ما هي تفسير لا يشترطُ عطاءُ الحقِّ بقابليّةِ المُعطَى له » ؟

طباعة

السؤال :

قرأت في الأربعين حديثاً للإمام الخميني رحمه الله تعالى في دعائه الأخير في خاتمة كتابه ما نصّه : « لا يشترطُ عطاءُ الحقِّ بقابليّةِ المُعطَى له ».

وفي تفسير الميزان في الجزء الخامس الصفحة 13 ما نصّه : « ... بيّن تعالى أن إمساك الجود عمّا أمسك عنه أو الزيادة والنقيصة في إفاضة رحمته إنما يتَّبِعُ أو يوافق مقدار ما يسعه ظرفه ». واستشهد بآيتين ، منها : قوله تعالى : ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) [ الحجر : 21 ].

وعقّبَ بعدها بقوله ما نصّه : « فهو تعالى إنّما يعطي على قدر ما يستحقّه الشيء ، وعلى ما يعلم من حاله ».

أليست الفكرتان متزاحمتان ؟

الجواب :

هناك مذهبان في القابليّات الذاتيّة لماهيّات المخلوقات.

الأوّل : وهو الذي أشار إليه في الميزان من القابليّات ذاتيّة ذات قدر محدّد ، وإلى ذلك قيل : الإشارة هي في قوله تعالى : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) [ القمر : 49 ].

وقوله : ( أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ) [ الرعد : 17 ].

وقوله تعالى : ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ ) [ الأعلى : 1 ـ 3 ].

وقوله تعالى : ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) [ الحجر : 21 ].

وقوله صلّى الله عليه وآله : « الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة ».

وكذلك أخبار الطينة المرويّة عنهم عليهم السلام ، واشتهر بين الفلاسفة : « لم يجعل الله المشمش مشمشاً ، وإنّما أوجده ».

وأن الجعل بين الشيء وذاتيّاته ممتنع لضرورة التلازم ، وإنّما الخلق يتعلّق بإيجاد الشيء فتنوجد لوازمه بالتبع ضرورة.

الثاني : أنّ تلك القابليّات والماهيّات حيث كانت غير أصيلة في الحقيقة الخارجيّة إلّا بتبع الوجود ، فتلك القابليّات تابعة لمجعوليّة الوجود المخلوق في الممكنات.

والصحيح : أنّ كلا من القولين صواب من جهة دون اُخرى ؛ وذلك لأنّ الماهيّات الذوات حيث كانت تبعاً للوجود والفيض الإلهي ، فلا يتصوّر تأثيرها في ما هو أصل لها ، وهي فرع له ، بل هي تنوجد بتبع له ، فمن ثمّ يصحّ أن يقال : أنّه تعالى يعطي الوجود ، ويعطي القابليّة أيضاً ؛ لأنّه بإعطاءه للوجود أعطى الذات والماهيّة بالتبع. فلكلّ مرتبة من الوجود الإمكاني حدّ وحدود وماهيّة ، نعم مع التحفّظ على الماهيّة والقابليّة لا يمكن فرض وجود فيض فوق ذلك الحدّ والقابليّة ، فمع كون رأس الإبرة الذي نفسه رأس الابرة لا يلج الجمل في ثقبه ، في سمّ الخياط.

نظير قول السائل للصادق عليه السلام هل يستطيع ربّك أن يجعل الدنيا في بيضة ؟! فأجاب عليه السلام : « إنّ الله لا يوصف بعجز ولكن ما تطلب لا يكون ». أيّ أنّه مع حفظ على حجم وماهيّة البيضة ، فلا تكون قابليّتها غير محدودة للعطاء والجود الإلهي ، إذ مع ثبات الماهيّة والذات لا يكون العطاء الإلهي إلّا بقدر تلك الذات والقابليّة ، وأمّا مع عدم ثبات وبقاء الماهيّة على حالها وتبدلها من ماهيّة إلى أخرى ، فلا يكون هناك حدّاً ولا قدراً خاصاً للفيض بل الماهيّة تابعة ؛ فبهذا اللحاظ يصحّ القول بأنّه تعالى معطي الكمال والقابليّة معاً.