لماذا لم يصرح القرآن الكريم في إمامة الامام علي عليه السلام باسمه ؟

طباعة

السؤال :

لماذا لم يصرح القرآن الكريم في إمامة الأئمّة عليهم السلام ، خصوصاً إمامة الامام علي عليه السلام باسمه ؟

الجواب :

أسلوب القرآن الكريم مقرّر على أساس الهداية والإرشاد بنحو العموم لكي يستفيد منه جميع المسلمين في جميع الأعصار ، وبما أنّ الله تعالى عالم ومحيط بجميع ما يحدث في الكون ، ومطلع على جميع مضمرات القلوب ، فلو كان يصرح بإمامة علي عليه السلام والأئمّة عليهم السلام لارتدّ كثير من المسلمين وكفروا بالله العظيم وبالقرآن الكريم. وذلك لوجود حقد دفين في قلوبهم بالنسبة لعلي بن أبي طالب عليه السلام ، حيث أنّه قتل آباءهم وإخوانهم وأولادهم وأبناء عشيرتهم في الحروب ، وكانوا لا يتحمّلون بيان فضائل علي عليه السلام ومقاماته ومناقبه. ولأجل ذلك تمكّن الخلفاء الثلاثة من غصب الخلافة ، واستفادوا من انحراف الناس عن علي عليه السلام مع تصريح النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم بإمامته وأخذه البيعة منهم لعلي عليه السلام.

ولنعم ما قالت الزهراء عليها السلام في خطبتها : « وما الذي نقموا من أبي الحسن عليه السلام ؟ نقموا والله منه ، نكير سيفه ، وقلّة مبالاته لحتفه وشدّة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمّره في ذات الله » (1).

هذا من جهة ، ومن جهة أخرى القرآن الكريم يقول : ( نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (2) ، فلو كان في القرآن الكريم تصريح بخلافة علي عليه السلام وإمامته لكان منحرفون عنه يسقطون الآيات التي فيها هذ التصريح ، ولحصل التحريف والتغيير في القرآن الكريم.

فالله تعالى صوناً للقرآن من الحذف والتحريف والنقصان لم يصرح باسم علي عليه السلام ، وانّما اكتفى بذكره بالأوصاف والأفعال والكنايات ، كقوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (3). وقد تواترت الروايات أنّها نزلت في علي بن أبي طالب (4).

ويوجد في القرآن الكريم ثلاثمائة آية ذكر فيها علي وأهل البيت عليهم السلام ، ولذا ألّف علماء أهل السنّة كتباً في الآيات النازلة بحقّ علي عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام ، مثل كتاب « ما نزل في علي من القرآن » لأبي نعيم الاصفهاني ، وكتاب « شواهد التنزيل » للحسكاني الشافعي ، وغيرهما.

بل يظهر من بعض روايات أهل السنّة أنفسهم انّ الله تعالى ذكر صريحاً خلافة علي عليه السلام وولايته في القرآن الكريم.

فقد روى السيوطي ـ وهو من أعاظم أهل السنّة ـ في تفسيره « الدرّ المنثور » في ذيل قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) أن عليّاً مولى المؤمنين ، ( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ). (5)

فعلى أساس ما رواه السيوطي وبادّعائه سقط من القرآن الذي بأيدينا هذه الجملة « أنّ عليّاً مولى المؤمنين ».

فانظر إلى أهل السنّة حيث يعترفون بوقوع النقيصة والتحريف في القرآن الكريم ، ويعترفون بأنّ ولاية علي عليه السلام قد صرّح بها القرآن الكريم ، ثمّ يتحاملون على الشيعة بأنّهم يقولون بالتحريف في القرآن الكريم ، مع أنّ علماء الشيعة يقولون بأن القرآن الكريم لم يحدث فيه تحريف بالزيادة ولا بالنقصان ، ويحملون أمثال هذه الروايات على انّ النقصان والتغيير انّما حصل في تفسير الآيات والروايات الدالّة على شأن النزول ومعاني ألفاظ القرآن لا في نفس الآيات.

الهوامش

1. الاحتجاج « للطبرسي » / المجلّد : 1 / الصفحة : 288 / الناشر : انتشارات أسوه.

بحار الأنوار « للمجلسي » / المجلّد : 43 / الصفحة : 16 / الناشر : مؤسسة الوفاء ـ بيروت / الطبعة : 2

2. الحجر : 9.

3. المائدة : 55.

4. راجع : كنز العمال « للمتقي الهندي » / المجلّد : 13 / الصفحة : 108 و 165 / الناشر : مؤسسة الرسالة / الطبعة : 5.

راجع : مجمع الزوائد « للهيثمي » / المجلّد : 7 / الصفحة : 16 ـ 17 / الناشر : دار الكتاب العربي ـ بيروت / الطبعة : 3.

راجع : التفسير الكبير « للفخر الرازي » / المجلّد : 12 / الصفحة : 25 ـ 31 / الطبعة : 3.

راجع : الكشاف « للزمخشري » / المجلّد : 1 / الصفحة : 624 / الناشر : دار المعرفة ـ بيروت.

5. راجع : الدر المنثور في التفسير بالمأثور « للسيوطي » / المجلّد : 5 / الصفحة : 383 / الناشر : مركز هجر للبحوث والدراسات العربية والإسلامية ـ قاهرة.