هل عصمة الأنبياء (ع) ترتبط بوجودهم في الدنيا ولا بوجودهم في غيرها ؟

طباعة

هل عصمة الأنبياء (ع) ترتبط بوجودهم في الدنيا ولا بوجودهم في غيرها ؟
 

السؤال : في قصة آدم عليه السلام ورد : {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}(طه/121). وكذلك :{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ ...}(الأعراف/20).
هل عصمة الأنبياء عليهم السلام ترتبط بوجودهم في الدنيا ، ولا ترتبط بوجودهم في غيرها من حياة، كالحياة في الجنة البرزخية ممّا يمكن أن تترتب عليه المعاصي ومقدماتها كالوسوسة ، ثمّ العصيان ؛ إذ لا تكليف إلا في الحياة الدنيا ؟
نرجو التوضيح وبيان الاشتباه إن وجد، سدد الله خطاكم وزادكم علما .


الجواب : من سماحة الشيخ محمّد السند

 


لا يخفى إنّ الامتحان والتكليف والأمر والنهي الإلهي التشريعي مختص بالنشأة الدنياوية للبشر ، كما هو مفاد قوله تعالى : {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة/38 ـ 39). فالتشريع الهادي المنجز ثوابه على طاعته ، وعقابه على مخالفته ، هو في الهبوط إلى الأرض والنشأة الدنياوية، فما كان من نهي منه تعالى في الجنة قبل الدنيا لم يكن مولودياً تشريعياً بالمعنى الذي نعهده بل إرشاد وإشفاق نصيحة منه تعالى لآدم وحواء، ويطلق العصيان على مخالفة الأمر الذي من صنف الإرشاد ، مثل أنّ الأخ يخالف أخاه الذي ينصحه فيقول له : عصيت أمري . لا سيما إذا كان الآمر يفوق المأمور في المنزلة.
 فلم يكن من آدم عليه السلام معصية حقيقية بالمعنى الذي يتبادر إلى الذهن من معنىً معهود كي يخلّ بعصمته، وهو ما عبّر عنه علماء الإمامية بترك الأوْلى ، أي كون الموافقة بنحو الأولوية في حكم العقل لا اللزوم، وسرّ التعبير بذلك في الآية هو أنّ المقرّب يُتوقع منه ما لا يتوقع من الأباعد ومن هنا قيل : « حسنات الأبرار سيئات المقربين» ، أي أنّ الفعل الذي يعدّ حسنات الأبرار لو أتى به المقرّب على درجة الكيفية التي أتى بها الأبرار لعدّه المولى مستهينا به ،  كما في مثال الملك يتوقع من وزيره من الاحترام والتعظيم والتبعية ما لا يتوقع من سائر الرعيّة ، لا بمعنى أنّ النقصان الذي يقع في فعل الوزير معصية بالمعنى المعهود المصطلح في التكاليف العامة، بل بمعنى تركه للأولى الذي هو في شأن الوزير جفوة في مقام القرب والمقربين، فتكون غواية .
وأمّا وسوسة الشيطان فليس بمعنى تسلّطه على قلب النبي وعقله، فإنّه قد يتسلّط على بدن النبي كما في أيوب ، أو على اتباعه كما في إلقاء الشيطان في أمنية الأنبياء أي الكمال في الخارج المحيطي الذي يتمنى الأنبياء صلاحه ، فيكون ما يلقى الشيطان فتنة للاتباع، لكنه لا يتسلّط على مركز النبوة ، وهو قلب وعقل النبي اللذين يتلقيان الوحي ، وكان الشيطان قد قاسمهما ، أي أقسم بالله تعالى أن نهيه تعالى لم يتعلق بالشجرة المخصوصة ، بناءً على جعل الاستثناء في الآية منقطعاً لا متصلاً ، فكان ذلك نحو من الخداع لا التسويل ، لا سيما وانّ الدار لم تكن دار تكليف .