لو كان هذا الكون مخلوق لعلّةٍ متّصفة بالحكمة ، فلماذا نشاهد بعض مظاهر الفوضى ؟

طباعة

السؤال :

إذا كان الأمر كما يعتقده الإلهيّون من أنّ هذا الكون ونظامه مخلوقين لعلّةٍ عليا متّصفة بالعلم والقدرة والحكمة ، فلماذا نشاهد بعض مظاهر الفوضى والعبث في بعض المظاهر الكونيّة ؟

ومن أمثلة ذلك :

1 : ما اكتشفه علماء الأحياء من حيوانات ذات عيون لا تبصر ، فما فائدة عيون بلا أبصار ، وما فائدة اللوزتين عند الإنسان ، وما فائدة ثديّ الرجل ، لو كانت هناك غاية وقصد لما وجدت هذه الزوائد ؟

2 : إنّ هناك ملايين الكواكب والنجوم السابحة في الفضاء مع كونها غير ماديّة ، لأيّ عنصر يتّصل بالإنسان ويعود عليه بالفائدة ؟

الجواب :

من الجدير والأجمل والأولى والأفضل للأخت المؤمنة بل لكلّ مسلم ومسلمة أن يسأل ويبحث عمّا يجب عليه معرفته ، ويفرض عليه عمله ، ويُسأل غداً عنه ويؤاخذ عليه ، ولا يُعذر إن جهله أو تركه ، ويفحص عمّا يُسعده وينجيه ، ويستفسر عمّا يهلكه ويخزيه ، وبالأخير عما يقنيه ، ولا يضيع عمره الثمين في ما لا يفنيه ، وإن كان السائل من ذوي الخبرة والاختصاص ، ومهنته الاكتشاف والاختبار ، والتعرّف على خاصّة الأشياء والآثار ، ولم تقنعه الملايين من دلائل الحكمة وكمال القدرة ، ونهاية الدقّة وعجيب الصنعة ، ودقيق الفطنة في خلقة جسم الإنسان فقط ، وفي كلّ عضو وجزء منه ، وبقى بحاجة في إيمانه إلى معرفة فائدة اللوزتين وثدي الرجل ، وعجز عن اكتشاف الفائدة فيهما ، فليعترف بعجزه وقصور فهمه ويواعد نفسه بالمعرفة في غيره في المستقبل القريب غير البعيد ، وليعلم يزداد الإنسان يوماً بعد يوم بصيرة وخبراً وإحاطة وعلماً ، ويتجلّى له بعض الحكمه وجزءاً من الحقيقة شيئاً فشيء ليتذكّر قول من ملايين الأقوال ، المعترِف بنقصان المعرفة ، وقصور العلم ، وعدم الإحاطة بالحكمة والدقّة حتّى في أصغر الأشياء وأحقرها ، لأحد العلماء وهو كوريس موريس في كتاب « سرّ الخلقة » حول كيفيّة عمل جهاز الهضم فقط : « لقد كتبت لحدّ الآن الآف الكتب ، ولكن الاكتشافات الجديدة في كلّ سنة يجعل الموضوع جديداً وحديثاً دائماً » ، وعليه أن يستكفي بالآيات المحكمات ، ولا يدور حول المتشابهات لكي تنطبق عليه الآية ويكون من ( الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ ) [ آل عمران : 7 ].

وعلى فرض المحال لو لم يكن فيهما فائدة إلّا هذه الفتنة والإمتحان لكفى فائدة وأثراً ، ويحقّ لي أن اُخبرها باشتباهها في ما نقلت ، فالاكتشاف أثبت لعيون الحيوانات الأبصار حتّى هذا الحين وإلى هذا اليوم ، وقال الحكيم في كتابه الكريم : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) [ الأنعام : 97 ] ، وقال : ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ) [ الملك : 5 ]. مكتشف الملايين من الكواكب والنجوم أن اكتشف أنّها مخلوقة فقط لنا ، وتنحصر فائدتها وتكون آثارها فقط عائدة إلينا يكشف سائر آثارها وإلّا ترجع فوائدها لما خلقت لأجلها ، وكفى لوجودها ونظم سيرها دليلاً على قدرة خالقها ومبدعها ، وما علمنا من آثرها لنا تكون كافية لحكمة المدبّر لها ومنشءها.