موقف الإمام عليّ عليه السلام من حروب الردّة ؟

طباعة

السؤال :

أرجو أن توضّحوا لي موقف مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام من ما يسمّى في التاريخ حروب الردّة ؟ وما هو موقفه أيضاً من حروب الفتوحات الإسلاميّة ؟ وأيّ المصادر التاريخيّة يمكن الرجوع بالقراءة إليها لفهم تلك المرحلة بشكل واضح ؟

الجواب :

يظهر بعد التحقيق الدقيق أنّ حروب الردّة غالباً كانت حروب ضد المسلمين المخلصين الذين امتنعوا من قبول الخلفاء الغاصبين ؛ لأنّهم سمعوا تصريحات النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بخلافة عليّ عليه السّلام ، وقد بايعوه على الخلافة في غدير خمّ ، فلمّا سمعوا بغصب الخلافة أعلنوا سخطهم ، وعدم قبولهم للحكومة الغاصبة ، وامتنعوا من أداء الزكاة ، فاتّهمتهم السلطات الغاصبة بالإرتداد ، وأرسلوا الجيوش لمحاربتهم ، وإجبارهم على قبول خلافتهم.

مضافاً : إلى أنّ الغاصبين كانوا يستفيدون من هذه الحروب فائدة أُخرى ، وهي إبعاد الصحابة ، خصوصاً الناقمين منهم من المدينة ليخلوا لهم الجوّ السياسي ، ويستحكموا أركان حكمهم الغاصب حيث إنّه بعد أخذ البيعة من الصحابة طوعاً أو كرهاً ارتفعت أصوات المعارضين ، وأعلنوا عن مخالفتهم ، وصاروا يميلون إلى الخليفة الشرعي الذي نصبه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في غدير خمّ ، وكان كلّ يوم يأتيهم بعض الصحابة و يعترض عليهم ، ويحتجّ بحديث الغدير وأمثاله ، فرأوا إنّ خير طريقة لدفع المعارضة هو إرسالهم إلى ميادين القتال بعنوان حروب الردّة ، أو بعنوان الجهاد.

وأمّا أمير المؤمنين عليه السّلام فقد كان جليس بيته ، ولا يتدخّل في شؤونهم ، نعم كان يعظهم وينصحهم ويذكّرهم بفضائله ومناقبه ، وتصريحات النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بشأن إمامته و خلافته ، وكان يحتجّ عليهم بالأدلّة الدامغة لكي يثبت للعالم إنّه إنّما صبر عن مطالبة حقّه ولم يقاتلهم ـ و كان يمكنه القضاء عليهم لوحده ـ حرصاً على مصير الإسلام ، وحفظاً لكيان الإسلام ؛ إذ لو قاتلهم وقضى عليهم لم يبق من المسلمين إلّا نفر يسير ، يموت الإسلام بموتهم ، ولذلك ورد في روايات عن الأئمّة المعصومين عليهم السّلام إنّ عليّاً عليه السّلام إنّما ترك قتالهم بسبب آية في كتاب الله ، وهي قوله تعالى : لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُ‌وا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) [ فتح :25 ] ، فقد كانت ودائع مؤمنين في أصلاب القوم ، ترك عليّ عليه السّلام قتالهم وقتلهم ؛ لأجل تلك الودائع .

نعم الإمام عليه السّلام كان حريصاً على حفظ مصالح المسلمين ، فحينما كان الخلفاء يشاورونه في القضايا السياسيّة ، أو يسألونه عن الأحكام الإلهيّة ، والمعارف الحقّة كان يبيّن لهم كلّ ما يحتاجون إليه ، وكان يرشدهم إلى الصواب حتّى قال عمر بن الخطّاب : « لو لا عليّ لهلك عمر »  أو « لا جعلني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن » ، وليس ذلك لأجل قبوله خلافتهم ، بل لحرصه على كيان الإسلام ، ومصالح المسلمين ، ولذا نراه كثيراً ما يخطط لهم ويرشدهم في الخفاء ، فكانوا يعملون بإرشاداته ، ويظهرون للناس أنّ ذلك من تدابيرهم وسياستهم ، وكان الإمام لا يهتم بذلك ؛ لأنّ غرضه كان خدمة الإسلام والمسلمين.

ويشهد لما ذكرناه ما رواه جابر الجعفي عن الباقر عليه السّلام أنّه أتى يهودي أمير المؤمنين عليه السّلام) في منصرفه عن وقعة نهروان ، فسأله عن المواطن السبعة التي يمتحن الله به أنبيائه وأوليائه ؟ فقال عليه السّلام في كلامه : « وأمّا الرابعة : فإنّ القائم بعد صاحبه ـ يعني عمر بعد أبي بكر ـ كان يشاورني في موارد الأمور ومصادرها ، فيصدرها عن أمري ، ويناظرني في غوامضها ، فيمضيها عن رأيي ، لا يعلمه أحد ، ولا يعلمه أصحابي ، ولا يناظرني غيره ... ».