معاني التحريف ، ومن كلام مَن يظهر ذلك ؟

طباعة
معاني التحريف ، ومن كلام مَن يظهر ذلك ؟
السؤال : السلام عليكم :
هل مسألة تحريف القرآن خلافية عند الشيعة ، أيّ : هل هناك من يشكّ ، أو يقول : بالتحريف ، أم أنّها مسألة متّفق عليها؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً .

الجواب : سماحة السيّد جعفر علم الهدى
التحريف في اللغة : هو التغيير ، وهو على ثلاثة أقسام :
1 ـ التغيير الجزئي في بعض الكلمات : وهو واقع قطعاً في القرآن الكريم حيث نرى أنّ القراءات السبع أو العشر تختلف في الكلمات ، وبما أّنها ليست متواترة قطعاً ، فلابدّ من الالتزام بأنّه وقع بعض التغيير في الكلمات .
مثلاً : في سورة الفاتحة قرأ بعضهم : { مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } {الفاتحة/4}  ، وقرأ البعض : { ماَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} .
وكذلك قرأ بعضهم : { غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } {الفاتحة/7} ، وقرأ البعض الآخر : { غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَ غَيرِ الضَّالِّينَ } .
2 ـ التغيير بالزيادة في القرآن الكريم : وهذا باطل بإجماع المسلمين السنّة والشيعة ، بل قال المحقّقون من علماء الشيعة : إنّ الزيادة في القرآن الكريم مستحيل ؛ لأنّ كلام المخلوق لا يمكن أن يشتبه بكلام الخالق .
وقد صرّحت الآيات الشريفة بعدم وقوع هذا النوع  من التغيير في القرآن الكريم . قال الله عزّ وجلّ : { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ } {فصلت/42} . قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ  } {الحجر/9} .
3 ـ التغيير بوقوع النقيصة في القرآن الكريم : والمحقّقون من علماء الشيعة ذهبوا إلى عدم وقوع النقصية في القرآن الكريم ، وكذلك علماء أهل السنّة قالوا : بعدم وقوع النقص في القرآن الكريم ، لكّنهم يروون روايات كثيرة يظهر منها وقوع النقص في القرآن الكريم ، وأنّ بعض الصحابة كان يعتقد ذلك .
وأوّل مَن قال : بوقوع النقص في القرآن الكريم : هو عمر بن الخطّاب حيث جاء بآية الرجم الشيخ والشيخة ، وطلب من أبي بكر أن يثبّتها في القرآن الكريم ، لكن لم يُقبل منه ؛ لأنّه خبر واحد ، فباعتقاد عمر بن الخطّاب أنّ هذه الآية ساقطة من القرآن الذي جمعه المسلمون بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) .
وكذلك من القائلين بالتحريف ، ووقوع النقص في القرآن الكريم عائشة حيث قالت : « إنّ سورة الأحزاب كانت مائتي آية (200) على عهد رسول اله  (صلّى الله عليه وآله) ، فلمّا جمع عثمان المصاحف لم نقدر منها إلاّ على ما هو الآن » .
وقال ابن كعب لزّر : « يا زّر : كأيّن تقرأ سورة الأحزاب » .
قال  : « سبعين ونيّف آية » .
فقال : « إنّها كانت لتضاهي سورة البقرة أو أكثر » . راجع كتاب " الإتقان " للسيوطي.
وفي تفسير : " الدرّ المنثور " في سورة المائدة ذيل قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} {المائدة/67} . روى عن بعض الصحابة أنّها نزلت هكذا :{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ـ (أنّ عليّاً مولى المؤمنين )ـ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }.
فهذه الجملة : { أنّ عليّاً مولى المؤمنين} باعتقاد هذا الصحابي الجليل ساقطة من القرآن الكريم  حسب رواية السيوطي عنه .
وكذلك في تفسير " الدرّ المنثور " في قوله تعالى : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } {نساء /24} . روى عن ابن عبّاس وغيره أنّها نزلت هكذا : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ ـ (إلى أجل مسمّى) ـ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} » .
إلى غير ذلك من الروايات التي يرويها أهل السنّة في كتبهم المعتبرة ، بل ذكر السيوطي في آخر تفسيره " الدرّ المنثور " سورتين : « الخلع ، والوفد » ، ويعتقد أهل السنّة أنّهما كانتا من القرآن لكن نسخ تلاوتهما .
وهناك روايات من طرق الشيعة أيضاً يظهر منها سقوط بعض الكلمات من القرآن الكريم ، لكنّ المحقّقين من علماء الشيعة حملوها على إرادة سقوط التفسير والتأويل وأسباب النزول ونحو ذلك ، لا وقوع النقيصة في آيات وكلمات القرآن الكريم . مضافاً إلى ضعف أسنادها .
فالقول الصحيح عند الشيعة : هو عدم وقوع النقيصة في القرآن الكريم كالزيادة . ونسبة القول ـ بالتحريف إلى الشيعة مع تصريح علمائهم بعدمه ـ غير صحيحة .
للمزيد راجع : " البيان في تفسير القرآن " للسيّد الخوئي (قدّس الله نفسه الزكيّة) ، والجزء الأوّل من : " تفسير الميزان " ، وتفسير : " مجمع البيان " .