الشيعة واتهامهم بتكفير المسلمين؟

طباعة
الشيعة واتهامهم بتكفير المسلمين؟

السؤال : بســم الله الرحمن الرحيــم ، والصلاه والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسليـن نبيّنا وحبيبنـا محمـّـد (عليـه وعــلى آله وأصحابه وأزواجـه أفضل الصلاة ، وأتمّ  التســليــم) .
أمّــا بعــد : من المعلوم أن تكفير المسلم ، وإخراجه من الدين بغير حقّ ٍ منزلقٌ  خطير ، وبابُ شرٍ مستطيرٍ ، تواردت الأدلة الشرعية على النهي عنه ، والتحذير من الوقوع فيه .
ولقد ابتليت هذه الأمّة بوقوع الاختلاف والتنازع فيما بينها ، حتّى وصل الأمر إلى أن تقع بعض فرقها في حمئة التكفير لبعض مخالفيها من فرق الإسلام الأخرى ، غير أنّه لم يقع ولم يكن متصورًا أن يصل الحال إلى تكفير عموم الأمّة ، وجميع المخالفين من السابقين واللاحقين ، حتّى من أوّل مَن عُرف عنهم الوقوع في التكفير وهم الخوارج .
وإنّ الإنسان ليأخذه الذهول والعجب ممّا ينسب إلى المذهب الإمامي الإثني عشري ، وهل وقع في هذا الطريق المردي فعلاً ، وولج في التكفير العام لعموم المسلمين من أمّة محمّد (عليه الصلاة والسّلام) كما يرميه به بعض الناس؟
فإنّ خطورة آثار هذا المنهج تدعو إلى التثبت والتبيّن قبل إصدار الأحكام على الغير ، تفاؤلاً بأن يكون هذا المنسوب نوعاً من المبالغة والغلو . وكان لابدّ الباحث من تتبع كتب المذهب بغية التثبت والتريث ؛ والنظر في النصوص والروايات الكثيرة في أصحّ الكتب  وأقواها اعتماداً ، وبألسن كبار علماء المذهب ورجاله ، للتأكّد هل تؤيد ما نسب إلى الإمامية بقوة ، وتؤكّد بوضوح حقيقة هذه النسبة؟ نسأل الله للجميع الهداية .
وحتّى نعلم ـ أخي القارئ الكريم ـ هذا الأمر علماً يقينيا ًبعيداً عن التخرص -لا رمياً بالتهم بغير برهان- ننظر سوياً في كتب الشيعة لنصل إلى النتيجة الحقيقية .
الحكم على الصحابة : عقد المجلسي في كتابه « بحار الأنوار » باباً بعنوان « باب كفر الثلاثة ، ونفاقهم ، وفضائح أعمالهم » في (8 : 208 ـ 252) . من الطبعة الحجرية ، ويقصد بالثلاثة : « أبا بكر وعمر وعثمان ».
وعقد الشيخ البحراني عدّة أبواب في هذا الموضوع منها الباب (97) : « اللذان تقدما على أمير المؤمنين عليهما مثل ذنوب أمّة محمّد إلى يوم القيامة » (المعالم الزلفى:324) ، ويقصد بهما أبا بكر وعمر (رضي الله عنهما) .
وفي الباب (98) : « إنّ إبليس أرفع مكاناً في النار من عمر ، وإنّ إبليس شرف عليه في النار » (المصدر السابق : 325 ) . بل إنّهم ينعتون أبا بكر وعمر بالجبت والطاغوت كما في أصول الكافي1 : 429).
أمّا الروايات التي ينسبونها إلى الأئمة ، وفيها تكفير لجميع الصحابة ما عدا أفراداً قلائل فكثيرة ، أذكر ما يزيدك يقيناً فيما ذكرت لك: فقد روى الكليني في الكافي عن حمران بن أعين قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلت فداك! ما أقلّنا.. لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها ؟ف قال : « ألا أحدّثك بأعجب من ذلك؟ المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا - وأشار بيده- ثلاثة » ( أصول الكافي 2 :  244 ).
فانظر - أخي الكريم- كيف ينسبون إلى أبي جعفر أنه يرى أنّ جميع المهاجرين والأنصار هلكوا جميعاً إلا ثلاثة!! بل الأعجب من ذلك أنّ كتب التفسير تفسّر الآيات الكريمة تفسيراً غريباً لا يقبله عقل ، ولا تقرّه فطرة سليمة ، فعند قول الله تعالى : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ } {النور/40} . قالوا : فلان وفلان .
{ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ } . يعني ، نعثل .
{ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ } . طلحة والزبير .
{ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ } . معاوية .
انظر تفسير القمي (2 : 106) ، بحار الأنوار(23 :  304-305) .
ويوضّح لنا المجلسي معاني الكلمات الغريبة فيقول : « المراد بفلان وفلان : أبو بكر وعمر ، ونعثل هو عثمان » انظر بحار الأنوار(23  : 306 ).
ولقد كشف الأمر وأوضحه بلغة لا تحتمل التأويل الشيخ المجلسي بقوله : « وممّا عدّ من ضروريات دين الإمامية استحلال المتعة ، وحجّ التمتع ، والبراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ».  الاعتقادات للمجلسي ( 90-91 ).
و قال المجلسي عن الخلفاء الراشدين : « إنّهم لم يكونوا إلّا غاصبين جائرين مرتدين عن الدين » . انظر بحار الأنوار (4 : 385) .
وبعد فهذا غيض من فيض من أصحّ الكتب ، وكلام أوثق العلماء لديهم ؛ فيه صريح البراءة من كبار الصحابة ، وتكفيرهم .
غير أنّ الكثير منهم يحاول اليوم عبثا أن يُلبس على العوام ، ويخفي عنهم هذا الأمر الجلل، حتّى لا تنفرّ منهم النفوس المؤمنة ، والفطرة المستقيمة ، مع أنّ كتبهم وأقوال علمائهم شاهدة عليهم لا يستطيعون ردّها أو دفعها ، ولذلك اعترف الكثير منهم بهذه العقيدة ، وجاهر بها.
وكما كفّروا الصحابة إلاّ قليلاً ، فقد كفّروا من بعدهم كذلك ، ففي رجال الكشي (123 ) ، وأصول الكافي(2 : 380 ) : « أرتدّ الناس بعد قتل الحسين إلاّ ثلاثة : أبو خالد الكابلي ، ويحيى أمّ الطويل ، وجبير بن مطعم ».
الحكم على المخالفين وحتّى يتضحّ لك الأمر أكثر ، لابدّ أن تعلم أنّهم يرون كلّ مَن لم يؤمن بالإمامة على منهجهم ومذهبهم فهو كافر ، فقد نصّ صاحب الكافي في رواياته على ذلك ، وإن كان المخالف لهم علوياً فاطمياً . انظر الكافي ( 1 : 372 ـ 374 ).
ومثل ذلك في الفرق الإسلامية المخالفة لهم ، فهم يجعلونهم كلّهم من أهل البدع ، ومن ثَمّ يكفّرونهم ، فقد قال المفيد : « بأنّ كلّ أهل البدع كفّار » كما في مرآة العقول (1 : 72 ـ 73 ) .
وعقد المجلسي باباً بعنوان:  « باب كفر المخالفين والنصاب » بحار الأنوار (72 :131) وقال في أوائل المقالات (ص15) : « لا تجوز الصلاة على المخالف لجبر ، أو تشبيه ، أو اعتزال ، أو خارجية ، أو إنكار إمامة إلاّ للتقية ، فإن فعل» يعني صلّى عليه تقية « لعنه بعد الرابعة ».
وقال في بحار الأنوار (37 : 34) « كتبنا مشحونة بالأخبار الدالة على كفر الزيدية وأمثالهم من الفطحية والواقفة » . فمع تشيّع الزيدية تشيّعاً نسبياً فقد كفّروهم أيضاً ، فكيف بغيرهم؟!
وقال في أوائل المقالات في المذهب والمختارات (ص:45): 6 القول في تسمية جاحدي الإمامة ومنكري ما أوجب الله تعالى للأئمة من فرض الطاعة : « واتفقت الإمامية على أنّ من أنكر إمامة أحد الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار .
وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك ، وأنكروا كفر مَن ذكرناه ، وحكموا لبعضهم بالفسق خاصة ، ولبعضهم بما دون الفسق من العصيان
» .
هذه الفتوى بتكفير الخلفاء وجميع أهل السنّة والجماعة منشورة على موقع السيستاني ـ المواقع التابعة ـ مركز الأبحاث العقائدية ـ المكتبة العقائدية ـ مجموع كلّ كتب المكتبة العقائدية (525) ـ كتاب (كتاب اوائل المقالات في المذهب والمختارات) .
وبهذا تعلم أخي الكريم يقيناً أنّ المذهب قائم على أساس أنّه هو الدين الذي مَن خالفهم فيه ، فهو كافر مرتد لا كرامة له.
وأكبر دليل على ذلك أنّهم طردوا التكفير لكلّ حكومات المسلمين ، وأئمتهم ، وقضاتهم ، وخلفائهم ، وأمصارهم ؛ بدعوى أنّهم غير مؤمنين بالإمامة على منهجهم ومذهبهم فيها .
فإن قلت : وهل نصّوا على ذلك في كتبهم المعتمدة ، وأقرّها علماؤهم المعتبرون؟
قلت لك : نعم . وسأثبت لك ذلك : ففي كتاب الكافي بشرحه للمازندراني (12 : 371 ، وبحار الأنوار (25 : 113 ) : « كلّ راية ترفع قبل راية القائم (رضي الله عنه) صاحبها الطاغوت » .
قال شارح الكافي : « وإن كان رافعها يدعو إلى الحقّ » ، وقد حكم المجلسي في مرآة العقول ( 4 : 378 ) على هذه الرواية بالصحّة .
أمّا الاحتكام إلى قضاة المسلمين فهو تحاكم إلى الطاغوت ، فقد جاء في الكافي عن عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث ، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة ، أيحلّ ذلك؟
قال : « مَن تحاكم إليهم في حقّ أو باطل ؛ فإنّما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً ، وإن كان حقّاً ثابتاً له..» . ( أصول الكافي 1 :67 ).
وعن علماء المسلمين وأئمتهم ، ينقل صاحب بحار الأنوار (2 :216) عن هارون بن خارجة قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنا نأتي هؤلاء المخالفين ، فنسمع منهم الحديث يكون حجّة لنا عليهم؟
قال : « لا تأتهم ، ولا تسمع منهم ، لعنهم الله ، ولعن مللهم المشركة ».
وحاشا أن يقول مثل هذا الكلام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) في علماء المسلمين ومحدّثيهم .
الحكم على عموم الأُمّة : يدلّ على ذلك أيضاً ويوضّحه ويبيِّنه ، تلك النظرة التشاؤمية الموجودة في كتبهم المعتمدة ، لعموم الأُمّة الإسلامية ، والتي وصلت إلى رمي الأُمّة بالفجور والفحش.
فقد روى المجلسي في بحار الأنوار (24 : 311) باب (67) ، والكليني في الروضة رواية رقم(431) : « والله يا أبا حمزة إنّ الناس كلّهم أولاد بغايا ما خلا الشيعة ».
وروى العياشي في تفسيره (2 : 234) ، والبحراني في تفسير البرهان (2 : 300) : « ما من مولود يولد إلاّ وإبليس من الأبالسة بحضرته ، فإن علم أنّه من شيعتنا حجبه عن ذلك الشيطان ، وإن لم يكن من شيعتنا أثبت الشيطان أصبعه السبابة في دبره ، فكان مأبوناً ، وذلك أنّ الذكر يخرج للوجه ، فإن كانت امرأة أثبت في فرجها فكانت فاجرة».
فأنت ترى ـ أخي الكريم ـ أنّ هذه النصوص لم تدع أحداً من أُمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلاّ وتناولته بالطعن والتكفير ، ولا يستطيع المنصف أبداً إنكارها أو تأويلها.
وهذا ممّا يوجب على الغيورين من أبناء المذهب البحث في حقيقة هذه الكتب المنسوبة إليهم ، وحقيقة هؤلاء الرواة الذين نقلوا المذهب بمثل هذا الشذوذ والمخالفة لجميع الأُمّة ، وعن السرّ الكامن وراء اختلاق تلك الروايات ، ونسبتها إلى علماء آل البيت ، حتّى تتابع عليها كثير من أهل الغفلة بلا  تمحيص وتدقيق ، فوقعوا في مستنقعها الأثيم الذي أورث الفرقة والاختلاف والطعن والتكفير . ولا حول ولا قوة إلاّ بالله!
المراجــع :
1 ـ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ، لمحمّد باقر  المجلسي ، إحياء التراث العربي ، بيروت ، الطبعة الثانية(1403هـ) .
2 ـ المعالم الزلفى في بيان أحوال النشأة الأولى والأُخرى ، هاشم بن سليمان البحراني ، ط: إيران (1288هـ) .
3 ـ أصول الكافي .
4 ـ تفسير القمّي ، علي بن إبراهيم القمّي ، تصحيح وتعليق : طيب الموسوي الجزائري ، ط: الثانية ، بيروت (1387هـ) .
5 ـ الاعتقادات للمجلسي ، مطبوع في حاشية الاعتقادات للصدوق .
6 ـ رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال) الاختيار : لمحمّد بن الحسن الطوسي ، والأصل :حمد بن عمر الكشي ، تصحيح وتعليق حسن المصطفوي ط : طهران .
7 ـ مرآة العقول : محمّد باقر المجلس ، ط: إيران (1325هـ) .
8 ـ أوائل المقالات في المذاهب المختارات ، محمّد بن محمّد العكبري الملّقب بالمفيد ، مكتبة الداوري ، قم ـ إيران .
9 ـ تفسير العيّاشي ، محمّد بن مسعود العيّاشي ، تصحيح وتعليق : هاشم الرسولي المحلاتي ، المكتبة العلمية ، طهران.
هذا سؤال أحد السنّة ، وأتمنّى أن أجد أليكم أجوبة مدعومة بالتأكيدات من كتبهم وكتبنا ، بارك الله فيكم  ، أرجو الردّ بسرعة ، شكراً لكم لاتاحة هذه الفرصة ،  ألف شكر.

الجواب : من سماحة السيّد جعفر علم الهدى
خلاصة الجواب : 
عن هذه الأباطيل هو أنّ الكفر له معانٍ كثيرة وردت في القرآن الكريم:
منها : الكفر في مقابل الإسلام .
ومنها : الكفر في مقابل الإيمان ، ويسمّى بكفر الطاعة ، فكلّ مَن يرتكب المعصية يُعدّ كافراً من حيث الطاعة .
ومنها : الكفر في مقابل الشكر ، فكلّ مَن لا يشكر نعم الله يجوز توصيفه بالكفر كما قال تعالى : {  إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا  } {الإنسان/3} .
والإمامية : متفقون على أنّ كلّ مَن تشهّد الشهادتين ، وآمن بالمعاد ، ولم ينكر ضرورياً من ضروريات الدين كالصلاة والصوم والحجّ والزكاة ، فهو محكوم بالإسلام ، ويجري عليه جميع أحكام الإسلام من طهارة البدن ، وجواز التناكح معه ، واستحقاقه للإرث ، واحترام العرض والمال والنفس ، ووجوب تجهيزه وغسله والصلاة عليه ودفنه ، وغير ذلك من الأحكام.
وليس هناك عالم من علماء الشيعة وفقاؤهم مَن يحكم بكفر بعض الصحابة أو بكفر المخالف لهم بهذا المعنى .
والروايات ـ على تقدير صحّتها ـ ناظرة إلى الارتداد والكفر بالمعنى الثاني أو الثالث ؛ وذلك لصدور المعاصي والظلم والموبقات منهم .
والعجيب أّنّ السائل ينسى ما يذكره علماؤهم ومحدّثوهم في صحاهم بالنسبة للصحابة ، وينسبون ذلك إلى علماء الشيعة ، مع أنّهم لا ذنب لهم إلاّ أنّهم نقلوا ما في صحاح العامّة .
ففي صحيح البخاري في كتاب الرقاق في باب الحوض (ج 7 : ص 206 ـ 207) روى بسنده عن عبد الله عن النبيّ (ص) قال : « أنا فرطكم على الحوض ، وليرفعن رجال منكم ، ثمّ ليختلجنّ دوني ، فأقول : ياربّ أصحابي . فيقال : أنّك لا تدري ما أحدوثوا بعدك ».
ثمّ روي بسنده عن حذيفة عن النبيّ (ص) ثمّ عن أبي هريرة عن النبيّ (ص) بهذا اللفظ : إنّ رسول الله (ص) قال : « يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي ، فيخلّون عن الحوض . فأقول : ياربّ أصحابي . فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ...».
وروى مسلم في صحيحه بطرق متدّدة عن عبد الله ، وعن حذيفة قال رسول الله (ص) : « أنا فرطكم على الحوض ، ولأنازعنّ أقواماً ، ثمّ لأغلبنّ عليهم ، فأقول : ياربّ أصحابي أصحابي . فيقال : أنّك لا تدري ما أحدوثوا بعدك ».
أقول : اُنظر إلى قوله « ولأنازعنّ أقواماً ». والأقوام جمع القوم ، والقوم لا يطلق إلاّ على جماعة كثيرة ، فهؤلاء الجماعات من الصحابة أحدثوا بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وسوف يمنعون من الحوض .
وفي صحيح البخاري كتاب الرقاق باب الحوض بسنده عن ابن عبّاس قال رسول الله (ص) : « تحشرون عراة عزلاً ، ثمّ قرأ : { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } {الأنبياء/104} . فأوّل مَن يكسى إبراهيم ، ثمّ يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال . فأقول : أصحابي . فيقال : إنّهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم . فأقول : كما قال العبد الصالح : { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } {المائدة/117} ».
وفي صحيح البخاري (ج5 : ص191) كتاب التفسير ، باب : { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } {المائدة/117}  . نظير هذا الحديث .
فتكفير بعض الصحابة أو معظمهم ، والحكم بارتدادهم صدر من النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، ونطقت بذلك الصحاح المعتبرة عند أهل السنّة ، فما ذنب الشيعة أن اعتمدوا على مثل هذه الأحاديث الظاهرة في خروجهم عن الإسلام بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله)  ، لكن الشيعة حملوا أمثال هذه الروايات على أنّ المراد أنّهم أرتدوا عن الإيمان ؛ لارتكابهم المعاصي والموبقات ، لا أنّهم خرجوا عن الإسلام بحيث يحكم بنجاستهم .
ثمّ أنّ الصحابة كانوا كثيرين جدّاً حتّى ذكر بعضهم أنّ عدد الصحابة أكثر من مائة ألف صحابي ، وأكثر هؤلاء كانوا مؤمنين ملتزمين ، ولم يحدثوا ، ولم يبدّلوا  ، ولم يرتدوا ، والشيعة تقدّس وتعظّم وتحترم هؤلاء ، وتعترف وتذعن بحقّهم العظيم على الإسلام والمسلمين ، فهم السلف الصالح الذين يقتدى بهم الشيعة .
والذي يهتّم الشيعة بأنّهم يكفّرون الصحابة أو يحكمون بفسقهم يكون كاذباً مخادعاً ، يريد إيقاع الفتنة والفساد والتفرقة في المجتمع الإسلامي ، ويمهّد الطريق للكفّار لكي يتسلّطوا على رقاب المسلمين ، وكيف يكفّر الشيعة الصحابة وفيهم أمير المؤمنين ، وسيّد الموحدين ، وإمام المتقين ، علي ابن أبي طالب (عليه السلام) ، والحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة (عليهما السلام) ، وفيهم أسد الله وسد رسوله حمزة بن عبد المطّلب ، وجعفر الطيّار ، ومصعب بن عمير ، وزيد بن حارثة ، وحنظلة غسيل الملائكة ، وغيرهم ممّن استشهد في سبيل الله .
ولعلّ : هذا القائل لا يرى سلمان ، والمقداد ، وعمّار بن ياسر ، وأبا ذرّ ،  وخزيمة بن ثابت ، وابن التيهان ، وسعد بن عبادة ، وقيس بن سعد ، وأبا أيّوب الأنصاري ، وأبا سعيد الخدري ، وأبا سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله ، وأُبيّ بن كعب ، خبّاب بن الأرثّ ،  وأبا دُجانة ، وسعد بن معاذ ، والعبّاس ، وعبد الله بن العبّاس ، وعبد الله بن مسعود ، وحجر بن عدي ، وعمرو بن الحمق ، وسهل بن حنيف ، وأمثالهم من صحابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) .
وقد ذكرنا أنّ عدد الصحابة كانوا يفوق المائة ألف صحابي ، والشيعة تقدّس أكثرهم ، وإنّما تتبرء من الظالمين والغاصبين والذين آذوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في عترته ، والذين بدّلوا وغيّروا .
وإليك الروايات وفتاوى علماء الشيعة قديماً وحديثاً في معنى الكافر والمسلم :
1 ـ روى سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قلت له : أخبرني عن الإسلام والإيمان ، أهما مختلفان ؟
قال (عليه السلام) : « إنّ الإيمان يشارك الإسلام ، والإسلام لا يشارك الإيمان ».
فقلت : فصفها لي ؟
فقال : « الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله ، والتصديق برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح المواريث ، وعلى ظاهره جماعة من الناس ، والإيمان الهدى ، وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام ، وما ظهر من العمل به ، والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة ... ». (الكافي 2 : 25).
أقول : ويشير إلى هذا الفرق قوله تعالى : { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا } {الحجرات/14} .
2 ـ في الكافي عن الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث : « والإسلام ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث ، وجاز النكاح ، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والحجّ والصوم ، فخرجوا بذلك عن الكفر ، وأُضيفوا إلى الإيمان ».
3 ـ في حديث عن الصادق (عليه السلام) ، رواه الكافي عن عبد الرحيم القصير قال كتبت مع عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أسأله عن الإيمان ما هو؟
فكتب إليّ مع عبد الملك بن أعين : « سألت ـ رحمك الله ـ عن الإيمان ، والإيمان هو الإقرار باللسان ، وعقد في القلب ، وعمل بالأركان ، والإيمان بعضه من بعض ، وهو دار ، وكذلك الإسلام دار ، والكفر دار ، فقد يكون العبد مسلماً قبل أن يكون مؤمناً ، ولا يكون يكون مؤمناً حتّى يكون مسلماً ، فالإسلام قبل الإيمان ، وهو يشارك الإيمان ، فإذا أتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي ، أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عزّوجلّ عنها كان خارجاً من الإيمان ، ساقطاً عنه اسم الإيمان ، ثابتاً عليه اسم الإسلام ، فإن تاب واستغفر عاد إلى الإيمان ، ولا يخرجه إلى الكفر إلاّ الجحود والاستحلال أن يقول : للحلال هذا حرام ، وللحرام هذا حلال ، ودان بذلك ، فعندها يكون خارجاً عن الإسلام والإيمان ، داخلاً في الكفر ».
4 ـ أبواب مقدمة العبادات من كتاب وسائل الشيعة روى زراة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : « لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا ، لم يكفروا ».
5 ـ  روى محمّد بن مسلم قال كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)  جالساً عن يساره ، وزرارة عن يمينه ، فدخل أبو بصير فقال يا أبا عبد الله : ما تقول فيمن شكّ في الله ؟
فقال : « كافر ، يا أبا محمّد ».
قال : فشكّ في رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟
فقال : « كافر ».
ثمّ التفت إلى زرارة فقال : « إنّما يكفر إذا جحد ».
6 ـ رواية سفيان بن السمط سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الإسلام والإيمان ما الفرق بينهما؟ إلى أن قال (عليه السلام) : فقال : « الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحجّ البيت ، وصيام شهر رمضان ، فهذا الإسلام » .
وقال (عليه السلام) : « الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا ، فإن أقرّ بها  ، ولم يعرف هذا الأمر كان مسلماً ، وكان ضالاً ». (الوافي باب الأوّل من أبواب تفسير الإيمان والكفر).  
وبقرينة هذه الروايات نحمل كلّ رواية أو نصّ من العلماء تشمل على كفر المخالف على أنّ المراد هو الكفر في مقابل الإيمان ، فإنّ الروايات تفسّر بعضها البعض الآخر ، ولابدّ من الرجوع في مجملاتها ومتشابهاتها إلى المحكمات والنصوص .
نعم لوكان المخالف جاحداً للضروري من الأحكام الإلهية ، ومنكراً لما ثبت عنده بالدليل القطعي أّنّه حكم الله يكون كافراً ، ويخرج بذلك عن الإسلام ، لكن عموم المخالفين لا يجحدون الحقّ ، وإنّما أُخفي عنهم الحقّ ، ولو عرفوه لأذعنوا به.
ملاحظة مهمّة : إنّ مَن يحكم على فرقة أو طائفة بأنّ عقيدتهم كذا وكذا ، فلابدّ أن يستند ذلك إلى إجماع علمائهم ، أو على الأقلّ إلى المشهور بينهم ، فلو أراد أن ينسب إلى الشافعية مثلاً : أنّهم قائلون بالجبر ، فليس من الصحيح أن يفحص عن عالم من علمائهم يقول بذلك ، ثمّ ينسب هذا القول إلى مذهبهم ، بل لو كان إجماعهم أو شهرتهم على ذلك الشخص خاصّ أو الأشخاص .
فنسبة القول بتكفير أهل السنّة وبعض فرق الشيعة ليست صحيحة لمجرّد الاستناد إلى أقوال بعض العلماء أو بعض الروايات حتّى لو كان المراد بذلك الكفر الحقيقي مع أنّه ليس مرادهم ذلك ، بل مرادهم ـ كما ذكرنا ـ الكفر مقابل للإيمان الذي يجتمع مع الإسلام ، ويجري عليه جميع أحكام الإسلام .
فإنّ الروايات المعتبرة الصحيحة صرحت بأنّ الكافر إنّما هو مَن ينكر الشهادتين والمعاد ، أو يجحد حكماً من الأحكام الإلهية بعد ثبوته بالأدلّة القطعية ، وهكذا فتوى الأصحاب على ذلك ، فراجع الكتب الفقهية لعلماء الشيعة.

بعض التعليقات
أمّا ما ذكر السائل حول لقب عثمان :  فأوّل مَن لقّب عثمان بنعثل هي عائشة حيث قالت : « اقتلوا نعثلاً ، قتله الله ».
فحكمت بكفره حيث شبّهته بنعثل اليهودي ، وحكمت بوجوب قتله .
وليقل قائل بعد ذلك : « إنّ الشيعة يكفّرون الصحابة ». فإنّهم اتبعوا في ذلك أُمهم عائشة ، لكنّهم لا يحكمون بوجوب قتل الصحابي ، ولا بكفره مقابل الإسلام .
أمّا ما ذكر السائل بعد ارتداد الناس بعد الإمام الحسين (عليه السلام) :
قلنا : المراد من الارتداد الرجوع عن الإيمان ، لا عن الإسلام ؛ فإنّ الناس بعد الحسين (عليه السّلام) أنكروا حقّ أهل البيت (عليهم السّلام) ، وخرجوا من طاعة الله تعالى معصيته ، فيصدق الارتداد ، لكن ذكرنا مراراً وكراراً أنّ المسلم عند الشيعة هو مَن يتشهّد الشهادتين ، ويؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر ، ومثل هذا يجري عليه جميع أحكام الإسلام .
أمّا ما ذكر السائل من كلام الشيخ المفيد (رحمه الله) حول منكري الإمامة :
لأنّه يؤّدي إلى تكذيب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، وعبارة المفيد فيها لفظ إنكار والجحود ، ومعناه : أن يعلم بأنّ الله تعالى فرض طاعة الأئمة ، وأوجب ولايتهم ، ولكّنه مع ذلك يجحد وينكر ذلك ، وهذا في الحقيقة ردّ  لله ورسوله ، ويكون فاعله كافراً مستحقاً للخلود في النار . قال الله تعالى : { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ } {النمل/14}.
أمّا ما ذكر السائل من أنّ هذا المذهب قائم على أساس مَن خالفهم فهو كافر:
وهذا مخالف لقوله تعالى : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } {آل عمران/85}.
أمّا ما ذكر السائل الرواية القائلة : « كلّ راية ترفع قبل راية القائم (رضي الله عنه) صاحبها الطاغوت » .
الطاغوت مأخوذ من الطغيان ، والمراد أنّ صاحب الراية حاكم جائر ، قد تمادى في الغي والطغيان ، ولا ربط لذلك بالكفر .
وكذا الرواية الواردة : « مَن تحاكم إليهم في حقّ أو باطل ؛ فإنّما تحاكم إلى الطاغوت ، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً ، وإن كان حقّاً ثابتاً له..» .
قد ذكرنا معنى الطاغوت ، وأنّه وضع للمبالغة في الطغيان ، ولا ربط له بالكفر.
أمّا ما ذكر السائل من قول الصادق (عليه السلام) : لبعض المخالفين : « لا تأتهم ، ولا تسمع منهم ، لعنهم الله ، ولعن مللهم المشركة ».
لم يكونوا هؤلاء علماء المسلمين ، بل كانوا وعّاظ السلاطين الذين كانوا يختلقون الروايات ، ويضعونها حسب أهواء ملوكهم .
وهذا كتب الشيعة مليئة بالروايات التي يرويها علماء أهل السنّة في جميع الحالات ، بل بعض الرواة الموقوقين هم من أبناء العامّة ، وقد أكثر العلماء من الرواية عنهم مثل السكوني إسماعيل بن زياد ، وحفص بن غياث وأمثالهم .