هل صحيح انّ بعض علمائنا مثل المجلسي وغيره اقرّو بتحريف القرآن ؟

طباعة

هل صحيح انّ بعض علمائنا مثل المجلسي وغيره اقرّو بتحريف القرآن وما موقف علمائنا من كتاب « فصل الخطاب » لنور الطربلسي  الذي يتكلم بشكل واضح جداً  انّ القرآن حرف ؟

 

المحققون من علماء الشيعة يصرّحون بأنّه لم يقع في القرآن الكريم زيادة ولا نقصان ، لكنّ هناك روايات كثيرة من طرق الشيعة والسنّة ـ يظهر منها وقوع النقصية في بعض الآيات وقد حملها علماءنا على إرادة سقوط التفسير والتأويل وأسباب النزول وذكر المصاديق ونحو ذلك ممّا لا يرتبط بنفس الآيات والكلمات القرآنية ، ولعلّ المجلسي وأمثاله ذكروا هذه الروايات من غير تعليق عليها فنسب إليهم القول بوقوع النقصية في القرآن الكريم خصوصاً. وانّ المجلسي قدّس سرّه ألّف موسوعة عظيمة وسمّاه بحار الأنوار جمع فيه أكثر الروايات الواردة من طرق الشيعة ليكون بمنزلته دائرة المعارف الدينيّة ولم يكن بصدد تمحيص الروايات من حيث السند أو الدلالة. وأمّا كتاب فصل الخطاب فالظاهر كما صرّح به تلميذ
المؤلّف الشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه القيّم [ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ] انّ المحدّث النوري كان بصدد ذكر الروايات الواردة الدالّة على
النقيصته ، ثمّ الجواب عنها وتمحيصها ونقل عنه : أنّه كان الأولى تسمية كتابه باسم فصل الخطاب في عدم تحريف كتاب ربّ الأرباب ولعلّه جعل كتابه في مجلّدين أحدهما في ذكر ما يدلّ على وقوع النقيصة في القرآن ، والثاني في الجواب عن ذلك لكنّ من المؤسف انّ المجلّد الأوّل طبع ولم يطبع المجلّد الثاني وضاع كما ضاع كثير من المخطوطات والله العالم.

وعلى كلّ حال فإذا كان هناك عالم يقول بوقوع النقصية في القرآن فهو رأي شخصي له ولا يحسب على المذهب ، لأنّ أكثر علماءنا يصرّحون بعدم وقوع التحريف في القرآن الكريم لا بالزيادة ولا بالنقيصة ، والروايات الدالّة على وقوع النقيصة محمولة على سقوط ما يربط بالآيات من الشرح والتفسير الصحيح. ومن جدير بالذكر أنّ اوّل من صرّح بوقوع النقيصة في القرآن الكريم هو عمر بن الخطاب حيث أتى بآية رجم الشيخ والشيخة الزانية وطلب من أبي بكر إثباتها في القرآن الكريم ، لكنّ لم يقبل منه. فبإعتقاد عمر بن الخطاب أنّ هذه الآية سقطت من القرآن الأصلي ولا يمكن حمل دعواه على إرادة التفسير الشرح بل ادّعى انّ هذه الآية جزء من القرآن المنزل على رسول الله صلّى الله عليه وآله  ، والحال أنّنا لا نجد في القرآن الموجود بأيدى المسلمين مثل هذه الآية.

وهكذا صرحت عائشة بوقوع التحريف في القرآن الكريم حيث قالت : « انّ سورة الأحزاب كانت مائتي آية على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فلمّا جمع عثمان المصاحف لم نقدر الاّ على هذا المقدار الموجود ».

وروي عن أبي بن كعب : « انّ سورة الأحزاب كانت لتضاهي سورة البقرة أو أكثر منها ». والحال انّ سورة الأحزاب في القرآن الكريم ليست أكثر من سبعين آية. فبإعتقاد عائشة وأبي كعب ـ الذي هو من قرّآء الصحابة ـ وقوع النقيصة في القرآن الكريم فراجع الإتقان للسيوطي لترى الروايات الكثيرة التى يرويها أهل السنّة الدالّة على تحريف القرآن الكريم. ومن الطريف انّ السيوطي في الدرّ المنثور يروي عن بعض الصحابة أنّ قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) نزل هكذا : « يا ايها النبي بلغ ما انزل اليك من ربك ان علياًَ مولى المؤمنين وان لم تفعل فما بلغت رسالته » فراجع تفسير الدرّ المنثور في ذيل الآية من سورة المائدة.

ويروي أيضاً في قوله : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) عن ابن عباس انّ الآية نزلت هكذا : « فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهنّ اجورهنّ » ما هكذا في كثيرة من الآيات بل ذكر في آخر تفسير سورتان « سورة الوفد وسورة الخلع ».

نعم ذكر بعض علماء أهل السنّة أنّ هاتين وقع فيهما نسخ التلاوة ولكن هذا الكلام نفس القول بالتحريف والالتزام بوقوع النقيصة في القرآن المنزل النبي صلّى الله عليه وآله وذلك لما ذكره المرجع السيّد الخوئي قدس سره في كتابه [ البيان في تفسير القرآن ] من أنّ النسخ المدعى ان كان في زمان النبي صلّى الله عليه وآله هو الذي نسخ تلاوة ذلك فالنسخ لا يثبت بغير القطع واليقين ولا يثبت بخبر الواحد ، وإذا كان بعد زمان النبي صلّى الله عليه وآله فهو عين الالتزام بالتحريف.