التدبر في القرآن

طباعة

 

 

التدبر في القرآن
 

 

السؤال : نحن الشيعة الإمامية نعتقد بأنّ القرآن كتاب الله الخالد ومعجزة رسول الله صلى الله عليه وآله ، والقرآن معجز على أصعدة كثيرة ( الصعيد البنياني واللغوي والصعيد العلمي ....... ) ، فبما أن القرآن عميق بتلك الدرجة كيف نستطيع نحن الناس العامة أن نقرأ القرآن بتدبر وتفكر،  وهما لا ينتجان إلا عن العلم ؟ أم أنّ التدبر هو معرفة تفسير الايات ؟ لو كان التدبر هو الاتعاض بقصص من كان قبلنا التي وردت في القرآن لو قرائنا قصص القرآن أو قرائنا قصص غيره المؤثرة ؟ كيف لا تكون كثرة قرائتنا لقلقة لسان ؟ أقصد كيف التعامل مع القرآن الصحيح الموصل إلى أهداف القرآن التربوية ؟

 


الجواب: من  سماحة الشيخ محمّد السند 

 


 قد ورد في الحديث عنهم صلوات الله عليهم إنّ القرآن مأدبة الله ، والتدبر والتفكر ليس حكراً على فئة العلماء من أي تخصص كانوا .
وقد قال تعالى
: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}(محمّد/24).
وقال:{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}(سورة ص/29).
وقال:{ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}(البقرة/1ـ 5).
نعم للقرآن درجات وبطون إلى سبعين بطن وكلٌّ يغترف على قدر طاقته وقابليته ومؤهلاته العلمية والعملية بل إنّ أعماقه لا يصل إليها إلا المطهرون كما في سورة الواقعة ، كما إنّ قوله تعالى في سورة البقرة منبّه على أنّ الهداية القرآنية هي من نصيب المتقين ذوي المواصفات المتقدمة ، والتدبر والتفكر ، وإن كانا يتوقفان على العلم ودرجاته إلا أنّ العلم الفطري المودع في كل شخص بشري كفيل في توفير القدر على فهم أصول المعارف القرآنية في المجالات المختلفة ، كالعقيدة والفقه والأخلاق والآداب والحكمة والسنن التاريخية واللطائف المعنوية العرفانية وأصول القانون وأبوابه المختلفة وغيرها ، نعم تفاصيل تلك المعارف ودقائقها تتطلب الإلمام بعلوم العربية والأدب وغيرها ، والاطلاع على الروايات الواردة التفسيرية وغير ذلك ، وبإمكان القارئ للقرآن الاستعانة بالكتب التفسيرية المختلفة المعتمدة والموثوقة ، وهي تتدرج بالقارئ شيئاً فشيئاً إلى مستويات أعمق ، وإن لم يعني ذلك كونه من أهل التخصص وابداء النظر ، لكن ذلك لا يمنع فتح باب الفكر والعقل والقلب أمام أنوار هدايات القرآن ، فالسير في رحاب القرآن أمر ، والصيرورة من أهل الاختصاص والنظر أمر آخر ، وتصور الشيء أمر ، والتصديق به أمر آخر.
أمّا الاتعاظ بالقرآن وقصصه وأمثاله وحكمه ، ووصاياه وتهذيب النفس ، وصقلها في جوّ الخطاب القرآني ، فمن المعلوم أنّ ذلك لا يحصل بتلك الدرجة من غير القرآن ، فإنّ التركيب الخاص والنظم المناسب سواء للألفاظ أو للمعاني أو للقضايا أو للنتائج أو للرؤى أو للمبادئ أو للعلوم وغيرها الموجود في الكتاب العزيز هو بدرجة لا تصل إليها القدرة البشرية في أي كتاب مؤلف من الإنس أو الجن ، فمن ثمّ كان ما يفعله القرآن في القارئ له من الناحية العلمية والعملية ، هو ما لا يفعله كتاب غيره ، ولأجل ذلك وصفه المشركون الذين كانوا يعارضون الدعوة المحمدية بأنّه سحر لما يشاهدونه من جذبات قرآنية تصنع في نفوسهم من دون اختيار.
 بل انّه من الثابت المقرّر بحسب الآيات والروايات والعلوم المختصة المشتهرة وغير المشتهرة أنّ قراءة القرآن لغير العارف باللغة العربية ، كأبناء اللغات الأخرى ، له تأثيره الروحي الخاص فضلاً عن الحفظ والأمن النفسي وغيره الذي توجبه قراءة القرآن على النفس والمال والأهل وغير ذلك من الخواص ، وإن كان ذلك أقلّ ما يستثمره القارئ ، ولكن ليست القراءة لقلقة مجردة كما قد يتُوهم ، نظير أذكار الصلاة وغيره من الأذكار بالاسماء والصفات الإلهية ، فالعمدة أنّ على القارئ أن يعتني في البداية في تقوية تدبراته وتأملاته أثناء القراءة للقرآن المجيد ، بتوسط معرفة غريب ألفاظ القرآن ، ثمّ التدرج في معرفة التفسير اللفظي ، ثمّ معرفة أسباب النزول ، ثمّ معرفة الروايات الواردة عن الثقل الثاني أعدال الكتاب ، ثمّ الاطلاع على بقية أنواع التفسير ، كل ذلك بحسب الوسع والتفرغ والقدرة ولو يسيراً ، فإنّه مع طول المدة وتكرر القراءة يصل القارئ إن شاء الله تعالى إلى مدارج محمودة من معرفة المعاني للآيات والسور ، لا سيما مع مراعاة جانب تهذيب النفس والتقوى ، فإنّ الهاتف والنداء القرآني يسمعه من صغى قلبه ، وطهر خلقه ، وقوى إيمانه ، كما أشارت إليه الآيات التي مرّت في صدر الكلام .