ السنّة الموجودين الآن كلّهم أتباع أبي الحسن الأشعري.

2. ما نقلناه عن السنّة مصدره الجزء الثامن من كتاب المواقف للإيجي وشرحه للجرجاني ، وشرح التجريد للقوشجي ، والمذاهب الإسلاميّة لأبي زهرة ، أمّا مصادر الإماميّة فالتجريد وشرحه ، وكشف الفوائد في شرح العقائد ، المتن للطوسي ، والشرح للعلّامة الحلّي.

3. قال أبو زهرة في كتاب الامام الصادق : «  إنّ الإماميّة مختلفون فيما بينهم في تخصيص الكتاب بالخبر وقال الميرزا النائيني الإمامي في تقريراته: إنّ هذه المسألة متّفق عليها ، وذكرها في كتب الُاصول لا تدلّ على أنّها خلافيّة ، وقال الشيخ الخراساني في كفاية الاُصول : إنّ سيرة العلماء والأصحاب على ذلك خلفًا عن سلف.

4. ضحى الإسلام لأحمد أمين ج 2 ، والمدخل إلى علم أصول الفقه للدواليبي.

5. لا يشترط الإماميّة في الراوي أن يكون إماميّاً ، ويكتفون بصدقه وأمانته سنّياً كان أو شيعيّاً ، وقد صرّحوا بذلك في جمميع كتب الرجال ، منها كتاب [ تنقيح المقال ] للمقمقاني قال في جلد 1 ص 206 : «  ورد النصّ عن الإمام أن نأخذ برواية من خالفنا دون ما رآه ، وقد لزمنا بذلك العمل بالخبر الموثوق الذي هو في اصطلاح العلماء من كان ثقة غير إمامي  ».

6. اختلف السنّة في الأخذ برواية الجنّ فمنهم من أجاز ، ومنهم من منع ، وأجاز السيوطي للجنّ أن يرووا عن الأنس ، ولم يجز للأنس أن يرووا عن الجنّ لعدم الثقة بعد التهم. [ انظر كتاب الأشباه والنظائر للسيوطي ص 214 مطبعة مصطفى محمد بمصر ].

مقتبس من كتاب الشيعة في الميزان